ملخص: في الآونة الأخيرة، أدركت عدة مؤسسات الآثار السلبية لتعدد المناصب التنفيذية العليا وقررت دمج الأدوار القيادية المتعلقة بالتكنولوجيا والبيانات في دور واحد نشير إلى من يشغله عادةً باسم "قائد التكنولوجيا الشاملة"، وهو يحمل غالباً لقب الرئيس التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات ولكن مسؤولياته تمتد لتشمل الوظائف المتعلقة بالبيانات والتكنولوجيا، كما يتولى في كثير من الأحيان مسؤوليات ومهام تشغيلية داخل الشركة، وهو يشرف على قادة أقسام التكنولوجيا والبيانات المتخصصة مثل البيانات والتحليلات المحوسبة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. سيسهم إنشاء دور قائد التكنولوجيا الشاملة في توضيح المسؤوليات وتعزيز المساءلة في مبادرات التحول الرقمي للمؤسسات.
ازداد عدد الأدوار التكنولوجية على مستوى الإدارة التنفيذية العليا خلال العقود القليلة الماضية، فقد ظهر منصب الرئيس التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات أول مرة في بداية ثمانينيات القرن الماضي. بعد ذلك، انتشر منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركات التكنولوجيا الفائقة، ثم انتشر في شركات أخرى. تبع ذلك ظهور أدوار جديدة مثل الرئيس التنفيذي لأمن المعلومات والرئيس التنفيذي للبيانات والرئيس التنفيذي للتحليلات المحوسبة والرئيس التنفيذي للتحول الرقمي. وفي الآونة الأخيرة، ظهر منصب الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي، وازدادت الشركات التي تنشئه بدرجة كبيرة مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال السنوات القليلة الماضية.
على الرغم من أن إنشاء هذه الأدوار يعكس الأهمية المتزايدة للتكنولوجيا في الشركات، فوجود هذا الكم الهائل من قادة التكنولوجيا قد يؤدي إلى حالة من الارتباك.
تشير دراسة حديثة برعاية شركة ثوت ووركس (Thoughtworks) التي يعمل بها أحد مؤلفي المقال، ومؤتمر الرؤساء التنفيذيين للبيانات وجودة المعلومات (CDOIQ) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن وجود عدد كبير من قادة التكنولوجيا في المؤسسات يمثل مشكلة خطيرة. في دراسة استقصائية شملت 266 من قادة التكنولوجيا والبيانات، أفاد أكثر من 80% منهم بأن أدوار الفرق المختلفة المعنية بالتكنولوجيا في مؤسساتهم ليست واضحة، إلى جانب عدم وضوح المسؤولين عن تقديم خدمات البيانات والتكنولوجيا وحل المشكلات المتعلقة بهما ما يسبب ارتباكاً كبيراً. في المقابل، أفاد 12% من المشاركين فقط بعدم وجود أي ارتباك.
في الواقع، يتزايد عدد الشركات التي تسعى إلى دمج البيانات والذكاء الاصطناعي في عملياتها، ولكن هذا الارتباك في الأدوار المتعلقة بالتكنولوجيا قد يؤدي إلى تقويض أدائها، إذ لا يفهم قادة أقسام التكنولوجيا مسؤولياتهم بوضوح ولا يميزون المسؤوليات التي يحملها كل منهم؛ إذ يقول 30% من القادة الذين شملهم الاستطلاع إن علاقة أدوارهم بأدوار القيادة الأخرى المتعلقة بالتكنولوجيا والبيانات غير واضحة بالنسبة لهم، وعلى الرغم من أن 78% من المشاركين أفادوا بأن مؤسساتهم ترى أن البيانات والتكنولوجيات مهمة أو ضرورية جداً، عبّر 10% فقط من المشاركين عن رضاهم عن أسس البيانات والقدرات المتعلقة بالتحليلات المحوسبة والذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم، في حين أعرب 30% من المشاركين عن عدم رضاهم.
هناك بالطبع تحديات عديدة تعوق تحقيق الأهداف المتعلقة بالبيانات، مثل استعداد الأفراد والسياسات الداخلية وتوزيع المسؤوليات (المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالهياكل التنظيمية المتداخلة في بعض المؤسسات) والميزانيات أو القيود المالية ومدى جاهزية التكنولوجيا للاستخدام والوقت أو الصبر المحدود؛ وتتطلب معالجة هذه التحديات جميعها قيادة واضحة ومتسقة ومنح القادة صلاحيات واسعة لإحداث التغييرات المطلوبة.
على الرغم من ذلك، اكتشفنا في هذه الدراسة أن ثمة مؤسسات أدركت الآثار السلبية لتعدد المناصب التنفيذية العليا، ولمواجهة هذه المشكلة دمجت الأدوار القيادية العليا المتعلقة بالتكنولوجيا والبيانات في دور واحد نشير إلى من يشغله باسم "قائد التكنولوجيا الشاملة"، علماً أن دوره ولقبه الوظيفي يختلفان من مؤسسة إلى أخرى.
يشغل هذا القائد غالباً منصب الرئيس التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات، لكن مسؤولياته تمتد لتشمل الوظائف المتعلقة بالبيانات والتكنولوجيا، كما يتولى في كثير من الأحيان مسؤوليات ومهام تشغيلية داخل الشركة ويشرف على قادة أقسام التكنولوجيا والبيانات المتخصصة، مثل البيانات والتحليلات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. سيسهم إنشاء دور قائد التكنولوجيا الشاملة في توضيح المسؤوليات وتعزيز المساءلة في مبادرات التحول الرقمي للمؤسسات. أجرينا مقابلات مع كثير من قادة التكنولوجيا الشاملة ضمن دراستنا ووصفنا بعض خبراتهم وتجاربهم وآرائهم أدناه.
ظهور قادة التكنولوجيا الشاملة
ما هي المهارات التي يجب أن يمتلكها قائد التكنولوجيا الشاملة في الشركة؟ يعتقد 85% من المشاركين في الاستطلاع أن كلاً من القيادة الشاملة وبناء العلاقات الوثيقة مع كبار المسؤولين التنفيذيين هو الأهم، بينما يعتقد 82% منهم أن الأهم هو استراتيجية الأعمال والرؤية. ويعتقد 72% من المشاركين أن استراتيجية التكنولوجيا والرؤية أقل أهمية، بينما يعتقد 38% منهم أن المهارات التي تتعلق بإدارة الموظفين في قسم التكنولوجيا المدمج أقل أهمية بكثير، ويعتقد 35% منهم أن أهمية مهارات تنفيذ التكنولوجيا أقل بكثير أيضاً. بعبارة أخرى، يجب أن يتمتع قادة التكنولوجيا الشاملة بفهم عميق وتركيز شديد على الأعمال التجارية، مع امتلاك مهارات ومعرفة تقنية جيدة.
في دراستنا، أيّد المسؤولون التنفيذيون الذين يشغلون أدواراً متعددة في مجال التكنولوجيا هذه الفكرة، فهم يركزون على جانب الأعمال والأهداف التجارية خلال ممارستهم اليومية لهذه الأدوار أكثر من تركيزهم على الجوانب التكنولوجية.
على سبيل المثال، يقول الرئيس التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة كارماكس (CarMax)، شامين محمد: "لكي أكون قائداً فعالاً في التكنولوجيا، يجب أن أكون قائداً في الأعمال التجارية، فأنا أتعاون مع الرئيس التنفيذي للتسويق والرئيس التنفيذي للعمليات، بالإضافة إلى أنني أعمل إلى جانب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للشركة ومجلس الإدارة. مهارات التنفيذ هي من المقومات الأساسية، فمن الضروري تحقيق النتائج وتنفيذ المهام بنجاح، وهذا الأمر غير قابل للنقاش. الأهم بالنسبة لقائد التكنولوجيا هو أن يكون قائداً للأعمال التجارية، وأن يتمتع بفهم عميق للقطاع الذي يعمل فيه ويضع رؤية واضحة قائمة على التوجهات المستقبلية في القطاع كي يوظف التكنولوجيا لتحقيق هذه الرؤية ويحشد المؤسسة بأكملها حولها. لا يركز قائد التكنولوجيا على مواضيع مثل ضمان استمرار تشغيل الأنظمة أو تجديد البنية التحتية الفنية أو التعامل مع تهديدات الأمن السيبراني، على الرغم من أهمية هذه الجوانب؛ بل يفوّض هذه المهام إلى مرؤوسيه المباشرين الذين يعملون تحت إشرافه.
يقول شون ماكورماك، قائد التكنولوجيا الشاملة في شركة حافلات المدارس، فيرست ستيودنت (First Student): "إذا اعتمدت على الأساليب التقليدية ولم تركز على القيمة والابتكار في عملك مسؤولاً تنفيذياً لتكنولوجيا المعلومات فلن تتمكن من الإشراف على الابتكار التكنولوجي والتحليلات المحوسبة والذكاء الاصطناعي والأنشطة المشابهة، وإذا كنت تعتمد على المنتجات التكنولوجية الجاهزة ولا تحاول تطوير الحلول أو ابتكارها، فلن تنجح في الأدوار القيادية الأكبر". يقول سيباستيان كلابدور، الذي كان حتى وقت قريب رئيس قسم التكنولوجيا والبيانات والتحليلات المحوسبة في شركة خدمات التسويق، فيستا (Vista)، إن التركيز الشديد على القيمة التجارية ضروري لقيادة عدة أقسام متخصصة بالبيانات والتكنولوجيا؛ عندما كان كلابدور رئيساً لقسم البيانات والتحليلات المحوسبة في الشركة، ركز بدرجة كبيرة على تحقيق قيمة قابلة للقياس من خلال تطوير أدوات وحلول ناجحة قائمة على البيانات، وأشار في مقابلة إلى أنه يعتقد أن ذلك كان عاملاً رئيسياً في اختياره لتولي منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا.
قلّل المشاركون في الاستطلاع الذي أجريناه من أهمية مهارات إدارة المرؤوسين ومهارات التنفيذ التقني، في حين أشار قادة التكنولوجيا الشاملة الذين تحدثنا إليهم إلى أهميها، وذكر العديد منهم أهمية توظيف أشخاص متخصصين وذوي كفاءة عالية في كل مجال تحت إشرافهم. يقود الرئيس التنفيذي للمعلومات وخدمات العملاء في شركة تي آي أيه أيه (TIAA)، ساستري دورفاسولا، الأنشطة والعمليات المتعلقة بالتكنولوجيا في الشركة، ويشرف على المرؤوسين المباشرين الذين يتعاملون مع البيانات والذكاء الاصطناعي وخدمات العملاء والخدمات المشتركة بين الأقسام المختلفة، بالإضافة إلى إشرافه على رؤساء أقسام المعلومات والتكنولوجيا في خطوط الأعمال المختلفة داخل الشركة. يبحث دورفاسولا في كل مجال عن أشخاص يتمتعون بالمهارات التكنولوجية المناسبة، لكنهم يفهمون أيضاً كيفية إحداث تحول حقيقي وفعال في المؤسسة. يخضع دورفاسولا إلى إشراف الرئيس التنفيذي للشركة، ويشير إلى أنه لا يزال يشارك في كتابة الرموز البرمجية من حين لآخر على الرغم من مسؤولياته الإدارية. يقول كلابدور، الذي عمل في شركة فيستا، إنه لا يعتقد أنه يتمتع بخبرة تقنية عالية، لكنه استطاع تصميم جهاز صغير يعتمد على لوحة "أردوينو" (Arduino)، وهي منصة إلكترونية مفتوحة المصدر لتطوير المشاريع الإلكترونية التفاعلية، وذلك بهدف التقاط بيانات أجهزة الاستشعار من معدات الطباعة، ويساعده فهمه العميق للتكنولوجيا على قيادة الموظفين المتخصصين الذين يعملون في هذا المجال؛ يمتلك كلا القائدين بعض المهارات التنفيذية في مجال التكنولوجيا.
يشير الاستطلاع الذي شمل مجموعة واسعة من قادة البيانات والتكنولوجيا إلى أن العديد من الفرق والأقسام المختلفة داخل المؤسسة تشارك في تنسيق عمليات اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي واستخدامه في أنشطتها والإشراف عليها. يؤدي كل من الرؤساء التنفيذيين للبيانات والرؤساء التنفيذيين للمعلومات والرؤساء التنفيذيين للتكنولوجيا والرؤساء التنفيذيين للتحول الرقمي والرؤساء التنفيذيين للذكاء الاصطناعي دوره وفقاً لترتيب مشاركتهم المتوقعة في استراتيجية الذكاء الاصطناعي التوليدي وتطبيقه، وعلى الرغم من أن هذا ربما يشير إلى أن القيمة المحتملة للتكنولوجيا تبدو كبيرة، فهذه المشاركة قد تكون مربكة وغير فعالة وتولّد نزاعات حول الأدوار القيادية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. وهذا دليل آخر على أهمية توحيد قيادة مجالَي التكنولوجيا والبيانات.
المعارضون لهذا النموذج
لا يتفق بعض المسؤولين التنفيذيين في مجالَي التكنولوجيا والبيانات مع فكرة دمج الأدوار القيادية في المؤسسة ووجود قائد للتكنولوجيا الشاملة، ففي المقابلات التي أجريناها سمعنا بعض الاعتراضات التي استندت إلى الصفات الفردية للقادة، في حين كان بعضها الآخر أكثر اعتماداً على مبادئ تنظيم القيادة.
أخبرنا العديد من قادة البيانات أنهم لن يكونوا مهتمين بالعمل تحت إشراف رئيس تنفيذي لتكنولوجيا المعلومات يركز في المقام الأول على البنية التحتية وضمان استمرار تشغيل الأنظمة لا على إحداث تغيير كبير في الشركة، كما أظهرت المقابلات مخاوف مختلفة لدى بعض القادة بشأن فكرة دمج الأدوار القيادية. كان الرئيس التنفيذي للبيانات والتحليلات المحوسبة في شركة هيوليت باكارد (Hewlett Packard)، سكوت هالوورث، يشغل مؤقتاً منصب الرئيس التنفيذي المشارك لتكنولوجيا المعلومات في الشركة خلال عام 2023، وتتمثل مخاوفه بشأن إنشاء دور قيادي موحد، يضم على وجه الخصوص دورَي الرئيس التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات والرئيس التنفيذي للتحول الرقمي، في أن هذه العملية قد تؤدي إلى إلغاء نظام الرقابة على القرارات المهمة داخل الشركة.
بالطبع، تختلف مكامن القوة والضعف في الهياكل التنظيمية باختلاف الشركات والأفراد الذين يشغلون المناصب القيادية فيها؛ إذ قد تحدد ظروف المؤسسة والأفراد المعنيين فعالية الهيكل التنظيمي وقائد التكنولوجيا والبيانات ضمنه.
الإجراءات المستقبلية
يتمثل الإجراء البديهي الذي يمكن للمؤسسات اتخاذه لمعالجة هذه القضايا في دمج المسؤوليات المتعلقة بالتكنولوجيا والبيانات في منصب قيادي واحد يشغله مسؤول تنفيذي يتمتع بالكفاءة ويركز على الأعمال التجارية، واستناداً إلى المقابلات التي أجريناها لاحظنا أن عدة مؤسسات اتخذت هذه الخطوة بالفعل ويبدو أنها حققت نتائج جيدة.
إذا لم يكن ذلك ممكناً لسبب ما، فثمة طرق أخرى لمعالجة بعض القضايا التي تحدثنا عنها في هذه الدراسة، تتمثل إحداها في توضيح الأدوار القيادية في مجالَي التكنولوجيا والبيانات على مستوى الإدارة التنفيذية العليا وإعلام أفراد المؤسسة بمسؤوليات كل دور قيادي وتخصصه. ويمكن اتخاذ خطوة أخرى تتمثل في تعزيز التعاون بين قادة التكنولوجيا وقادة البيانات في سبيل تنفيذ مشاريع مشتركة وتحقيق نتائج أفضل.
ثمة مجموعة متنوعة من التكنولوجيات والتطبيقات المستخدمة في المؤسسات حالياً بعضها معروف والبعض الآخر ظهر حديثاً، وقد يتطلب التعامل معها في بعض المواقف أشخاصاً متخصصين في تكنولوجيات أو قضايا إدارية محددة. على الرغم من ذلك، فإننا نعتقد أن التركيز على وجود قادة متخصصين في التكنولوجيا والبيانات أصبح مبالغاً فيه؛ إذ إنه من الضروري تعزيز التنسيق والتكامل، ويمكن أن يسهم قادة التكنولوجيا الشاملة الذين يتمتعون بفهم عميق للأسواق واحتياجاتها في تحويل تكنولوجيا المعلومات إلى مورد فعال يخدم أهداف الشركة.