كيف تقف أنظمة الميزانيات عائقاً أمام الابتكار في المستشفيات؟

5 دقائق
تأثير أنظمة الميزانيات على الابتكار في المستشفيات

في العام 2017، تأسست حوالي 800 شركة ناشئة في مجال الصحة الرقمية، ليحقق هذا المجال بذلك ارتفاعاً لم يسبق له مثيل. وتقدم كل شركة من هذه الشركات الجديدة أملاً بتغيير مستوى أداء نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. ويبدي جمهور مثل هذه الابتكارات رغبته في الانفتاح، إذ أظهرت دراسة استقصائية أجرتها جمعية المستشفيات الأميركية (American Hospital Association) مؤخراً أنّ 75 في المئة من كبار المسؤولين التنفيذيين في المستشفيات يؤيدون أهمية الابتكار الرقمي. فما هو تأثير أنظمة الميزانيات على الابتكار في المستشفيات؟

على الرغم من هذا الحماس الواضح، إلا أنّ المستشفيات تشتهر ببطء تبنيها للابتكارات الرقمية، ومن أسباب ذلك أنّ أقسام تكنولوجيا المعلومات فيها تكون مشغولة في إعداد أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية وصيانتها وترقيتها، بينما يقع الكثير من اللوم في ذلك على سوء تخطيط الميزانيات ونظم الحوافز في المستشفيات.

الحواجز الثلاث لتطبيق أنظمة الميزانيات في المستشفيات

وتمكنا من التعرف على كيفية تأثير أنظمة الميزانيات في المستشفيات على اعتماد التكنولوجيا، وتوصلنا إلى ثلاثة أنواع من الحواجز المختلفة التي تقف عائقاً دون ذلك. ويمكن التغلب على هذه الحواجز من خلال تغيير الطريقة التي تحصل بها المستشفيات على التقنيات الجديدة وتوفير الحوافز للوحدات من أجل استخدام الابتكارات الرقمية في تقديم رعاية صحية أكثر كفاءة وفعالية.

الحاجز الأول: سوء تخطيط ميزانيات الوحدات

تنقسم المستشفيات عادة إلى أقسام طبية (مثل: أقسام الجراحة والعلاج والأورام)، ومناطق رعاية (مثل: غرف العمليات وغرف النقاهة وقسم الطوارئ)، وأقسام فرعية (مثل: الصيدلية وأقسام الأشعة والباثولوجيا). ويتم تخصيص ميزانية تكاليف لكل قسم من هذه الأقسام، حيث يكون كل قسم مسؤول عن ميزانيته. وتجد هذه المستشفيات المقسمة إلى وحدات مختلفة غير مترابطة صعوبة في تبني الابتكارات التي تعمل على تقليل التكاليف عبر الدورة الكاملة لرعاية المرضى.

على سبيل المثال، يبدأ مريض الجراحة رحلته العلاجية في منطقة الرعاية السابقة للجراحة، ثم ينتقل إلى غرفة العمليات ثم وحدة إنعاش ما بعد التخدير ثم إلى قسم المرضى المقيمين، وينتقل من وقت لآخر لإجراء الأشعة والتحاليل والعلاج الطبيعي. تحصل كل وحدة من هذه الوحدات على مواردها الخاصة في نطاق الحدود التي تسمح بها ميزانية القسم. وأي وحدة ترغب في الحصول على تقنية جديدة تساعد على خفض التكلفة الإجمالية لرعاية المريض في المستشفى يتعين عليها دفع المبلغ كاملاً مقابل تلك التقنية من ميزانية القسم أو إقناع الآخرين بالمشاركة معها، وهو ليس بالأمر السهل. لذلك، تؤدي الميزانيات اللامركزية بشكل كبير إلى عرقلة الاستثمار في التقنيات الابتكارية التي تساهم في تحقيق الفوائد عبر الدورة الكاملة لرعاية المرضى.

أما وضع ميزانية مركزية مخصصة للتقنيات الابتكارية، فمن شأنه المساعدة في التخفيف من حدة مشكلة انفصال الأقسام عن بعضها. وتُستخدم ميزانية الابتكار للحصول على حلول تقنية تعود بالنفع على العديد من الوحدات المؤسسية. وبمجرد الحصول على هذه التقنيات، يمكن أن توزع تكلفتها على ميزانيات الوحدات المؤسسية بطريقة متناسبة مع الفائدة التي تعود بها على كل منها. وأظهرت دراسة جمعية المستشفيات الأميركية التي أشرنا إليها سابقاً أنّ 29 في المئة من المستشفيات قامت بتنفيذ فكرة الميزانية المركزية المخصصة للابتكار أو تعتزم تنفيذها.

ومن الحلول الجذرية الأكثر حسماً لهذه المشكلة، استحداث ميزانيات وسلطات تُمنح لخط خدمات أو وحدة ممارسة متكاملة تقوم بإدارة مرحلة علاج المريض بالكامل في الحالات الطبية كبيرة العدد. وتعتبر وحدة الممارسة المتكاملة جزءاً أساسياً من نموذج الرعاية القائم على أساس القيمة الذي يدعو إليه مايكل بورتر الأستاذ في كلية الأعمال في جامعة هارفارد.

ويجب أن تكون وحدات الممارسة المتكاملة/خطوط الخدمات مسؤولة عن النتائج والتكاليف الإجمالية عند علاج المرضى أصحاب تلك الحالات. وبينما تبدو هذه الخطوة كبيرة وجذرية بالنسبة للمستشفيات، تُعتبر أساس التحول الذي حدث قبل 100 عام في مجال الأعمال، وذلك عندما انتقلت الشركات من الهياكل القائمة على الإدارات أو الوظائف إلى هياكل قائمة على وحدات أعمال لا مركزية متوافقة مع منتجاتها وخدماتها وعملائها ومسؤولة عنهم بشكل أكبر.

وبالطبع، لا تحتاج جميع الخدمات في المستشفيات إلى الاندماج في هذا الهيكل اللامركزي، إذ يمكن لرؤساء مختلف خطوط الخدمات/وحدات الممارسة المتكاملة (مثل، هشاشة عظام المفاصل، وسرطان البروستات، وداء السكري من النوع الثاني) شراء خدمات من وحدات المستشفى الأخرى، مثل: الرعاية التمريضية والتصوير الإشعاعي. وفي أفضل الأحوال، تقوم المستشفيات، من خلال عمليات إعداد الميزانيات الداخلية أو جهات السداد الخارجية، بتعويض وحدة الممارسة المتكاملة بنظام الدفع المجمع لتحفيز الوحدة على تقديم نتائج أفضل بتكاليف إجمالية أقل من خلال احتساب سعر واحد لكل ما يندرج ضمنها، مثلاً: عمليات تبديل المفصل. ويعتبر لدى هيكل خطوط الخدمات/وحدات الممارسة المتكاملة، إلى جانب الدفع المجمع، الحافز لإنفاق المزيد على التقنيات الحديثة لمرحلة واحدة من دورة رعاية المريض إذا كانت تلك التقنية تعمل على تقليل التكاليف الإجمالية عبر الدورة الكاملة للرعاية.

الحاجز الثاني: الميزانيات التشغيلية السنوية الثابتة

تضع المستشفيات عادة ميزانياتها بشكل سنوي، وإذا تجاوز أحد الأقسام الميزانية المحددة خلال السنة المالية، يتعين عليه تقليص نفقاته لتوافق الإنفاق السنوي المستهدف بغض النظر عن تبعات ذلك وعواقبه في السنوات المقبلة. وتمثل هذه العملية السنوية إشكالية بالنسبة للقسم تمنعه من الاستثمار في التقنيات الابتكارية.

على سبيل المثال، إذا افترضنا وجود فرصة للحصول على تقنية ما ترفع الإنفاق في تلك السنة بمقدار 100,000 دولار للحصول على تلك التقنية التي من شأنها تقليل الإنفاق كل سنة بعد ذلك بمقدار 100,000 دولار، نجد أنه على الرغم من فترة استرداد التكاليف التي تبلغ سنة واحداً وصافي القيمة الحالية الإيجابي للغاية لهذا الاستثمار، يرفض القسم غالباً هذه الفرصة المغرية. وذلك لسببين، أولاً، المبلغ الكبير الذي يتعين دفعه في بداية الاستثمار، والذي يؤدي إلى تجاوز الميزانية المحددة خلال السنة الحالية. وثانياً، عدم انتساب الفضل إليه بعد ذلك في الفوائد الكبيرة المترتبة على الوفورات التي ستتحقق في السنوات التالية. ولذلك، إذا لم يكن من المفترض تعويض التكاليف التي تم إنفاقها على الاستثمار الجديد خلال العام الحالي، ترفض المستشفيات مقترح شراء التقنية.

ومرة أخرى، يمكن لميزانية الابتكار المركزية إلى حد ما تعويض هذا القصور من خلال نقل الإنفاق من الميزانية التشغيلية السنوية للقسم إلى الميزانية المركزية. ومع ذلك، يعد هذا البديل غير كامل نظراً لعدم تقديم الحافز للقسم لتحقيق وفورات في السنوات المقبلة. أما الحل الأوفى فيجب أن يتضمن التخلي عن وضع الميزانيات استناداً على الإنفاق الفعلي للعام السابق في المقام الأول، وبدلاً من ذلك، يمكن لمكتب الشؤون المالية السماح للقسم بالاحتفاظ ببعض الوفورات التي حققها، في ما يزيد عن تكلفة الشراء الأصلية، في ميزانيات السنوات المقبلة.

الحاجز الثالث: الفصل بين الميزانية التشغيلية والميزانية الرأسمالية من حيث الحدود الزمنية والعمليات

عادة ما يتم شراء الأجهزة التقنية وتراخيص البرمجيات الدائمة عن طريق الميزانيات الرأسمالية. ولا بدّ من أن يتم تمويل البرمجيات القائمة على دفع رسوم اشتراك سنوية (والتي يُطلق عليها البرمجيات كخدمة) من الميزانية التشغيلية.

على سبيل المثال، قامت شركة مايكروسوفت مؤخراً بتحويل المستخدمين الذين اشتروا سابقاً برنامج مايكروسوفت أوفيس ودفعوا ثمن الترخيص مقدماً للاستخدام المستقبلي غير المحدود، بحيث يقومون بدفع مبالغ سنوية لاستخدام أوفيس 365. وتتسم تراخيص البرامج عادة بتكاليف أولية مرتفعة وتكاليف صيانة سنوية منخفضة، بينما تتميز اشتراكات البرمجيات كونها خدمة بعمليات دفع أكثر تكافؤاً مع مرور الوقت. وفي المستشفى ذات الميزانية الرأسمالية والميزانية التشغيلية المنفصلتين، غالباً ما يتم تحديد الحلول البرمجية التي ترغب في شرائها بناء على ما إذا كان بإمكانها الحصول على الحلول البرمجية ذات التراخيص من ميزانيتها الرأسمالية أو البرمجيات القائمة على الاشتراك من ميزانيتها التشغيلية. ففي الواقع، يعتبر مصدر التمويل (الميزانية الرأسمالية أو التشغيلية) هو ما يحدد الاختيار لا الميزات الوظيفية والأداء.

ويتعين على المستشفيات أن تنظر في إمكانية الاحتفاظ بميزانية رأسمالية للبنية المادية الأساسية (ومع ذلك قد تنشأ بعض التوترات المشابهة في ما يتعلق باتخاذ قرارات الاختيار بين شراء الأبنية والمعدات أم استئجارها). لكن يتعين عليها كذلك السماح باتخاذ قرارات اقتناء التقنيات البرمجية بناء على الاعتبارات المتعلقة بالأداء وحسابات التدفق النقدي المخصوم لا بناء على مدى توافقها مع الميزانيات الرأسمالية والتشغيلية المحددة سابقاً. حتى بالنسبة للبرامج التي يتم بيعها ضمن عقد البرمجيات كخدمة، ينبغي تقييم عملية الاقتناء من خلال تحليل التدفق النقدي متعدد الفترات لا بناء على مدى إمكانية تحمل الميزانية التشغيلية الحالية لتكلفة الاشتراك السنوي.

ويمكن القول أنّ أداء أنظمة الميزانيات في المستشفيات كان جيداً لعقود، لكنها لم تكن مصممة للتقنيات الرقمية الحديثة التي تعبر فوائدها وحدات الميزانية وتتحقق مكاسبها مع مرور الوقت. وتقف نظم الميزانيات التقليدية أمام الأقسام الطبية والأقسام الفرعية وتمنعها من تحقيق المرونة وسرعة الاستجابة في الحصول على التقنيات الابتكارية التي تساهم في تحسين مستوى الأداء في رعاية المرضى.

ويتعين على قادة المستشفيات النظر في تأثير أنظمة الميزانيات على الابتكار في المستشفيات، وفي إمكانية وضع ميزانية ابتكار مركزية وإرساء هياكل لا مركزية لخطوط الخدمات/وحدات الممارسة المتكاملة. ومن شأن هذه التغييرات تسهيل الحصول على التقنيات التي ستسهم في تحسين الخدمات المقدمة للمرضى وتخفيض تكاليف خطوط الخدمات في المستشفيات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي