لكنه أصبح يهيم في ممرات المكتب الآن على أمل أن يلتقيه صدفة في طريقه إلى المنزل وأن يعرض عليه عدنان إيصاله معه. لم نعرف قطّ سبب تدهور العلاقة بينهما، لكن ما عرفناه حق المعرفة أن ذلك الانفصال كان سيئاً لهما وللشركة. وأصبحت علاقتهما رسمية جداً، إذ أُعيد تنظيم التسلسل الإداري تحت ستار عملية إعادة الهيكلة، إلى أن ترك يوسف العمل في الشركة في النهاية، ما جعل عدنان يشعر ببعض الارتياح.
أدركت بعد التفكير في ذلك الموقف مدى تعقيد الصداقة بين المدير والموظف، وكنت محظوظة بالفعل لأن علاقتي مع جميع مدرائي كانت رائعة، على الرغم من أنها لم تنتقل إلى مستوى الصداقة. لكن هل من الحكمة أن تبني صداقة مع مدير لديه القدرة على تسريحك أو رفض طلب العلاوة الذي قدمته أو جعلك بائساً في العمل عموماً؟
هناك امتيازات إضافية لتكوين صداقة مع المدير بالطبع، وعلى الرغم من أننا نحب العمل في بيئة قائمة على المساواة والعدل بالفعل، فإنه عندما يعتبرك مديرك صديقه فستكون المؤتمن على أسراره، أو ستحظى طلباتك للحصول على إجازة أو لزيادة مرونة جدول عملك بالقبول، والأهم من ذلك أنه سيختارك للإشراف على المشاريع والمهام ذات الأولوية العالية؛ فمن طبيعتنا بصفتنا بشراً أن نعامل الأشخاص الذين نحبهم أفضل من معاملتنا الأشخاص الذين لا نحبهم. تقول أستاذة الإدارة في كلية إي دي آتش إي سي للأعمال (EDHEC Business School) في فرنسا، مونيك فالكور: "إذا كنت مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بشخص يعمل ضمن مستويات الإدارة العليا في المؤسسة، فقد يكون قادراً على ترقيتك ونشر سمعة حسنة عنك أو تزويدك بإمكانية الوصول إلى المعلومات المفيدة لك".
كيف إذاً تعرف الوقت المناسب لتكوين صداقة مع مديرك والوقت الذي يكون تكوين تلك الصداقة فيه أمراً محفوفاً بالمخاطر؟ يقول الخبراء إن الإجابة تعتمد على عدد من العوامل.
1. هل كنتما صديقين قبل أن تصبح مرؤوساً تابعاً له؟
يقول المتخصص في علم النفس المؤسسي ومؤلف كتاب "لعبة اللوم: كيف تحدد القواعد الخفية للمصداقية واللوم نجاحنا أو فشلنا"، (The Blame Game: How the Hidden Rules of Credit and Blame Determine our Success or Failure)، بن دانتر: "أن يصبح مديرك صديقك أسهل من أن يصبح صديقك مديرك". فإذا كانت الصداقة تسبق العلاقة التبعية الجديدة، فعليك بذل جهود متضافرة لتحافظ على وضوح الأدوار، وسيكون الوعي الذاتي مطلوباً من كلا الطرفين، فهو سر نجاح العلاقة. وتقترح فالكور أن تسأل نفسك: "ما علاقتي بهذا الشخص الآن؟ وما طبيعة العلاقة التي يجب أن تربط بيننا؟ ثم أن تتبع إحساسك بشأن الجوانب المريحة والمزعجة في العلاقة".
2. هل كوّنت صداقة معه لانسجامكما الصادق أم لخدمة مصالحك الشخصية؟
يقول داتنر: "إذا كان لديكما تقارب طبيعي، وتنسجمان بالفعل وترغبان في تكوين رابط اجتماعي، فأعتقد أن تنمية مثل هذه العلاقة تستحق هذا الجهد، تماماً كما لو أنك تكوّن علاقة مع زملائك الآخرين. لكن تجنّب أن تبذل جهداً خاصاً يتجاوز ما قد تبذله مع أي زميل آخر لكيلا تبدو شخصاً انتهازياً"، إذ من غير المحتمل أن تنجح علاقة قائمة على ألاعيب السلطة، فذلك يزيد من مخاطر انتهائها بكارثة، خاصة إذا شعر مديرك أنك تتقرب منه لتعزيز مسارك المهني.
3. هل أنت على استعداد للتحدث مع مديرك عن الحدود لكيلا يُطمس الخط الفاصل بين الصداقة والعمل؟
إذا تحولت علاقتكما من أصدقاء وزملاء إلى مدير ومرؤوس، فاحرص على إجراء محادثة مباشرة معه حول الحدود. ويمكنك توضيح تلك الحدود في أثناء حديثك أيضاً، كأن تقول: "أتحدث بصفتي صديقك الآن" أو "بصفتي موظفاً لديك، أرى أن"، قد تبدو تلك الفكرة مصطنعة لكنها مفيدة. ومع ذلك، لا مفر من حقيقة أن العلاقة بين الرئيس والمرؤوس تصاحبها بعض المشكلات التي قد لا تعترضنا في صداقات أخرى، فقد تخبر صديقك عن النجاحات والإخفاقات في حياتك الشخصية أو تتذمر من زميل يزعجك، لكن هل تشعر بالحرية نفسها في التنفيس عن غضبك أمام مديرك؟ "عندما تزود مديرك بمعلومة ما، فكر في حقيقة أنكما صديقان وأنه مشرفك. واجعل العلاقة غير معقدة قدر الإمكان".
4. هل ستواجه رد فعل عنيف من زملائك إذا كانوا يعتبرونك الشخص المفضل لدى مديرك؟
من المحتمل أن يشعر زملاؤك بالقلق من حصولك على معاملة خاصة، فاحرص على عدم إثارة استيائهم. يقول داتنر: "راقب القرارات التي يتخذها مديرك لتتأكد من أنه لم يُسند إليك كل المهام الجذابة، وكل الرحلات السهلة. والتمس آراء الآخرين في مكان العمل لتعرف إذا ما كانت علاقتك معه تزعجهم"، وإذا تبيّن لك أنهم مستاؤون منك، فناقش الموضوع مع مديرك. قد تقول: "أقدّر حقاً حقيقة أنك أسندت إليّ بعض المهام السهلة، لكني أخشى من أن يعتبر زملائي قرارك ذلك تحيّزاً". وابذل جهدك لتكون عضواً فاعلاً في الفريق، بغض النظر عن علاقتك مع مديرك. يتذكر أحد الأشخاص الذين تحدثت معهم أن العمل مع صديقه أتاح له تطوير أدائه: "بذلنا قصارى جهدنا لنجعل علاقتنا شرعية وصادقة، فحرصت على أن يكون أدائي مثالياً لكيلا يقول الآخرون إنه وظّف صديقه".
ومن المحتمل أن يلجأ مديرك إلى النقيض المعاكس تماماً، بمعنى أن يُسند إليك أداء المهام الصعبة لكيلا يتّهمه الآخرون بالتحيّز. ويقترح داتنر أن تراقب القرارات من هذا المنظور، وألا تفزع من مواجهة مديرك في هذه الحالة، كأن تقول: "أتفهم رغبتك في تجنّب التحيّز، لكن الوضع أصبح خارجاً عن السيطرة".
5. كم عمرك؟
إذا سألت موظفاً من الجيل واي عن رأيه بشأن تكوين صداقة مع مديره، فقد ينظر إليك نظرة استغراب، لأن الأجيال الشابة تميل إلى تكوين علاقة الصداقة تلك مع الوالدين، والخط الفاصل بين الأجيال أصبح أقل مقارنة بالماضي، بحسب الخبيرة في إدارة الأجيال المختلفة ومؤلفة كتاب "ما الخطوة التالية لجيل إكس؟" (What’s Next, Gen X?)، تامي إريكسون، التي تقول: "أدى ظهور التكنولوجيا المتنقلة إلى تغيير الدور التقليدي الذي يؤديه الأشخاص في موقع السلطة في حياة هذا الجيل، فقد كان المعلمون (وأولياء الأمور) مصدراً موثوقاً لكثير من المعلومات للشباب في الماضي، لكن الوصول إلى الحقائق أصبح متساوياً الآن؛ واقتصر دور الشخص الأكبر سناً على الإرشاد أو التوجيه فقط ولم يعد مصدراً للإجابات الموثوقة، وهو ما عزز تغيّر العلاقة".
أين يمكن وضع الحدود إذاً؟ تقول إريكسون إن الصداقة بين المدير والموظف أو وجود علاقة إيجابية وبناءة وموثوقة مع مديرك أمر جيد، وعلى الجميع تنمية مثل تلك العلاقة بالفعل، لكن يبقى تجاوز حدود العمل إلى الصداقة الحقيقية محل تساؤل، والإجابة بحسب إريكسون تعتمد على تفضيلاتك الشخصية.