ملخص: لا تعمل الثقافة المؤسسية المتميزة على تعزيز أداء الشركة فحسب، بل تعزز أيضاً نمو موظفيها ومشاركتهم، وتوفر لهم إحساساً أكبر بالغاية والمعنى. مع ذلك، غالباً ما تغفل المؤسسات الدور الحاسم للفضول في رسم الثقافة المؤسسية. للاستفادة من إمكانات مؤسساتهم وموظفيهم، يجب على القادة الاستثنائيين إظهار الفضول باستمرار في 4 مجالات رئيسية. أولاً، يجب عليهم إظهار الفضول تجاه قيم موظفيهم ودوافعهم التي تُعد حاسمة في رسم الثقافة المؤسسية والحفاظ عليها. ثانياً، يجب أن يمتد هذا الفضول نحو العملاء أيضاً لاكتشاف وجهات نظرهم حول منتجات الشركة وخدماتها، وبالإضافة إلى ذلك، فهم سبب تقديرهم للمؤسسة. ثالثاً، يجب على القادة أن يفكروا في أدوارهم بفضول وعقلية منفتحة، خاصة مع تغيرها بمرور الوقت. أخيراً، يجب على القادة الحفاظ على فضولهم حول الطبيعة المتغيرة لشركاتهم وظروف عملها بمرور الوقت، وتكييف ثقافة الشركة وفقاً لذلك.
الثقافة المؤسسية هي ميزة تنافسية استثنائية. على سبيل المثال، اكتشفت شركة ماكنزي آند كومباني أن المؤسسات التي تتمتع بأفضل الثقافات (الربع الأعلى) تتفوق على المؤسسات التي تتمتع بثقافة متوسطة بنسبة 60%، وعلى المؤسسات ذات الثقافات الضعيفة (الربع السفلي) بنسبة 200%. بالإضافة إلى ذلك، يصعب على المنافسين تقليد هذه الثقافات العالية الأداء، كما أنها تُمكِّن المؤسسة من التكيف بصورة أفضل مع الظروف المتغيرة. تكررت هذه النتائج في البحث الذي أجراه أليكس إدمانز من كلية لندن للأعمال، الذي وجد تفوقاً مماثلاً لدى الشركات التي تتميز بثقافات استثنائية.
لا تعمل الثقافة المؤسسية المتميزة على تعزيز أداء الشركة فحسب، بل تعزز أيضاً نمو موظفيها ومشاركتهم. في عملي، كثيراً ما أشدد على أهمية الثقافة القوية ومكوناتها وكيفية رسم ثقافة مؤسسية تحقق معنى وغاية أكبر. مع ذلك، غالباً ما تغفل المؤسسات الدور الحاسم للفضول في صياغة هذه المعايير. في هذا الصدد، يجب على القادة الاستثنائيين، للاستفادة من إمكانات مؤسساتهم وموظفيهم، إظهار الفضول باستمرار تجاه موظفيهم وعملائهم وأدوارهم والتغيرات المستمرة في مؤسساتهم.
الفضول تجاه الموظفين
يجب أن يكون لدى القادة فضول لفهم قيم موظفيهم ودوافعهم فيما يخص صياغة الثقافة المؤسسية والحفاظ عليها، فالمؤسسة هي في الأساس انعكاس لعقليات موظفيها ومواقفهم وقيمهم. يؤثر المؤسسون والقادة تأثيراً كبيراً في تحديد نوعية الموظفين الذين ينضمون إلى المؤسسة ومن ثم في تحديد القيم التي يجلبها هؤلاء، لكن الاستفادة من المعرفة الجماعية للفريق يمكن أن تساعد المؤسسة على التميز حقاً، ويتطلب تحقيق ذلك حتى من القادة الموهوبين إظهار الفضول تجاه أعضاء فرقهم.
على سبيل المثال، في بدايات شركة هوول فودز، اختار المؤسس جون ماكي إشراك الموظفين جميعهم في وضع رسالتها وتحديد قيمها، حيث كان يرغب في الاستفادة من المعرفة الجماعية لموظفيه وإنشاء مؤسسة ذات هيكل إداري مسطح يشارك فيها الجميع بفعالية. أسفرت هذه الجهود الجماعية عام 1985 عن وثيقة دُعيت "إعلان الاعتماد المتبادل"، وكانت أساساً ثمرة إسهامات الموظفين على جميع المستويات ولا تزال قيد الاستخدام حتى يومنا هذا. وبالمثل، وضع مؤسس شركة بريدج ووتر أسوشيتس، راي داليو، المبادئ التوجيهية لإدارة الشركة من خلال وثيقة مفتوحة المصدر أتاحت للموظفين مناقشة المبادئ الحالية واقتراح أخرى جديدة، كما وضعوا معاً نموذجهم للنجاح، وهي عملية أتيحت لي فرصة تجربتها خلال صيف إحدى السنوات التي عملت فيها هناك.
يمكن للقادة إظهار فضول تجاه الموظفين بطرق مختلفة، مثل إجراء جولات في مكان العمل والتحدث إليهم مباشرة أو إجراء استقصاءات رسمية أو إشراكهم في مجموعات تركيز حول مبادئ ثقافة المؤسسة، وبغض النظر عن الطريقة، بإمكان كل قائد استخدام فضوله في صياغة رسالة المؤسسة ورؤيتها وقيمها.
الفضول تجاه العملاء
يجب أيضاً توجيه هذا الفضول نحو العملاء. يقول سيمون سينك في كتابه "ابدأ بالسبب" (Start with Why) إن العملاء يهتمون بدوافع الشركة بقدر اهتمامهم بما تقدمه. يولي العملاء أهمية كبيرة لثقافة الشركة والقيم التي تتبناها، وهذا ما أثبتَه مراراً وتكراراً الولاء الذي يظهره العملاء للمؤسسات التي تتبنى قيماً تتوافق مع قيمهم بغض النظر عن المنتجات التي تقدمها الشركة، سواء كانت القهوة أو السيارات الكهربائية أو الأحذية أو أجهزة الكمبيوتر. السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ كيف يمكن للقادة استخدام فضولهم لإشراك العملاء في رسم ثقافة شركاتهم؟
إحدى الطرق هي استقصاء آراء للعملاء ليس فقط لمعرفة وجهات نظرهم حول المنتجات والخدمات التي تقدمها المؤسسة، بل ومعرفة أسباب تقديرهم المؤسسة. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليك إيجاد طرق تمكّن كل فرد في مؤسستك من التفاعل بطريقة مباشرة مع العميل لطرح أسئلة عليه والاستماع إلى مخاوفه وفهم نمط تسوّقه ونمط حياته والتعرف منه مباشرة إلى النواحي التي يقدرها. يعزز مثل هذا التعرض المباشر مستوى من الفضول يتجاوز ما توفره الاعتبارات النظرية والاستقصاءات وحدها.
ينطبق هذا المبدأ على القادة أيضاً. على سبيل المثال، حظيت ذات مرة بشرف تناول الإفطار في أحد مطاعم سلسلة وافل هاوس مع رئيسها التنفيذي آنذاك جو روجرز الابن. عندما جلست إلى طاولتي، اقترب مني جو مرتدياً زي النادل الكامل وشارة اسم كُتب عليها "متدرب". اتضح لي أنه كان يقضي عدة أسابيع كل عام في خدمة الطاولات في مطعمه للبقاء على تواصل مع عملائه وموظفيه. في السياق نفسه، تبنى الرؤساء التنفيذيون في شركتي أوبر وستاربكس مؤخراً ممارسة مماثلة تتمثل في تولي أدوار في الخطوط الأمامية، أما شركة هوم ديبوت فتتبع سياسة تلزم القادة الجدد بقضاء بعض الوقت في العمل في المتاجر.
الفضول تجاه الأدوار
يجب على القادة التفكر بعقلية منفتحة وفضولية في الأدوار المنوطة بهم. تتغير ثقافة الشركة بمرور الوقت، وتتغير أيضاً أدوار القادة فيها، ويمكن لذلك أن يتخذ مظاهر مختلفة. على سبيل المثال، عندما يتسلق القائد السلم التنظيمي، قد يتولى دوراً أهم في المؤسسة أو يتحول من شخص اعتاد أن يتحدى قيادة الشركة إلى شخص يجب عليه قبول تحدي الآخرين له.
وبالمثل، قد يتعين على المؤسس تفويض المسؤولية إلى أشخاص آخرين أكثر قدرة على تمثيل ثقافة المؤسسة والدفاع عنها، كما فعل ستيف بالمر وبيل غيتس في مايكروسوفت، أو كما فعل جيف بيزوس مؤخراً في أمازون. قد يُضطر مؤسسو الشركات الناشئة، حتى مع استمرار سيطرتهم على رؤيتها الشاملة، إلى تقبّل الثقافات المنظمة أكثر التي ينشئها كبار المسؤولين التنفيذيين، وهو ما فعله مارك زوكربيرغ مع شيريل ساندبيرغ في فيسبوك.
النقطة الأهم للقادة هي أن ينسجموا مع أنفسهم وأدوارهم الحالية، وأن يتحلوا بالفضول ليكتشفوا كيف يمكنهم المواءمة بين مواطن قوتهم الفريدة ونقاط ضعفهم وخبراتهم مع الثقافة المتغيرة لمؤسساتهم، وفي حين تختلف طريقة كل شخص عن الآخر بالطبع، فإنه لا يمكن للأفراد النمو والتطور إلا من خلال الفضول والتواضع والوعي بالذات.
الفضول تجاه التغيير
أخيراً، يدرك القادة الاستثنائيون أن رسم الثقافة ليس مهمة تُنفذ مرة واحدة وتنتهي، لذلك يحافظون على فضولهم تجاه الطبيعة المتغيرة لشركاتهم وظروف عملها بمرور الوقت. لا بد للتغيير أن يطال الشركات أو المؤسسات غير الربحية أو المؤسسات الأخرى وظروف عملها، وهذا هو الدرس الذي تعلمته شركات مثل بلوك باستر وسيركت سيتي بعد عناء طويل.
يجب على الشركات أن تكون منفتحة على التغيير والتجديد خلال المراحل الحاسمة من حياتها المؤسسية. على سبيل المثال، كان شعار "تحرك بسرعة واكسر القواعد" ممتازاً لفيسبوك (ميتا الآن) خلال مرحلة نموها، لكنه لم يعد ملائماً تماماً الآن بعد أن أصبحت الشركة عملاقاً عالمياً مع ما يرتبط بها من مخاطر وبنية تحتية. في عام 1985، صاغ جون ماكي وثيقة "إعلان الاعتماد المتبادل" الأولية بالتعاون مع زملائه وشركائه، ثم استمر في مراجعتها وتحديثها بانتظام مع نمو المؤسسة. الفضول ضروري للتغيير الذي ستخضع أي مؤسسة له سواء في بنيتها الداخلية أو ظروف عملها، وفي كتابي الأخير، أوصي بضرورة مراجعة رسالة المؤسسة ورؤيتها وقيمها بانتظام (على سبيل المثال، كل 5 سنوات) أو خلال فترات التغييرات الكبيرة (مثل الاندماج أو تعيين رئيس تنفيذي جديد أو حدوث تغيرات جوهرية في معايير العمل مثل التي شهدتها العديد من الشركات خلال جائحة عام 2020).
لا توجد إرشادات محددة حول كيفية إجراء مراجعة مدروسة للعناصر الثقافية الرئيسية للمؤسسة، مثل رسالتها ورؤيتها وقيمها، أو حول كم ينبغي تكرار ذلك، ولكن يجب أن ندرك أن الثقافة تتغير دائماً. يبقى القادة الاستثنائيون يقظين لهذه التغيرات، ويظهرون فضولاً تجاه أسبابها ونتائجها، ويتعاملون بعقلية منفتحة مع الحاجة إلى تطوير أنفسهم أو مؤسساتهم بطرق ملموسة.
تتغير المؤسسات والقادة الناجحون باستمرار، ولبناء ثقافة يمكنها التكيف مع هذه التغيرات والتفوق على الآخرين وتعزيز نمو الموظفين، ينبغي أن يكون التحلي بالفضول نهجاً ثابتاً، فالثقافات العالية الأداء تحافظ على ميزتها التنافسية فقط من من خلال طرح الأسئلة باستمرار.