دراسة حديثة تُجيب عن سؤال: هل استفادت المرأة من العمل عن بُعد أم لا؟

5 دقيقة
فوائد العمل عن بعد
pixabay.com/Moondanc

ملخص: كثر الحديث عن العمل عن بُعد وفوائده المحتملة للنساء، لكنّ ثمة بحثاً حديثاً تناول تأثير العمل من المنزل على التطور المهني لمهندسات البرمجيات بإحدى الشركات المُدرجة في قائمة فورتشن 500، وكشف أن أثره يختلف من مرحلة مهنية لأخرى؛ إذ تستفيد المهندسات المبتدئات بدرجة كبيرة من التوجيه الشخصي؛ لأنهن يتلقين ملاحظات أكثر بنسبة 40% عند العمل بالقرب من زملائهن، في حين تواجه المهندسات المتمرسات مشكلة تراجع مستوى الإنتاجية بسبب زيادة واجبات التوجيه المُلقاة على عاتقهن. يستفيد المهندسون الذكور أيضاً من القرب المكاني، لكن بدرجة أقل. وتنصح مؤلفات المقالة بتقدير جهود التوجيه ومكافأة القائمين عليها لتضييق هذه الفوارق، ما يضمن حصول الموظفات المبتدئات على الدعم الكافي عن بُعد وتقديم التعويض المناسب للموظفات المتمرسات نظير إسهاماتهن التوجيهية.

منذ أن بدأ تفشي جائحة كوفيد-19، لقي العمل من المنزل رواجاً واسعاً في بعض الأحيان باعتباره وسيلة لدعم المرأة في مكان العمل. يستند أنصار هذه الحجة غالباً إلى قدرة العمل من المنزل على مساعدة النساء على التوفيق بين متطلباتهن الوظيفية والأسرية، لكن أثر العمل من المنزل على التطور المهني للمرأة قد يختلف من مسار مهني لآخر. وقد تناول بحثنا تأثير العمل من المنزل على الشابات في أثناء محاولتهن تثبيت أقدامهن في حياتهن المهنية وتأثيره على العمل التوجيهي المحجوب عن الأنظار في كثير من الأحيان الذي تؤديه الموظفات المتمرسات.

درسنا أثر العمل من المنزل على الحياة المهنية للمرأة في سياق 1,055 مهندساً ومهندسة برمجيات بإحدى الشركات المُدرجة في قائمة فورتشن 500. عمل بعض مهندسي ومهندسات هذه الشركة بمبنى واحد مع زملائهم كلهم في الفريق قبل تفشي جائحة كوفيد-19، في حين توزّعت الفرق الأخرى على مبانٍ منفصلة.  قبل إغلاق المقرات المكتبية، كانت الفرق التي تعمل معاً تتفاعل شخصياً على نحو متكرر. وعلى النقيض من ذلك، كانت الفرق الموزَّعة على مبانٍ منفصلة تمارس عملها بطريقة أشبه بالفرق التي تعمل عن بُعد؛ إذ كانت تعقد اجتماعاتها اليومية عبر الإنترنت مثلاً. وحينما أدت جائحة كوفيد-19 إلى إغلاق المقرات المكتبية، عمل الموظفون كلهم في أماكن بعيدة عن زملائهم في الفريق.

ولتقييم أثر العمل من المنزل على التطور المهني للنساء في مختلف مستويات الأقدمية، أردنا أولاً تحديد إذا ما كانت خبرات المهندسين الذين كانوا يعملون في أماكن بعيدة عن بعض زملائهم، عندما كانت المقرات المكتبية مفتوحة، تختلف عن خبرات المهندسين الذين يعملون في فرق يلتئم شملها تحت سقف مبنى واحد، ثم حددنا إذا ما كانت هذه الاختلافات قد تلاشت بمجرد إغلاق المقرات المكتبية وفقدان المهندسين الذين كانوا يعملون بالقرب من زملائهم في الفريق ميزة القرب من زملاء العمل التي كانوا يتمتعون بها سابقاً.

تأثُّر التوجيه بالعمل من المنزل

وجدنا أن عمل المرء بالقرب من زملائه في الفريق يسهّل التوجيه. وقسنا التوجيه من خلال تعليقات مراجعة الأقران عبر الإنترنت التي تهدف إلى تحسين مستوى برمجيات المهندسين. عندما كانت المقرات المكتبية مفتوحة، تلقت المهندسات اللاتي كنّ يعملن بالقرب من زملائهن تعليقات على رموزهن البرمجية أكثر بنسبة 40% من المهندسات اللاتي كنّ يعملن في فرق موزَّعة على مبانٍ متعددة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المهندسات كنّ يطرحن المزيد من أسئلة المتابعة عبر الإنترنت عندما كنّ يعملن بالقرب من زملائهن، ما أدى إلى مزيد من المحادثات المُعمَّقة حول رموزهن البرمجية. بالإضافة إلى ذلك، كانت المهندسات يتلقين ملاحظات من عدد أكبر من المهندسين المتميزين عندما كنّ يتفاعلن معهم شخصياً، ما يشير إلى أنهن كنّ يتلقين رؤى وأفكاراً أكثر تنوعاً حول عملهن. ومن المثير للاهتمام أن الملاحظات الإضافية جاءت من الزملاء الذكور والإناث على حدٍّ سواء، ما يعني أن الأمر لا يقتصر على حالة المهندسات اللاتي يعانين مزيداً من "العجرفة الذكورية" عند العمل في المقرات المكتبية، ولا حالة المهندسات اللاتي يتلقين مساعدة النساء الأخريات عندما يعملن معهن وجهاً لوجه فقط.

تتشابه ديناميات التفاعل بين المهندسين والمهندسات، وإن كانت أقل تبايناً بالنسبة للمهندسين الذكور؛ إذ كانت الفجوة في تقديم الملاحظات بين المهندسين الذكور الذين يعملون في مبنى واحد ومَن يعملون في مبانٍ متعددة 18% فقط، عندما كانت المقرات المكتبية مفتوحة. كانت هذه الفجوة أقل من نصف الفجوة بين المهندسات، لكنها تلاشت أيضاً عند إغلاق المقرات المكتبية. ويبدو أن رغبة المهندسين الذكور في طلب التوضيح أقل تأثراً بالقرب المكاني.

والأهم من ذلك أننا لم نجد أي اختلاف في طبيعة التعليقات التي تلقاها المهندسون والمهندسات، فإجمالاً كانت هذه التعليقات مفيدة وقابلة للتنفيذ على وجه العموم، وبالتساوي بين المهندسين والمهندسات في هذا السياق.

كانت فوائد القرب المكاني كبيرة، ولا سيّما للموظفات الجديدات في الشركة، فالموظفون الحديثو العهد بالعمل في الشركة ولديهم شهية مفتوحة عموماً للتعلم تلقوا توجيهات أكثر من غيرهم، وكانت عملية توجيههم أكثر تأثراً بالقرب المكاني. وعلى وجه التحديد، تلقت المهندسات المبتدئات اللاتي شملتهن دراستنا ملاحظات أكثر بنسبة 51% تقريباً حينما كنّ ضمن فريق يعمل في مبنى واحد، في حين تلقى المهندسون المتمرسون قدراً مماثلاً من الملاحظات بغض النظر عما إذا كانوا ضمن فريق يعمل في مبنى واحد حيث يمكنهم العمل بالقرب من زملائهم في الفريق، أو كانوا ضمن فريق يعمل في مبانٍ متعددة حيث يتناقشون عن بُعد.

تراجع العمل المحجوب عن الأنظار عند العمل من المنزل

في حين تبدو المهندسات المبتدئات من أكثر العاملين استفادة من القرب المكاني، تبدو المهندسات المتمرسات من أكثر العاملين تضرراً من القرب المكاني؛ إذ قدّمت المهندسات المتمرسات اللاتي يعملن بالقرب من زملائهن تعليقات أكثر بنسبة 28% من تلك المقدَّمة في الفرق الموزّعة على مبانٍ متعددة. ونظراً لأنهن أهدرن وقتاً أطول في تقديم الملاحظات، فقد تراجعت إنتاجياتهن أيضاً عند العمل بالقرب من زملائهن في الفريق؛ إذ بلغت إنتاجية المهندسات المتمرسات اللاتي يعملن بالقرب من زملائهن في الفريق أقل من نصف البرامج شهرياً مقارنة بقريناتهن اللاتي يعملن في فرق موزّعة على مبانٍ متعددة.

وكان للقرب المكاني تأثير أقل على المهندسين الذكور المتمرسين؛ إذ كانت الملاحظات التي قدّمها المهندسون المتمرسون عند العمل في المقرات المكتبية أكثر قليلاً من تلك التي قدموها عند عملهم عن بُعد. ونتيجة لذلك، لم تتراجع إنتاجية المهندسين الذكور المتمرسين سوى بنصف معدل تراجع إنتاجية المهندسات المتمرسات.

يتصف تدريب الزملاء الآخرين بأنه عمل محجوب عن الأنظار في أغلب الأحيان؛ إذ يصعب تحديده وبالتالي تصعب مكافأة القائمين عليه. وقد وجدنا أن الموظفات المتمرسات اللاتي عملن بالقرب من زملائهن في الفريق حصلن على زيادات أقل في الأجور مقارنة بقريناتهن اللاتي عملن من المنزل، إذ كنّ يستثمرن في نمو زملائهن على حساب إنتاجياتهن مثلما نتوقع.

تأثيرات العمل عن بُعد في المجالات غير الهندسية

هناك عدة أسباب للاعتقاد أن ديناميات التفاعل التي وثّقناها بين مهندسي البرمجيات قد تكون مبالغاً فيها مقارنة بسياقات أخرى.

أولاً: تساعد هندسة البرمجيات على تقديم التوجيه عن بُعد، فالملاحظات الرقمية على الرموز البرمجية متأصلة بعمق على المستوى المؤسسي، وكانت ممارسة شائعة قبل تفشي جائحة كوفيد-19. وإذا كانت الوسيلة الوحيدة لمساعدة الزملاء على النمو هي الحضور الشخصي، فسيؤدي العمل عن بُعد إلى تحمُّل الموظفين المبتدئين تكلفة أكبر. وعلى العكس من ذلك، فإن عبء توفير هذا التدريب شخصياً، الذي يقع غالباً على عاتق الموظفات المتمرسات، سيكون ذا تأثير أقوى أيضاً.

ثانياً، مهندسو البرمجيات الذين شملتهم دراستنا يقدمون إسهامات فردية. وإذا كنا ندرس الفرق التعاونية التي تفيد فيها التفاعلات المباشرة وجهاً لوجه كلاً من الإنتاجية والتعلُّم، فإن تكاليف تقديم ملاحظات أقل للموظفين المبتدئين عند العمل عن بُعد والتكلفة التي يتحملها كبار المدراء لتوفير هذا التدريب قد تكون أكبر أيضاً.

الأهم من ذلك أن 16% فقط من المهندسين والمهندسات المشاركين في دراستنا هم آباء وأمهات، وقد يتفاقم تراجع الملاحظات الذي رصدناه عندما لا يعمل بعض المهندسين بالقرب من بعض إذا كان الآباء بحاجة إلى التوفيق بين العمل ورعاية أطفالهم. وهذا من شأنه أن يجعل تكاليف التوجيه عند العمل عن بُعد أكثر تطرفاً. ومع ذلك، إذا استطاع الموظفون تحقيق التوازن على نحو أكثر فعالية بين الأبوة ورعاية الأطفال من جهة والعمل من جهة أخرى عند العمل عن بُعد، ربما لأن شركاتهم توفر الموارد والمرونة اللازمة لتحقيق هذه الغاية، فإن التأثيرات التي نلاحظها ستكون أقل حدة بين الآباء.

ما الذي علينا فعله؟

يشير بحثنا إلى أن إيجابيات عمل المرأة عن بُعد وسلبياته تعتمد على مرحلتها المهنية؛ فقد يؤدي العمل عن بُعد بالنسبة للموظفات المبتدئات إلى إضعاف التدريب في أثناء العمل، في حين قد يؤدي إلى تعزيز إنتاجية الموظفات المتمرسات؛ إذ تزداد إنتاجياتهن عندما لا يضطررن إلى تقديم ملاحظات لزملائهن المبتدئين.

تجدر الإشارة إلى أن آثار العمل عن بُعد التي نوثّقها ليست ثابتة؛ إذ تعتمد على ممارسات الإدارة وأنظمة المكافآت. وإذا كانت الإدارة تقدّر توفير التدريب الفعّال والعالي الجودة للزملاء المبتدئين وتكافئ القائمين عليه بوضوح، بدلاً من وقوعه في فئة العمل المحجوب عن الأنظار الذي تؤديه النساء غالباً نظير مقابل زهيد، فقد تتلقى الموظفات المبتدئات تدريباً رائعاً حتى عند عملهن عن بُعد، وقد تتلقى الموظفات المتمرسات مكافآت أفضل نظير التوجيه الذي يقدمنه شخصياً في مقرات العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي