تم عقد اجتماع مهم للغاية، ولم تتم دعوتك إليه. وأعلن أحد كبار المسؤولين في هذا الاجتماع عن اعتزام الشركة تسريح 150 مديراً بها، نظراً لعجزهم عن تحقيق المستهدفات المطلوبة منهم، وكان الغرض من هذا الاجتماع إعداد قائمة بهؤلاء الأشخاص. والسؤال الذي يشغل بالك في هذه اللحظة هو: "كيف أضمن عدم إدراج اسمي ضمن هذه القائمة؟". في ستينيات القرن الماضي، وصف ملفين ليرنر ظاهرة نفسية تُسمى "فرضية العالم العادل" التي تتلخص فيما يلي: يريد الناس تصديق أن الأشياء السيئة تحدث للأشخاص السيئين. على سبيل المثال، بعد تقليص حجم العمالة في الشركات، من الشائع أن يعتقد العاملون الذين نجوا من هذه العملية أنها طالت العاملين ذوي الأداء الضعيف فقط.
لكن هل هذا صحيح؟
للإجابة عن هذا السؤال، جمعنا قدراً كبيراً من البيانات من إحدى الشركات المدرجة في قائمة "فورتشن 100" ومقرها الولايات المتحدة بعد أن خضعت لعملية تقليص حجم العمالة على مستوى الهيكل الإداري للشركة، وذلك لمعرفة إذا ما كان بإمكاننا تحديد العوامل التي تتنبأ بالأشخاص الذين تشير التقديرات إلى أنه سيتم الاستغناء عنهم.
واتضح أن سجل مراجعات الأداء الجيدة كان أحد العوامل التي لا تؤخذ في الحسبان في أغلب الأحيان عند محاولة التنبؤ بالموظفين الذين ستشملهم قائمة المرشحين للتسريح من العمل؛ فقد أشارت البيانات إلى أن 23% فقط ممن تم تسريحهم من العمل حصلوا على تقييمات سلبية في مراجعة الأداء، وهو ما يعنى ضمنياً أن 77% من العاملين الذين طُلب منهم المغادرة لم يكن لديهم أدنى فكرة عن المصير الذي ينتظرهم.
ولكن عندما درسنا تقييمات الأداء التي أُجريت بطريقة 360 درجة وشملت أولئك الذين تم الاستغناء عنهم جميعاً، وأجرينا استقصاء شمل مدراءهم لسؤالهم عن السبب، وجدنا مجموعة متسقة جداً من المشكلات، وكانت كلها واضحة مسبّقاً. وتمكّنا من تحديد 6 عوامل على وجه التحديد كانت ترسل إشارات تحذيرية؛ فقد أفصح كل مَنْ تم تسريحهم من العمل عن 2 على الأقل من العوامل التالية:
1. لم يكن يُنظَر إليهم على أنهم استراتيجيون
لم يكن الكثيرون من العاملين ذوي الحظ العاثر البالغ عددهم 150 عاملاً يتقلدون مناصب وظيفية تتيح لهم فرصاً لوضع استراتيجيات جديدة، ونتيجة لذلك صنّف زملاؤهم قدراتهم الاستراتيجية عند أدنى المستويات في تقييمات الأداء التي أُجريت بطريقة 360 درجة. فقد تم تصنيف القدرات الاستراتيجية لأولئك الذين تم تسريحهم من العمل، كمجموعة، عند نسبة 32% فقط في المتوسط، أي أن تصنيفهم في هذا السياق كان أسوأ من تصنيف ثلثي زملائهم. وكان بإمكانهم تصحيح هذا العامل قبل فوات الأوان؛ لأنهم جميعاً تلقوا ملاحظات حول قدراتهم الاستراتيجية خلال العامين الماضيين. فما الذي منعهم؟ تظهر أمامنا صورة لقادة عملوا بجد وإخلاص، ولكنهم كانوا يبالغون في الانكباب على عملهم ويركزون أكثر من اللازم على القضايا التشغيلية أو الفنية أو الوظيفية الآنية. كان الكثيرون من هؤلاء أشخاصاً يتمتعون بخبرة فنية أو وظيفية قيمة؛ لكن الحقيقة المحزنة هي أن أكثر ما تحتاج إليه المؤسسات في الأوقات العصيبة هم القادة الذين يمكنهم إنشاء استراتيجية رابحة تضمن تحقيق ميزة تنافسية.
2. فشلوا في تحقيق النتائج باستمرار
تنبأ تقييم الأداء بطريقة 360 درجة بالمشكلات هنا أيضاً؛ فقد تم تصنيف القدرة على تحقيق النتائج لدى أولئك الذين تم تسريحهم من العمل عند نسبة 37% فقط في المتوسط. هؤلاء هم الأشخاص الذين لم يفوا بالمواعيد النهائية، أو تولوا الإشراف على مشاريع دون أن ينجحوا في إنهائها في الموعد المحدّد، أو حققوا نتائج متواضعة للغاية يستطيع الآخرون تجاوزها بسهولة. وعلى الرغم من أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم أشخاصاً يعملون بجد واجتهاد، فإنهم كانوا ينظرون إلى أي شخص آخر في تقييم الأداء بطريقة 360 درجة كما لو كان يستنفد طاقته ويفقد فاعليته بمرور الوقت. وكان بعضهم معروفاً بسمعة مفادها أنه يفتقر إلى العمل الجاد؛ حتى إن كبار السن في هذه المجموعة بدوا لزملائهم كما لو أنهم قد بدأوا رحلة تقاعدهم مبكراً.
3. تم التشكيك في أخلاقياتهم أو نزاهتهم
لم تكن هذه مشكلة شائعة، ولكن كلما وُجِدت كان يتم الاستغناء عن العاملين. وقد شملت هذه السقطات الأخلاقية نطاقاً واسعاً، بدايةً من عدم الامتثال لسياسات الشركة وصولاً إلى توجيه تعليقات نابية إلى زملاء العمل أو محاولة إقامة علاقات غير ملائمة معهم، مروراً بارتكاب مخالفات مالية، مثل ترحيل الأموال الفائضة من سنة مالية إلى أخرى عن طريق إصدار فواتير وهمية. كانت هذه المؤشرات تنم في معظمها عن سوء التقدير، وإن كانت لا تشير إلى وجود نوايا متعمدة للتضليل والخداع.
4. كانت مهاراتهم في التعامل مع الآخرين ضعيفة (جداً)
تمت ترقية الكثير من الأشخاص الذين يفتقرون إلى مهارات التعامل مع الآخرين استناداً إلى قدراتهم التقنية، لكنم عجزوا عن تحسين مهاراتهم الاجتماعية بما يكفي للنجاح في مناصبهم الجديدة. وقد تم تصنيف القدرة على بناء العلاقات ومهارات التعامل مع الأشخاص لدى أولئك الذين تم تسريحهم من العمل، كمجموعة، عند نسبة 37% فقط في تقييم الأداء بطريقة 360 درجة. وكان يُنظر إلى الكثيرين منهم على أنهم قادة ضعفاء غير قادرين على التأثير في الآخرين وتعزيز التغيير الضروري. كان من الصعب التعامل مع بعضهم، حتى إن شخصياتهم كانت عدائية وتتصف بتقلب الحالة المزاجية والغضب والولع بالصراعات وعدم القدرة على التحكم في سلوكهم الاندفاعي. وتم وصف عدد منهم بأنهم يخلقون بيئة عمل سامة نفسياً. لماذا انتظرت الشركة تقليص حجم العاملين فيها للتخلص من أمثال هؤلاء الموظفين الذين لا تخفى أضرارهم على أحد؟ ضع نصب عينيك أن موظفين كثيرين من هؤلاء وصفوا أيضاً بأنهم عباقرة بارعون.
5. كانوا يقاومون التغيير، على الصعيدين الشخصي والمؤسسي
في قاعدة بياناتنا العالمية التي تضم تقييمات أداء بطريقة 360 درجة أدلى بها 35,000 قائد، وجدنا علاقة قوية بين رغبة المدراء في طلب الملاحظات والاستجابة لها وفاعليتهم القيادية الشاملة. علاوة على ذلك، فقد وجدنا أن الرغبة في طلب النصيحة والاستجابة للملاحظات تتراجع بمرور الوقت (أي أن العاملين الأكبر سناً في قاعدة بياناتنا يميلون إلى الحصول على درجات أقل من زملائهم الأصغر سناً). وعموماً، يفترض أسوأ القادة أنهم قد نالوا ترقياتهم بسبب عبقريتهم وكل ما يحتاجون إليه هو الاستمرار في فعل ما فعلوه في الماضي، لكن أفضل القادة يواصلون البحث عن الملاحظات وإيجاد طرائق لتحسين مستوى أدائهم؛ لذا لم يكن مفاجئاً لنا أن مدراء كثيرين ممن تم الاستغناء عنهم في هذه الشركة قد وُصفوا بأنهم يقاومون التغيير ويفتقرون إلى المرونة اللازمة للتعامل مع الرؤى والتصورات الجديدة المستمدة من مراجعات الأداء بطريقة 360 درجة بخصوصهم.
6. فقدوا الرعاة أو الدعم
أشار أكثر من نصف المدراء الذين تم تسريحهم من العمل إلى أنهم فقدوا دعم رعاتهم مؤخراً؛ لذا لم يكن هناك من ينافح عنهم في الاجتماع المصيري الذي تحدثنا عنه آنفاً. والدرس المستفاد هنا في غاية الوضوح. ليس عليك فقط أن تسأل: "من سيدافع عنك بقوة؟"، ولكن من المهم أن يكون لديك أكثر من شخص واحد يدافع عنك.
من الواضح أن هذا العامل ذو طابع سياسي، ويشير انتشاره إلى أن الجميع يجب أن يتوخوا أقصى درجات الحذر والشك عندما تكون عمليات تسريح العاملين وشيكة الحدوث. لكن بحثنا في هذه الشركة يقدم بشكل عام بعض الأدلة الدامغة على صحة فرضية العالم العادل، إذ لم يتم الاستغناء عن أيٍّ من العاملين ذوي الحظ العاثر البالغ عددهم 150 عاملاً لهذا السبب فقط. وقد تم الاستغناء عن الجميع لسبب واحد على الأقل، وأكثر من سبب واحد بشكل عام.
تشير هذه النتائج أيضاً إلى أن المراجعات الإيجابية، بل حتى الترقيات، قد تخلق لدينا إحساساً زائفاً بالأمان. وتعزز الفوارق بين مراجعات الأداء الإيجابية والتعليقات السلبية على مراجعات الأداء بطريقة 360 درجة النتائج التي توصلنا إليها منذ فترة طويلة التي تفيد بأن مواطن قوتك هي التي تؤهلك للحصول على الترقيات، ولكنها تشير أيضاً إلى أن الأوقات المشوبة بحالة من عدم اليقين توجب عليك إعادة النظر في عيوبك التي قد تجعلك عرضة لخطر التسريح من العمل.
وإذا كانت مؤسستك تواجه اليوم عملية خفض حجم العمالة، فهل أنت مستعد بالقدر الكافي ومتأكد أن اسمك لن يندرج ضمن "القائمة"؟ نحن نرحب بأفكارك.