طلبت تشيا جونغ تساي (Chia-Jung Tsay)، الأستاذة المشاركة في كلية الإدارة بجامعة "يو سي إل" (UCL School of Management) من 1,855 مشاركاً في دراسة التنبؤ باسم الفائزين في 19 مسابقة إجمالية للعروض الترويجية للحصول على رأسمال مغامر (جريء)، وذلك بعد أن أوكلت إليهم مهمة مراجعة عروض المشاركين بطرق متعددة، بما في ذلك أفلام فيديو بصوت، وأفلام فيديو صامتة، وتسجيلات صوتية، ونصوص مكتوبة. وقد توصلت إلى أن أفلام الفيديو الصامتة كانت الأقدر على مساعدة الناس على تحديد رواد الأعمال الذين حصلوا على تمويل من المستثمرين. الخلاصة هي:
في مسابقات "العروض التجارية لروّاد الأعمال"، الحضور على المسرح هو كل شيء.
أستاذة تساي، دافعي عن بحثك العلمي
تساي: يقول معظم المستثمرين أنه عندما يُطلبُ منهم اتخاذ قرار بخصوص أي شركات ناشئة سيدعمون، فإنهم يركزون على الأفكار اللافتة، والمؤسسين الموهوبين، والخطط التجارية ذات الأساس المتين. لكنني اكتشفت ومن خلال 12 دراسة أن الناس لم يكونوا قادرين على التنبؤ بقرارات التمويل برأس المال المغامر بالاستناد إلى المحتوى الفعلي للعروض التجارية لرواد الأعمال، وإنما بناء على طريقة عرضهم، وتحديداً لغة جسدهم وتعابير وجوههم. ولم يحتج الأشخاص الذين يشاهدون أفلام فيديو صامتة إلى أكثر من بعض ثوانٍ ليحددوا بدقة العروض التي حظيت بترحيب من المستثمرين. وفي دراساتي، كانت العناصر البصرية أكثر تأثيراً من الكلمات أو المعلومات الأخرى في القدرة على الحكم.
هارفارد بزنس ريفيو: كيف تعرفون أن شرائح الباور بوينت المصممة تصميماً جيداً والغنية بالمعلومات لم تكن هي التي جعلت العناصر البصرية جاذبة للغاية؟
لم يستعمل رواد الأعمال المشاركون في المسابقات التي راجعتها هذا النوع من الشرائح، لذلك فإن حضورهم الشخصي على المسرح ببساطة هو ما ترك هذا الأثر العميق على القرارات.
هذا يعني أن أصحاب رأس المال المغامر والمشاركين في الدراسة على حد سواء أطلقوا أحكاماً خاطفة بناء على ما رأوه، وليس على ما سمعوه أو قرأوه؟
نعم – لكن دون أن يعوا تماماً أن العناصر البصرية كانت تترك هذا الأثر القوي عليهم. وهذا شيء منطقي، إذ يحتاج رواد الأعمال إلى الشغف، والتفاعل، والطاقة لينجحوا، ومن الممكن التعبير عن كل هذه الأشياء دون استعمال الكلمات. هناك شيء له علاقة بالطريقة التي يدخل بها العارضون إلى المسرح ومن ثم الكيفية التي يقدّمون بها عروضهم. وهذا الشيء ربما يعكس مستوى تحضيرهم والتزامهم.
ولكن للفكرة والخطة قيمة ما بالتأكيد، أليس كذلك؟
لا نستطيع الإجابة عن هذا السؤال بالنسبة لأصحاب رأس المال المغامر، لكن المشاركين في الدراسة ممن تتلقوا معلومات أكثر عن الشركات الناشئة من خلال قراءة النصوص أو الاستماع إلى العروض مع فيديو أو دونه شعروا بثقة أكبر تجاه اختياراتهم بالمقارنة مع المشاركين الذين لم يشاهدوا إلا الأفلام الصامتة. لكن المشاركين الذين حصلوا على معلومات أكثر كانوا أقل ميلاً إلى تحديد رواد الأعمال الذين حازوا على إعجاب المستثمرين. وهذا يؤكد على التناقض بين ما يقول الناس إنهم يقدّرونه، والمعلومات التي تشكّل الأساسي الفعلي للقرارات في العالم الحقيقي.
تتمثل إحدى الخطوات المستقبلية الممكنة في مراجعة نتائج الشركات الناشئة لمعرفة ما إذا كان السماح للعناصر البصرية بتوجيه القرارات هو استراتيجية استثمارية سليمة أم لا.
هل يمكن أن يكون المستثمرون المحترفون قد سمعوا شيئاً في عروض رواد الأعمال لم يسمعه المشاركون الهواة في الدراسة؟
هذا سؤال عظيم. وهذا كان واحداً من تخميناتي المبكرة أيضاً. لذلك استعنت بهواة لا خبرة لديهم في الشركات الناشئة أو خبرتهم بها قليلة، إضافة إلى استعانتي برواد أعمال من أصحاب الخبرة ومستثمرين ملائكة، ومستثمرين متكررين في برامج التمويل الجماعي بهدف مراجعة مسابقات العروض التجارية. وقد تبيّن أن الخبراء والمبتدئين على حد سواء كانوا أقدر على اختيار الفائزين الفعليين بالاستناد إلى أفلام فيديو صامتة. قد يكون المحترفون أكثر دراية، لكنهم ربما يتأثرون بالمثل بالعناصر البصرية.
هل يمكن أن يكون السبب الكامن وراء ذلك كله هو ميل الناس إلى تفضيل رواد الأعمال الجذابين، لا بل أسوأ من ذلك الرجال البيض الذين يشبهون مؤسسي الشركات وأصحاب رأس المال المغامر في وادي السيليكون؟
قد يخطر لك ذلك. لكن المشاركين في دراستي لم يتمكنوا من أن يحددوا بشكل صحيح الفائزين في المسابقات بنسب أعلى بكثير بالمقارنة مع حالة استعمال الصور فقط. لذلك يبدو أن الأمر أقل ارتباطاً بنوع الشخص، أو عرقه، أو جاذبيته، من ارتباطه بالمعلومات البصرية الديناميكية التي تبيّن الشغف والطاقة. بطبيعة الحال، أظهرت دراسات عديدة أخرى المنافع المهنية المرتبطة بتمثيل عرق الأغلبية أو نوعهم، أو بما إذا كان المجتمع يعتبرُ الشخص جميلاً أم لا. وهذا الشيء لا يقتصر على ريادة الأعمال وإنما نراه في ميادين عديدة أخرى في الحياة.
يجب أن أذكر أيضاً أنني نوّعت تجاربي لأدقق في تحيّز المشاركين في هذه المسائل وتصوراتهم عن حالات التحيز التي قد تكون موجودة لدى أصحاب رأس المال المغامر. في بعض الدراسات سألت: "من فاز؟" وفي دراسات أخرى، سألت: "من برأيكم يجب أن يفوز؟" قد يبدو أن هناك فرقاً طفيفاً بين الاثنين، لكنه مهم. في حالة "من فاز؟" يمكن أن يقول الناس: "حسناً، أنا لست منحازاً، لكن المحكمين ربما منحازون، لذلك فإنهم اختاروه أو اختاروها – لأسباب مريبة". أما بعد تغيير العبارة، وعند إعطاء الناس مجالاً للتعبير عن رأيهم، فإن معظمهم يحاول تجنب إظهار التحيز بناء على النوع، أو العرق، أو المظهر. لكن النتائج كانت متسقة في كلتا الحالتين. كانت تنبؤات الأشخاص الذين شاهدوا الأفلام الصامتة مطابقة تماماً لقرارات المستثمرين من أصحاب رأس المال المغامر.
ما هو الجانب الأكثر جاذبية وسحراً في العرض البصري للفائزين؟
نشرنا بحثاً سابقاً عن أهمية إيماءات اليدين عند عرض منتج جديد. هل هذا النوع من لغة الجسد هو المقصود؟ هل هي وضعية الشخص؟ أم تعابير وجهه؟ الأمر مرتبط بالشغف الذي يظهر في العروض وينعكس ضمن مجموعة من الطرق، بما في ذلك الطاقة، والإيماءات، والتعابير. عندما طلبت من المشاركين تحديد رواد الأعمال الأكثر شغفاً وليس الفائزين، جاءت خياراتهم مطابقة للفائزين الفعليين.
يحتاج رواد الأعمال إلى الشغف، والتفاعل، والطاقة لينجحوا، ومن الممكن التعبير عن كل هذه الأشياء دون استعمال الكلمات.
ما هي نصيحتك لرواد الأعمال الذين يقدّمون العروض التجارية؟ هل تقولين لهم حسّنوا حضوركم على المسرح وكونوا أقل قلقاً بشأن خطتكم التجارية؟
أعتقد أن من الضروري أن تصقلوا فكرتكم وأن تلمّعوا محتواكم، فهذه أشياء تظل هامة. لكنكم يجب أن تعترفوا أيضاً بأهمية الانطباع البصري، وتحديداً في بداية العرض، وأن تخصصوا وقتاً أطول قليلاً له على الأقل. يجب أن تأخذوا بحسبانكم كيف بمقدوركم أن توصِلوا شغفكم بفكرتكم بطريقة تشعرون أنها صادقة بنظركم. فالمحكمون سيفترضون على الأغلب أن حماستكم تعكس منتجاً عالي الجودة وشركة ناشئة رفيعة المستوى.
ماذا عن شركات رأس المال المغامر؟ هل بوسعهم حماية أنفسهم من هذا التحيز المحتمل نحو العناصر البصرية الذي قد يكون في مصلحتهم أو لا يكون في مصلحتهم؟
أنا مترددة بتسميته تحيزاً حتى يتّضح ذلك تجريبياً. الأمر أقرب إلى أنه تفضيلاً أو طريقاً مختصرة. في بعض الحقول والميادين، بدأ الناس يعترفون بهذه القضية ويقومون بمحاولات تهدف إلى الحماية من التحيّز المحتمل. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أن إجراء فحوص تقييم للموسيقيين دون مشاهدتهم أدت إلى تعيين عدد أكبر بكثير من الموسيقيات. ولكن على الرغم من النيات الحسنة لهذه الجهود، إلا أنها قد تقود إلى تناقض بين ما يستند إليه المحكمون في قراراتهم – أي الصوت فقط – وبين ما يستمتع به الجمهور أو لا يستمتع به، وهو يشمل العناصر البصرية.
صحيح، لأن الطريقة التي تعبّر فيها عن نفسك والطريقة التي ينظر بها الناس إليك مهمتان في معظم الوظائف – سواء أكان المرء موسيقياً أم رائد أعمال.
نعم، الشغف والثقة مرتبطان بالنتائج الناجحة. ومع ذلك، إذا كنتم تريدون حماية أنفسكم من الاعتماد على المعلومات البصرية، فإن أحد الاقتراحات المفيدة يتمثل في تجنب ظروف العمل التي تدفع الناس إلى اتخاذ طرق ذهنية مختصرة. أنتم بحاجة إلى تخفيف العبء المعرفي عن كاهل الناس بحيث يكون لديهم وقت أطول للتفكير، ويكون ذلك مثلاً من خلال عدم إغراق صنّاع القرار بكميات هائلة من المعلومات خلال فترة زمنية قصيرة.
وصفتِ للتو ظروف مسابقات العروض التجارية أمام شركات رأس المال المغامر التي تنطوي على الكثير من الأفكار والخطط التجارية، التي تقدّم بسرعة وفي يوم واحد.
هذا صحيح. لكن الأمر ذاته يصح أيضاً في بيئة أقرب إلى الواقع إذا كان المستثمرون الذين تحاول مخاطبتهم يحضرون الكثير من الاجتماعات ويسمعون الكثير من المقترحات. هم سيتذكرون الأشخاص القادرين نوعاً ما على الإلهام دون أن يتفوهوا بكلمة واحدة.