قال بسام، وهو أحد ثلاثة مرشحين يجري النظر في تعيينهم في منصب المدير التنفيذي في إحدى الشركات، لمدربه رضوان: "يجب أن أقنعهم بأنني أفضل مما أنا عليه".
كان ذلك أسوأ ما يمكن أن يفعله بسام. إذا حصل على الوظيفة، فسيضطر إلى قضاء وقته في محاولة الحفاظ على هذا الوهم، متحملاً التفاوت بين الصورة التي رسمها لدى الآخرين عن نفسه وحقيقته. قال رضوان لبسام ناصحاً: "عليك أن تقنعهم بأنك قادر على أن تتطور من خلال التعلم المستمر بمجرد حصولك على الوظيفة. أظهِر لهم أنك تتمتع بميزات تتيح لك ذلك".
ليس بسام وحده من يفترض أن نجاحه ناتج عن إقناع الآخرين بأنه موهوب أكثر مما هو عليه في الواقع. كتب نيكولو مكيافيلي في كتابه الشهير "الأمير" (The Prince): "ليس بالضرورة أن تتحلى بالصفات الحميدة جميعها، ولكن من الضروري جداً أن تبدو وكأنك تتحلى بها". لاحظنا أن الكثير من العملاء يرهقون أنفسهم (والآخرين) في ترسيخ صورة وهمية عن قدراتهم، ثم قضاء عمرهم في محاولة الحفاظ عليها.
يشير بعض الأبحاث إلى أن الثقة المفرطة بالنفس آخذة في الارتفاع، والأسوأ من ذلك هو أنها مُعدية. سنتحدث في هذا المقال عن الأسباب التي تجعل الثقة المفرطة بالنفس خطيرة، بالإضافة إلى استراتيجيات بناء (أو إعادة بناء) القادة لمصداقيتهم.
مخاطر الثقة المفرطة بالنفس
إذا حاولت من قبل إقناع الآخرين بأن قدراتك أعلى مما هي عليه، فهذه بالتأكيد حال الكثيرين. بالإضافة إلى أن هذا السلوك ممل وغير مُجد، فإن عواقبه تصبح أسوأ عندما يحقق من يتّبعه النجاح بالفعل، مثل الحصول على ترقية والتمتع باحتفاء ومكافآت تفوق مستوى موهبته أو قدراته.
تؤدي محاولة إقناع الآخرين بأن قدراتك أعلى مما هي عليه بالفعل، بغض النظر إن كنت تصدّق ذلك أو لا، إلى نتائج عكسية غالباً. بالإضافة إلى ذلك، يزيد اعتقادك بأنك لن تعاني هذه العواقب احتمالية أن تعانيها. سنتحدث فيما يلي عن مخاطر التباهي المفرط للحصول على ترقية أو وظيفة جديدة:
فقدان الثقة والمصداقية
عندما يكتشف الآخرون أنك لا تتمتع بالكفاءة أو الخبرة أو المعرفة التي تدّعي أنك تمتلكها، فإن ثقتهم بك تتراجع. ومن الصعب إعادة بناء المصداقية بمجرد فقدانها، سواء في العلاقات الشخصية أو في الأوساط المهنية. والأسوأ من ذلك هو أن قيمة المواهب الحقيقية التي تتمتع بها ستنخفض عندما يشكك الآخرون في مصداقيتك في جوانب متعددة من الحياة.
زيادة التوتر والقلق
يتطلب الحفاظ على المظهر الكاذب جهداً مستمراً، ويمكن أن يؤدي إلى توتر وقلق شديدين. قد يضر الخوف من الانكشاف أو الفشل في تلبية التوقعات التي حددتها بصحتك على الصعيدين النفسي والعاطفي، إلى جانب الضغط النفسي الذي تسببه للآخرين الذين شملتهم في الوهم الذي خلقته.
تضييع فرص النمو
قد تفوتك فرص التعلم والنمو عندما تتظاهر بأنك تتمتع بمهارة أكبر من التي تتمتع بها بالفعل. يتيح لك الاعتراف بمواطن الضعف البحث عن الإرشاد والتدريب والخبرات التي تسهم في تحسين نفسك بحق، بينما يُفوِّت إخفاء عيوبك عيوبك فرصاً لمعالجتها. على حد تعبير الفيلسوف اليوناني القديم، إبيكتيتوس، من المستحيل أن يتعلم الإنسان ما يعتقد أنه يعرفه بالفعل. لذلك، عندما تتظاهر بسد الفجوة بين كفاءتك الفعلية وكفاءتك المتصورة من خلال غرورك، وليس من خلال مواهبك أو مجهودك الفعلي، فمن المرجح أنك ستتوقف عن التطور.
تضرر العلاقات
تعزز الأصالة العلاقات العميقة وذات المغزى، بينما يدفع الخداع الآخرين للنفور. إذا شعر الآخرون بالتضليل، فقد ينسحبون من العلاقة، ما يؤدي إلى عزلك وانفصالك. تؤدي هذه العزلة غالباً إلى الشعور بالعار وشعور أعمق بالنقص، ما يزيد بدوره حاجتك إلى الإصرار على الوهم الذي خلقته لاكتساب احترام الآخرين، فتجد نفسك عالقاً في حلقة مفرغة.
النجاح المحدود على المدى الطويل
على الرغم من أن التظاهر قد يوفر المكاسب على المدى القصير، فإن النجاح المستدام مبني على الكفاءة الحقيقية والتمتع بشخصية صادقة. يواجه الذين يعتمدون على المظاهر بدلاً من الجوهر في النهاية انتكاسات حادة عندما يضع الآخرون قدراتهم الحقيقية على المحك. الفشل الذي تعتقد أنك تتجنبه بتضخيم مواهبك هو على الأرجح الفشل نفسه الذي تسببه لنفسك.
مع ذلك، من يعاني المخاطر الأسوأ للتظاهر والتكاليف الفعلية له هم الآخرون. بما أن هناك احتمالاً دائماً أن تنجح في الخداع أو تستفيد من المبالغات، فهناك احتمال لا ريب فيه بأنك ستصبح مثل بسام: شخص ليس بالكفاءة التي يريد أن يرى الآخرون أنه يتمتع بها، ولكنه قادر على النجاح على الرغم من أن قدراته أقل مما يعتقد الآخرون.
إعادة بناء مصداقيتك
إذا كنت تشعر بالرغبة في تنميق قدراتك، أو إذا فعلت ذلك بالفعل وأدركت الآن أنك لا تستطيع الحفاظ على هذه الصورة الوهمية، فإليك بعض الطرق لترسيخ الصورة الواقعية لنفسك واستعادة مصداقيتك مجدداً:
حدد الخطر المتصور للحقيقة.
قرار المبالغة ليس عشوائياً، بل هو سلوك مكتسب. من المرجّح أنك تعلّمت في وقت ما أن تصور الآخرين الدقيق لقدراتك ينطوي على مخاطر، مثل أن ينظروا إليك على أنك لا تتمتع بالكفاءة الكافية، أو أن هذا التصور سيضيع منك الفرص، أو أن ينظروا إليك على أنك "نموذجي" أو لا ترقى إلى مستوى بعض التوقعات المفروضة للكمال.
تأمّل العبارة الآتية التي تقولها لنفسك: "إذا علم الآخرون أن قدراتي ليست عالية بهذا القدر"، كيف تُنهي هذه الجملة في ذهنك؟ ما هو الخطر الذي تحاول تجنبه؟ من خلال توضيح الخطر المتصور، يمكنك التشكيك في الفكرة الأصلية التي نشأ عنها.
قضى بسام العديد من سنواته التكوينية في التنافس على الفرص التي تعرّض للتوبيخ لأنه لم يفز بها. قال له مدربه في المدرسة الثانوية، الذي كان يدفعه للحصول على إحدى المنح الدراسية التي تقدمها الجامعات لرياضيي ألعاب القوى: "عليك أن تقنعهم بأنك أفضل مما أنت عليه". مع ذلك، لم يحصل بسام على المنحة الدراسية.
أعِد صياغة السرد.
إذا وضعت بالفعل توقعات أعلى من تلك التي يمكنك تلبيتها، يمكنك بدلاً من الاعتراف بأن الادعاءات السابقة مبالغ فيها أن تغيّر السرد بمهارة لترسيخ صورة أكثر واقعية.
قد تقول جملاً مثل: "اعتقدت من قبل أنني أتمتع بموهبة حقيقية في المجال الفلاني، لكن كلما تعلمت أكثر، أدركت أن هناك الكثير من المهارات التي يجب أن أتقنها"، أو "تعلّمت الكثير مؤخراً، ولدي نظرة مختلفة الآن". تخفض هذه الجمل حدّة التراجع دون أن تجعلك تبدو أنك كنت مخادعاً بخبث.
تحمّل مسؤولية المبالغة بصدق (عندما يكون ذلك مناسباً).
يمكن أن يؤدي تحمّل المسؤولية في العلاقات المهمة إلى بناء المصداقية وترميمها وليس الإضرار بها. إذا كان من المحتمل أن تأتي المبالغة بنتائج عكسية، أو إذا كنت تظن أن الآخرين يشككون في قدرتك الآن، فقد يكون اتباع نهج مباشر ويتسم بالمسؤولية فعالاً. يمكنك أن تقول ما يلي: "فكّرت في الطريقة التي وصفت بها تجربتي في المجال الفلاني، ومن المرجح أني جعلتها تبدو أكثر إثارة للإعجاب مما هي عليه في الواقع. استرسلت في الحديث، ولكنني أريد أن أكون صريحاً بشأن ما أعتقد أنني قادر على فعله حقاً". أحياناً، قد لا تكون علاقتك مع من تتحدث إليه عميقة بما يكفي لتتحدث بهذه الصراحة، لكن عندما تكون الصراحة مبررة، فاتباعها خيار يستحق أن تأخذه في الاعتبار.
تحويل التركيز إلى النمو.
قد يمكّنك إجراء تقييم صادق لاحتياجاتك التطويرية من إعادة صياغة المبالغات السابقة على أنها جزء من رحلة نحو تحسين نفسك بدلاً من أن تكون تنميقاً متعمداً. بالإضافة إلى ذلك، عندما يسمعك الآخرون وأنت تعترف بالثغرات في قدراتك، عندما يسمع الآخرون اعترافك بثغرات قدراتك، سيعزز ذلك احترامهم لك ويسمح لهم برؤية مواهبك الحقيقية بإيجابية أكبر.
يمكنك أن تقول جملة مثل: "اعتدتُ أن أفكر في نفسي على أني خبير في المجال الفلاني، لكن العمل مع أشخاص يتمتعون بمهارات حقيقية جعلني أدرك جوانب لم أدركها من قبل، وأدرك أن عليّ تعلم الكثير بعد". يبين ذلك أنك متواضع وملتزم بتحقيق النمو الشخصي، كما أنه سلوك قائد يستطيع الآخرون الاقتداء به، ما يجعلهم يشعرون بالأمان حيال الاعتراف بأوجه القصور لديهم بدلاً من إخفاء الأخطاء أو تجنب طلب المساعدة.
إبراز قدرات الآخرين.
يمكنك أن تُظهر تواضعاً حقيقياً من خلال تسليط الضوء على مواهب الآخرين، خاصة الذين يتمتعون بقدرات أعلى من قدراتك. إذا كنت تنمّق قدراتك لأنك تتوق إلى التقدير أو تشعر بالخطر من أن يقارنك الآخرون بغيرك، فيمكنك أن تقول جملة مثل: "كنت أعتقد أني أتمتع بموهبة خاصة في المجال الفلاني، لكنك ألهمتني عندما أدركت قدراتك، وأود أن أتعلم منك".
الضغط الذي يتعرض له الكثيرون حتى يظهروا وكأنهم يتمتعون بالكمال كبير في عالمنا الذي تميل الأغلبية فيه إلى إجراء المقارنات المُضرة والتفاخر المقنع بالتواضع وتضخيم الذات. لكن الثقة الحقيقية والنجاح الحقيقي يأتيان من تطوير المهارات الفعلية وتنمية المواهب بمرور الوقت. اجعل إدراكك لنفسك من قدراتك الفطرية، وهذا يبدأ من خلال فهم تصور الآخرين لك، الذي يشمل خبراتك وإمكاناتك. بدلاً من التظاهر، ركز على التقدم والتعلم والأصالة، ما سيفيدك ويفيد من حولك أكثر على المدى الطويل؛ وإذا اضطررت إلى التظاهر يوماً، فستبني مبالغاتك على أساس حقيقي على الأقل.