ملخص: وجود الثقة أمر مهم في الفرق ذات الأداء العالي، لكن المحادثات حول تنميتها في مكان العمل تركز عادة على العلاقة بين المدراء والموظفين؛ في حين أن الأهم هو تنميتها بين أعضاء الفريق. أجرى الباحثون مقابلات شخصية مع 1,000 موظف في مكاتب الولايات المتحدة لفهم الأسلوب الذي تتبعه أفضل الفرق في بناء الثقة بين أعضائها، وحددوا 5 سلوكيات رئيسية تميز هذه الفرق. 1) التخطيط الدقيق للعمل التعاوني؛ 2) الاهتمام بتبادل المعلومات ضمن الفريق؛ 3) تبادل الإشادة بالإنجازات؛ 4) تأكيد دور الخلافات في تحسين الأداء؛ 5) حل القضايا المثيرة للتوتر استباقياً.
لا بدّ من أنك سمعت العديد من النقاشات حول أهمية تنمية الثقة في مكان العمل في السنوات الأخيرة، مثل معظم القادة الآخرين ذوي الخبرة.
يُبدي الموظفون الذين يثقون في مؤسساتهم مستويات أعلى من المشاركة والإبداع والإنتاجية، في حين يواجه أولئك الذين لا يثقون فيها زيادة في مستويات التوتر، وارتفاعاً في حالات الاحتراق الوظيفي، والاستقالة. وتنمية الثقة بالتالي أمر مهم لأي قائد يسعى إلى تكوين فريق يتميز بالأداء العالي.
تركز المحادثات حول تنمية الثقة في مكان العمل عادة على العلاقة بين المدراء والموظفين؛ وعلى الرغم من فائدة هذا النهج، فهو يُمثل نصف المعادلة فقط، لأن الأهم هو تنمية الثقة بين أعضاء الفريق، إذ يعمل معظم الموظفين في فرق، وينطوي الجزء الأكبر من تجاربهم اليومية على تفاعل بعضهم مع بعض، وغالباً في غياب المدير.
كيف تنمّي أفضل الفرق الثقة بين أعضائها إذاً؟
أجرى فريقي في شركة إغنايت80 (ignite80) استقصاءً لاستطلاع آراء 1,000 موظف في مكاتب الولايات المتحدة بهدف تحديد السلوكيات التي تميز الفرق ذات الأداء العالي، واستخلاص بعض الدروس من نهجها.
ودعونا المشاركين لاستكمال استقصاء حول توجهاتهم وتجاربهم وسلوكياتهم في أماكن العمل لتحديد أعضاء الفرق ذات الأداء العالي. ضم الاستبيان بنوداً تطلب من الموظفين: (1) تقييم فعالية فريقهم، و(2) مقارنة أداء فريقهم بالفِرق الأخرى في قطاع عملهم. العاملون الذين منحوا فريقهم 10 من 10 في كلا الجانبين كانوا أعضاء معينين في فِرق عالية الأداء، ما أتاح لنا مقارنة سلوكياتهم مع سلوكيات الآخرين.
وتوصلنا في بحثنا إلى أن الفرق ذات الأداء العالي نادرة للغاية؛ إذ لم تقدّم إلا نسبة 8.7% فقط من المشاركين تقييمات تؤكد تميّز فرقهم؛ وحددنا 5 سلوكيات رئيسية متعلقة بالثقة تميّز هذه الفرق.
التخطيط الدقيق للعمل التعاوني
يتبع العديد من الفرق سلسلة متوقعة من الخطوات بمجرد أن تطرح الشركة مشروعاً جديداً تتمثّل في توزيع المهام وبدء العمل. في المقابل، تتمثّل الخطوة الأولى للفرق ذات الأداء العالي في مناقشة كيفية العمل معاً، ما يُسهم في تقليل احتمالية الفهم الخاطئ للمهام، وتحقيق تعاون أكثر سلاسة في المستقبل.
كيف يمكن إجراء حوار حول التعاون؟ يقدم مايكل بنغاي ستانير في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان "كيف تعمل مع أي شخص (تقريباً)" (How to Work with (Almost) Anyone) سلسلة من الموجّهات التي يمكن لأفراد الفريق استخدامها لإجراء ما يسمى بالمحادثات الافتتاحية قبل بدء أي مشروع تتيح لهم تتبادل الأدوار في الحديث حول: 1) المهام التي يُبدون تفوقاً فيها، و2) الطرق التي يفضلونها في التواصل، و3) تجارب العمل التعاوني الناجحة وغير الناجحة التي اختبروها في الماضي. يوصي ستانير أيضاً بوضع استراتيجية استباقية للتعامل مع المواقف الصعبة، وذلك من خلال دعوة أعضاء الفريق لوضع خطة للتعامل مع أي مشكلات تحدث عند التعاون.
النقاش حول كيفية التعاون مهم أكثر من الموجّهات المحددة التي يستخدمها الفريق لوضع معايير العمل التعاوني، إذ إنه يُسهم في بناء الثقة من خلال إيصال رسائل تشير إلى وجود احترام تجاه مواطن قوة كل فرد في الفريق وتفضيلاته، وتأمين الاتفاق على العمليات، ودعوة أعضاء الفريق للتحدث عند رصد فرص للتحسين.
الاهتمام بتبادل المعلومات ضمن الفريق
العامل الآخر الذي يميز الفرق ذات الأداء العالي هو ميلها إلى مشاركة المعلومات استباقياً.
تُسهم الشفافية في العلاقات في بناء الثقة، وتُشجع على الإبداع وتحسين الأداء وتعزيز الربحية. من ناحية أخرى، عندما يمتنع الزملاء عن مشاركة المعلومات مع زملائهم في الفريق، يكون ذلك نتيجة لمشكلات أعمق تحتاج إلى حل. يُشير مصطلح "إخفاء المعرفة"، كما يُشار إليه في الأدبيات الأكاديمية، إلى نقص في "الأمان النفسي" أو وجود صراع كامن في السلطة.
واكتشفنا في دراستنا أن أعضاء الفرق ذات الأداء العالي تتحمل مسؤولية مشاركة المعلومات مع الزملاء، بدلاً من الاعتماد على المدير في مشاركتها. بمعنى أنهم يتجنبون اكتناز المعلومات، بل يبذلون جهداً إضافياً لضمان أن يبقى زملاؤهم على اطلاع بالأمور المهمة، ما يخلق ثقافة تمتاز بالشمول.
تبادل الإشادة بالإنجازات
تلقّي الثناء على أداء جيد هو أمر مجزٍ، وفرصة مهمة لبناء الفريق تستفيد منها الفرق ذات الأداء العالي دائماً.
يتشارك أعضاء الفرق ذات الأداء العالي التقدير بالإنجازات مع زملائهم من خلال الاعتراف بالدور الذي أداه الآخرون في نجاحهم أو شكرهم، بدلاً من الاحتفاظ بالثناء لأنفسهم، فيزيدون بالتالي من احتمال أن يشعر زملاؤهم بالتقدير ويعززون مبدأ التبادلية، ما يُسهم في تحسين تجربة الثقة.
وتبادل الإشادة بالإنجازات هو نهج ذكي يعزز العمل الجماعي، ويحسّن سمعة الموظف بدلاً من أن يبدو أقل كفاءة، بحسب نتائج أحدث الدراسات.
تأكيد دور الخلافات في تحسين الأداء
لاحظ عالم النفس، جون غوتمان، أمراً غير مألوف حول علاقات الزواج السعيدة، وهي أن الأزواج الذين يعيشون حياة زوجية ناجحة يتشاجرون أكثر من الأزواج الذين لا يعيشون حياة زوجية سعيدة. والنقطة الأهم بحسب النتائج التي توصل إليها غوتمان ليست العدد الكلي للخلافات في العلاقة، بل كيفية تعامل الزوجين مع هذه الخلافات.
يتبنّى الأزواج السعداء جميع الأساليب التي تجعل الخلافات الزوجية بنّاءة؛ فهم يتجنبون استخدام الألفاظ النابية والسخرية، ويركزون في التحدث على احتياجاتهم الشخصية بدلاً من التركيز على أخطاء الشريك، ويستخدمون العبارات التي تبدأ بـ "أنا" للتواصل بطريقة تجعل الشريك يتبنى نهجاً أقل دفاعية.
وبالمثل، تواجه الفرق ذات الأداء العالي الخلافات في مسار عملها، ويكمن الفرق في كيفية تفسيرها واستجابتها لها.
وبحسب نتائج بحوثنا، تعتقد الفرق ذات الأداء العالي أن الخلافات في مكان العمل تُسهم في اتخاذ قرارات أفضل (بدلاً من أن تكون سبباً في تقويض العلاقات)؛ ويصف أعضاؤها زملاءهم بقدرتهم على التعامل بفعالية مع الخلافات وعدم السماح لها بالتأثير السلبي على العلاقات الشخصية.
وثمة ارتباط بين هاتين النقطتين بالفعل؛ إذ تُحدد النظرة التي نتبناها تجاه الخلافات كيفية استجابتنا لها، فإما أن نعتبرها فرصة وإما تهديداً. بالنسبة للفرق ذات الأداء العالي، عندما يُنظر إلى الخلافات بصفتها مصدراً للقوة، يصبح التعامل مع الخلافات أقل توتراً، ما يقلل من التصرفات الانفعالية التي يُبديها الزملاء.
حل القضايا المثيرة للتوتر استباقياً
يتعامل أعضاء الفرق ذات الأداء العالي مع الخلاف بفعالية، ويتخذون الخطوات اللازمة لحلها. واكتشفنا في دراستنا أنهم يُبدون اهتماماً بمعرفة إن تسببت سلوكياتهم في إزعاج زميل ما، ويُظهرون استعداداً للتواصل استباقياً إذا استشعروا وجود مشكلة بينهم وبين زميل آخر.
تعكس كلتا الاستجابتين توجهاً أوسع بين أعضاء الفرق ذات الأداء العالي نحو تبنّي عقلية النمو فيما يتعلق بعلاقاتهم مع الزملاء. يُستخدم هذا المصطلح عادة لوصف كيفية استجابة الأشخاص الناجحين للعقبات، وذلك من خلال الإيمان بإمكانية تحسين النتائج عبر الجهد والتعلم والإصرار.
يعتنق أعضاء الفرق ذات الأداء العالي وجهات نظر مشابهة عند التعامل مع علاقات العمل، إذ وجدنا في استقصائنا أنهم يتقبّلون فكرة أن علاقات العمل تمر ببعض التقلّبات، وأن معظم هذه العلاقات عرضة للهدم والإصلاح.
بعبارة أخرى، يعتقدون أن التوتر في العلاقات هو حالة مؤقتة، وأنه باستثمار جهد بسيط يمكن إصلاح العلاقات الصعبة. وتجعلهم هذه الآراء أكثر استعداداً لاتخاذ إجراءات في وجه المشكلات المؤقتة في العلاقات.
باختصار، وجود الثقة أمر مهم في الفرق ذات الأداء العالي، وتوصلنا في بحوثنا إلى أن الثقة في الفريق تظهر نتيجة للتفاعلات اليومية بين الأعضاء، لا سيما التفاعلات التي تُسهم في تحسين التواصل وتعزيز قوة الفريق.
وينبغي ألا تنحصر مسؤولية بناء الثقة في مكان العمل على الإدارة، إذ لا تنتقل الثقة تلقائياً من الإدارة إلى باقي أعضاء الفريق، بل تُبنى عضوياً على أساس سلوكيات يُظهرها أفراد الفريق بأكمله، ما يتيح لهم تحقيق أقصى إمكاناتهم.