كرة القدم كانت شغفي عندما كنت في المرحلة الثانوية. كنت أحد حراس مرمى فريق ولاية كاليفورنيا الذي كان عضواً في برنامج التطوير الأولمبي أيضاً. وبإمكانكم تخيّل أهمية دوري، إذ إن قدرتني على صدّ الهدف هي ما ستحدد فوز أو خسارة الفريق في المباراة. وبقدر ما كنت واثقاً بمهارتي، كان وجود المدرب الوطني في إحدى المباريات كافياً لجعلي أتصبب عرقاً. شعرت بالتوتر عندما رأيت أنه يراقبني، وفاتني صدّ الهدف الحاسم في المباراة.
كدت أختنق.
ولا أعتقد أن قصتي هذه فريدة من نوعها. إذ لطالما أفسد العديد من الرجال والنساء الموهوبين مقابلات العمل أو العروض التقديمية، أو فشلوا في إحراز الضربة الحاسمة عندما شعروا بالضغط. وعلى إثر كل هذه السيناريوهات، ستسمع عبارة واحدة حتماً من الأفراد، ألا وهي: "لقد كان في رأسي". وبقدر صحة هذه المقولة، لكن ماذا تعني بالضبط؟
تُعتبر قشرة الفص الجبهي الواقعة مباشرة فوق أعيننا جزءاً من أدمغتنا ومركز قوتنا المعرفية، وهي ما يعزز قدرتنا على التركيز على المهمة التي نعمل على تأديتها. ونادراً ما نولي اهتماماً بتفاصيل كل مهماتنا المعتادة التي نمارسها يومياً، خلافاً لما يعتقد الجميع. حيث تعمل قشرة الفص الجبهي وفق وضع الطيار الآلي في إنجاز هذه المهمات إلى حد كبير. لكن قد تصاب قشرة الفص الجبهي بحالة تنبه زائد في أوقات التوتر الشديد، مثل لعب المباريات الفاصلة أو إجراء العروض التقديمية الرئيسة أو الذهاب إلى مقابلةالعمل. وعندما يستمر الضغط، نبدأ في كثير من الأحيان بالتركيز على الإجراءات التفصيلية لأدائنا في محاولة ضمان تحقيقنا أفضل النتائج، ونتيجة لذلك، نتسبب بزعزعة كل ما كان يسير بشكل طبيعي وسلس.
ومع استمرار الضغط، نميل إلى الذعر من الموقف وعواقبه ومن آراء الآخرين حولنا، ونستهلك نتيجة لذلك قدراً كبيراً من القدرة المعرفية على ما نقوم به. ونُمعن في التفكير في شيء اعتدنا على ممارسته بشكل طبيعي، مثل الدفاع عن مرمى فريقي في حالتي الشخصية.
ماذا يمكنك أن تفعل إذاً عندما تفقد قشرة الفص الجبهي لديك السيطرة؟
أولاً، عندما تكون على وشك خوض موقف يُشعرك بالتوتر ومارست فيه المهمة المعنية إلى حد الكمال، لا تُمعن التفكير فيما سيحدث بعد تأديتك لهذه المهمة. إذ لا تُعتبر الدقائق الخمس الأخيرة قبل بداية الحدث الكبير وقتاً مناسباً للتفكير في تفاصيل ما أنت مُقدم على تأديته. وامنح نفسك بدلاً من ذلك الفرصة للتركيز على شيء آخر، مثل حل لغز الكلمات المتقاطعة، أو التفكير في العطلة التي ستقضيها في الشهر المقبل. وتنطوي العادة التي أفضِّل ممارستها على متابعة آخر الأخبار في مجلة "بيبول" على شبكة الإنترنت. لذلك، افعل أي شيء يُسهم في منعك من الخوض مطولاً في تفاصيل ما أنت مُقدم على تأديته.
وإذا لاحظت أنك قد بدأت تُمعن في التفكير، فحاول غناء أغنية أو تكرار دعاء أو التركيز على ثلاث نقاط رئيسة تود إيصالها إلى جمهورك. في الواقع، تستخدم هذه الأساليب القدرة المعرفية التي كان من الممكن استخدامها ضدك في أي موقف آخر. على سبيل المثال، لاحظت في البحث الذي أجريته قيام لاعبي الغولف ذوي المهارات العالية بتسديد عدد أكبر من الضربات ذات المسافة القصيرة أثناء اتباع هذه الأساليب بفاعلية. لنقل إنك تستعد لحضور مقابلة عمل. من المؤكد أنك تعرف سيرتك الذاتية قلباً وقالباً، ويمكنك في الظروف العادية تكرار مكامن قوتك وإنجازاتك بكل سهولة. إلا أنك تتسمر في مكانك عندما تجلس على كرسي المقابلة. ولو أنك قمت بشغل قشرة الفص الجبهي لديك بأنشطة غير ذات صلة قبل موعد المقابلة، لكان احتمال تعرضك لفرط التفكير أقل ولكنت قادراً على توصيل رسالتك بفاعلية على الأرجح.
ويمكنك أيضاً تذكير نفسك بأن الأعراض الجسدية التي تُصيبك قبل بدء الحدث المهم هي علامات جيدة مثل تعرق راحتي يدك أو تسارع نبضات قلبك. إذ تعني هذه العلامات أنك على أتم الاستعداد لخوض التحدي الذي ينتظرك. وتشير الأبحاث إلى أن إعادة صياغة هذه الأنواع من الاستجابات الفسيولوجية السلبية إلى عبارات إيجابية قد يساعد الأفراد على إبراز أفضل ما لديهم في الأوقات الأكثر أهمية.
ولا يمكنك بالطبع الغناء منتصف مقابلة العمل. ولا يمكنك أن تطلب من مديرك الانضمام إليك في تكرار دعاء ما أثناء حضور اجتماع كبير أو تقديم عرض تقديمي كبير. بل حاول اتباع هذه التكتيكات الداخلية في اللحظات التي تحتاج فيها إلى أن تكون أكثر حذراً لإبقاء قشرة الفص الجبهي لديك مشغولة. وركز على النقطة الأكثر أهمية التي يجب عليك تجاوزها. وعندما تلاحظ أنك بدأت تراقب كل كلمة تخرج من فمك، فكّر في إصبع قدمك الخنصر بدلاً من ذلك، وهي تقنية أخبرني بها الطبيب النفسي الرياضي والتي اشتُهر لاعب الغولف جاك نيكلوس باتباعها في ملعب الغولف لتجنب فرط التركيز على الضربات ذات المسافات القصيرة.
وستكون جميع هذه التقنيات ذات فائدة إذا كنت على أتم الاستعداد. ومن المؤكد أن محاولة تشتيت انتباهك عندما لا يكون لديك أي عرض تقديمي لن يجدي نفعاً. بل من الضروري تكرار هذه التقنيات وممارستها في ظل ظروف مماثلة. على سبيل المثال، تُعتبر اختبارات الممارسة قبل الخضوع إلى امتحان التطوير المهني أفضل طريقة لمحاكاة هذا النوع من الظروف. وبالمثل، يمكنك ضبط المؤقت على فترة زمنية محدودة لاختبار أسئلة الامتحان في المنزل وإعادة خلق جو امتحاني. أما بالنسبة إلى السيناريوهات التي لا تنطوي على مساعٍ فردية، مثل إجراء العرض التقديمي أو الخضوع إلى مقابلة عمل، يمكنك أن تطلب من مجموعة صغيرة من زملاء العمل مساعدتك في إجراء تجربة. وفي حال لم تمتلك جمهوراً مؤقتاً، يمكنك عندئذ تصوير نفسك وأنت تدلي بملاحظاتك أو التمرن عليها أمام المرآة. ومن المؤكد أن التدرب بشكل منفرد سيخفف بعض التوتر الذي ينتابك عندما يحين موعد اللحظات الحاسمة.
وأخيراً، إذا شعرت بالاختناق، تذكر أنها ليست نهاية العالم. كما أنك قد تشعر بخيبة الأمل وبالحرج حتى، ولكن مثل معظم الأشياء في الحياة، تُعتبر هذه اللحظات بمثابة تجارب تعليمية. لذلك، انتهز الفرصة لتتعلم كيفية التعامل مع التوتر بشكل أفضل في المرات القادمة.