فك شيفرة مورثات نظام تويوتا الإنتاجي

26 دقيقة

لطالما امتُدح نظام تويوتا الإنتاجي بوصفه مصدر الأداء المتميز لشركة تويوتا الصناعية. وقد تم العمل  بهذه الممارسات المتميزة لهذا النظام – مثل بطاقات كانبان ودوائر الجودة التي يعتمدها – على نطاق واسع في أماكن أخرى . وفي الواقع قامت كبريات الشركات مثل "جنرال موتورز"، و"فورد"، و"كرايسلر" في سياق بذل جهودها الداخلية وسعيها لمجاراة  أفضل شركات التصنيع في العالم بطرح مبادرات كبرى لتطوير نظم إنتاج مماثلة لنظام تويوتا. ولقد تنوعت الشركات التي حاولت تبني ذلك النظام لتشمل قطاعات إنتاج متعددة ومتنوعة جداً مثل قطاع الصناعات الفضائية الجوية والمنتجات الاستهلاكية والتعدين والمنتجات الصناعية.

اللافت  أن عدداً صغيراً من المصنعين نجح في تقليد شركة "تويوتا"، على الرغم من أن هذ الشركة كانت منفتحة إلى أبعد الحدود في إظهار ممارساتها أمام كل من يرغب في التعلم منها. فلقد قام مئات آلاف التنفيذيين  من آلاف الشركات بزيارة منشآت  تويوتا في اليابان والولايات المتحدة. وإزاء شعور العدد الأكبر من هؤلاء بالإحباط الشديد بسبب فشلهم في تقليد تويوتا، لجؤوا إلى الافتراض بأن سر نجاح تلك الشركة يكمن في جذورها الثقافية. لكن هذا ليس  صحيحاً. شركات يابانية أخرى مثل "نيسان" و"هوندا" لم تنجح في تحقيق معايير شركة تويوتا، كما أن  هذه الأخيرة  نجحت في تقديم  نظام إنتاجها على مستوى العالم، بما في ذلك أميركا الشمالية، حيث سيبلغ حجم إنتاج الشركة هذا العام أكثر من مليون سيارة وحافلة صغيرة وشاحنة خفيفة.

لماذا إذاً كانت مسألة فك شيفرة نظام تويوتا الإنتاجي صعبة إلى هذا الحد؟ نعتقد أن الإجابة على هذا السؤال هي الجواب أن المراقبين يخلطون بين الأدوات والممارسات التي يرونها أثناء زياراتهم للمنشآت من جهة وبين النظام بحد ذاته من جهة أخرى؛ الأمر الذي يجعلهم يقفون أمام تناقض في النظام يستحيل حله، ألا وهو أن الأنشطة والارتباطات  وتدفقات الإنتاج في أحد مصانع تويوتا محددة بدقة وصرامة كبيرتين، إلا أن العمليات في ذات الوقت مرنة وقابلة للتكيف. وتجري مراجعة واختبار الأنشطة  بشكل منتظم ودائم للوصول بها إلى مستويات أعلى من الأداء، الأمر الذي يمكن الشركة من الاستمرار في الابتكار والتحسين.

ولفهم نجاح تويوتا، يتعين عليك حل التناقض – أي أن تفهم أن المواصفات الصارمة هي التي تجعل المرونة والابتكار ممكنين. ذلك ما توصلنا إلى إدراكه بعد دراسة مكثفة وواسعة النطاق امتدت على مدار أربع سنوات لنظام تويوتا الإنتاجي تفحصنا خلالها  آليات العمل الداخلية لأكثر من 40 منشأة  في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان بعضها يعمل وفقاً لهذا النظام والبعض الآخر لا. وقد تناولت الدراسة عاملين في مجالي الصناعتين التجميعية والتحويلية، الذين تنوعت منتجاتهم بين المنازل مسبقة الصنع وقطع السيارات وتجميعها والهواتف الجوالة وطابعات الحواسب والمنتجات البلاستيكية المشكلة بقوالب الحقن ومنتجات الألمنيوم المشكلة بالبثق. ولم نكتف بدراسة الأعمال الروتينية، بل درسنا أيضاً الأعمال الخدمية كصيانة المعدات وتدريب العمال والإشراف عليهم والعمليات اللوجستية وعمليات معالجة المواد وتصميم العمليات وإعادة تصميمها.

ووجدنا أنه بالنسبة للمراقب الخارجي فإن مفتاح الحل يكمن في فهم أن نظام تويوتا الإنتاجي يخلق جماعة من العلماء. فعندما تحدد تويوتا خاصية معينة، فإنها بذلك تضع مجموعة فرضيات يمكن اختبارها لاحقاً. وبعبارة أخرى فإن تويوتا تتبع النهج العلمي في عملها. ولإجراء أي تغيير تستخدم تويوتا عملية صارمة ودقيقة لحل المشاكل تتطلب تقييماً مفصلاً للوضع الراهن (للشؤون) وخطة عمل لتحسينه، هي في الواقع اختبار تجريبي وعملي للتغييرات المقترحة. وبالنسبة لتويوتا فإن التنازل عن أي قدر من دقة وصرامة هذا النهج العلمي يعني تحويل عملية التغيير إلى أكثر بقليل من مجرد تجربة وخطأ – ما يعني خوض الحياة بعينين معصوبتين.

ولعل تأصل النهج العلمي لدى تويوتا هو الذي يفسر كيف أن دقة المواصفات ووضوح البنى لا يؤدي إلى ما يتوقعه المرء من سيادة لجو الأوامر والسيطرة وعدم المرونة في الشركة. وبالفعل، من خلال مراقبة العمال والموظفين وهم ينجزون أعمالهم ويساعدون  في تصميم عمليات الإنتاج اتضح لنا أن نظام تويوتا الإنتاجي يحث العمال والمدراء على حد سواء على الانخراط في هذا النوع من إجراء التجارب الذي يعد على نطاق واسع حجر الزاوية  لقيام الجمعيات التعليمية. وذلك بالضبط هو ما يميز تويوتا عن جميع الشركات الأخرى التي درسناها.

إن نظام تويوتا الإنتاجي والطرائق العلمية القائم عليها لم تُفرض على الشركة من الخارج – ولم يتم انتقاؤها عن وعي حتى؛ بل انبثقت بشكل طبيعي عن أعمال الشركة اليومية على مدار خمسة عقود من الزمن. وكنتيجة لذلك لم يجر تدوينها يوماً، وكثيراً ما يجد عمال تويوتا أنفسهم عاجزين عن توصيفها والتعبير عنها بوضوح، ويصعب على من هم ليسوا داخل الشركة  إدراكها. نسعى في هذه المقالة إلى شرح كيفية عمل نظام تويوتا، وذلك من خلال إظهار ما هو ضمني. إننا نصف أربعة مبادئ أساسية – ثلاث قواعد تصميمية تبين كيف تعد تويوتا عملياتها كتجارب، وقاعدة للتحسين، تصف كيف تعلّم تويوتا الطرائق العلمية للعاملين لديها في جميع مستوياتها التنظيمية. إن هذه القواعد – وليس الممارسات والأدوات التي يراها الزوار أثناء زياراتهم لمنشآت الشركة – هي التي تمثل برأينا جوهر نظام تويوتا. ولهذا السبب ننظر إلى هذه القواعد كالحمض النووي  لنظام تويوتا. فلنلقي نظرة عن قرب على هذه القواعد (راجع الفقرة الجانبية بعنوان "القواعد الأربع").

القاعدة رقم 1: كيفية عمل الموظفين

يؤمن مدراء تويوتا بأن الشيطان يكمن في التفاصيل، ولذلك يحرصون على أن تكون جميع المهام موصوفة ومحددة بدقة عالية من حيث المضمون والتسلسل والتوقيت والمردود. فإذا كانت المهمة تثبيت أحد المقاعد ضمن السيارة على سبيل المثال، يتم  تثبيت البراغي دائماً بالتسلسل نفسه والوقت اللازم لتثبيت كل برغي محدد بدقة والأمر ذاته ينطبق على العزم الذي يثبت فيه كل برغي. ولا ينحصر اتباع  هذه الدقة في الأعمال المتكررة التي ينجزها عمال الإنتاج العاديين بل تشمل أيضاً أنشطة جميع الموظفين بغض النظر عن خصوصية مهامهم ودورهم الهرمي. ولعل شرط توصيف جميع الأنشطة هو القاعدة الأولى غير المكتوبة لنظام تويوتا الإنتاجي. وبصراحة فإن هذه القاعدة بسيطة لدرجة أننا نتوقع أن يفهمها ويتبعها الجميع. لكن في الواقع، غالبية المدراء من خارج شركة تويوتا وشركائها لا ينتهجون هذه المقاربة لتصميم خطوات العمل وتنفيذها – حتى عندما يظنون أنهم يفعلون.

لننظر إلى الطريقة التي يتبعها العمال في شركة أميركية نموذجية لتصنيع السيارات عادة، لتثبيت مقعد الراكب الأمامي داخل السيارة. تتضمن التعليمات أن يلتقط العامل أربعة براغٍ من صندوق ويأخذها مع مفتاح مناسب إلى السيارة، ويثبتها في أمكنتها المخصصة، ومن ثم يدخل رمزاً إلى الكمبيوتر في إشارة إلى أن المهمة قد أنجزت من دون مشاكل؛ وبعد ذلك ينتظر العامل حتى تأتي السيارة التالية. يتم تدريب العمال الجدد على يد عاملين خبراء، وذلك من خلال استعراض كيفية العمل أمامهم. وقد يكون أحد الزملاء المخضرمين متوفراً لمساعدة العمال الجدد في حال مواجهتهم لأية مصاعب، كعدم تثبيت أحد البراغي بالشكل الكافي أو نسيان إدخال الرمز المحدد إلى الكمبيوتر.

يبدو ذلك واضحاً، فما الخطأ فيه؟ المشكلة هي أن هذه المواصفات تسمح – بل تفترض – بقدر كبير من التفاوت في طريقة قيام الموظفين بأعمالهم. بغفلة عن الجميع، هناك  مجال واسع أمام العامل الجديد لكي يثبت المقعد داخل السيارة بطريقة تختلف عن الطريقة التي يتبعها العامل صاحب الخبرة. فالبعض قد يثبت البرغيين الأماميين قبل البرغيين الخلفيين؛ والبعض الآخر قد يختار الترتيب المعاكس؛ وقد يضع البعض جميع البراغي في أماكنها أولاً ومن ثم يثبتها، في حين يضع البعض الآخر كل برغي في مكانه ويثبته أولاً قبل أن ينتقل إلى البرغي التالي. هذا التفاوت في تنفيذ المهام يؤدي إلى نوعية أدنى، إنتاجية أقل وتكاليف أعلى. والأهم من ذلك، أنه يعرقل التعلم والتحسن  في المنظمة. إذ إن من شأن التفاوت أن يخفي الرابط  بين طريقة إنجاز العمل والنتائج.

أما في منشآت تويوتا، فسرعان ما يتم اكتشاف أي خروج عن المواصفات المحددة، لأن العمال (الجدد والقدامى، المبتدئين والمشرفين) يتبعون سلسلة محددة من الخطوات لتنفيذ كل مهمة. فلننظر إلى كيفية تثبيت عمال شركة تويوتا في منشأة جورج تاون بولاية كنتاكي على سبيل المثال لمقعد الركاب الأمامي ضمن سياراتها من طراز كامري كمثال. العمل مصمم كسلسلة من سبع مهام يجب إنجازها مجتمعة في غضون 55 ثانية تجتاز السيارة في أثنائها المنطقة المخصصة للعامل. وإذا وجد العامل نفسه ينجز المهمة السادسة (تثبيت البرغيين الخلفيين) قبل المهمة الرابعة (تثبيت البرغيين الأماميين)، فإن المهمة تنفذ خلافاً للتصميم، ما يؤشر إلى أن خطأً ما قد ارتُكب. وبالمثل عندما يكون العامل لا يزال ينفذ الخطوة الرابعة عند الثانية 40، في حال ما زال العامل ينجز المهمة، التي من المفترض انهاؤها خلال 31 ثانية فإن هناك أمراً خاطئ. ولتسهيل عملية اكتشاف المشكلة جرى تقسيم المساحة المخصصة للعامل إلى عشرة أجزاء، بحيث إنه عندما يجتاز العامل برفقة السيارة الجزء السادس من المساحة المخصصة له (ما يعني انقضاء 33 ثانية من وقت الدورة) ولا يزال ينجز الخطوة الرابعة، فإنه وقائد فريقه سيريان مباشرة أنه متخلف في إنجاز مهمته. وبما أن الانحراف يظهر مباشرة، يمكن للعامل والمشرف معاً أن يعملا على حل المشكلة مباشرة ومن ثم تحديد كيفية تغيير المواصفات أو إعادة تدريب العامل لتفادي تكرار الخطأ. (انظر الفقرة الجانبية بعنوان "كيف يتعلم عمال تويوتا القواعد" لأخذ فكرة موجزة حول آلية تعلم تصميم خطوات العمل وفق هذه الطريقة).

وحتى الأنشطة المعقدة والأقل تواتراً، كتدريب العمال المبتدئين في منشأة جديدة أو إطلاق نموذج جديد أو تغيير خط الإنتاج أو نقل المعدات من مكان إلى آخر داخل المنشأة، يتم تصميمها وفق هذه القاعدة. ففي إحدى شركات تويوتا الموردة في اليابان جرى على سبيل المثال نقل معدات من مكان إلى آخر داخل المنشأة بهدف إنشاء خط إنتاج جديد استجابة لتغيرات في الطلب على منتجات معينة. جرى تقسيم مشروع نقل الآلات إلى 14 مهمة منفصلة، كل منها مقسمة ومصممة على شكل مهمات متسلسلة. وقد أوكلت كل مهمة فرعية إلى شخص محدد يقوم بإنجازها وفق تسلسل محدد. ومع نقل الآلات المختلفة جرت مقارنة كيفية القيام بالمهمات في الواقع بما كان متوقعاً بحسب النموذج الأصلي، وتمت الإشارة إلى المخالفات  مباشرة.

ومن خلال الطلب من العمال إنجاز مهامهم وفق سلسلة محددة بدقة من الخطوات، تجبرهم القاعدة رقم 1 على اختبار الفرضيات من خلال الحركة. تأدية النشاط تختبر الفرضيتين اللتين يتضمنهما المخطط: أولاً، أن الشخص الذي يقوم بالنشاط قادر على القيام به بشكل صحيح؛ وثانياً، أن القيام بالنشاط سيؤدي إلى النتيجة المتوقعة. هل تذكرون العامل الذي يثبت المقعد داخل السيارة؟ إن لم يستطع إدخال المقعد بالطريقة والمدة المحددتين، فهو  يثبت بوضوح أن واحدة على الأقل من الفرضيتين خاطئة، ما يشير إلى أن النشاط بحاجة إلى أن يعاد تصميمه، أو أن العامل يحتاج إلى تدريب.

القواعد الأربع

يمكن تلخيص المعرفة الضمنية التي يقوم عليها نظام تويوتا الإنتاجي في أربع قواعد أساسية. توجه هذه القواعد التصميم والتشغيل والتحسين لكل نشاط واتصال ومسار لكل منتج وخدمة. وهذه القواعد هي على النحو التالي:

  • القاعدة رقم 1: يجب توصيف جميع الأعمال بدقة فيما يتعلق بالمحتوى والتسلسل والتوقيت والنتائج.
  • القاعدة رقم 2: يجب أن يكون كل اتصال بين العميل والمورد مباشراً، ويجب أن تكون هناك طريقة لا لبس فيها لإرسال الطلبات وتلقي الردود تُختصر في كلمتي نعم أو لا.
  • القاعدة رقم 3: يجب أن يكون مسار كل منتج وخدمة بسيطاً ومباشراً.
  • القاعدة رقم 4: يجب إجراء أي تحسين وفقاً للأسلوب العلمي، تحت إشراف معلم، عند أدنى مستوى ممكن في الشركة.

تتطلب جميع القواعد أن تشتمل الأنشطة والاتصالات ومسارات التدفق على اختبارات مضمنة للإشارة إلى المشكلات بصورة تلقائية. إن الاستجابة المستمرة للمشكلات هي التي تجعل هذا النظام الذي يبدو جامداً شديد المرونة وقابلاً للتكيُّف مع الظروف المتغيرة.

القاعدة رقم 2: كيف يتصل الموظفون ببعضهم؟

بينما تشرح القاعدة الأولى كيف ينجز العمال أعمالهم  الفردية، تشرح القاعدة الثانية كيفية تواصلهم مع بعضهم البعض. ونعبر عن هذه القاعدة كالآتي: يتعين على كل عملية اتصال أن تكون موحدة ومباشرة، تحدد بشكل لا لبس فيه من هم الأشخاص المشاركون، بالإضافة إلى شكل ونوعية السلع والخدمات التي يجب تأمينها، وطريقة تقديم الطلبات من قبل كل زبون والوقت المتوقع لتلبيتها. تقيم هذه القاعدة علاقة مورد-زبون بين كل شخص يطلب خدمة أو بضاعة محددة والشخص المسؤول عن تلبية ذلك الطلب المحدد. نتيجة ذلك لا يبقى هنالك مساحات رمادية فيما يتعلق بتحديد من يزود من بماذا ومتى. فعندما يطلب عامل  قطعاً على سبيل المثال، لا يكون هناك لبس حول الشخص المورد وعدد القطع المطلوبة ووقت التوصيل. وبالمثل عندما يحتاج شخص ما إلى المساعدة، لا يكون يقع لبس حول من سيقدم المساعدة ما الذي أدى إليها وما هي الخدمات التي سيتم تقديمها.

والسؤال الذي يهمنا هنا فعلاً هو ما إذا كان الناس في شركة تويوتا يتفاعلون مع بعضهم البعض بطريقة مختلفة عن طريقة تفاعلهم في شركات أخرى. لنعد الآن إلى مثال عامل تثبيت المقعد داخل السيارة. فعندما يحتاج إلى حاوية جديدة من حاويات أغطية البراغي البلاستيكية، يرفع طلباً إلى أحد مزودي المواد المتخصص بأغطية البراغي البلاستيكية. وعادة ما تتم مثل تلك الطلبات عن طريق بطاقات كانبان، وهي بطاقات مغلفة تحمل رقم التعريف بالقطع المطلوبة وعدد القطع داخل الحاوية ومكان كل من المورد والعامل (بوصفه الزبون) الذي سيركب تلك القطع. في تويوتا، تعمل بطاقات كانبان وغيرها من الأدوات الأخرى كحبال أندون على إقامة علاقات مباشرة بين الموردين والزبائن. ويكون التواصل بين عمال شركة تويوتا عبر تلك الأدوات سلساً كما هو تسلم وتسليم العصا في أفضل فرق سباق التناوب الأولمبية لأنها تصمم وتنفذ بنفس درجة الاهتمام. فعلى سبيل المثال يتم تحديد عدد القطع في الحاوية وعدد الحاويات في التداول لأي قطعة معطاة بناء على متطلبات نظام الإنتاج على أرض الواقع – المسافات والمدد الزمنية لعمليات تغيير خطوط الإنتاج، وما إلى ذلك. وبالمثل يتم تحديد عدد العمال في فريق العمل الواحد بحسب أنواع  المشاكل المتوقعة، ومستوى المساعدة التي يحتاجها أعضاء الفريق، بالإضافة إلى مهارات وإمكانات قائد الفريق.

ومع أن بعض الشركات الأخرى تخصص موارد أساسية  للتنسيق بين الأفراد، إلا أن الروابط التي بينهم مبهمة وغير مباشرة. وفي غالبية المنشآت تتخذ الطلبات على المواد أو الحصول على المساعدة طرقاً ملتفّة من العامل في خطوط الإنتاج وصولاً إلى المورد عن طريق وسيط. وهكذا يمكن لأي مشرف أن يتلقى طلب المساعدة من عمال خطوط الإنتاج لأنه لم يتم تعيين شخص بعينه لتلقي تلك الطلبات. الجانب السلبي لهذا النهج، كما تراه تويوتا، هو أن المشكلة حين تصبح مشكلة الجميع، تتوقف عن كونها مشكلة لأحد.

إن شرط تلبية طلبات التزويد ضمن إطار زمني محدد يؤدي إلى خفض إضافي في احتمال التباين، وبشكل خاص فيما يرتبط بطلبات تقديم الخدمات. فالعامل الذي يواجه مشكلة ما يُفتَرض به طلب المساعدة مباشرة، ومن المفترض أيضاً أن يبادر الشخص المكلف بالمساعدة مباشرة إلى حل المشكلة ضمن زمن إنجاز مهمة العامل. فإذا كان العامل يثبت مقعداً في السيارة كل 55 ثانية على سبيل المثال، فإن طلب المساعدة يجب أن يلبَّى في أقل من 55 ثانية. وإذا لم يكن حل المشكلة في أقل من 55 ثانية ممكناً فإن هذا الإخفاق يتحدى الفرضيتين السابقتين حول علاقة المورد-الزبون. فربما يكون طلب المساعدة غير واضح، وربما يكون الشخص المكلف بالمساعدة مرهقاً بطلبات المساعدة الأخرى أو مشغولاً أو غير مؤهل لحل مشكلة. وهكذا فإن اختبار هاتين الفرضيتين بهذه الطريقة وبشكل مستمر يحافظ على مرونة هذا النظام ويسمح بتعديله وتكييفه بشكل متواصل ومنتظم.

إن الشيء اللافت في شرط طلب المساعدة مباشرة هو أنه يعاكس حدس المدراء المعتادين على تشجيع العمال على أن يحاولوا حل المشاكل بأنفسهم أولاً قبل طلب المساعدة. لكن تلك المشاكل ستبقى حينئذ مستترة ولن تتم مشاركتها ولا حلّها على مستوى الشركة ككل. ولعل ما يفاقم هذه المشكلة هو عندما يبدأ العمال بحل المشاكل بأنفسهم ويقررون بشكل اعتباطي الحالات التي تستحق طلب المساعدة، الأمر الذي يؤدي إلى تراكم المشاكل وعدم حلها إلا في وقت لاحق تكون فيه بعض المعلومات المهمة حول الأسباب الحقيقية لتلك المشاكل قد فقدت.

كيف يتعلم عمال تويوتا القواعد؟

إذا كانت قواعد نظام تويوتا الإنتاجي ضمنية وغير صريحة، فكيف إذاً يمكن تعليمها للعمال والموظفين؟ لا يخبر مدراء تويوتا العمال والمشرفين كيف يجب عليهم القيام بعملهم، بل يستخدمون نهجاً خاصاً بالتعليم والتعلم يسمح لعمالهم وموظفيهم بأن يكتشفوا القواعد بأنفسهم كنتيجة لحل المشاكل التي تعترضهم أثناء العمل.

فإذا ما أراد المشرف أن يعلم العامل مبادئ القاعدة الأولى، فإنه يأتي إلى مكان العمل، وبينما يزاول العامل عمله يطرح عليه سلسلة من الأسئلة: كيف تقوم بهذا العمل؟ كيف تعرف أنك تقوم بهذا العمل بشكل صحيح؟ كيف تعرف أن نتيجة عملك خالية من العيوب؟ ماذا تفعل إذا واجهت مشكلة؟ إن هذه الآلية المستمرة تمنح العامل رؤية أعمق حول ما يقوم به من عمل.

ومن خلال تراكم خبرات متعددة من هذا النوع، يتعلم العامل تدريجياً كيف يصمم جميع أعماله ونشاطاته وفق المبادئ الأساسية التي تتضمنها القاعدة رقم 1. يتم تعليم جميع القواعد وفق هذه الطريقة السقراطية من التفاعل التكراري بين طرح الأسئلة وحل المشاكل.

ومع أن فعالية هذه الطريقة تكون أكبر ما يمكن في مجال التعليم، إلا أنها مفيدة أيضاً لامتلاك المعارف الضمنية. ولذلك، لم يجرِ تعليم نظام تويوتا الإنتاجي بنجاح حتى الآن إلا في حال كان المدراء قادرين وراغبين في الانخراط بعملية مشابهة من طرح الأسئلة لتيسير عملية التعلم بالممارسة.

القاعدة رقم 3: كيفية بناء خط الإنتاج

جميع خطوط الإنتاج في تويوتا مشكّلة بحيث تتدفق جميع المنتجات والخدمات وفق مسار بسيط ومحدد. ولا يتم تغيير هذا المسار إلا عندما يعاد تصميم خط الإنتاج بشكل صريح. ومن حيث المبدأ لا يوجد في خطوط إمداد شركة تويوتا أية عوائق أو حلقات من شأنها أن تعقد عملية التدفق في سلاسل الإمداد. تلك هي القاعدة الثالثة.

وللحصول على فكرة ملموسة حول ما يعنيه ذلك، لنعد مرة أخرى إلى عامل تثبيت المقاعد داخل السيارة. فعندما يحتاج المزيد من أغطية البراغي البلاستيكية، يطلبها من الشخص المسؤول عن تزويده بتلك الأغطية، ليقوم هذا الأخير برفع طلب إلى المورد المسؤول عن ذلك في مصنع الشركة، ثم يرفع هذا بدوره مباشرة طلباً إلى مورد الشركة المصنعة لأغطية البراغي البلاستيكية. وبهذه الطريقة يربط خط الإنتاج كل عامل يسهم في إنتاج المنتج وتوزيعه بعمال آخرين في كل من شركة تويوتا شركة صب أغطية البراغي البلاستيكية وحتى شركة تصنيع الحبيبات البلاستيكية.

يكمن بيت القصيد في أنه عندما تكون خطوط الإنتاج مصممة وفقاً للقاعدة رقم 3 لا تتدفق البضائع والخدمات ببساطة إلى الشخص المتوفر التالي أو الآلة التالية، بل إلى شخص أو آلة محددين. وإذا لم يكن ذلك الشخص أو تلك الآلة متوفرين لسبب من الأسباب، فإن شركة تويوتا ستنظر إلى ذلك بوصفه مشكلة قد يتطلب حلها إعادة تصميم خط الإنتاج.

غير أن اشتراط تتبع كل منتج لمسار بسيط ومحدد مسبقاً لا يعني أن يكون المسار الواحد مكرّساً لمنتج معين واحد. بل على العكس تماماً، إن كل خط إنتاج في منشآت تويوتا عادة ما يستوعب عدداً من أنواع المنتجات أكبر بكثير مما تستوعبه خطوط الإنتاج في الشركات الأخرى.

ولا تنطبق القاعدة الثالثة على المنتجات فحسب، بل على الخدمات أيضاً مثل طلبات المساعدة. فعندما يحتاج عامل تثبيت المقاعد على سبيل المثال إلى المساعدة، فإنها تقدم له من قبل مورد محدد واحد. وفي حال لم يستطع ذلك المورد تقديم المساعدة اللازمة، تلجأ إلى مساعد مكلّف خاص بها. وفي بعض منشآت تويوتا يمكن أن يشمل مسار المساعدة ثلاث أو أربع أو خمس وصلات قد تربط بين العامل في الصالة ومدير المنشأة ككل.

وهنا أيضاً تعاكس القاعدة الثالثة الحكمة التقليدية السائدة حول خطوط الإنتاج وتجميع الموارد – حتى إنها تعاكس أيضاً ما يتصوره غالبية الناس عن طريقة عمل نظام تويوتا الإنتاجي. فوفقاً للحكمة التقليدية الموروثة عندما يعبر المنتج أو الخدمة خط الإنتاج فإنه يجب أن يُمرر إلى الآلة غير المشغولة التالية أو الشخص المتاح التالي لمتابعة معالجته. وبالمثل يفترض غالبية الناس أن المساعدة يجب أن تأتي من أول شخص قادر على المساعدة، لا من شخص محدد بعينه. ففي إحدى الشركات الموردة لقطع السيارات التي درسناها على سبيل المثال، كان من الممكن ختم غالبية تلك القطع على أكثر من مكبس وتلحيمها على أكثر من محطة لحام. قبل اعتماد الشركة نظام تويوتا الإنتاجي، كانت آلية العمل في الشركة تقوم على تمرير القطعة إلى أول مكبس غير مشغول وأول محطة لحام متاحة على مسار خط إنتاجها؛ عندما تغيرت المنشأة، تحت توجيه تويوتا، بات كل نوع من أنواع قطع السيارات يسلك مساراً إنتاجياً واحداً ضمن المنشأة.

ومن خلال اشتراط أن يكون المسار محدداً تضمن هذه القاعدة أن يكون كل استخدام لهذا المسار بمثابة تجربة وهنا يفترض تصميم مسارات خطوط الإنتاج وفقاً للقاعدة رقم 3 أن كل مزود موصول إلى مسار محدد هو مزود ضروري، وأن أي مزود غير موصول إلى المسار هو غير ضروري. وإذا شعر العاملون في شركة توريد قطع السيارات بأنهم يرغبون في حرف المسار الذي يعملون عليه والانتقال إلى آلة أو محطة لحام أخرى، أو أنهم يطلبون المساعدة من شخص غير الشخص المحدد لمساعدتهم، فإنهم سيستنتجون أن الطلبات والإمكانات الفعلية لا تتفق مع توقعاتهم. ولن يكون هناك لبس في تحديد المكبس أو محطة اللحام. مجدداً، سيراجع العمال تصميم خط الإنتاج، إذاً فالقاعدة رقم 3، تماماً مثل القاعدتين رقم 1 ورقم 2، تمكن الشركة من إجراء التجارب والحفاظ على مرونتها واستجابتها.

التجارب العلمية في نظام تويوتا الإنتاجي

عندما تدار المؤسسات والشركات تبعاً للقواعد الأربعة، يقوم الأفراد  أثناء عملهم  بإجراء تجارب تختبر على أرض الواقع مدى صحة الافتراضات التي يتضمنها تصميم أنشطتهم الفردية في العمل، علاقة الزبون بالمورد، مسارات خطوط الإنتاج، وجهود التحسين. وفيما يلي تلخيص للافتراضات وطريقة اختبارها، والاستجابات في حال دحضها.

القاعدةالافتراضاتالمؤشرات على وجود مشكلةالاستجابات
1بمقدور العامل أو الآلة إنجاز العمل وفق المواصفات المحددة.


وإذا ما أنجز العمل وفق المواصفات، فإن النتيجة (منتج أو خدمة) ستكون خالية من العيوب.
العمل لم ينجَز وفق المواصفات المحددة.


النتيجة تشوبها العيوب.
حدد السوية الحقيقية لمهارة العامل أو لإمكانات الآلة، ومرّن الشخص أو عدل الآلة بالشكل المناسب.

عدل تصميم العمل.
2طلبات الزبائن للبضائع والخدمات لها توزع وحجم محددان.

بمقدور المورد أن يستجيب لطلبات الزبائن.
الاستجابات لا تواكب سرعة الطلبات.

المورد بلا عمل في انتظار الطلبات.
حدد توزع الطلبات وحجمها الحقيقي والإمكانات الحقيقية للمورد، أعد تدريبه وعدل أنشطته أو عيّن مورد مناسب للزبون.
3كل مورد مرتبط بمسار التدفق هو مورد ضروري.

وكل مورد غير مربوط مع مسار التدفق هو مورد غير ضروري.
هنالك عامل (أو آلة) مربوط مع مسار التدفق وغير ضروري.

هنالك مورد غير محدد يقدم بضائع أو خدمات بشكل غير مباشر.
حدد لماذا المورد غير ضروري وأعد تصميم مسار التدفق.

حدد لماذا المورد غير المحدد ضروري في الواقع، وأعد تصميم مسار التدفق.
4التغيير المحدد في العمل أو قنوات الوصل أو مسار التدفق سيؤدي إلى تحسن في السعر، أو الجودة، أو مدة تصنيع المنتج، أو حجم الدفعة، أو الأمان بمقدار محدد.النتيجة على أرض الواقع مختلفة عن النتيجة المتوقعة.حدد كيفية إنجاز العمل أو إدارة العلاقات أو مسار التدفق على أرض الواقع. وحدد الآثار الحقيقية للتغيير. ومن ثم أعد تصميم التغيير.

القاعدة رقم 4: كيفية التحسين

إن تحديد المشاكل هو فقط الخطوة الأولى. ولكي يقوم العمال والموظفون بالتغييرات الفعالة باستمرار، يتعين عليهم أن يعرفوا كيف يتم التغيير ومن هم الأشخاص المسؤولون عن إحداث التغييرات. تعلم شركة تويوتا عمالها وموظفيها بوضوح كيفية التحسين ولا تتوقع منهم أن يتعلموا من خبراتهم الشخصية فقط. وهنا يأتي دور قاعدة التحسين. وبشكل خاص تشترط القاعدة رقم 4 أن أي تحسين في أنشطة الإنتاج أو في العلاقات بين العمال والموظفين وعلاقة العمال بالآلات أو في مسارات خط الإنتاج، يجب أن يتم وفق الطريقة العلمية وبإشراف معلم وعلى أدنى المستويات التنظيمية. لننظر أولاً كيف يتعلم عمال وموظفو تويوتا النهج والطرائق العلمية.

كيف يتعلم العمال والموظفون تحسين أنفسهم؟

أنشأت شركة "آيسين سايكي" عام 1986، إحدى شركات مجموعة تويوتا التي صنعت منتجات معقدة مثل المحركات الخاصة بصناعة السيارات، وخط إنتاج لتصنيع الفرشات، وذلك لاستيعاب فائض طاقة الإنتاج في إحدى منشآتها. ومنذ ذلك العام تضاعف عدد أنواع الفرشات التي تصنعها الشركة من 200 صنف إلى 850 نوعاً، وازداد حجم إنتاجها من 160 إلى 550 فرشة في اليوم، كما تضاعفت إنتاجيتها أيضاً. وفيما يلي مثال على كيفية تحقيق الشركة لذلك التحسين.

في إحدى زياراتنا إلى تلك المنشأة قمنا بدراسة أحد فرق العمل المتخصصة بإنتاج الفرشات والذي كان أفراده يتعلمون كيفية تحسين مهاراتهم في حل المشاكل من خلال إعادة تصميم عملهم. في البدء كان العمال مسؤولين فقط عن القيام بأعمالهم الخاصة الموحدة؛ ولم يكونوا مسؤولين عن حل المشاكل. بيد أنه جرى بعد ذلك تعيين قائد جديد للفريق لكي يدربهم على تأطير المشاكل بشكل أفضل ووضع فرضيات واختبارها. وبعبارة أخرى علمهم كيف يستخدمون الطرائق العلمية في إعادة تصميم عمل فريقهم بما يتفق مع القواعد الثلاث الأولى. ولقد كانت النتائج مبهرة. فلقد كانت إحدى منجزات الفريق على سبيل المثال أنه أعاد تصميم طريقة لصق شريط الحاشية على الفرشات ما أدى إلى تخفيض معدل الأخطاء بنسبة 90%. (راجع الفقرة الجانبية "الإنتاج حسب الطلب في منشأة آيسين لإنتاج الفرشات").

لإجراء تغيير ما، يُتوقع من العمال تقديم عرض مفصل للمنطق الذي تقوم عليه فرضيتهم. لننظر إلى ما يمكن أن يتضمنه ذلك. كان هاجيمي أوهبا، المدير العام لمركز دعم موردي تويوتا، يزور إحدى المنشآت حيث يقوم أحد مستشاري المركز بتنظيم أحد أنشطة التدريب والتطوير (للاطلاع على دور مراكز التشجيع في نظام تويوتا الإنتاجي، راجع الفقرة الجانبية بعنوان "التزام تويوتا بالتعلم"). كان المستشار يساعد عمال المنشأة ومشرفهم على خفض المدة الزمنية اللازمة لتصنيع المنتجات في خط إنتاج محدد، ولقد أتى السيد أوهبا لتقييم مدى التقدم الذي تحرزه المجموعة المتدربة.

بدأ أفراد المجموعة عرضهم بتوصيف الخطوات اللازمة لتصنيع منتجهم – مسلطين الضوء على المشاكل التي حددوها عندما درسوا في أول مرة عملية تحويل آلة الإنتاج من تصنيع قطعة معينة إلى تصنيع قطعة أخرى، ومن ثم شرحوا التغييرات التي قاموا بها لحل كل من تلك المشاكل. وختموا عرضهم بالقول: "عندما بدأنا كانت عملية التحويل تحتاج إلى 15 دقيقة. ولقد كنا نأمل أن نخفض تلك المدة بنسبة ثلثين لتصبح 5 دقائق فقط، بحيث يمكننا تخفيض أحجام الدفعات بنسبة الثلثين. لقد تمكنا بفضل التغييرات التي اقترحناها من خفض مدة التحويل إلى سبع دقائق ونصف الدقيقة – أي خفضنا تلك المدة إلى النصف".

بعد انتهائهم من العرض سألهم أوهبا لماذا لم يستطيعوا تحقيق هدفهم الأولي المتمثل في خفض مدة التحويل إلى 5 دقائق. لقد فاجأهم ذلك السؤال، فهم في نهاية المطاف نجحوا في تخفيض تلك المدة بنسبة 50% إلا أن سؤال أوهبا يشير إلى أنهم فوتوا فرصة لتحقيق المزيد من التحسينات. قدموا شروحات لها علاقة بتعقيدات الآلة والصعوبات التقنية وتكاليف تحديث المعدات. وبناء على تلك التفسيرات رد أوهبا بمزيد من الأسئلة التي هدفت جميعها إلى دفع المستشار كما العاملين إلى توضيح وتحدي افتراضاتهم الأساسية حول ما يمكن وما لا يمكن تغييره – افتراضات قادتهم إلى حل بعض مشكلاتهم لكنها قيدتهم في الوقت نفسه - هل كانوا متأكدين أن أربعة براغ كانت ضرورية؟ هل كان يمكن للتحويل أن يتم باثنين فقط؟ هل كانوا متأكدين أن جميع الخطوات التي دخلت في عملية التحويل ضرورية؟ وهل كان من الممكن دمج بعضها أو حذفها كلياً؟ لم يكن أوهبا يقصد في سؤاله عن أسباب عدم تحقيق الهدف الأولي أن يقول إن الفريق قد أخفق. بل كان يهدف إلى جعلهم يدركون أنهم لم يستكشفوا جميع فرص التحسين الممكنة لأنهم لم يمحصوا فرضياتهم بالعمق المطلوب.

فضلاً عن ذلك كان لإصرار أوهبا سبب آخر. لقد كان يحاول أن يثبت لأعضاء المجموعة أن نشاطهم التحسيني لم يظهر على شكل تجربة حقيقية. فلقد وضعوا هدفاً أولياً محدداً بالوصول إلى مدة تحويل قدرها خمس دقائق، بناءً على المنطق القائل إن عملية التحويل الأسرع وحجم الدفعة الأصغر أفضل من عملية التحويل الأبطأ وحجم الدفعة الأكبر. لكنهم لم يفرقوا بين الأهداف والتوقعات القائمة على الفرضيات. فهدفهم لم يكن التوقع الذي آمنوا بإمكانية تحقيقه عبر خطوات تحسينية محددة خططوا للقيام بها. وكنتيجة لذلك، لم يصمموا جهود التحسين على شكل تجربة مع فرضية واضحة قابلة للإثبات على شاكلة: "إذا قمنا بهذه التغييرات المحددة، فإننا نتوقع تحقيق هذه النتيجة المحددة". وعلى الرغم من أنهم قد نجحوا في تخفيض مدة التحويل بشكل ملحوظ، إلا أنهم لم يقوموا باختبار الفرضيات الكامنة ضمنياً في جهود التحسين التي بذلوها. بالنسبة لأوهبا، كان إدراك العمال ومشرفهم أن الطريقة التي أحدثوا فيها التغييرات توازي أهمية التغييرات نفسها، أمراً دقيقاً.

الإنتاج حسب الطلب في منشأة آيسين لإنتاج الفرشات

تنتج منشأة آيسين سايكي 850 نمطاً من الفرشات المختلفة من حيث الحجم والصلابة والقماش المغطي وأشكال التطريز وتقليم الحواف، ويمكن للزبائن أن يطلبوا أي نمط في أي متجر يبيع هذه الفرشات بالتجزئة فيحصلون على طلبهم واصلاً إلى منزلهم في غضون ثلاثة أيام. لكن لدى آيسين مخزون في المنشأة يكفي لحجم الطلبات على مدى 1.5 يوماً. ولكي تكون هذه المنشأة قادرة على القيام بذلك، اضطرت إلى إدخال آلاف التغييرات في أنشطة العمل الفردية، وفي العلاقات التي تربط الزبائن بموردي السلع والخدمات الوسيطة وخطوط الإنتاج بشكل عام. الجدول التالي يظهر النتائج الدراماتيكية لهذه التغييرات على مدار السنين:

19861988199219961997
عدد الأنماط200325670750850
عدد الفرشات المنتجة في اليوم الواحد160230360530550
عدد الفرشات المنتجة عن العامل الواحد811132026
مؤشر الفعالية100138175197208
مخزون البضاعة الجاهزة (بالأيام)302.51.81.51.5
عدد خطوط الإنتاج22332

من يقوم بالتحسين؟

عمال الخطوط الأمامية مسؤولون عن إجراء التحسينات على وظائفهم الخاصة، فيما يؤدي المشرفون عليهم دور المعلم الموجه والداعم. وإذا ما حصل خطأ ما في طريقة تواصل العامل مع المزود المسؤول ضمن المساحة المحددة للعامل، يتعاون الاثنان للقيام بالتحسينات اللازمة، بمساعدة المشرف المسؤول عنهما معاً. ففريق عمل شركة آيسين الذي وصفناه سابقاً على سبيل المثال يضم إلى جانب عمال خط الإنتاج مشرفاً عليهم يؤدي في الوقت نفسه دور الموجه لهم في عملهم. وعندما تجري التحسينات على نطاق أوسع، تحرص شركة تويوتا على أن تتضمن فرق التحسين العمال المعنيين مباشرة بالتحسين إلى جانب المشرفين المسؤولين عن مسارات العمل المستفيدة من التحسينات.

وتبقى العملية نفسها حتى في أعلى المستويات. ففي مصنع آيسين للفرشات على سبيل المثال وجدنا أن مدير المنشأة كان مسؤولاً عن قيادة عملية التغيير عبر دمج ثلاثة خطوط إنتاج وتحويلها إلى خطين فقط (كان العدد قد ارتفع إلى ثلاثة ليتماشى مع زيادة في أنواع المنتجات). ولم يتحمل المدير المسؤولية بنفسه بسبب أهمية هذا التغيير فحسب، بل لأنه كان أيضاً الشخص المسؤول تشغيلياً عن الإشراف على طريقة دفق العمل من خطوط التغذية إلى خطوط التجميع النهائي. وبهذه الطريقة نجحت تويوتا في ضمان أن تحدث أنشطة حل المشاكل والتعلم على جميع المستويات التنظيمية للشركة. وبالطبع لا تتردد تويوتا، كما سبق ورأينا، في الاستعانة بخبراء من الخارج إن اقتضت الحاجة لضمان جودة التعلم.

على المدى البعيد ستتحول البنى التنظيمية للشركات التي تتبع نظام تويوتا الإنتاجي، لتتكيف مع طبيعة ووتيرة المشاكل التي تواجهها على حد سواء. وبما أن التغييرات التنظيمية تجرى عادة بمستويات منخفضة جداً، فإن من الصعب على المراقب الخارجي أن يجدها. ذلك أن طبيعة المشاكل هي التي تحدد المسؤول عن حلها وتصميم المنظمة. ومن تبعات ذلك أننا نلحظ في تلك الشركات تواجد بنى تنظيمية مختلفة وتعايشها بسلام حتى في المنشأة ذاتها.

لنأخذ على سبيل المثال منشأة تويوتا لمحركات الآليات في كاميغو، اليابان. تحتوي المنشأة على قسمين للآليات، وكل منهما يضم ثلاثة متاجر مستقلة للإنتاج. عندما زرنا المنشأة في صيف عام 1998 كان موظفو الإنتاج في القسم الأول يرتبطون وظيفياً برؤساء المتاجر مباشرة في حين كان مهندسو العمليات يرتبطون مباشرة برئيس القسم. أما في القسم الثاني، فقد كان المهندسون موزعين بين المتاجر الثلاثة ومثلهم مثل موظفي الإنتاج كانوا مرتبطين برؤساء المتاجر. وعلى العموم لا يمكن القول إن إحدى البنيتين التنظيميتين أفضل من الأخرى من حيث المبدأ. لكن الناس الذين أجرينا مقابلات معهم شرحوا لنا كيف  أدت  المشاكل التي كانت تحدث في القسم الأول إلى نشوء حالة فرضت على المهندسين أن يتعلموا من بعضهم البعض وأن يوحدوا الموارد الهندسية. على العكس، كانت المشاكل التي تنشأ في القسم الثاني تتطلب من المهندسين وموظفي الإنتاج أن يتعاونوا مع بعضهم البعض على مستوى المتجر الواحد. وهكذا فإن الفروقات التنظيمية بين القسمين جاءت لتعكس حقيقة أن القسمين واجها مشاكل مختلفة.

التزام تويوتا بالتعلّم

جميع المؤسسات التي درسناها والتي وجدنا أنها تدار وفق نظام تويوتا الإنتاجي، تتشارك اعتقاداً راسخاً بأن الناس هم أهم أصول تمتلكها الشركات وأن الاستثمار في زيادة معارفهم وتحسين مهاراتهم ضروري جداً لتعزيز قدرة الشركات التنافسية. ولهذا السبب تطلب تلك الشركات من مدرائها أن يكونوا قادرين على إنجاز أعمال جميع العمال الذين يشرفون عليهم وعلى تعليمهم كيفية حل المشاكل وفقاً للمنهج العلمي. وينطبق نموذج القيادة هذا على المشرفين من مستوى "قائد الفريق" إلى مستوى كبار قادة المؤسسة. وبهذه الطريقة، يسهم جميع العاملين في تطوير الموارد البشرية في شركة تويوتا. وفي الواقع هنالك طريق متسلسل للتعليم يبدأ بمدير المنشأة ويتدرج ليصل إلى جميع العاملين فيها.

ولتعزيز عملية التعلم والتحسين، تلجأ إدارة تويوتا إلى توظيف مستشارين اختصاصيين بنظام تويوتا الإنتاجي في كل منشأة وفي كل وحدة عمل كبرى تابعة لمجموعة شركات تويوتا، بحيث تكون مهمتهم الأساسية مساعدة كبار المدراء لدفع المنشآت التي يديرونها نحو الحالة المثالية. وينفذ "أساتذة القادة المتعلمين" هؤلاء مهمتهم تلك من خلال اكتشاف المزيد والمزيد من المشاكل الخفية  والصعبة وتعليم المدراء والعاملين كيف يحلونها بالطرق العلمية.

ولقد تلقى الكثيرون من أولئك المستشارين تدريباً مركزاً في قسم استشارات إدارة العمليات التابع لتويوتا، والذي تأسس في اليابان بنتيجة الجهود التي بذلها تايئيتشي أوهنو – الذي يعد واحداً من المهندسين الأساسيين لنظام تويوتا الإنتاجي – وذلك لتطوير النظام ونشره على نطاق شركة تويوتا ومورديها. الكثير من كبار موظفي الشركة – بما فيهم فوجيو تشو، الرئيس الجديد لشركة تويوتا موتور – قد صقلوا  مهاراتهم في قسم استشارات إدارة العمليات. وأثناء فترتهم بهذا القسم، والتي قد تمتد لسنوات، يُعفى موظفو تويوتا من جميع مسؤولياتهم على خطوط الإنتاج ويكلَّفون عوضاً عن ذلك بأنشطة قيادية في أنشطة التحسين والتدريب ضمن منشآت تويوتا والشركات الموردة لها. ومن خلال دعم منشآت وعمليات تويوتا اللوجستية بهذه الطريقة، يؤدي قسم استشارات إدارة العمليات دور المركز التدريبي الذي يبني خبرات الملتحقين به من خلال منحهم فرصة حل الكثير من المشاكل الصعبة وتعليم الآخرين كيف يحلون مشاكلهم.

وفي العام 1992 أسست الشركة "مركز دعم موردي تويوتا" في الولايات المتحدة، وذلك لتدريب الشركات في أميركا الشمالية على نظام تويوتا الإنتاجي. وعلى غرار قسم استشارات إدارة العمليات، نظّم مركز دعم موردي تويوتا ورشات عمل في أكثر من 140 شركة وقدم الدعم المباشر لحوالي 80 منها. وعلى الرغم من أن غالبية تلك الشركات متخصصة بتوريد المنتجات لصانعي السيارات، إلا أن عدداً قليلاً منها كان يعمل مع شركة تويوتا فقط. قدم المشتركون في ورشات العمل هذه من قطاعات عمل أخرى وجامعات ومؤسسات حكومية وقطاعات صناعية. وفي الواقع فإن جزءاً كبيراً من الأبحاث التي ترتكز عليها هذه المقالة نابع من خبرة أحد مؤلفيها، الذي كان عضواً في مركز دعم موردي تويوتا لمدة خمسة أشهر، وهو يروج لنظام تويوتا الإنتاجي في منشأة تابعة لأحد مزودي شركة تويوتا ومنشأتين أخريين تعملان في مجال تجميع السيارات.

مفهوم المثالية عند تويوتا

من خلال ترسيخ الطرائق العلمية لدى القوة العاملة على جميع المستويات تضمن تويوتا قدرة الموظفين على أن يحددوا بوضوح تام توقعاتهم التي سيختبرونها عندما يطبقون التغييرات التي خططوا لها. ولكن علاوة على ذلك وجدنا أن موظفي الشركات التي تتبع نظام تويوتا الإنتاجي لديهم الهدف نفسه. إنهم يدركون كيف سيكون نظام الإنتاج المثالي، وهذه النظرة المشتركة تحفزهم للقيام بتحسينات تتجاوز ما هو ضروري لتلبية الحاجات الراهنة لزبائنهم. إن هذا المفهوم للمثالية منتشر جداً ونعتقد أنه أساسي لفهم نظام تويوتا الإنتاجي.

عندما يتحدث موظفو تويوتا عن "المثالية" فإنهم لا يقصدون شيئاً فلسفياً ومجرداً، بل لديهم تعريف حقيقي في ذهنهم، تعريف ثابت إلى حد لافت في جميع أجزاء الشركة. وبالتحديد يعرّف موظفو تويوتا ما ينتجه الشخص المثالي أو ما تنتجه المجموعة المثالية أو ما تنتجه الآلة المثالية على أنه:

الإجراءات المضادة في نظام تويوتا الإنتاجي

لا تنظر شركة تويوتا إلى أية من الأدوات أو الممارسات – مثل بطاقات كانبان أو حبال أندون التي درسها وقلّدها عدد كبير من المراقبين الخارجيين – بوصفها من أساسيات نظام تويوتا الإنتاجي، بل إنها تستخدمها بوصفها استجابات مؤقتة لمشكلات محددة إلى حين إيجاد منهجية أفضل أو إلى حين تغيير الظروف المؤدية إلى حدوث تلك المشكلات. إنها تسمي تلك الأدوات والممارسات "إجراءات مضادة"، لا "حلولاً"، لأنها لا تشكل بالفعل حلولاً دائمة للمشاكل التي تعالجها. وعلى مدار السنين، طورت الشركة مجموعة متماسكة وفعالة من الأدوات والممارسات التي تستخدمها كإجراءات مضادة، لكن العديد منها قد تغير وبعضها الآخر قد ألغي بفضل إدخال التحسينات على العمليات. وعليه، فإن استخدام شركة ما لتلك الأدوات والممارسات أو عدمه، لا يعد مؤشراً حقيقياٌ على أن تلك الشركة تطبق قواعد تويوتا في تصميم العمليات وتحسينها. فعلى سبيل المثال وبخلاف الانطباع السائد بأن تصفير المخزون هو من الأمور الجوهرية بالنسبة لنظام تويوتا، لاحظنا في حالات كثيرة أن تويوتا قد لجأت فعلاً إلى بناء مخزونها من المواد كإجراء مضاد لمشكلة محددة. ومع أن الحالة المثالية لا تحتاج إلى مخزون على الإطلاق، لكن بعض الظروف المحددة على أرض الواقع قد تتطلب تخزين بعض المواد مثل:

  • الأعطال غير المتوقعة. قد لا يتمكن العامل (أو الآلة) في بعض الأحيان من الاستجابة المباشرة لطلب الزبون بسبب عطل ميكانيكي غير متوقع. ولهذا السبب، تلجأ الشركة إلى بناء مخزون الأمان لحماية الزبون من الأحداث العشوائية. الشخص المسؤول عن ضمان موثوقية الآلة أو العملية هو الذي يملك ذلك المخزون ويسعى إلى تخفيض وتيرة حدوث الأعطال ومددها بما يمكنه من خفض مخزونه الاحتياطي.
  • تعديلات خطوط الإنتاج التي تحتاج إلى وقت طويل. قد تؤدي الصعوبات في تحويل إحدى الآلات من إنتاج نوع من المنتجات إلى نوع آخر، إلى عدم تمكن المورد من الاستجابة لحظياً. لذلك يلجأ الموردون إلى إنتاج دفعة أكبر من المنتجات وتخزين الفائض بحيث يتمكنون من الاستجابة المباشرة لطلبات الزبائن. بالطبع سيحاول الموردون باستمرار تخفيض المدد الزمنية اللازمة لتحويل خطوط إنتاجهم لكي يخفضوا أيضاً أحجام الدفعات والمخزونات قدر المستطاع. في هذه الحالة، فإن مشغل الآلة وقائد الفريق هما المتأثران بالمشكلة والإجراء المضاد، وتقع مسؤولية تخفيف المدة الزمنية وحجم الدفعات عليهما.
  • التقلبات في تشكيلة طلبات الزبائن وحجمها. قد تكون تقلبات احتياجات الزبائن في بعض الحالات كبيرة جداً وغير متوقعة لدرجة أنه يتعذر على أية منشأة تكييف إنتاجها لتلائم تلك الطلبات بالسرعة المطلوبة. وفي مثل تلك الحالات تلجأ الشركة إلى بناء مخزون احتياطي في نقطة الشحن أو بالقرب منها كإجراء مضاد لتلك التقلبات. وفضلاً عن ذلك يمثل حجم المخزون الاحتياطي مؤشراً لمدراء الإنتاج والبيع على أن الشخص الأقرب إلى الزبون، يجب أن يساعد ذلك الزبون على التخلص من الأسباب المؤدية إلى تلك التقلبات في الطلبات.

في كثير من الحالات يجري تخزين نفس النوع من المنتجات في أنماط مختلفة من المخزونات. لا تلجأ تويوتا إلى تجميع مخزوناتها، ولو أن ذلك قد يخفض حجم تلك المخزونات على المدى القصير. قد يبدو ذلك متناقضاً مع سمعة نظام إداري معروف على نطاق واسع بأنه يكره كل أشكال الهدر. ولكن يمكن حل هذه المفارقة إذا ما عرفنا أن مدراء تويوتا والعاملين فيها يهمهم أن يكون الإجراء المضاد ملائماً للمشكلة التي يتعاملون معها.

وفي الواقع ليس هنالك من رابط حقيقي بين سبب بناء مخزون الأمان – وهو عدم موثوقية العمليات – وسبب بناء المخزون الاحتياطي – وهو التقلبات في طلبات الزبائن. وإذا ما جرى جمع الاثنين، يغدو من الصعب الفصل بين الأنشطة المنفصلة وعلاقة المورد-الزبون. عندها سيصبح للمخزون عدة مالكين، وسيصبح سبب استعماله مبهماً. تجميع المخزون يقود إذاً إلى التخبط في الملكية وأسباب المشكلة، ما يصعب في نهاية المطاف عملية إدخال التحسينات.

  • خالٍ من أي عيب (أي أنه يتمتع بالمواصفات ويظهر الأداء الذي يتوقعه الزبون).
  • يمكن إيصاله فرادى في أي وقت (حجم الدفعة يساوي واحد).
  • يمكن إمداده حسب الطلب وبالنسخة المطلوبة.
  • يمكن إيصاله مباشرة.
  • يمكن إنتاجه من دون إهدار أية مواد، أو جهد، أو طاقة  أو غيرها من الموارد (كالتكاليف المرتبطة بأمور التخزين).
  • ويمكن إنتاجه في بيئة عمل آمنة مادياً ومعنوياً ومهنياً بالنسبة لكل موظف.

لطالما وجدنا موظفين في المنشآت التي تتبع نظام تويوتا الإنتاجي يحدثون تغييرات تدفع عمليات تلك المنشآت نحو هذه المثالية. ففي إحدى الشركات التي تصنع منتجات إلكتروميكانيكية، على سبيل المثال، وجدنا أن العمال قد ابتكروا أدوات ذكية لاكتشاف الأخطاء أدت في مجملها إلى إنتاج إشارة "نعم-أو-لا" بسيطة واضحة تؤشر إلى خلو منتجهم النهائي من العيوب – وفق ما هو محدد في تعريف المنتج المثالي. وفي منشأة أخرى تصنع أجزاء مشكَّلة بالحقن، وجدنا أن العمال قد خفضوا الوقت اللازم لتغيير أحد قوالب الصب الكبيرة من مدة قصيرة أصلاً تبلغ 5 دقائق إلى مدة أقصر لا تتجاوز 3 دقائق. ما سمح  للشركة بأن تخفض حجم الدفعة لكل جزء مصنَّع بنسبة 40%، الأمر الذي قرّبه من الحجم المثالي البالغ جزءاً واحداً في كل دفعة. ومع تحرك تويوتا باتجاه الحالة المثالية، من الممكن أن تتعامل مرحلياً مع أحد الأبعاد بوصفه أكثر أهمية من الأبعاد الأخرى، وهذا ما قد يؤدي أحياناً إلى ممارسات تعارض تصورات الناس حول العمليات التشغيلية في تويوتا. فلقد رأينا حالات كانت فيها الشركة تحتفظ بمستويات أعلى من مخزونها أو كانت تنتج بأحجام دفعة كبيرة أكبر من تلك التي يتوقعها المراقب الخارجي من نموذج "عمليات الإنتاج في الوقت المناسب تماماً" كما وصفنا في الفقرة الجانبية بعنوان "الإجراءات المضادة في نظام تويوتا الإنتاجي".

يشترك تصور تويوتا عن الحالة المثالية في كثير من الصفات مع التصور العام عن نموذج "التصنيع الضخم حسب الطلب" – القدرة على إنتاج عدد يكاد يكون غير محدود من التنويعات للمنتج الواحد بأفضل كفاءة وأقل كلفة ممكنة. في نهاية المطاف، سيتكمن الزبون في منشأة تويوتا المثالية، عند وصوله بسيارته إلى أحد أرصفة التحميل وطلب منتج  أو خدمة مخصصين من الحصول عليها مباشرة وخالية من العيوب وبأقل سعر ممكن. حتى إن مقدار ابتعاد منشأة تويوتا – أو أنشطة العاملين فيها – عن الحالة المثالية، يمثل في الواقع مصدراً للتوتر الخلاق الذي يحفز الشركة لبذل المزيد من جهود التحسين.

الأثر التنظيمي للقواعد

إذا كانت هذه القواعد تحول الشركات التي تتبع نظام تويوتا الإنتاجي إلى جماعة من العلماء الذين يجرون التجارب بشكل مستمر، فكيف لتلك المنظمات ألا تقع في حالة الفوضى؟ وكيف لشخص ما أن يحدث تغييراً من دون أن يؤثر سلباً على عمل الأشخاص الآخرين على خط الإنتاج؟ وكيف لشركة تويوتا أن تدخل التغييرات على عملياتها بشكل مستمر وتضمن في الوقت نفسه بقاء تلك العمليات تعمل بكامل طاقتها؟ وبعبارة أخرى، كيف تنجح تويوتا في أن تقوم بالتحسينات وتبقى مستقرة في الوقت ذاته؟

مرة أخرى يكمن الجواب في القواعد نفسها. فمن خلال جعل العمال والموظفين قادرين على إنجاز أعمالهم وتحسينها ومسؤولين عن ذلك التحسين، ومن خلال توحيد مواصفات علاقات بين العملاء والمزودين الأفراد، ومن خلال خفض مشاكل التواصل وتدفق العمل إلى أقل مستوى ممكن، تنشئ القواعد منظومة لها بنية مؤلفة من وحدات متداخلة، تشبه تشكيلة مجموعة الدمى الروسية التقليدية التي تحتوي كل منها بداخلها دمية أصغر منها. تتجلى الفائدة الكبيرة لمنظومة الوحدات المتداخلة في أن بإمكان العاملين تطبيق تغييرات في التصاميم في أحد أجزاء الشركة من دون أن تتأثر بالضرورة أجزاؤها الأخرى. ولهذا السبب يستطيع المدراء في شركة تويوتا أن يفوضوا الكثير من المسؤوليات من دون إحداث الفوضى. وبوسع الشركات الأخرى أيضاً التي تتبع نظام تويوتا الإنتاجي أن تدخل التغييرات إلى عملياتها من دون أن تعاني من أية اختلالات لا داعي لها.

بالطبع قد تجد في بنى الشركات الأخرى عموماً سمات مشتركة مع الشركات التي تتبع نظام تويوتا الإنتاجي، ولكننا لم نجد أثناء دراستنا أية شركة تتسم بجميع السمات التي ذكرناها من دون أن تتبع ذلك النظام. وقد تكتشف في نهاية المطاف أنك غير قادر على بناء تلك الهيكلية التنظيمية ما لم تستثمر نفس الوقت الذي احتاجت إليه تويوتا. لكننا نعتقد بأن الشركة التي تكرس نفسها لإتقان القواعد، لديها فرص جيدة للنجاح في نسخ مورثات تويوتا – وبالتالي أدائها المتميز.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .