ملخص: قد يعتقد المرء أن أي نشاط تجاري تقليدي موجّه للمستهلك ويواجه صعوبة في منافسة الشركات الأكثر كفاءة من حيث التكلفة سيحاول تجنب الدخول في منافسة مباشرة معها قدر الإمكان. لكن وجدت دراسة أُجريت على المخابز في مدينة ليون بفرنسا أن المخابز التقليدية حققت نجاحاً أكبر وتمكّنت من إبراز تقاليدها وقيمها على نحو أفضل من خلال افتتاح متاجرها بجوار متاجر منافسة حديثة وأكثر كفاءة.
كان من المفترض أن تواجه المخابز الفرنسية التقليدية صعوبة في الاستمرار في السوق، لأن أسعار الخبز تنافسية للغاية، ما يترك مجالاً ضئيلاً لإجراء مناورات تسعيرية. تخضع المكوّنات للتنظيم (بموجب القانون، يجب أن تقتصر مكوّنات الخبز الفرنسي التقليدي على الدقيق والماء والملح والخميرة فقط). بالنسبة للمخابز التقليدية، فإن التحديات تكون أكبر؛ إذ يفرض عليها إيمانها بالأساليب القديمة قيوداً إضافية، فهي لا تتبع الممارسات التي توفر الوقت والتكلفة (مثل استخدام خلطات العجين الجاهزة والعجين المجمد)، التي تكون إلى حد ما غير مرئية للمستهلكين. لكن على الرغم من هذه المصاعب، حافظت المخابز التقليدية على حصة أغلبية قوية في سوق الخبز الفرنسي على الرغم من استخدام المخابز المنافسة الحديثة تقنيات إنتاج أكثر كفاءة.
كيف تفعل ذلك؟ تشير دراستنا التي استمرت 19 عاماً حول المنافسة بين المخابز في مدينة ليون إلى أن اختيار الموقع الاستراتيجي للمخابز هو أحد أهم العوامل التي تُساعد المخابز التقليدية في التفوق على المخابز المنافسة. تُعد نتائج أبحاثنا قيّمة للغاية بالنسبة للشركات التي تعتمد في منافستها على التقاليد أو القيم، لكنها تواجه صعوبة في تمييز منتجاتها عن منتجات الشركات المنافسة في نظر المستهلكين.
لمعرفة مزيد من المعلومات حول كيفية منافسة المخابز التقليدية للمخابز الحديثة، عملنا على تحليل استراتيجيات اختيار الموقع لـ 177 مخبزاً داخل مدينة ليون، إحدى المدن المشهورة بالطعام في فرنسا، وذلك من بداية عام 1998 حتى نهاية عام 2017. تضمن نهجنا تحليلات الانحدار استناداً إلى البيانات الأرشيفية والتجارب، بالإضافة إلى إجراء مقابلات متعددة مع أصحاب المخابز التقليدية والحديثة على حد سواء.
نظراً لانتشار المخابز الفرنسية في كل مكان وطابعها الخاص بوصفها أماكن مخصصة لصناعة الخبز (أي أن مواقع المخابز تستخدم عادة لنشاط المخابز ولا تتحول لأغراض أخرى)، استطعنا تتبع عدد المخابز التي أصبحت شاغرة وغير مشغولة على مر الوقت. على مدار 19 عاماً، كان يوجد 264 موقعاً شاغراً للمخابز، 203 مواقع منها كانت تعود لمخابز تقليدية سابقة و61 موقعاً يعود لمخابز حديثة سابقة.
وجدنا نمطاً مثيراً للاهتمام بين المنافسين الذين دخلوا السوق حديثاً: اتجه أصحاب المخابز التقليدية غالباً إلى اختيار المتاجر التي كانت سابقاً مخابز تقليدية، في حين فضّل أصحاب المخابز الحديثة المتاجر التي كانت في السابق مخابز حديثة. تشير المقابلات التي أُجريت مع أصحاب المخابز الذين فعلوا ذلك إلى أن هذا الأمر لم يكن صدفة؛ إذ تعمّدوا اختيار الموقع للحفاظ على التقاليد والتراث الذي يمثّله المكان. ازدادت أهمية النتائج التي توصلنا إليها عندما حلّلنا قرب المواقع الشاغرة من المخابز التقليدية أو الحديثة الموجودة في المدينة. اتخذ أصحاب المخابز التقليدية خطوة غير متوقعة: 74% من المواقع التي اختاروها كانت بالقرب من مخابز حديثة. في المقابل، تجنب المنافسون الجدد اختيار المواقع القريبة من مواقع المنافسين التقليديين والحديثين.
فوجئنا باستراتيجية أصحاب المخابز التقليدية لعدة أسباب.
تشير المبادئ الاقتصادية الأساسية إلى أن تجمّع شركات متشابهة في مساحة محدودة بحيث لا تسمح بتمييز منتجاتها من شأنه أن يزيد من حدة المنافسة. في هذه الحالة، يكون الوضع أسوأ نظراً لأن المخابز الحديثة، التي تكون تابعة غالباً لمطاحن كبيرة، تتمتع بميزة التكلفة.
إذاً، لماذا يرغب أصحاب المخابز التقليدية في العمل بجوار منافسين لا يشاركونهم قيمهم وممارساتهم وهويتهم، ومن المتوقع أن يواجهوا منافسة أشد؟ أخبرنا أصحاب المخابز بأنهم فعلوا ذلك لأنهم يعتقدون أن هذا الأمر سيساعدهم في إبراز تميزهم. يقول أحدهم موضحاً: "إنّ وجود مخبز حديث بجوارنا يسمح لنا بإبراز هويتنا".
في المقابل، أخبرنا المنافسون الجدد أنهم يريدون تجنب الدخول في منافسة مباشرة مع أي طرف.
الدرس المستفاد: على عكس المتعارف عليه بأن الطيور على أشكالها تقع، فإن الشركات ذات التقاليد أو القيم الراسخة، التي تبيع منتجات أو خدمات مشابهة لمنتجات الشركات التي تفتقر إلى تلك السمات، قد تفضّل البقاء بالقرب من الشركات المنافسة لها؛ إذ ربما يسمح لها ذلك بتسليط الضوء على ما يميّزها عن الشركات المنافسة.