لماذا يتبوأ الكثير من الرجال غير الأكفاء مناصب قيادية؟

4 دقيقة

هناك 3 تفسيرات شائعة لضعف تمثيل النساء الواضح في مناصب الإدارة. وهذه التفسيرات هي أولاً: النساء لا يتمتعن بالقدرة، وثانياً: النساء غير مهتمات بشغل هذه المناصب، وثالثاً: النساء مهتمات ويتمتعن بالقدرة، لكنهن غير قادرات على كسر السقف الزجاجي: وهو عبارة عن حاجز مهني غير مرئي مبني على الصور النمطية المنحازة ضد المرأة ويحول دون تقلدها لمراكز السلطة المختلفة. ويميل المحافظون والشوفينيون إلى الترويج للسبب الأول؛ في حين أن الليبراليين والنسويين يفضلون التفسير الثالث؛ أما بالنسبة لمن هم في المنتصف، فيميلون عادة إلى التفسير الثاني. ولكن ماذا لو أخطأ الجميع في نظرتهم إلى السياق الأوسع للأمور؟

من وجهة نظري الشخصية، السبب الرئيسي لهذا الخلل في نسب تمثيل الرجال والنساء في مناصب الإدارة يكمن في عدم قدرتنا على التمييز بين الثقة والكفاءة. ويعود ذلك إلى أننا (أي الناس عموماً) نسيء عادة تفسير مظاهر الثقة ونعتبرها علامة على الكفاءة، حيث ننخدع وننجذب نحو الاعتقاد بأن الرجال يُعتبرون قادة أفضل من النساء. بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بالقيادة، فإن الميزة الوحيدة الموجودة لدى الرجال والتي يتفوقون فيها على النساء (من الأرجنتين إلى النرويج، ومن الولايات المتحدة الأميركية إلى اليابان)، هي حقيقة أن الناس غالباً ما يخطئون في قراءة مظاهر الغطرسة – والتي غالباً ما تتخفى وراء قناع من الكاريزما أو الحضور الساحر – فيعتبرونها قدرة كامنة على القيادة، والحقيقة الثانية هي أن هذه المظاهر تتبدى بوتيرة أكبر لدى الرجال مقارنة مع النساء.

وهذا متوافق مع النتيجة التي جرى التوصل إليها، والتي تقول بإن المجموعات التي ليس لديها قائد تتمتع بميول طبيعية نحو انتخاب قادة من بين الأفراد المتمركزين حول ذاتهم، والنرجسيين، والمفرطين في الثقة بأنفسهم، وإن هذه السمات التي تطبع شخصية الناس غير شائعة على قدم المساواة بين الرجال والنساء. وضمن هذا السياق، قال عالم النفس سيغموند فرويد: "إن العملية النفسية للقيادة تحصل لأن مجموعة من الناس –أي الأتباع– استبدلوا ميولهم النرجسية الذاتية بالميول النرجسية للقائد، إلى حد أن حبهم لقائدهم هو شكل مخفي من حبهم لذاتهم، أو بديل عن عجزهم أن يحبوا ذاتهم. قال فرويد أيضاً: "نرجسية شخص آخر تشكل عنصراً جاذباً كبيراً للأشخاص الذين تخلوا عن جزء من نرجسيتهم الذاتية... كما لو أننا نغبطهم على المحافظة على حالة ذهنية قائمة على السعادة".

لكن الحقيقة التي تظل ماثلة أمامنا هي أن الرجال في جميع أنحاء العالم تقريباً يميلون إلى "الاعتقاد" بأنهم أذكى من النساء بكثير. ومع ذلك، فإن الغرور والثقة الزائدة في النفس يرتبطان بعلاقة عكسية مع الموهبة القيادية – وهي القدرة على بناء فرق عالية الأداء والمحافظة على قوامها وإلهام الأتباع لتنحية مآربهم الشخصية الأنانية جانباً من أجل العمل على تحقيق المصلحة المشتركة للمجموعة. وسواء في عالم الرياضة أو السياسة أو الأعمال، عادة ما يكون أفضل القادة أشخاصاً متواضعين – وسواء كان التواضع خصلة ناجمة عن طبيعة هذا الإنسان أو عن التربية التي خضع لها، فهو يظل خصلة أكثر شيوعاً لدى النساء من الرجال. فعلى سبيل المثال، تتفوق النساء على الرجال في مجال الذكاء العاطفي، الذي يعتبر محركاً أساسياً للسلوكيات المتواضعة. وعلاوة على ما سبق، فقد كشفت دراسة تجريبية للفروق في الشخصية بين الجنسين شملت أكثر من 23 ألف مشارك في 26 ثقافة بأن النساء أكثر حساسية ومراعاة للآخرين وتواضعاً من الرجال، وهي نتيجة يمكن القول إنها واحدة من أقل النتائج التي يمكن أن تكون مخالفة للحدس في العلوم الاجتماعية. بل وتبرز صورة أوضح حتى عندما يدرس المرء الجانب المظلم من الشخصية: فعلى سبيل المثال، تظهر بياناتنا المعيارية، والتي تشمل آلاف المدراء الذين يمثلون جميع القطاعات في 40 بلداً، بأن الرجال وبشكل متسق أكثر غروراً وتلاعباً وعرضة للخطر من النساء.

والخلاصة الضمنية التي تنطوي على مفارقة هنا، هي أن الخصائص النفسية نفسها التي تمكن المدراء الذكور من الارتقاء إلى أعلى درجات السلم الوظيفي في الشركات أو سلم السياسة هي المسؤولة فعلياً عن سقوطهم. بعبارة أخرى، ما هو مطلوب "للحصول" على الوظيفة لا يختلف فحسب عما هو مطلوب "لأداء الوظيفة على أكمل وجه"، بل يعاكسه تماماً. ونتيجة لذلك، نجد بأن الكثير من الأشخاص غير الأكْفاء يحصلون على ترقية تجعلهم يتبوؤون مناصب الإدارة، وهم يشغلونها على حساب الأشخاص ذوي الكفاءة الأكبر.

ومن غير المفاجئ بأن تتضمن الصورة الأسطورية لـ "القائد" بين ثناياها العديد من الصفات الشائعة في حالات اضطرابات الشخصية، مثل النرجسية ستيف جوبز أو فلاديمير بوتين، أو السيكوباتية والاضطراب العقلي، أو الظهور المتكلف والاستعراض ريتشارد برانسون أو ستيف بالمر أو الميكيافيلية (تقريباً أي سياسي على المستوى الفيدرالي في أميركا يتسم بهذه الصفة). وليس المحزن في الأمر هو أن هذه الشخصيات الأسطورية لا تعتبر خير ممثل للمدير العادي، وإنما المحزن هو أن المدير العادي سيفشل بالضبط نتيجة امتلاك هذه الصفات.

في الواقع، معظم القادة –سواء في عالم السياسة أو الأعمال– يفشلون. ولطالما كان هذا هو الحال: فغالبية الأمم والشركات والمجتمعات والمنظمات تدار بطريقة سيئة، ويتجلى ذلك من خلال ديموتها وإيراداتها وشعبيتها أو من خلال التأثيرات التي تتركها على مواطنيها أو موظفيها أو مرؤوسيها أو أعضائها. فلطالما كانت القيادة الجيدة دائماً هي الاستثناء، وليست القاعدة.

ولقد فوجئت واستغربت بأن الكثير من النقاشات الدائرة مؤخراً بخصوص دفع المرأة "إلى تولي مراكز القيادة"، ركزت على دفع النساء إلى تبني المزيد من هذه الصفات القيادية المختلة والتي لا تؤدي الوظيفة أبداً. نعم، هؤلاء هم الناس الذين نختارهم غالباً كقادة لنا – ولكن هل يستحقون فعلاً قيادتنا؟

معظم الصفات الشخصية التي تعتبر بحق من المزايا المطلوبة للقيادة الفعالة موجودة وبشكل طاغٍ لدى الأشخاص الذين يفشلون في إقناع الآخرين بقوة بموهبتهم في مجال الإدارة. وهذا الأمر يصح خصوصاً في حالة النساء. وقد بات لدينا الآن براهين وأدلة علمية مقنعة تدعم الفكرة القائلة "إن النساء أكثر ميلاً من الرجال على الأرجح إلى تبني استراتيجيات أكثر فعالية في القيادة". والأبرز من بين هذه البراهين، هي المراجعة الشاملة التي أجرتها آليس إيغلي وزملاؤها لعدد من الدراسات والتي أظهرت بأن المديرات أميل إلى انتزاع الاحترام والفخر من الأتباع، وإلى إيصال رؤيتهن بفعالية، وتمكين مرؤوسيهن وإرشادهم، والتعامل مع حل المشاكل بطريقة أكثر مرونة وإبداعاً (وكلها من خصائص "القيادة التي تقود إلى حصول تحولات مهمة")، فضلاً عن مكافأة المرؤوسين المباشرين بإنصاف. وفي المقابل، يعتبر الرجال أقل ميلاً من الناحية الإحصائية إلى احتمال التآلف مع مرؤوسيهم، وهم أقل براعة نسبياً في مكافأة هؤلاء المرؤوسين على أدائهم الفعلي. ورغم أن هذه النتائج قد تعكس وجود تحيز في عملية جمع العيّنات التي تستدعي من النساء أن يكن أكثر كفاءة وحيازة للمؤهلات من الرجال ليتم اختيارهن كقائدات، فلا توجد طريقة لمعرفة الحقيقة حتى يتم القضاء على هذا التحيز.

باختصار، لا يمكن الإنكار أن طريق النساء إلى المناصب القيادية محفوف بالعديد من الحواجز والعوائق، بما في ذلك سقف زجاجي سميك جداً. بيد أن هناك مشكلة أكبر وهي غياب العوائق المهنية من درب الرجال غير الأكفاء، وحقيقة أننا نميل إلى المساواة بين القيادة والصفات النفسية التي تجعل الرجل العادي قائداً أقل براعة من المرأة العادية، والنتيجة نظام مريض يكافئ الرجال على عدم كفاءتهم، بينما يعاقب النساء على كفاءتهن، وهذا أمر يؤذي الجميع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي