هناك شيء غريب يحدث قبل علامة الميل الثالث في ماراثون لندن. فبوجود حوالي 40 ألف متسابق يشاركون في أحد أكبر فعاليات جمع التبرعات الخيرية في العالم، تتطلب السيطرة على الحشود أن يكون هناك ثلاث نقاط بداية مختلفة. وتماماً قبل علامة الميل الثالث، تعود المسارات الثلاثة لتندمج معاً مرة أخرى.
بينما تبدأ المسارات المختلفة في الاندماج، يبدأ معظم المتسابقون في التهليل عند لقاء زملائهم الذين سيتابعون المشوار المتعب معهم في رحلة الـ 26.2 ميل. لكن الكثير من العدّائين يبدؤون في إطلاق صيحات استهجان نحو المتسابقين الذين ينتمون إلى مجموعة بداية مختلفة. هم جميعهم متسابقون هواة يشاركون في سباق واحد لتحقيق نفس الأهداف تقريباً، لكنهم يُفرزون لفترة قصيرة جداً من الوقت، وعشوائياً تقريباً، في مواقع بداية مختلفة ضمن مجموعات حمراء أو زرقاء أو خضراء.
يتمتع بعض المشاركين بطبيعة تنافسية عالية جداً حيث إن هذا الفرز العشوائي في ألوان مختلفة يثير "هوية"لديهم. فنصبح قبائل حمر أو زرق أو خضر، ولدى لقاء مجموعة من لون آخر ننظر إلى الأمر على أننا نواجه أعضاء من قبائل أخرى، فيكون من المنطقي استهجانهم لأنهم ليسوا من قبيلتنا.
ركضت في هذا الماراثون مرات عديدة، ويفاجئني أن يتكرر الأمر نفسه في كل مرة. الأمر أشبه بما يحدث في رواية ويليام جودلينغ "أمير الذباب" (Lord of the Flies). فكر للحظة في كيفية حدوث ذلك في العمل.
القبائل في عالم الأعمال
نحن نجد أنفسنا في عالم الأعمال نملك أغراضاً متناقضة مع زملائنا حتى عندما نكون في الشركة ذاتها. إذ تريد أقسام المبيعات مرونة في تلبية الاحتياجات المتبدلة للعميل، في حين تريد أقسام الهندسة والعمليات استقراراً لرفع الكميات والكفاءة. وتريد مكاتب الشركة حول العالم حلولاً خاصة بأسواقهم الفريدة، في حين يريد المقر الرئيسي أن تصطف جميع الوحدات خلف استراتيجية واحدة وواضحة. أما مراكز الخبر، فتعمل بدورها على خلق استراتيجيات مبتكرة ترتكز على الصورة الكبيرة والبعيدة الأجل لمساعدة الموظفين في الصف الأمامي والمواجهين للعملاء الذين يرغبون عادة بحلول فورية لأوجاع العميل. وحتى عندما يكون الجميع في فريق واحد، تكون الأهداف والاحتياجات مختلفة.
تؤهل هذه البيئة المسرح لتبني الوحدات الوظيفية عقلية تعتمد على "نحن في مقابل هم" بدلاً من "نحن في مقابل المنافسين". بالنتيجة، تتوقف المجموعات ذات الوظائف المختلفة عن التواصل بفعالية فيما بينها.
وتبدأ الأمور عند هذا الحد تتخذ نزعة قبلية. ومن خلال تجربتي، وجدت أن هناك علامات تبدأ في الظهور اعتباراً من هذه النقطة وتتطلب انتباهك:
تبادل اللوم
هل تلوم الفرق بعضها، وكل منها ينتقد الآخر دون مبرر أو يستمرون في تقاذف الاتهامات فيما بينهم؟ هذه إشارة لا يمكن إغفالها. في السابق، كان لدي عميل يعاني من خلافات قوية بين أقسام التصميم والهندسة والتسويق لدرجة لم يعد بإمكان الفرق العمل مع بعضها البعض دون جدال. وقد أصبحت الأمور أسوأ حتى إن المدراء التنفيذيين المسؤولين عن الأقسام بالكاد يتحدثون إلى بعضهم البعض إذا لم يحضر ممثل من الموارد البشرية في الغرفة.
لوم العميل
ربما يكون تكرار إلقاء اللوم على العميل أو المستهلك النهائي مؤشراً على أن النقاش ضمن الفريق بدأ يخرج عن السيطرة. ففي حالة الفرق السابقة الذكر، كان إلقاء اللوم على العميل في فشل منتجهم الجديد الأمر الوحيد الذي استطاعت الفرق الاتفاق عليه.
وحتى عندما لا تتبادل الفرق اللوم مباشرة، فإن جعل المستهلك كبش فداء هو في حد ذاته إشارة على وجود شيء خاطئ. جلست مرة في اجتماع آخر ودي جداً، وكانت فرق المبيعات والتصنيع واللوجستيات تسامح بعضها البعض تماماً وتتفق بما لا لبس فيه على أن خسارة الملايين سببها عدم امتلاك المستهلك ثقافة كافية لفهم كيفية استخدام منتجهم.
"بوشكن فعلها"
في روسيا، عندما لا يُعرف من فعل شيئاً ما، فمن الشائع قول: "بوشكن فعلها". ولدى الهولنديين شيء مماثل، فيقولون: "الأقزام فعلت ذلك". وغالباً ما يعود سبب غياب التعاون الفعال بين الفرق إلى الإجراءات والبنى المؤسساتية الصعبة والتواصل الضبابي أو اختلال الحوافز أكثر من أن يكون السبب الأقزام أو ألكسندر بوشكن. كن في المرصاد للمواعيد أو الالتزامات التي لا يتم الوفاء بها والتي لا يفهم ولا يعترف أي من الطرفين بسبب تفويتها.
رفض العمل معاً
لعلّ هذه هي الحالة الأكثر استفحالاً في القبلية: عندما ترفض الأقسام أو مؤسسات بأكملها التعاون مع بعضها. هل تتخيل هذا، ثقافة من انعدام الثقة إلى جانب غياب التعاون بين مئات الأشخاص في نفس الشركة؟ وأن يُنظر لعمل مختلف الأقسام مع بعضها من أجل حل مشترك على أنه تعاون مع العدو.
في أوائل العام 2000، رسمت الكثير من أقسام الموارد البشرية خطوطاً بين مراكز الخبرات والمجموعات المواجهة للعملاء. فكانت مراكز الخبرة هي "الخبراء المحترفون" والمجموعات المواجهة للعملاء هي "الخبراء بالعميل". ولم يمر وقت طويل إلا ونشأت حرب حول من يمتلك العميل (على سبيل المثال، التنفيذي المسؤول عن الوحدة). وأصبح هذا الوضع سيئاً جداً في بعض الشركات بحيث رفضت المجموعتان التحدث مع بعضهما، فكانت المبادرات تتكرر وتحدث ثلاث مرات في الشركات. يمكنك أن تتخيل كم مكلف هذا النوع من القبلية.
ما الذي يمكنك فعله؟
هنا بعض النصائح التي أثبتت نجاحها لقادة الآخرين في مثل هذا الموقف:
إدارة النفسية
لعل هذه النصيحة هي الأكثر أهمية. عندما تكون هناك أهداف متضاربة في بيئة تنافسية، لا يمكنك أن تترك الطبيعة البشرية تعمل تلقائياً على سجيتها. ربما يبدأ التجرد من الفردية (Deindividuation) يسيطر مع بدء الأقسام المتصارعة تشويه بعضها. إنها شكل خطير من "سيطرة الناحية الصدغية" (Amygdala hijacks) التي تحدث عندما يبالغ أحدهم في ردة فعله نحو مثيرات موقف ما.
إعادة الصياغة
تقع على القائد مسؤولية صياغة الموقف والبيئة لمرؤوسيه. كن حذراً في كيفية تقديمك للمهمة أو الهدف للفرق. وإن كان من المهم التعاون أو العمل بطريقة جديدة، فقل ذلك.
اقتحم المناطق المعزولة
تحتاج الشركات في القرن الواحد والعشرين إلى أن تكون أقل انعزالاً بكثير مما كانت عليه في القرن الماضي. فتنتشر الخبرة والمعرفة والمهارة على نطاق واسع ومن الضروري من أجل التنافسية اقتحام أي مناطق معزولة من المعلومات والبيانات.
حاول إدارة الأنا لدى التنفيذيين
هناك قاعدة استشارية قديمة تقول: "تحاول تحديد مكان حدوث المشكلة ثم تنظر إلى المستوى الأعلى التالي. هل يرسل كبار القادة الرسائل الصحيحة عن التعاون والتضافر؟ هل يحصلون على مكافآت على ذلك؟ إذا لم يظهر السلوك المطلوب لدى الإدارة العليا، فلن تجده في المستويات الدنيا".
ستساعد الإدارة الفعالة للديناميكيات البشرية شركتك على جني فوائد وجود أقسام متخصصة متنوعة داخل الشركة، وفي الوقت نفسه التخفيف من مساوئ القبلية.