عندما يكون عنصر المفاجأة خياراً تكتيكياً جيداً في المفاوضات

6 دقائق
عنصر المفاجأة كأحد استراتيجيات وتكتيكات التفاوض

كان روي، أحد مؤلفي هذه المقالة، في التاسعة من عمره عندما ارتاد أول مخيم صيفي في الولايات المتحدة. وهناك، تعرّض لتنمُّر الأطفال الآخرين لمظهره ولغته الإنجليزية الضعيفة. وفي أحد الأيام، طلب روي من أكبر متنمّر لقاءه خلف مبنى.

وبعيداً عن الحشد، وباعتماده على استراتيجيات وتكتيكات التفاوض قال له روي: "اسمع، لا أحب أن يسخر أحد مني، لذا، إما سنتعارك هنا وفوراً، أو يمكننا التصافح بالأيدي وسنغدو أصدقاء".

ومد روي يده للمتنمّر ليصبح الأخير، الذي أُخذ على حين غرّة، صديقاً.

وكان يكمن في قلب عملية التفاوض المختصرة تلك عنصر المفاجأة والذي تمثّل في كلّ من طلب الاجتماع الفردي ذاك، والشجاعة للعراك، واحتمالية الصداقة، واليد الممدودة. كان كل ما سبق غير متوقع لنصل إلى نتيجة تمثلت في انفتاح الخصمين على بعضهما.

عنصر المفاجأة كأحد استراتيجيات التفاوض

تتحدث معظم كتب التفاوض عن عنصر المفاجأة على أنه تكتيك سلبي، إنما يمكنك قلب الطاولة على رأس خصمك وجعله يتخذ قرارات سيئة عبر مفاجأته بأمور من قبيل إضافة شركاء جدد، أو تغيير المواعيد النهائية، أو سحب وعد قطعته، أو تقديم إنذار،

حيث يمكن لعنصر المفاجأة السلبي أن يكون ذي فاعلية شديدة. إلا أنه يمكن للمفاوضين في الوقت نفسه أيضاً توظيف عنصر المفاجأة بطرق أكثر إيجابية، إذ يمكنهم استخدامه في الإشارة إلى الرغبة في التعاون، وتوليد الإبداع، وزعزعة الأنماط السلبية، وكسب سمعة إيجابية. وإذا أردنا الاستفادة المثلى من عنصر المفاجأة، علينا أن نفهم أساسياتها.

ويعتبر عنصر المفاجأة أمراً معقداً إدراكياً على الرغم من أنه خاطف. ففي الكتاب الذي قامت بتأليفه مؤلفة المقال المشاركة، تانيا، بالاشتراك مع الدكتورة ليان ريننغر، بعنوان "مفاجأة" (Surprise)، أشارت إلى أن المفاجأة تتألف من سلسلة من الأوضاع التي ندعوها "تسلسل المفاجأة" والتي هي: الجمود، البحث، التحول، المشاركة.

فعندما يحدث شيء غير متوقع، فإننا نتجمد في مكاننا، إذ تعمل موجة الدماغ "بي 300" (P300) على كبح جميع العمليات المعرفية الأخرى لإجبارنا على التركيز على التناقض الحاصل. وبعد ذلك، تحاول أدمغتنا البحث عن تفسير. وبمجرد أن نصل إلى استنتاج مفيد، نتعرض إلى تحول إدراكي وعاطفي، فضلاً عن أننا نغيّر أيضاً وجهة نظرنا (بعبارة أخرى، كنت أعتقد أنه كذا، إلا أنني الآن أُدرك أنه كذا). ووفقاً لعالم الأعصاب فولفرام شولتز، تقوّي المفاجأة من المشاعر بحوالي 400%. وأخيراً، تقوم بمشاركة المفاجأة مع الآخرين لفهمها وتقليل العبء المعرفي علينا. وندعو هذه العملية في علم النفس "محاولة الفهم".

اقرأ أيضاً: المفاوض الماهر قادر على التجاوب مع كل لحظة في المفاوضات

والآن، لننظر كيف يمكن توظيف تسلسل المفاجأة في التفاوض. ولنقل إنك تلقيت عرضاً وظيفياً منخفض القيمة، إذ كنت تتوقع راتباً يعادل الرواتب السائدة في السوق وتلقيت بدلاً من ذلك راتباً لا يغطي حتى الإيجار. أولاً، ستصيبك حالة جمود (مثل جهاز كمبيوتر عالق في وضع الإقلاع)، ثم ستُجهد عقلك بحثاً عن تفسير ("هل أنا السبب أم هم؟) ثم تقوم بعدها بتحويل تفكيرك وتقرر أنهم هم السبب بالتأكيد، وستغضب (400% مرة أكثر مما كنت لتغضب لو عرفت بالراتب مسبقاً)، ثم ستنتقل إلى مشاركة ذاك عبر تقديم مراجعة قاسية على موقع "غلاسدور" (Glassdoor). لكن من ناحية أخرى، ستتسبب مفاجأة إيجابية، على غرار نيلك مكافأة مالية لقاء التوقيع على عقد العمل، في أن تشعر وكأنك حصلت على أفضل صفقة في العالم (سواء أحصل ذلك بالفعل أم لا).

كيفية تطبيق عنصر المفاجئة عند إدارة المفاوضات

ومن الأفضل توقّع المفاجآت بالنظر إلى مدى قدرتها على زعزعة الاستقرار، إلا أنه من المستحيل التحضير لكل نتيجة على الرغم من أن التخطيط المسبق للتفاوض مفيد. لكن يمكن أن يقلل توقع كل ما هو غير متوقع من التأثير المذهل للمفاجأة ويتيح لنا حتى اكتشاف الفرص لتوظيف تلك المفاجأة في صالحنا. وستساعد المهارات التالية، بشكل أكثر تحديداً، المفاوضين على تسخير قوة المفاجأة الإيجابية.

1. رباطة الجأش

وكما اكتشفنا خلال عملنا في "لايف لابز ليرنينغ" (LifeLabs Learning)، يتميّز أفضل المفاوضين في قدرتهم على ملاحظة حدوث شيء غير متوقع، والحفاظ على رباطة جأشهم في وجه المفاجأة، حيث يقومون بالتحكم في حالتهم وطرح الأسئلة بدلاً من السماح لأنفسهم بالقفز (التحول) إلى نتيجة. وندعو هذه المهارة "رباطة الجأش".

ووجدت الأبحاث التي أجرتها "هوثويت غروب" (Huthwaite Group) أن المفاوضين الخبراء يسألون أكثر من ضعف عدد أسئلة نظرائهم متوسطي الخبرة، كما أنهم يقضون حوالي 21.3% من عمليات التواصل الخاصة بهم يتأكدون من أنهم يطرحون الأسئلة الصحيحة ويسألون أسئلة تتناسب طرداً مع زيادة عدم اليقين.

وكشف بحثنا في لايف لابز ليرنينغ عن نمط مماثل. ففي إحدى الحالات، واجه مدير عمِلنا معه محادثة صعبة مع موظفة طلبت زيادة غير متوقعة في راتبها بذريعة أنه تم التقليل من قيمة ما تقوم به لفترة طويلة. وبدلاً من الرد التقليدي الذي يقوم به مدير عادي على غرار: "الميزانية لا تسمح" أو "راتبك كاف"، انتقل هذا المدير إلى نمط طرح الأسئلة: "هل يمكنك مساعدتي على فهم ما تفكرين به؟ ما الذي ستعنيه الزيادة في راتبك لك شخصياً؟" وكنتيجة لمفهوم رباطة الجأش، اكتشف المدير الحاجة الحقيقية للموظفة: أن يُنظر إليها كمساهِمة ذات فاعلية. وتمكن الاثنان من التفاوض بفعالية على تعديل وضعها الوظيفي بدل زيادة راتبها، وبالتالي توفير المال والاحتفاظ بعضو مهم في الفريق.

وليكن لديك حالة فضول قبل التفاوض وخلاله وحتى بعده. قل لنفسك: "أتساءل ما الذي دفعه إلى هذا التفكير". ثم حافظ على رباطة جأشك وتأكد من أن الخطوة الأولى التي تتخذها هي طرح سؤال واحد على الأقل.

2. قل "نعم، إذا"

من العبارات المستخدمة بشدة في فن الارتجال المسرحي عبارة "نعم، و"، والتي تستخدم في محاولة للمحافظة على انتباه الجمهور وإثارة اهتمامهم في مشهد مسرحي مرتجل بالكامل. وتتمثل فكرتها في قولك "نعم" لأي عبارة يرميها شريكك في المشهد، ثم إضافة "و" لتقديم فكرتك الخاصة بك. فعلى سبيل المثال، لو قال شريكك "نحن على القمر"، ستجيب بدورك، "نعم، وهو مصنوع من الجبن". وكلما زاد عدد الأفراد في المشهد الذين يبنون على ما قاله الآخرون، زاد الأداء إمتاعاً ومفاجأة.

وكما في فن الارتجال، يمكن أن يؤدي اقتراح غير متوقع أثناء التفاوض إلى نتيجة أفضل وأكثر إبداعاً مما توقعه أي من الشريكين. ومع ذلك يتجمّد معظمنا نتيجة لعنصر المفاجأة لكون ذلك يهدد خططنا. وفي التفاوض التنافسي، نادراً ما تكون "نعم، و"واقعية، لكن يمكن لاستخدام "نعم، إذا" إنشاء سيناريو مربح للجميع. فمثلاً:

  • "أريد أن أدفع سعراً أقل من السعر المعروض لهذا المنزل". "نعم، إذا غطّيت تكاليف نقل جميع أثاثنا".
  • "أنا بحاجة إلى زيادة بنسبة 10%". "نعم، إذا تمكّنت من خفض التكاليف بنسبة 10%".
  • "أريد نسبة أعلى من ريع بيع هذا الكتاب". "نعم، إذا بعتَ 1,000 نسخة منه".
  • "أرغب في العمل من مدينة مختلفة". "نعم، إذا كنت تقبل براتب أقل"، أو "نعم، إذا كنت تستطيع تأمين عميل من تلك المدينة".

نحن نحب هذه المهارة لأنها تدفع المفاوضين إلى توليد المزيد من الأفكار والبحث عن حلول جديدة بدلاً من الوقوع في فخ التجاذب غير المنتِج بين موقعين ثابتين.

3. هندسة المفاجأة

بالإضافة إلى التعامل مع المفاجأة بشكل جيد، يمكننا أيضاً الاستفادة منها لإثارة التعاون والإبداع. فعلى سبيل المثال، تخيل لو أنك قلت مثلاً، بدلاً من البدء بعبارات التفاوض التقليدية: "اسمع، أشعر ببعض التوتر، ولكني أريد أن يسير هذا الأمر بشكل جيّد لكلينا. هل يمكننا أن نتفق على أن نتوصل لنتيجة مرضية للطرفين ويكون كلانا سعيداً بها؟" يمكن لهذا النوع من التحرك الإيجابي غير المتوقع أن يمهد الطريق لمزيد من الرضا عن عملية المفاوضات ونتائجها.

فعلى سبيل المثال، كان على روي التفاوض مع جار كان غاضباً من الضوضاء (العزف على البيانو) القادم من شقته. وعندما وصل الجار إلى منزل روي، كان مستعداً للمواجهة. ولكن بدلاً من ذلك، سأله روي عن الملحن الكلاسيكي المفضل لديه ليجيب الجار بحذر، "شوبان". ماذا حدث بعد ذلك؟ دعا روي الجار وأسرته إلى حفلة موسيقية خاصة لشوبان (قامت فيها زوجة روي بالعزف). لقد خففت الدعوة من حدة التفاوض وأدت إلى علاقة أكثر ودية.

مثال غير تقليدي آخر يأتي من أمين مستودع قابلناه وكان لديه منهج فاعل جداً لدرجة أنه استمر في استخدامه حتى بعد مغادرته الشركة، إذ إنه كان كلما وصل فريقه إلى طريق مسدود في نزاع أو تفاوض، قام بتشغيل ألبومه الموسيقى المفضل – لإلفيس بريسلي – (بصوت عال) داعياً الجميع إلى الرقص. تزيل هذه الاستراحة المفاجئة التوتر من الغرفة وتزيد من استعداد الناس للتعاون. وعلى الرغم من عدم رضاء فريقه في البداية، بدؤوا لاحقاً بالتنافس على من يمكنه تشغيل الموسيقى المفضلة لديه.

اقرأ أيضاً: العادات الست للمفاوضين الفعالين فقط

ويمكن أن تكون المفاجأة من أي نطاق ذات تأثير سريع على الحالة المزاجية وعملية المفاوضات ونتائجها وعلاقة الأطراف. وفيما يلي قائمة بالمفاجآت التي يمكنك هندستها لإطلاق دورة حميدة من المزيد من الثقة وحل المشكلات بطريقة أكثر إبداعاً والمزيد من التعاون:

  • تقديم مجاملة أو اعتذار.
  • توفير خيارات أكثر .
  • استخدم الضميرين "أنا" و "نحن".
  • عرض تمديد الموعد النهائي.
  • الجلوس على نفس الجانب.
  • تقديم المديح علناً.
  • السخرية من النفس.
  • إظهار بعض الضعف.

وإليك بعض المفاجآت غير السارة التي تؤدي إلى حلقة مفرغة من عدم الثقة والعداء والدفاعية والجمود:

  • قول إهانة.
  • انتقاد الطرف الآخر.
  • تقليل الخيارات المطروحة على الطاولة.
  • استخدم ضمير "أنت".
  • تقصير الموعد النهائي.
  • استخدام غرفة غير مريحة.
  • القدوم في وقت متأخر.
  • إلقاء اللوم علناً.
  • السخرية.

يجب أن تكون الأمور غير المتوقعة هي الأمور المتوقعة، وذلك وفقاً لاستراتيجيات وتكتيكات التفاوض. ويعرف أفضل المفاوضين كيفية تقليل تأثيرها السلبي وتضخيم تأثيرها الإيجابي. بالتالي، سواءً أكنت تتعامل مع متنمرين أطفال أم مع متنمرين بالغين (وخاصة إذا كنت أنت نفسك المتنمر)، فإننا نتحداك أن تطبق إحدى الأدوات في هذه المقالة في مفاوضاتك القادمة. قد تفاجئك النتيجة.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي