ملخص: تثير احتمالية العودة إلى المكتب مجموعة مختلفة من ردود الأفعال، بدءاً من الراحة والإثارة إلى الخوف والتردد. في الواقع، زاد تكيّف الموظفين مع الوضع الحالي في أثناء الجائحة من إحساسهم بالأمان خلال الأزمات، ولن يكون التخلي عن تلك المشاعر والسلوكيات أمراً فورياً. ويعرض المؤلفون 4 استراتيجيات يمكن للقادة استخدامها لتسهيل عودة الموظفين إلى المكاتب ودعم موظفيهم ومساعدتهم في تسهيل عملية الانتقال.
يفكر العديد من القادة في العودة الكاملة أو الجزئية إلى مكاتبهم في مرحلة ما بعد الجائحة. من جهة أخرى، تطرح تلك الخطوة أيضاً فكرة انقسام الموظفين إلى مجموعتين متعارضتين: أولئك الذين يتوقون للعودة إلى المكاتب وأولئك الذين يعارضونها. ومع ذلك، قد يشعر بعض الأشخاص الذين يرغبون في العودة إلى مساحة عمل مشتركة بعدم الراحة، وقد يكون ذلك الإحساس متفاقماً لدى بعضهم الآخر. بشكل عام، لن تختفي السلوكيات المرتبطة بالتوتر بطريقة سحرية، سواء كانت نتيجة مخاوف صحية معينة أو تحديات عائلية أو أوضاع اقتصادية، حتى بعد انتهاء الخطر الجاد للأزمة. وفي الواقع، أفادت جمعية علم النفس الأميركية أن 48% من البالغين الذين حصلوا على اللقاح مترددون في العودة إلى أسلوب التواصل وجهاً لوجه.
لا يعني ذلك التردد أنهم لن يستأنفوا العمل والاجتماع مع زملائهم وجهاً لوجه، لكنه يعني احتمالية وجود فترة انتقالية قد يُظهروا خلالها تفاوتاً في طاقتهم وانتباههم وقدرتهم على التحكم بعواطفهم. قد يبدون بخير في أحد الأيام، ثم يعلو الارتباك محياهم يوماً آخر، وقد تظهر كل تلك المشاعر مجتمعة في نفس اليوم أحياناً. وكما رأينا في ممارسات تدريب التنفيذيين، هناك 4 خطوات يمكن للقادة اتخاذها لمساعدة موظفيهم في الانتقال إلى المكتب.
استراتيجيات يمكن للقادة استخدامها لتسهيل عودة الموظفين إلى المكاتب
أولاً، أكد على أهمية التواصل
يقدم الأشخاص في الظروف العادية أداءً أفضل عندما يشعرون بالاستقرار مقارنة بأدائهم عندما يتشتت انتباههم ويشعرون بالإرهاق من التغييرات المتكررة. ويُعتبر ذلك صحيحاً في مرحلة ما بعد الجائحة، أي عندما يتوق الموظفون للحصول على البيانات والطمأنينة، بعد عام كامل سادته حالة من القلق. على سبيل المثال، قد يفكر القادة قبل العودة إلى مكاتبهم في تقديم معلومات مفصلة حول بروتوكولات السلامة في المكتب وتوقعاتهم من الموظفين، وذلك للمساعدة في تهدئة مخاوف موظفيهم الصحية وتمكين الموظفين القلقين من تصور رحلة عودتهم إلى المكاتب.
ومع ذلك، لا تمثّل مشكلة انتقال الفيروس مصدر قلق العاملين الوحيد، إذ لن يكون العاملون متأكدين من دورهم في الشركة أو كيفية تغيّر الديناميكيات التنظيمية بعد ابتعادهم عن المكتب لمدة عام كامل. ويُعدّ تقديم عبارات ثناء محددة وصادقة وسيلة فاعلة لتهدئة مخاوف الموظفين وتذكير لك ولزملائك الآخرين بالقيمة التي تضيفونها إلى الشركة. قد تقول على سبيل المثال: "شكراً لك على إشراك سارة في المحادثة خلال اجتماعنا الأخير"، إذ يُعتبر هذا النوع من بناء الفرق مهماً جداً هذه الأيام.
ثانياً، اسمح للموظفين بالتعبير عن مشاعر القلق التي تنتابهم
يستفيد الموظفون عادة من الحديث عما يشعرون به، خاصة في أوقات يسودها التوتر. ويُعد الاستماع بفضول هادئ وصادق، دون محاولة إصلاح المشكلة، أمراً ذا قيمة كبيرة في مساعدة الأشخاص في عملية الانتقال بعد ما مررنا به من أحداث مزعزعة. كان أحد القادة المعروفين يعارض السماح للموظفين التعبير عن مخاوفهم في مرحلة ما بعد الجائحة لأنه لا يرغب في عقد "جلسات نفسية جماعية" في المكتب. لكن كما أظهر بحث إيمي إدموندسن في مجال الأمان النفسي، يكمن الخطر الأكبر في بيئة العمل التي تحظر المحادثة وتخلق الخوف من النقد أو الاستنكار.
ومن المهم بالطبع تجنب انحراف المحادثات إلى التحليل النفسي أو إلى جلسة موسعة لحل مشكلة موظف واحد. في الواقع، إذا كان أحد الموظفين بحاجة إلى مساعدة نفسية، فيوجد مكان مخصص للحصول عليها. على سبيل المثال، قام أحد العملاء الذين أشرف على تدريبهم، وهو رئيس مستشفى، بإعداد مكتب لأخصائي نفسي وفقاً لجدول مواعيد متناوب، بحيث يمكن لأي موظف الحصول على استشارته.
وتنطوي إحدى الوسائل الفاعلة للسماح للأشخاص بإثارة مخاوفهم في بيئة إنتاجية غير مهددة على مناقشة السياق الجديد للعمل المشترك بعد عودة الفريق إلى المكتب. على سبيل المثال، يمكن للقائد أن يمهد الطريق بقوله: "لنعد التفكير في كيفية بقائنا على تواصل لإكمال جهودنا التسويقية"، فذلك يسمح للموظفين بإثارة مخاوفهم واقتراح التغييرات والشعور بالكفاءة الذاتية.
ثالثاً، سهّل عملية التواصل بين الموظفين
يشعر العديد من الموظفين بالانفصال التام عن الآخرين بعد أكثر من عام من العمل من المنزل. ولا يُعتبر التواصل مجرد تحد شخصي، بل إنه يؤثر على أداء الفرد في العمل. إذ أظهرت الدراسات أن التواصل البشري يساعد الموظفين في تحمل التوتر والتعافي منه. وقد أعاد العديد من الموظفين النظر في أهدافهم وأولوياتهم خلال الجائحة، إذ يفكر 25% منهم في ترك وظائفهم، في حين يقول 48% منهم إنهم يفضلون نموذج العمل الهجين. ومن الأجدى في الواقع أن يترك المرء الوظيفة التي يشعر فيها بالعزلة، أو تلك التي تفتقر إلى وجود علاقات بين موظفيها. على العكس من ذلك، أظهرت الدراسات أن امتلاك الموظف صديقاً في العمل يؤثر بشكل إيجابي على مدى اندماجه في العمل. وتُعتبر عملية بناء تلك الروابط عضوية بالطبع، إذ لا يمكنك إجبار الآخرين على إقامة صداقة معك.
لكن يمكنك كقائد خلق سياق يسهل على الموظفين الذين قد يشعرون بالنقص بشأن مهاراتهم أو تفاعلاتهم الاجتماعية إعادة التواصل. يمكن للإيماءات الصغيرة، مثل إقامة حفلة "العودة للعمل" أو وجبات الغداء الجماعية أن تحدث فارقاً. لذلك، حاول التوصل إلى حلول فردية غير رسمية، مثل اقتراح أن يتحدث أحد الموظفين إلى زميل لديه خبرة في مجال معين ذي صلة بالمشروع.
رابعاً، راقب عواطفك وتحكّم بها
لا يُعتبر ضغط تحمل المسؤولية عن النتائج والأشخاص والسلامة وما إلى ذلك بالأمر الهيّن، وقد أخبرنا عدة قادة أنه ليس لديهم وقت لأنفسهم أو أنهم يتساهلون بذلك بالفعل. كما أن نتائج البحوث واضحة في هذا الصدد: فالقائد الذي يضحي برفاهته باستمرار يكون عرضة للإرهاق العاطفي والجسدي الذي يضعف التفكير والقدرة على صناعة القرار. لكن بمجرد أن يفهم القائد مدى تأثير رفاهته على أسلوب قيادته وقراراته، بالإضافة إلى تأثيرها على الحالة المزاجية لموظفيه الذين يراقبون سلوكياته عن كثب، يصبح من السهل عليه جعل مهمة التحكم بعواطفه من أهم أولوياته. وتوجد عدة طرق فاعلة وبسيطة نسبياً بالفعل، كالمشي وحظر جدول المواعيد في أيام أو أوقات معينة، والبحث عن أشخاص لا يطلبهم القائد عادة والتواصل معهم، وإشراك مستشار أو مدرب يمكنه تقديم الدعم والأفكار الإضافية.
مع تعافي العالم من الجائحة، سيلاحظ القادة مجموعة مختلفة من ردود الفعل في موظفيهم، بدءاً من الراحة والإثارة إلى الخوف والتردد. في الواقع، زاد تكيّف الموظفين مع الوضع الحالي في أثناء الجائحة من إحساسهم بالأمان خلال الأزمات، ولن يكون التخلي عن تلك المشاعر والسلوكيات أمراً فورياً. لكن يمكن للقادة من خلال الاستراتيجيات المذكورة أعلاه الاستعداد للتعامل مع مشاعر الموظفين المختلطة والمساعدة في تسهيل عودة الموظفين إلى المكاتب وانتقالهم إلى العمل.