ملخص: حتى بعد الإصلاحات التي تم إقرارها في أعقاب الأزمة المالية التي وقعت عام 2008، لا تزال المؤسسات المالية الكبيرة محاطة بالفضائح. تستخدم العديد من البنوك الأوروبية نهجاً مبتكراً لمنع الهفوات الأخلاقية قبل أن تخرج عن السيطرة. ويعتمد هذا النهج على ما يُطلَق عليه "فِرق المخاطر السلوكية" التي يمكنها التحرك بحرية داخل المؤسسة. وتشمل كفاءات هذه الفِرق الرئيسية التي يمكن لجميع الشركات محاكاتها: فهم كيفية استخدام العلوم السلوكية لإجراء تطوير تنظيمي، واستكشاف الأسباب الجذرية الكامنة وراء السلوكيات بدلاً من معالجة المشكلات السطحية، والتركيز على المبادئ وليس القواعد لإدارة السلوكيات، وتحديد السلوك المحفوف بالمخاطر المرتبط بثقافات فرعية أو أقسام في المؤسسة وليس الفرد.
الجهود المبذولة للتعامل مع مخالفات الشركات وسوء سلوك الموظفين والقصور الأخلاقي غير كافية. وهذا واضح للغاية في القطاع المالي. فقد تم دفع غرامات تبلغ أكثر من 400 مليار دولار منذ الأزمة المالية التي حدثت عام 2008. لكن هناك شركات في القطاع تمنحنا بعض الأمل؛ فهي تستخدم أدوات العلوم السلوكية للتعرف على السلوكيات المحفوفة بالمخاطر في وقت مبكر.
شكّلت بعض أكبر البنوك في أوروبا، وهي "آي إن جي بنك " (ING) و"أيه بي إن أمرو" (ABN Amro) في هولندا و"البنك الملكي الاسكتلندي" (RBS) في لندن، فِرقاً للمخاطر السلوكية تتألف من محترفين مدربين في مجالات علم النفس التنظيمي والأنثروبولوجيا والبحث الجنائي وتخصصات أخرى. كل فريق لديه خط إبلاغ مباشر للرئيس التنفيذي للتدقيق أو الرئيس التنفيذي لمراقبة الامتثال أو الرئيس التنفيذي لإدارة المخاطر. تتمتع الفِرق أيضاً بالحرية والاستقلالية لإجراء مراجعات على مستوى الشركة وتقييم وحدات العمل التي يرون فيها مخاطر سلوكية.
دعونا نلقي نظرة على كيفية عمل فريق المخاطر السلوكية في "البنك الملكي الاسكتلندي". يجري الفريق مراجعات متعمقة للجوانب أو المناطق التي تستدعي الاهتمام، مع التركيز على مجموعات صغيرة (أقل من 500 عضو) اختيرت وفقاً لمدخلات مقدمة من أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين، بما في ذلك أعضاء فِرق التدقيق الداخلي والامتثال والموارد البشرية والفريق القانوني. كما أنه يبحث عن رؤى متعمقة ودقيقة متعلقة ببعض "الثقافات الفرعية" التي قد يحدث فيها هفوات أخلاقية.
تقول شويتا باجباني، وهي مديرة أولى في الفريق: "غالباً ما نطرح هذا السؤال على الأشخاص في المجموعات المستهدفة 'إذا كنت مكاننا، إلى أين ستذهب؟'". وتضيف: "نتعرف من خلال الأشخاص على المناطق المعرضة للخطر من واقع تفاعلاتهم ولوحات المتابعة على مستوى البنك وتقارير القياس، فأفكارهم ذات قيمة لفريقنا".
بمجرد أن يختار الفريق وحدة عمل لفحصها، فإنه يقيمها بالطرق الخمس التالية:
الاستقصاءات. تُرسَل هذه الاستقصاءات إلى المجموعة بأكملها قيد المراجعة، وتتضمن عبارات يمكن أن تستلزم الحصول على إجابات تتراوح من "أتفق تماماً" إلى "لا أتفق على الإطلاق".
المحادثات السرية. يجري الفريق سلسلة من اللقاءات الفردية مع الموظفين الذين يشكلون معاً عينة ممثلة للمجموعة. وتُجرى الناقشات بطريقة حوارية وتهدف إلى تسليط الضوء على السلوكيات النمطية، على سبيل المثال الأنماط التي قد تؤدي إلى تحقيق نتائج سيئة.
المجموعات المركزة. تتألف مما لا يزيد عن 10 أشخاص في المرة الواحدة. وعلى غرار المحادثات الفردية، تهدف هذه المجموعات إلى جمع معلومات حول الأنماط السلوكية في أجواء المنطقة الخاضعة للتدقيق.
فحص البيئة الرسمية. يدرس الفريق السياسات والعمليات مثل تواصل القادة وهياكل الحوكمة ومقاييس الأداء.
الملاحظات المستقلة. يحضر أعضاء الفريق اجتماعات القادة والموظفين ويلاحظون الموظفين الذين يعملون على مهامهم لتكوين منظور حول تدابير مثل ديناميات المجموعة والتفاعلات.
تتم مشاركة النتائج التي توصل إليها الفريق مع المسؤولين التنفيذيين للوحدة قيد الفحص، الذين من المتوقع أن يتخذوا إجراءات بشأن أي توصيات بإدخال تغييرات خلال فترة زمنية محددة. ونظراً إلى أن فريق المخاطر السلوكية لدى "البنك الملكي الاسكتلندي" جزء من مهام التدقيق في البنك، فإن النتائج التي توصل إليها تعتبر نقاط "تدقيق" يتعين معالجتها.
تتبع البنوك الأخرى نُهجاً مختلفة قليلاً، لكن الجهود التي درسناها تتشارك في خصائص معينة:
1. تُعد الرعاية التنفيذية أمراً بالغ الأهمية بالنظر إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة للفِرق.
2. الفِرق صغيرة، فهي عادة ما تضم 5 إلى 10 أعضاء فقط ذوي خبرات متنوعة كما هو موضح أعلاه.
3. يصعب قياس الفعالية، نظراً إلى أن الهدف هو التخفيف من حدة السلوك المحفوف بالمخاطر في مرحلة مبكرة. ولكن إحدى الطرق التي يمكن بها تقدير العائد على الاستثمار هي تحليل تكلفة الفريق على مدى عدد من السنوات ومقارنتها بالغرامات التي يُتوقع أن تتكبدها المؤسسة إذا استمر السلوك المحفوف بالمخاطر وأدى إلى تطبيق إجراءات إنفاذ تنظيمية.
4. مشاركة الموظفين المباشرة أمر بالغ الأهمية. على الرغم من أن تكنولوجيا المراقبة يمكن أن يكون لها دور، إذ يمكن للشركات مراقبة المحادثات وغرف الدردشة والبريد الإلكتروني وما إلى ذلك، فإن جهود الفِرق ترتكز على الموظفين أنفسهم. فهم يضطلعون بدور أساسي في مساعدة الفِرق على فهم البيئة الرسمية، ما يعني إطار إدارة المخاطر والحوكمة والمعرفة والتدريب المتاحين والموارد البشرية ونُظم تكنولوجيا المعلومات وإجراءات العمل، في المجموعات التي يدرسونها. كما أن لهم دوراً أساسياً في فهم البيئة غير الرسمية أو الثقافة من خلال أمور من قبيل: الوضوح أو الغموض حول عملية صنع القرار، والأفراد الذين تتم ترقيتهم، وما الذي يمنح بعض الأشخاص مكانة، ومدى اندماج الموظفين فيما يفعلونه كل يوم.
تقود ويس فاغنار فريقاً من 8 علماء سلوك في بنك "أيه بي إن أمرو". وقد وصفت إطار العمل المنهجي للفريق قائلة: "نعتقد أن سلوك موظفينا وقادتنا والقرارات التي يتخذونها هي نتاج جميع الإشارات التي يتلقونها من مؤسستنا ككل".
وتقول ميريا رايماكرز، رئيسة فريق المخاطر السلوكية في بنك "آي إن جي": "في جميع أماكن العمل هناك خطر يتمثل في أن تؤدي الطريقة التي يتصرف بها الأشخاص إلى تحقيق نتائج سلبية للأعمال. ويتعلق هذا النوع من المخاطر بالطريقة التي تتم بها الأمور في المؤسسة والدوافع غير المرئية الكامنة وراء هذه السلوكيات. إذ يتعلق الأمر بكيفية اتخاذ القرارات، وكيفية تواصل الأشخاص، وما إذا كانوا قادرين على تولي زمام الأمور، والكيفية التي تقوم بها ديناميكيات المجموعة ومعتقداتها بتوجيه السلوكيات، وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى سلوكيات عالية الخطورة".
يمكن تطبيق الخطوات التي تتخذها هذه البنوك في مختلف القطاعات. وهذا يعني الانتقال بالتطوير التنظيمي إلى المستوى المنطقي التالي: إشراك الموظفين بشكل مباشر لفهم البيئة التي يعملون فيها. ويمكن للشركات اكتشاف القيم والمبادئ والمعتقدات الكامنة وراء السلوكيات وتقييم ما إذا كانت بنّاءة أم هدّامة، بالاستعانة بفريق داخلي مكون من "مستشارين محايدين" الذين يمكن أن يكونوا بمثابة ضمير المؤسسة. وإذا تَبين أن السلوكيات هدّامة، يمكن لفريق المخاطر السلوكية أن يوصي باتخاذ إجراءات لتغيير ثقافة المؤسسة.
كما تَبين من خلال فِرق المخاطر السلوكية في هذه البنوك الأوروبية، فإن السبيل إلى منع الفضائح الأخلاقية هو تحديد السلوك المحفوف بالمخاطر قبل فوات الأوان.