بصفتك مديراً، من الطبيعي أن تشعر بالقلق عندما يقول أحد موظفيك لك "لدي شيء لأخبرك به". بالطبع، لا يرغب أي مدير في سماع أن عضواً ما في فريقه قد تلقى عرض عمل من شركة أخرى، ولكن ما هي الطريقة المناسبة للرد على هذا الموقف إذا حدث؟ هل يجب عليك تقديم عرض منافس في محاولة لمنع الموظف من المغادرة؟ أم يجب تقبل مغادرته وعدم محاولة إقناعه بالبقاء؟ علاوة على ذلك، كيف يمكنك تحديد ما إذا كان هذا الموظف يستخدم عرض العمل الجديد بصفته وسيلة تفاوضية للحصول على علاوة؟
ماذا يقول الخبراء؟
الحقيقة هي أن الموظفين يتركون وظائفهم دائماً، وقد لا يحدث ذلك في وقت مناسب للمدير غالباً. لذلك، وبدلاً من التعامل مع الموقف بذعر، يجب على المدراء محاولة إيجاد طريقة للاستفادة منه إلى أقصى حد ممكن. يقول مستشار إدارة الأداء ومؤلف أدوات هارفارد بزنس ريفيو حول تحديد الأهداف ومراجعات الأداء، ديك غروت: "بغض النظر عما إذا قبل الموظف عرض العمل أم لا، فهذه فرصة ثمينة". ويضيف أحد كبار المستشارين في شركة البحث التنفيذي العالمية إيغون زندر ومؤلف كتاب "لا يتعلق الأمر بطريقة العمل وطبيعته، بل بمن تعمل معهم" (It’s Not the How or the What but the Who)، كلاوديو فيرنانديز آراوز: "يجب أن تكون مغادرة أحد الموظفين فرصة للتأمل الذاتي لك بصفتك مديراً، إنها فرصة لاكتساب رؤى أعمق حول مؤسستك وفريقك ونفسك". إليك الطريقة.
حافظ على هدوئك واستمع
لا تتفاعل على الفور مع خبر رغبة موظفك بترك العمل بغض النظر عن مدى شعورك بالإحباط أو الصدمة، وبدلاً من ذلك، حاول جمع المزيد من المعلومات. يقترح غروت أن تقول لموظفك ببساطة "أخبرني المزيد عن عرض العمل". لن يتيح لك ذلك الوقت حتى تتمكن من استعادة رباطة جأشك فحسب، بل وسيوفر لك أيضاً تفاصيل مهمة حول عرض العمل الذي تلقاه. يوافق فيرنانديز آراوز على هذا النهج ويضيف: "خصص على الفور وقتاً كافياً للموظف لإخبارك معلومات مفصلة حول عرض العمل الجديد مثل الشركة صاحبة العرض وفي أي قطاع تعمل ومن مديرها والزملاء وطبيعة الوظيفة"، ويقترح أيضاً طرح أسئلة حول جوانب محددة من عرض العمل تركز على ما يسميه "النقاط الأربعة"؛ المهمة (ما هي المهام التي سيؤديها) والوقت (متى سيؤدي المهام) والفريق (مع من سيتعاون) والطريقة (كيف سيؤدي عمله). من الأفضل أن تتم هذه المحادثة شخصياً. يقول غروت إنه إذا تلقيت من الموظف رسالة إلكترونية حول العرض الجديد وكان يعمل معك في الموقع نفسه، فاذهب مباشرة إلى مكتبه لإجراء المحادثة شخصياً. أما إذا لم تكونا في الموقع نفسه، فادعه إلى اجتماع أو على الأقل إجراء مكالمة فيديو إذا كان الاجتماع شخصياً غير ممكن وفقاً لما يقترحه فيرنانديز آراوز، ويضيف موضحاً: "من الأفضل إجراء محادثة شخصية لتعزيز نقاش شفاف وصريح مع الموظف حول المشكلة، وهو ما يحتاج إليه الجانبان بشدة في مثل هذا الموقف.
حدد ما إذا كان الموظف يخادع
يحاول بعض الموظفين أحياناً استغلال عرض العمل الجديد بصفته وسيلة ابتزاز للتفاوض على الحصول على زيادة أو ترقية. وفقاً لفيرنانديز آراوز، يمكنك غالباً تحديد ما إذا كان الموظف جاداً بشأن المغادرة من خلال طرح الأسئلة التفصيلية التي ذكرناها آنفاً ومراقبة لغة جسده بحثاً عن الإشارات التي تكشف عن حماسه الحقيقي. إذا كنت واثقاً من أن الموظف لا يخطط فعلياً للمغادرة، فيجب عليك مواجهته بشأن نواياه. يقول غروت: "إذا كان عرض العمل الذي يتكلم عنه الموظف حقيقياً، فمن المحتمل أن يغادر مهما فعلت. أما إذا لم يكن حقيقياً، فستتعلم نظرة ثاقبة حول شخصية هذا الموظف الذي تتعامل معه".
ضع في اعتبارك أهمية الموظف وتصرف وفقاً لذلك
بعد الاستماع إلى الموظف واكتساب فهم أفضل لعرض العمل المنافس، سيتوقف مسار عملك التالي على مدى رغبتك في استبقائه في الفريق. يقول غروت في هذا الصدد إنه يجب أن يكون لدى كل مدير فهم واضح لقيمة كل موظف للفريق والمؤسسة، ويضيف: "من الناحية المثالية، يجب أن يتخذ المدراء بالفعل إجراءات لاستبقاء الموظفين ذوي القيمة العالية والتخلي عن الموظفين الأقل قيمة للمؤسسة". لذلك استمر في تطبيق هذا النهج في الموقف الحالي.
- إذا لم تكن منزعجاً بشأن مغادرة الموظف، فإن أفضل استجابة أحياناً هي التعبير عن الامتنان له، وفقاً لغروت. لا يزال عليك محاولة اكتشاف سبب مغادرة ذلك الموظف، حيث يمكن أن تساعدك هذه المعلومات في استبقاء بقية الموظفين في فريقك، لكن بعد ذلك يجب أن تتمنى له التوفيق ثم ابدأ التخطيط لمغادرته. يقول فيرنانديز آراوز إنه يجب عليك اغتنام هذه الفرصة لترقية موظف ذو إمكانات عالية ومستعد لتولي الوظيفة، وإذا لم يكن هناك مرشح داخل الفريق مؤهل لها، فكر في تعيين شخص أكثر ملاءمة".
- إذا كان الموظف مميزاً، فابذل قصارى جهدك لفهم تفاصيل العرض الذي تلقاه وكيف يمكنك قياسه مع ما يمكن لمؤسستك تقديمه، ثم سلط الضوء على المزايا التي سيحصل عليها لقاء بقائه. يقول غروت: "ابذل بعض الجهد لتشرح للموظف ما يمكن أن يكسبه من خلال البقاء في مؤسستك، مثل الحصول على مزيد من فرص التعلم والزيادات المستقبلية على الراتب والمكافآت وفرص الترقية والنمو. حاول أيضاً إجراء تغييرات من شأنها أن تجعل البقاء مع مؤسستك أكثر جاذبية للموظف. على سبيل المثال، فكر في تغيير دوره أو توفير تدريب إضافي له. ربما تميل إلى تقديم عرض منافس، إلا أن فيرنانديز آراوز ينصح بعدم تقديمه لأنه في معظم الحالات يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، ويقول إن الاستثناء الوحيد هو ما إذا كانت مغادرة الموظف ستسبب ضرراً كبيراً لمؤسستك. يوافق غروت على أن العرض المنافس لن يقدم سوى مكسب مؤقت، لأن الموظف سيدرك أنك لم تعطه حقه من قبل وسيتعلم الموظفون الآخرون أن التهديد بالمغادرة هو وسيلة للحصول على علاوة على الراتب.
حافظ على علاقة إيجابية
حتى لو قرر موظف مهم المغادرة، فلا تضمر له أي ضغينة. بدلاً من ذلك، حدد وقتاً لمقابلة ترك الخدمة حتى تتمكن من جمع المزيد من التعليقات والاقتراحات حول الوظيفة والمؤسسة وأدائك بصفتك المدير. وفقاً لفيرنانديز آراوز، يجب أن تخطط في الوقت نفسه لاحتفال وداع مناسب أو غداء مع الفريق، ويؤكد على أهمية التعبير عن الامتنان تجاه هذا الموظف، والاحتفاء بالحالات التي أسهمت أنت وشركتك بمساعدته على التطور والنمو، حتى لو كان سيغادر الشركة قريباً. يجب عليك أيضاً البقاء على اتصال بالموظفين السابقين، ويقول فيرنانديز آراوز إن وجود مجتمع من الموظفين السابقين يمكن أن يكون أحد الأصول القيمة عندما تبحث الشركة عن موظفين جدد.
اتخذ خطوات لتجنب مغادرة الموظفين الآخرين
وفقاً لغروت، تتمثل إحدى الفوائد الجانبية لحصول موظفيك على عروض عمل أخرى في أنه يمكنك الحصول على معلومات قيمة عن منافسيك؛ ما الذي تقدمه الشركات الأخرى؟ وما العوامل التي قد تدفع الموظفين لترك مؤسستك؟ سيساعدك ذلك على تحسين جهودك لاستبقاء الموظفين. يقول غروت: "لا يكتشف الموظف قيمته بالنسبة للشركة غالباً إلا في مقابلة ترك الخدمة". علاوة على ذلك، ينصح فيرنانديز آراوز بالاحتفاظ بقائمة غير رسمية تضم أهم موظفيك بناءً على كفاءتهم وإمكاناتهم وقيمهم، والتحقق منهم بانتظام للتأكد من عدم وجود مخاطر لمغادرتهم الشركة.
مبادئ يجب تذكرها
ما يجب أن تفعله:
- اطرح أسئلة مفصلة حول عرض العمل الذي تلقاه الموظف.
- اشرح للموظف مزايا البقاء في المؤسسة إذا كنت ترغب في استبقائه.
- تعرف على الموظفين الأهم في فريقك.
ما يجب ألا تفعله:
- إظهار شعورك بالإحباط حتى لو كنت مستاءً أو تشعر بالخيانة من قرار الموظف بالمغادرة.
- تقديم عرض منافس على الفور، إذ قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
- الخشية من مواجهة الموظف إذا كنت تعتقد أنه غير جاد في المغادرة ويخادع للحصول على علاوة.
دراسة حالة رقم 1: اكتشف سبب مغادرة الموظف بالضبط
تقدم رئيسة شؤون الموظفين في شركة جوب فايت، ريتشيل بيته، إرشادات حول كيفية التعامل مع مغادرة الموظفين، لذلك لم تفاجأ عندما قدم أحد شركائها في مجال الموارد البشرية استقالته. نظراً لأن الموظف كان محل تقدير كبير ويستوفي المعايير المطلوبة لدوره والشركة ككل، فقد سعت بيته لجمع المزيد من المعلومات حول قراره بالمغادرة، فطرحت عليه أسئلة محددة مثل "ما الذي دفعك لإجراء هذا التغيير؟" و"هل هناك سبب معين أدى إلى قرارك مثل مراجعة الأداء؟"، من أجل تحديد ما إذا كان قد انجذب إلى فرصة أخرى أو إذا كان يغادر بسبب عدم رضاه عن دوره الحالي.
لكن بيته لم تحاول جمع كل المعلومات التي احتاجت إليها خلال محادثتها الأولية مع الموظف الذي قدم استقالته. تقول موضحة: "في بعض الأحيان يكون إجراء محادثة مع أحد الموظفين أكثر فائدة بعد زوال قلقه من إبلاغ قراره بالاستقالة". على الرغم من أن الشريك أخبرها في البداية أنه سيغادر من أجل وظيفة أفضل بأجر أعلى، لكنه أقر لاحقاً أنه قلق بشأن وتيرة تقدمه المهني ولا يعتقد أنها تسير بوتيرة كافية في دوره الحالي. طلبت ريتشيل بعد ذلك من مديرها التحدث مع الموظف لإظهار اهتمام الشركة باستبقائه واكتساب رؤى ثاقبة منه، وقد تحدثت مع زملاء آخرين في الشركة لمعرفة وجهات نظرهم حول سبب تفكير الشريك في المغادرة.
في النهاية، قرر الموظف ما هو الأهم بالنسبة له واختار ترك الشركة. لكن ريتشيل لم تنظر إلى مغادرته على أنها فشلٌ لها لأن ذلك ساعدها على اكتساب فهم أفضل حول من يجب أن يشغل هذا الدور. تقول أخيراً: "يمكن أن تتغير أولويات الموظفين وظروفهم بمرور الوقت، مثل الأسرة والشركة والمعايير الشخصية. لو أراد الشريك أن يتقدم في حياته المهنية بسرعة أكبر مما كان ممكناً في منصبه الحالي، فبالتأكيد هذا الدور لم يعد ملائماً لتحقيق ذلك".
دراسة حالة رقم 2: عالج المخاوف إذا استطعت
أبلغ أحد المستشارين في شركة كاتاليست كونسلتينغ غروب (Catalyst Consulting Group) التي تقدم خدمات مهنية متخصصة الشريك الإداري رونالد ريكاردو مؤخراً أنه تلقى عرض عمل لتولي منصب رفيع في شركة أسهم خاصة. تفاجأ رونالد لأن المستشار كان أحد موظفيه المفضلين وسيصبح قريباً شريكاً، لذلك طلب منه أن يجتمعا على العشاء لمناقشة الأسباب المنطقية التي دعته إلى ترك الشركة. وفقاً لرونالد، كان المستشار راضياً عن قيادة الشركة وتعويضاتها وتحفيزها الفكري، لكن مشكلته الوحيدة كانت في السفر المتكرر الذي تتطلبه وظيفته والمسافة التي يقطعها كل مرة. يقضي العديد من مستشاري الشركة 80% من وقتهم في السفر للعمل، وقد أراد هذا المستشار الحد من سفره من أجل تكوين أسرة وقضاء المزيد من الوقت مع والده المسن.
ولأن رونالد أراد الاحتفاظ به، فقد توصل إلى حل مبتكر لتغيير دوره في الشركة. طلب رونالد من المستشار الذي كان كاتباً ماهراً تحمل مسؤوليات جديدة تتعلق بإدارة مدونة الشركة وكتابة المقالات فيها وتحديث منشوراتها التسويقية، وهو تحول كان من شأنه تقليل سفره بنسبة 25% وسمح له بالعمل من المنزل يومين في الأسبوع. وفقاً لهذه الشروط، وافق المستشار على البقاء في الشركة ويعتقد رونالد أن هذا الترتيب سيكون مفيداً للطرفين كليهما.
دراسة حالة رقم 3: قاوم الرغبة في تقديم عرض منافس
كانت المستشارة الرئيسية في شركة غريس باي غروب (Grace Bay Group)، شيري سبيتس فارمر، على وشك خسارة أحد أعضاء الفريق المهمين عندما كانت تشغل منصب مديرة المبيعات العامة في محطة تلفزيونية. أسهم الموظف، وهو مدير حساب، بمهارات فريدة في الفريق، وقد أدى وظيفته بصورة أفضل من أي شخص آخر شغل هذا المنصب قبله. ولكنه جاء في أحد الأيام إلى مكتبها بعد انتهاء العمل وأبلغها أنه يتوقع تلقي عرض من محطة تلفزيونية أخرى في سوق آخر قريباً.
أجرت شيري معه محادثة صريحة لفهم سبب رغبته في المغادرة واكتشفت أنه يشعر بعدم التقدير. أدركت حينئذ أنها كانت تفرط في التركيز على الموظفين الذين يثيرون إشكالية في الوقت الذي أغفلت تقديم دعم كافٍ لهذا الموظف. عندما سألته عن تطلعاته المهنية، أوضح أنه يريد تحمل المزيد من المسؤولية والحصول على قدر أكبر من التقدير لعمله. كانت شيري تدرك أن بإمكانها تحقيق مطلبه. لذلك، وبدلاً من تقديم عرض منافس له لاستبقائه، وعدته باتخاذ خطوات من شأنها تعزيز انخراطه في دوره داخل الشركة واستثماره فيه. وتقول موضحة: "لقد وضعته في برنامج غير رسمي لتدريب المدراء، وحرصت على حضوره اجتماعات لا يُدعى إليها عادةً وطلبت منه تقديم رأيه أمام أعضاء الفريق الآخرين. كان أكثر سعادة في دوره لأنه شعر بالتقدير والاعتراف بصفته عضواً موثوقاً به في الفريق".