أي موظف معرض لسلوك عدائي في بيئة العمل، لكن حين يحدث هذا السلوك بين أعضاء فريق القيادة، فستكون العواقب وخيمة. في البداية قد يتخذ السلوك العدائي شكل محاولات لتحجيم إجراءات اعتمدها أحد المسؤولين التنفيذيين أو عرقلتها، لكنه سرعان ما يتصاعد إلى مستويات أشد خطورة، مخلفاً تبعات شخصية ومهنية بالغة الأثر على المسؤول المعني.
تتخذ السلوكيات العدائية أنماطاً متعددة. وقد أجرينا مقابلات مع مجموعة من المسؤولين التنفيذيين المتقاعدين أو المنتقلين من شركات مدرجة في مؤشر إس آند بي 500، فحددوا 3 أنماط شائعة من هذه السلوكيات: 1) ذكر أحد مسؤولي الإدارة التنفيذية العليا المتقاعدين أنه تعرض لإهانة علنية على يد رئيس وحدة أعمال استخدم أسلوب الإذلال أمام الآخرين رداً على مبادرات مؤسسية كان المسؤول التنفيذي يشرف على تنفيذها؛ إذ رأى رئيس الوحدة أنها أضرت بوحدته. 2) تحدث مسؤول تنفيذي آخر عن مواجهته الإقصاء؛ إذ تعرض للتجاهل المتعمد والاستبعاد من الاجتماعات المخصصة لاتخاذ قرارات حاسمة، بل كانت إسهاماته تتعرض للتقويض والرفض وأحياناً تهميشه إلى درجة منعه من أي مشاركة في النقاشات. 3) وذكر مسؤول تنفيذي ثالث أنه وقع ضحية لمحاولة تشويه سمعته؛ إذ اتهمه أحد زملائه زوراً عبر تقديم بلاغ إلى الخط الساخن للإبلاغ عن المخالفات بدفع مبالغ مالية لأحد الموردين، واتضح خلال التحقيق أن الغرض من هذه الاتهامات كان إبعاد المسؤول التنفيذي المعني عن المشروع وتشويه سمعته أمام صانع القرار.
يمثل كل من هذه الحالات جانباً واحداً فحسب من السلوكيات العدائية؛ فما يحدث في الخفاء عند التعرض لمثل هذه السلوكيات قد يكون أخطر بكثير، ألا وهو التلاعب النفسي في السياق المؤسسي. يشكل هذا الأسلوب وسيلة لبث الشكوك في المسؤول التنفيذي وتقويض مصداقيته في نظر أقرانه وأصحاب المصلحة داخل المؤسسة، ما يخفي حقيقة السلوك العدائي تحت ستار مضلل.
يختلف التلاعب النفسي في السياق المؤسسي عن نظيره التقليدي؛ ففي حين يستهدف الأخير دفع المرء إلى الشك في تصوراته الشخصية، يعمل التلاعب النفسي في السياق المؤسسي على بناء سردية سلبية تقنع فريق العمل بأكمله أو المؤسسة بأكملها بأن أداء المسؤول التنفيذي ودوره موضع شك. ولا يقتصر هدف هذا الأسلوب على تدمير السمعة المهنية، بل يمتد لتقويض ثقة الشخص المستهدف بنفسه. وبالإضافة إلى نشر سردية سلبية وممارسة سلوك عدائي تجاه الضحية، يلجأ الجاني إلى أساليب أخرى، مثل إنكار الوقائع وقلب المواقف. وقد يتجنب المواجهة ويحرف الحقائق أو يهون من خطورة أفعاله. وفي نهاية المطاف، ينجح في قلب معادلة الجاني والضحية من خلال تحميل الضحية المسؤولية، مستخدماً نفوذه السياسي داخل المؤسسة لحماية نفسه.
ونظراً لأن التلاعب النفسي في السياق المؤسسي يحدث على مراحل تدريجية، فقد لا يدرك الضحية أحياناً أنه يتعرض له أصلاً. وقد يشعر بالآثار الناتجة عنه، دون أن يعي تماماً ما يحدث أو خطورة الوضع.
لكن إذا لم يتخذ المسؤول التنفيذي أي إجراء لمواجهة هذه السلوكيات غير السوية فقد يندم لاحقاً. وإليك 3 خطوات طبقها بعض المسؤولين الذين كانوا عرضة لتلك السلوكيات بنجاح:
التركيز على المشكلة الصحيحة
نظراً لأن التلاعب النفسي في السياق المؤسسي يتطور تدريجياً على مراحل متعددة، ينشغل الضحية غالباً بالتصدي للسلوك العدائي دون أن ينتبه إلى أن ثمة سردية سلبية بدأت تترسخ من حوله.
قال الرئيس التنفيذي للاستثمار بإحدى شركات التكنولوجيا العالمية المدرجة في مؤشر إس آند بي 500:
"كنت غارقاً في مواجهة السلوك العدائي لدرجة أنني لم ألحظ أن السردية السلبية من حولي تقوضني تدريجياً. كنت أشعر بذلك، لكنني لم أتمكن من استيعابه. ولو كانت لدي حينها البصيرة التي أمتلكها اليوم، لركزت على مواجهة السردية السلبية بدلاً من الانشغال بمقاومة السلوك العدائي".
أكد المسؤولون التنفيذيون الذين أجرينا معهم المقابلات أن التعرف إلى المشكلة أمر صعب، خاصة إذا كانت تلك هي المرة الأولى التي يواجهون فيها هذه المشكلة.
وأوصى هؤلاء المسؤولون بالبحث عن "الدخان"، أي مؤشرات، مثل الأنماط المتكررة والتصورات والسمعة. فوجود الدخان يدل غالباً على النار. وإذا كانت هناك نار فعلاً، فالسلوك العدائي هو الدخان فحسب، لا أصل المشكلة.
إليك مجموعة من الأسئلة التي يمكن للمسؤولين التنفيذيين طرحها على أنفسهم لتحديد احتمالية تعرضهم للتلاعب النفسي في السياق المؤسسي:
- هل يتكرر هذا السلوك على مدار فترة زمنية طويلة؟ وهل يحدث في ظروف متشابهة مراراً؟
- ما هو رأي الزملاء المحايدين داخل الشركة في هذا السلوك؟ وهل هناك إجماع على أنه يبدو متعمداً؟
- ما هو السجل السلوكي لهذا الشخص في الحالات المماثلة؟ وهل سبق أن اتخذت إجراءات تأديبية بحقه أو أبلغ عنه بسبب تصرفات مشابهة؟
ضع خطة مدروسة للاستجابة واستعد لبناء تحالف داعم
يمثل التعامل مع السلوك العدائي قراراً دقيقاً يستلزم دراسة متأنية لتأثيره في القيم المؤسسية والمبادئ الشخصية.
وخلال تأمل التجارب السابقة، استعرض عدد من المسؤولين التنفيذيين الذين تحدثنا إليهم رؤى قيمة تسلط الضوء على أهمية توقيت الاستجابة. قال أحدهم: "لو انتظرت يومين فقط لكانت النتائج السياسية أفضل". وأقر مسؤول آخر قائلاً: "كنت أظن أنني أتمتع بالدعم الكافي، لكن حين واجهت الموقف اكتشفت أنني كنت مخطئاً"، ما يشير إلى أهمية تقييم حجم الدعم المتوفر بدقة قبل اتخاذ أي إجراء. واتفقت غالبية الشهادات على أن ردود الفعل المتسرعة تنطوي على مخاطر، وهو ما عبر عنه أحدهم بوضوح قائلاً: "لقد ارتكبت خطأً حينما تسرعت في الرد".
مع أن القيم تشكل مبرراً منطقياً لاتخاذ إجراء مضاد، فإن الاعتماد عليها وحدها قد يأتي بنتائج عكسية. ولتحديد التوقيت والأسلوب الأنسب لاتخاذ الإجراء اللازم، من المهم أن تختبر أسلوب الاستجابة المناسب وتبني تحالفاً قوياً قبل الإقدام على أي تصرف.
ولكن من الحكمة أن تكسب بعض الوقت إلى حين اكتمال بناء التحالف. وبحسب ما أفاد به المسؤولون التنفيذيون الذين تحدثنا إليهم كافة، فقد اتبع كل منهم استراتيجية مختلفة:
- إجراء محادثات خاصة: ادخل في نقاشات ثنائية أو في مجموعات صغيرة مع شبكة حلفائك الحاليين لعرض موقفك ومعرفة الآراء بشأن كيفية التعامل مع السردية السلبية.
- مناقشة السيناريوهات الافتراضية مع الموجهين: استشر الموجهين الذين تثق بهم بشأن السيناريوهات المحتملة والتبعات السياسية المحتملة للتصدي للسلوك داخل المؤسسة وكيفية التصرف في مثل هذه الحالات.
- البحث عن سرديات إيجابية والتماس الدعم: اطلب من أعضاء شبكة تحالفاتك تسليط الضوء على سرديتك الإيجابية وتأمين أشكال دعم بسيطة يسهل إبرازها داخل المؤسسة لتعزيز سمعتك المهنية.
احرص على صياغة سردية إيجابية مضادة
ثمة وسيلة وحيدة فعالة لمواجهة التلاعب النفسي في السياق المؤسسي وهي صياغة سردية إيجابية تستند إلى حقائق وأرقام ملموسة يمكن توظيفها بمختلف مستويات المؤسسة، سواء على مستوى الإدارة العليا أو الأقران أو الفريق التابع. يتطلب ذلك تعلم كيفية إعداد رد دبلوماسي وقائي مبني على الوقائع لمواجهة السردية السلبية.
خذ مثلاً الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا بإحدى شركات تكنولوجيا العالمية المدرجة في مؤشر إس آند بي 500، وكان يواجه سردية سلبية تزعم عجزه عن تحمل ضغوط هذا المنصب الرفيع، إذ لجأ إلى عملية من 5 خطوات قائمة على إعداد رد دبلوماسي وقائي بهدف تحويل التركيز من المشكلة إلى الحل:
- الاعتراف بالمخاوف: "لا شك في أن التعامل مع ضغوط المناصب التنفيذية العليا أمر مرهق فعلاً، ومن الطبيعي أن تكون هناك تحفظات بشأن جاهزية المرء لهذا الدور".
- إعادة صياغة السردية: "ينصب تركيزي الأساسي على إدارة الضغوط فضلاً عن تحقيق نتائج ملموسة، وهو الجانب الذي أوجه جهودي نحوه باستمرار".
- تسليط الضوء على الإنجازات: "إن تحقيق نتائج ملموسة (سواء تمثلت في التوسع في الأسواق أو تحسين الأداء التشغيلي) ودفع عجلة النمو (من حيث الإيرادات أو الحصة السوقية) هو شغلي الشاغل. والدليل على ذلك أن فرقنا أظهرت نتائج واضحة، مثل زيادة الأرباح الربع سنوية ورفع معدلات رضا العملاء وتحسين الكفاءة التشغيلية".
- توجيه التركيز نحو النتائج: "تتطلب القيادة في البيئات العالية الضغوط نهجاً قائماً على تحقيق النتائج".
- تأكيد الالتزام بأداء المؤسسة: "لكل مسؤول تنفيذي أسلوبه الخاص، لكن التزامي يظل موجهاً نحو الأداء المؤسسي".
في بعض الحالات، قد تكون مغادرة الشركة هي الخيار الأمثل في نهاية المطاف، خاصة عندما يكون التلاعب النفسي متجذراً في ثقافتها؛ إذ تمثل السلوكيات العدائية مدخلاً لهذا النوع من التلاعب، ولا يمكن اعتبار التزام الصمت حلاً مقبولاً. وبوصفك قائد أعمال، لا بد أن تتعرف إلى هذه التهديدات وتتعامل معها وتعمل على التصدي لها لحماية سمعتك ومسيرتك المهنية، فضلاً عن سمعة من تقودهم ومستقبلهم.