كيف تستعيد توازنك بعد الإخفاق في المفاوضات

6 دقائق
إدارة المفاوضات

في بعض الأحيان، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها في إدارة المفاوضات، فإن التفاوض مع الآخرين قد لا ينتهي بالنتيجة التي ترغب فيها. فربما كان أحد العملاء مصرّاً على الحصول على خصم كبير أعلى مما يمكنك تقديمه، أو أن عميلاً محتملاً بات يتعامل بعقلية المنافس في مشروع ما. أحياناً نتعرض للإخفاقات ويبدو لنا أننا قد "فشلنا"، ولكن كيف يمكننا الحفاظ على توازننا في مثل هذه الحالات؟ كيف يمكنك التأكد من أن سمعتك لم تتضرر وأن علاقتك بالطرف الآخر ظلت سليمة.

ماذا يقول الخبراء عن إدارة المفاوضات؟

لا تقلق كثيراً

فقوتك التفاوضية لن تتأثر لمجرد إخفاقك في هذه المرة. يقول جيف وايس: "إن السمعة تتشكّل من السلوك المستمر"، وجيف وايس هو المؤسس الشريك في مؤسسة "فانتيدج" للاستشارات المتخصصة في التفاوض في مؤسسات الأعمال، ومؤلف كتاب "دليل هارفارد بزنس ريفيو" (HBR Guide to Negotiating) للتفاوض. إن كنت قادراً على الاستفادة من التجربة، فإن هذه قيمة عليك أن تأخذها بالاعتبار. ومن السبل الجيدة لمواجهة هذا الأمر هو عدم الاعتماد على عقلية الخصومة.

تقول مارغريت نيل، أستاذة الإدارة في كلية "ستانفورد" للدراسات العليا في مجال الإدارة، ومؤلفة مشاركة لكتاب "كيف تحقق ما تريد (وأكثر)" (Getting (More of) What You Want): "إن كان كل ما تفكر فيه هو حفظ ماء وجهك، فإنك قد حوّلت التفاوض ونتيجته إلى معركة". عليك أن تفكر بدل ذلك بالحلول، وهكذا يصبح تفكيرك متعلقاً "بحل المشكلة لا بمحاولة الفوز". وهنا يبدأ سيناريو "الجميع رابح" بالتجلي، وهذا هو السبيل لتتجاوز أي مفاوضات لم تسر بالطريقة التي تريدها.

لا تقع ضحيّة الارتباك

خذ نفساً عميقاً وفكر في كيفية احتواء خسائرك. يقول وايس في هذا الصدد: "لا تفترض أن هذه هي نهاية العالم". وعادة ما يكون هذا الأمر "تجربة من بين تجارب عديدة" ولا شك أن المستقبل سيجلب العديد من الفرص الأخرى لتعوّض ما فاتك. قد تكون كذلك تبالغ في تخيل أثر هذه الحادثة على وضع أعمالك أو سمعتك. قد لا تكون أخذت السعر الذي تريده على سبيل المثال، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن العميل يعتبرك خصماً ضعيفاً. وتقول نيل: "لا تفترض أنك خسرت ماء وجهك.. ولو أننا ندرك أن الناس لا يفكرون كثيراً بنا لما اكترثنا أصلاً برأيهم عنا".

انظر إلى الجانب المشرق

قد لا تكون "الرابح" وفقاً للشروط والتوقعات التي قد وضعتَها، ولكن لعل هنالك بعض الجوانب التي أغفلتها ولم تتنبّه إليها. تقول نيل: "تذكر أنه لا يمكنك أن تكسب كل شيء بنسبة 100%". ولكن المفاوض الماهر هو الذي يجد القيمة والمنفعة في الجوانب غير المتوقعة. ربما لم تحصل على طلبية كبيرة كما تريد، ولكنك أيضاً قد عززت علاقة قيّمة ومستمرة مع العميل. يقترح وايس أن تبحث عن جانب آخر يمكنك ربطه بالصفقة.

هل هنالك شروط وأحكام أخرى يمكنك من خلالها تحقيق التوازن أو تعويض الجانب الذي تظن أنه لم يكن لصالحك؟"، ولا يعني هذا بالضرورة أن تطلب مباشرة إعادة التفاوض بخصوص هذا الجانب أو ذلك، فتظهر حينها ضعيفاً ويائساً، ولكن هذا يعني أن تفكر مثلاً بأن المنافع القليلة التي قبلت بها قد تتضاعف إن كانت هذه الصفقة تمكنك من الدخول إلى أسواق جديدة في المستقبل.

كن واضحاً واعترف بأخطائك

إن كنت مثلاً لم تنجح في صفقة مع عميل كبير، فلا تثقل على نفسك وتتنكّر للأمر بداعي الإحباط. إن هذا السلوك لن يساعدك، ولكنه قد يتسبب في وصول رواية أخرى عن القضية أمام الموظفين والإدارة. يوصي وايس بأن "تبحث عن أشخاص داخل الشركة يمكنك التحدث إليهم لتتجاوز الأمر وتزيله عن كاهلك. واسأل نفسك إن كان هناك ما تريد إخبار زملائك به لتوضح لهم ما حصل وتخبرهم بأسباب ذلك ونتائجه".

وتتفق نيل مع رايس في هذا الشأن، مؤكدة أهمية المصارحة بشأن الخطوات غير الموفقة التي تكون قد أقدمت عليها خلال عملية التفاوض، خاصة للمدراء التنفيذيين، لأنهم يمثلون النموذج أمام بقية الموظفين. وتقول نيل: "إن التعلم من أخطائك والإقرار بها أمران مهمان للقائد الناجح." إن كنت تحرص على الشفافية والوضوح، فسوف يلتزم موظفوك أيضاً بهذه القيم إذا واجهوا مشكلة مماثلة.

حقق أفضل النتائج في المستقبل

لا تظن أن إخفاقك هذه المرة يعني أن الأمر قد انتهى. تقول نيل: "عندما لا تحقق النتيجة التي كنت تبغيها، فإنه عليك أن تعدّ نفسك بشكل أفضل للمفاوضات المقبلة". وعليك أن تكون جاهزاً للتجربة الجديدة وأنت لا تزال تجلس على طاولتك. يمكنك النظر إلى الأمر كما يرى رايس على أنه سلسلة من أخذِ مصلحة ما وردها فيما بعد.

يمكنك أن ترى مثلاً أن عميلاً ما قد حصّل صفقة جيدة منك لأنكما قد عملتما معاً منذ فترة طويلة وأن إتمام هذه الصفقة دليل على تثمينك لهذه العلاقة، أو ربما لأن هذا العميل قد ساعدك في حل مشكلة ما في الماضي، فأنت تساعده هذه المرة في الحصول على صفقة جيدة. احرص على التركيز على الحوار الذي سيتبع المفاوضات. قد تقول للطرف المقابل مثلاً: "هذه الصفقة ليست منصفة تماماً، ولكن دعنا نفكر الآن بالمرحلة التالية". وبهذه الطريقة تضمن أن تجعل من هذه المرحلة من التفاوض سلسلة مستمرة من الحوارات والعلاقات.

تأمل فيما حدث وحلل القضية

عليك أن تأخذ بعض الوقت لتفكر بهدوء في الأسباب التي أوصلتك لهذه النتيجة. اسأل نفسك: "كيف حدث ذلك، وكيف وضِعت في الزاوية؟" لعلك لم تفهم تماماً المصالح التي يريدها الطرف الآخر أو أنك لم تكن قد حضّرت جيداً لوسيلة لتغيير محور التفاوض وكسب الوقت. تأمل في عملية التفاوض التي أجريتها: هل كانت الرسائل أو الموقف الذي اتخذته غير مناسب؟ صحيح أنك تشعر بأن مهمتك لم تجرِ بالشكل الذي ترغب به وتطمح إليه، ولكن عسى غدك أن يكون أفضل. تقول نيل: "لا تفقد تركيزك على المدى الطويل، فهذه ليست سوى جولة واحدة من تجارب أخرى مقبلة".

اقرأ أيضاً:

تذكّر هذه المبادئ عند البدء بالمفاوضات

افعل هذا الأشياء:

- احرص على الشفافية والوضوح مع الموظفين والإدارة ووضح الأسباب التي جعلت المفاوضات تنتهي بهذه النتيجة.

- سيقدّر الآخرون صراحتك، وسيساعدك ذلك في الوقوف على الخطوات غير السليمة التي أقدمت عليها.

- حاول أن تظهر للطرف الآخر أن هذه النتيجة رغم أنها ليست بصالحك تماماً، فما هي إلا تمهيد وحسب للمفاوضات والصفقات المقبلة.

- تأمل في الأسباب التي جعلتك تفقد القدرة على المناورة، وحاول التحضير بشكل أفضل للمرة القادمة.

لا تفعل هذه الأشياء:

- لا تفترض أن سمعتك قائمة على ما فعلت في هذه الصفقة وحسب.

- لا تحاول إعادة التفاوض المباشر بخصوص النقاط التي ليست بصالحك، وإلا فإنك ستبدو يائساً ومتهوراً.

- لا تكتئب أو تدع الإحباط يسيطر عليك، جهّز نفسك للصفقة القادمة.

اقرأ أيضاً:

دراسة حالة (1): أقرّ بالأخطاء التي وقعت بها

سباستيان دوبريه، مدير شركة تنظيف بالبخار في مونتريال تقدّم مبيعاتها في 6 دول، كان يدرك أن مسؤول العمليات الرئيسية هو أهم الموظفين لديه، ولكن حين أتى موعد التفاوض حول تجديد العقد، فإن دوبريه اتخذ موقفاً صارماً، رغمَ تميّز أداء مسؤول العمليات والذي كان، حتى في رأي دوبريه نفسه، لا يتقاضى الراتب الذي يستحق. يقول دوبريه: "لم يكن لدينا أدنى تصور حتى عما سيؤول إليه الوضع لو لم يكن هذا الرجل موجوداً. لم نقدّر هذا الرجل كما يجب". وحين قرر مسؤول العمليات ترك الشركة، كان قراره ضربة موجعة للإدارة.

أدرك دوبريه أنه عليه أن يمنع المزيد من الاستقالات في الشركة بسبب ما قد يتولد من توتر وغموض بشأن ما حصل مع مسؤول العمليات، خاصة أنه كان يحظى باحترام ومحبة الموظفين. ولذلك قرر دوبريه أن يكون صريحاً وواضحاً قدر الإمكان بشأن ما حدث، وأن يوضح للموظفين أنه لم يتصرف بالشكل الصحيح حيال الأمر، فاجتمع مع كوادر العمل في الشركة، وأخبرهم بما حدث وقال لهم: "لقد كنا نناقش العقد الجديد، وقد أخطأنا في حق الرجل، ولم نقدّره بما يستحق، ولقد تعلّمنا من الخطأ الذي ارتكبناه".

لقد بدا على الموظفين الارتياح لما لاحظوه من هذا المستوى من الوضوح والشفافية من المدير، بالرغم من أنهم لم يكونوا راضين عن النتيجة التي آل إليها الأمر. يقول دوبريه: "تلقيت رسالتين بالبريد الإلكتروني مباشرة بعد الاجتماعات مع كوادر الموظفين جاء فيها: نشكرك على صراحتك معنا، نقدّر لك ما فعلت".

كما تواصل دوبريه مجدداً مع رئيس العمليات السابق ليعيد بناء الثقة والعلاقة معه، وبالفعل رجع الاثنان أصدقاء يجتمعان في ملعب الغولف من حين إلى آخر. يقول دوبريه: "تجمعنا علاقة جيدة، وهي أهم من أي شيء آخر". كما أن الاثنين يتواصلان مع بعضهما بخصوص استشارات غير رسمية تتعلق بالعمل.

يقول دوبريه: "يميل بعض المدراء حين يرتكبون خطأ ما في الشركة إلى الإصرار على موقفهم وتبرير ما فعلوه بأي ثمن، ولكن الأسلوب الأفضل يتمثل في التعامل مع القضية بوضوح وصراحة. فكلما تعاملت مع الأمر بشفافية، ازدادت ثقة الموظفين بك، وكلما ازدادت هذه الثقة، ازداد ولاؤهم لك".

اقرأ أيضاً:

دراسة حالة (2): انظر إلى المنافع غير المتوقعة

سامانثا سبِكتور، مؤسسة شركة "صالونبوكس" للمشروبات، كان يصعب عليها أن تخفي خيبة أملها في إحدى المواقف. فحين أسست شركتها الناشئة راحت تعقد اجتماعات لتحصل على التمويل من جهات خارجية، وفي إحدى المرات طلب منها مستثمر محتمل خفض تقييم شركتها بمقدار 60%. تقول سبكتور: "كنت متفاجئة حقاً. لقد قالوا إن قيمة شركتنا ليست واقعية مطلقاً. ولو كنت أعرف أن هذا رأيهم من قبل، لما دخلت في هذا النقاش معهم من البداية".

وشعرت سبكتور بالغضب وفكرت بمغادرة الاجتماع من فورها. ولكنها بدل أن تنهي الحوار قالت في نفسها: "قررت أن أكتشف ماذا يريدون فعله حقاً لو أنهم قرروا الاستثمار في شركتنا".

وقد تبين أن هذا المستثمر يمتلك قدراً كبيراً من الخبرة التشغيلية وأنه يمكن أن يقدم الاستشارات للشركة ويساعد في وضع هيكلية الأسعار للمنتجات، وبناء شبكة علاقات ستدعم الشركة في أعمالها. وعليه، فقد قررت سبكتور أن تبقي المحادثات قائمة حين استمعت إلى المنافع التي يمكن أن يقدمها المستثمر.

"لقد تبيّن لي حينها أهمية أن نستمع للآخرين ونطرح العديد من الأسئلة، وأن لا ندخل في أي حوار ونحن نمتلك رأياً جامداً حول قضية معينة. وحتى لو شعرتَ بأن عليك أن تنصرف من اجتماع ما، فإن الأفضل لك دوماً أن تسمع الطرف الآخر حتى النهاية".

وتتابع سبكتور بحديثها عن إدارة المفاوضات: "بعد شعوري بخيبة الأمل في البداية، أدركت أن بإمكان الشركة أن تحقق الكثير من النجاحات على المدى الطويل بالاستفادة من هذه العلاقة إن نحن وافقنا على التنازل عن بعض الأمور في البداية".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي