تقدم مجلة هارفارد بزنس ريفيو دراسة حالة متخيلة تقدم المعضلات التي يواجهها القادة في الشركات خلال واقع الحياة، وتقدم الحلول التي يقترحها الخبراء في هذا المجال. تستند هذه الدراسة التي بين أيدينا على دراسة حالة واقعية.
الأخبار: بعد أسبوع واحد من التشخيص
لم يحدث أبداً أن ذرف قادة شركة "غلوبال سكوب" الدموع في اجتماعاتهم الأسبوعية فيما مضى، ولكن هذا الاجتماع كان استثناء. كان جيل لينر، أحد مؤسسي الشركة الأربعة، أخبر الآخرين للتو عن تشخيص مرضه: لقد كان مصاباً بسرطان الرئة في الخلايا الصغيرة، وبينما كان يخطط لمكافحته بمثابرته التي تُعرف عنه، لم تكن فرصته في البقاء على قيد الحياة لفترة أطول من خمس سنوات تتجاوز ما يقارب 18% فقط.
بعد بضع لحظات من الصمت الكئيب، صفّق جيل بيديه واعتدل في جلسته، وقال مازحاً: "أنا لست ميتاً بعد". لقد كان إيجابياً على الدوام ورفض أن ينغمس زملاؤه في الحزن لفترة طويلة. كان لديهم الكثير من العمل للقيام به.
كانت "غلوبال سكوب" شركة تكنولوجيا مقرّها نيويورك تركّز على تحويل الهواتف المحمولة إلى مجاهر قوية. وكان جيل وشركاؤه، الذين تخرجوا جميعاً مؤخراً من كلية إدارة الأعمال، حصلوا على الدفعة الأولى من التمويل قبل 8 أشهر وكانوا يستعدون لاستلام دفعة أُخرى قريباً. كانوا يختبرون حالياً مختلف العدسات البلاستيكية التي يمكنها تخفيض تكلفة المجهر مع توفير أقصى درجة تضخيم متاحة لجهاز محمول.
قال جيل: "إذن، دعونا نتحدث عن المرحلة التالية من الاختبار". كان يشغل منصب الخبير العلمي للفريق: وحاصل على درجة الدكتوراه في علم الأحياء، وعمل في شركة رعاية صحية قبل الدراسة للحصول على ماجستير في إدارة الأعمال.
هزّ مايكل شروك، الرئيس المالي للفريق، رأسه. وقال: "إنه أمر غير معقول. أنت لست مدخّناً. وبالكاد تبلغ الثلاثين من العمر".
رد جيل على ذلك وقال: "أخبرني الأطباء أنّ حالتي غير عادية. إذ من النادر جداً لشخص مثلي أن يصاب بهذا النوع من السرطان، ولكنه أمر وارد الحدوث. ولقد تحدثت بالفعل إلى مريض آخر يماثلني في العمر".
ظلّ مايكل يهز رأسه. ثم سأل جيل: "هل لدى أيّ شخص أسئلة أُخرى قبل أن نعاود العمل؟"، حيث تساءل كارلي غاردوس، الرئيس التقني "لغلوبال سكوب"، قائلاً: "كيف تتعامل زوجتك روتي مع الأمر؟"، رد جيل: "إنها تتعامل معه بشكل أفضل من معظم العرائس الجدد. لقد وضعت بالفعل الخطوط العامة لخطة علاجي".
سأل مايكل متوجساً: "ستبقى هنا في المدينة؟ ستسمر في العمل؟ هل أنت متأكد أنك تريد ذلك؟"
قال جيل: "لم أفكر في الأمر مليّاً بعد، ولكن نعم، أنا ملتزم معكم يا رفاق، ولدى مركز "سلون كيتيرينغ" بعض أفضل سجلات مكافحة الأورام في العالم. سوف يكون العلاج الكيميائي قاسياً، ولكن لا بد أن يكون لدي الكثير من الوقت عندما أشعر بأني على ما يرام. لذلك أود أن أُبقي كل شيء آخر طبيعياً قدر الإمكان".
قال كارلي: "إنك تعلم ولا بدّ أنّ صحتك أكثر أهمية من هذه الشركة". وأومأ الجميع برؤوسهم موافقين.
قال جيل: "أعلم ذلك، لكن أعتقد أنني أستطيع التركيز على كلا الأمرين، والآن هل يمكننا تغيير الموضوع رجاء؟"
العمل بدافع الحب: بعد شهر واحد من التشخيص
وبعد ثلاثة أسابيع، قام اثنان من أصدقاء جيل، وهما آرثر كروس ومايا هانلي، وكلاهما لا يزالان في سنتهما الثانية ضمن كلية إدارة الأعمال، بدعوته مرة أُخرى إلى الحرم الجامعي لتناول طعام الغداء مع ديفيد جوهانسن، أستاذ إدارة المشاريع الذي كان مشرفاً عليهما ضمن مشروع جماعي في مقرّره قبل عام.
التقى جيل صديقيه على الدرج المؤدي إلى مكتب ديفيد. إذ بادر بالحديث وقال: "قبل أن تسألا: نعم، يسير العلاج على ما يرام. أنا بخير. وزوجتي روتي على ما يرام. والتشخيص هو نفسه". وابتسم لهما. وأضاف: "بالطبع، لن أتناول على الأرجح وجبة غداء كبيرة ، ولكني متشوق لسماع الفكرة الكبيرة التي تحدثتم عنها معي. ما الأخبار؟".
رد الصديقان: "دعنا ننتظر حتى نكون مع ديفيد"، وقال آرثر، محاولاً مجاراة لهجة جيل المتفائلة: "نريد أن نعرض الفكرة لكما معاً في الوقت نفسه".
عندما طرقوا الباب، فتح ديفيد على الفور. قال لهم وهو يستقبلهم: "تفضلوا بالدخول. تفضلوا بالجلوس"، "جيل، كيف حالك؟، هل تعرف أي شيء عن هذه الفكرة الكبيرة التي يحرص هذين الاثنين على مشاركتها معنا؟"
رد جيل: "أنا أيضاً ليس لدي أدنى فكرة"، وقال أيضاً: "كما أنّي أُبلي بلاء حسناً على الجبهة الأُخرى".
قالت مايا: "حسناً، إليكم الأمر." وأوضحت أنها، بوحي من تشخيص جيل، بدأت مع آرثر بإمعان النظر في الأبحاث المتعلقة بسرطان الرئة وبالتحديد لماذا يُصاب غير المدخنين به. وعلما أنّ الدعم المالي الذي تتلقاه الأبحاث المتعلقة باكتشاف علاج لسرطان الرئة أقل بكثير من الدعم الذي تتلقاه أبحاث أنواع السرطان الأُخرى. قال آرثر: "ليس هناك الكثير من التعاطف إذ يعتقد الناس أنّ الضحايا تسببوا لأنفسهم بالمرض".
قال ديفيد: "آه، وبالتالي فإنّ النظرة العامة هي أنّ المدخنين يعرفون المخاطر، ولذا يجب أن يتحملوا العواقب؟".
"نعم"، قالت مايا مع إيماءة من رأسها. وأضافت: "لكننا نعلم جميعاً أنّ هذا الوصف لا ينطبق على جيل".
قال جيل: "حتى لو كنت مدخناً، فلا يمكنني أن أتقبّل مثل هذا المنطق في النظر إلى الأمور".
وأكثر من ذلك، كما أوضحت مايا، فإنّ الأموال التي كانت موجهة إلى أبحاث سرطان الرئة، استهدفت الأنواع الأكثر شيوعاً. إذ يبدو أنّ المانحين والمؤسسات الطبية يعتقدون أنه لا يوجد إلا العدد القليل من الأشخاص الذين يعانون سرطان الرئة في الخلايا الصغيرة نسبياً، ما يجعل الاستثمار في هذا المجال أمراً غير مضمون.
وتابعت قائلة: "لكن، لدينا خطة لتغيير هذا الوضع". ومرّرت مجلدين متطابقين إلى كلّ من جيل وديفيد. وأضافت: "نريد تأسيس جائزة لمكافأة الأفكار الابتكارية في هذا المجال بالذات".
وأخبرتهما أنّ هناك أستاذ في جامعة هارفارد أكمل للتوّ دراسة تبيّن أنّ المبادرات البحثية التي تتم بهدف الحصول على جائزة لم تكتف برفع مستوى الوعي بالأمراض الأقل شهرة فحسب، بل ولّدت أيضاً اختراقات علمية كبيرة. ففي كثير من الأحيان، تجذب الجائزة العلماء الذين لا يدرسون المرض حالياً، والذين استكشفوا كيف يمكن أن يتم تطبيق عملهم على المرض.
قال ارثر: "إن هدفنا هو ضخّ أفكار جديدة في مسار العلاج".
تنهد جيل، فاتحاً المجلد وملقياً نظرة سريعة على الاقتراح: "لا أعلم ماذا أقول".
بعد أن قرأ ديفيد الصفحة الأخيرة من الوثيقة، أحال نظره إلى مايا و آرثر وقال: "أفترض أنكما استشرتما بالفعل الأستاذ الذي أجرى الدراسة؟"
فهزّا برأسيهما.
قال آرثر: "ستكون عملية جمع الأموال العقبة الأكبر أمامنا"، وأضاف: "نريد أن تكون الجائزة كبيرة (مليون دولار). كما نريد أن نقدم جوائز أصغر لمجالات مختلفة، كأن نخصص جائزة في مجال المؤشرات الحيوية وأُخرى في مجال العلاج".
قال ديفيد: "نظراً لحجم مجتمعنا الأكاديمي في هذه الجامعة، بإمكانكما البدء هنا. ويمكن أن يقدّم جيل المساعدة من خلال أن يكون الوجه الإعلامي للمبادرة". لقد كان جيل في الواقع محبوباً من قبل الجميع سواء معلميه أو زملائه الطلاب على حدّ سواء، فمنذ اللحظة التي وصل فيها إلى الحرم الجامعي، فَتَنهم بحماسه وكرمه. وأضاف ديفيد: "على افتراض أنكما ملتزمان بتحقيق هذا الأمر، أعتقد أنّ هذا سيكون موضوعاً ممتازاً للدراسات العليا".
بدا السرور على وجهي آرثر ومايا، فقد كان هذا آخر فصل دراسي لهما، وعلى الرغم من أنّ كلاً منهما تلقى عروض عمل من مؤسسات استشارية، إلا أنه لم يكن أيّ منهما متحمساً لقبول تلك العروض. وتحدث ديفيد منبهاً: "تذكّرا، هذه الأنواع من المساعي هي عمل بدافع الحب، على الأقل في البداية. ولا ينبغي أن تتوقعا تلقي راتباً على الفور".
قالت مايا: "نعلم ذلك، لكننا نريد أن نفعل شيئاً له مغزى. وسوف تكون تلك الفرص الاستشارية متوفرة على الدوام".
"ماذا عنك يا جيل؟" سأل ديفيد. "أنا على علم تامّ بأنك مشغول تماماً مع "غلوبال سكوب"، وأتصور أنّ العلاج سيستهلك الكثير من وقتك وطاقتك. هل سيكون لديك الوقت لتنضم للمشروع؟".
قال آرثر على الفور: "لن يكون مضطراً إلى ذلك، أعني أننا نحب أن تشارك بأي شكل من الأشكال يا جيل، على الأقل في مجال جمع التبرعات. لكننا ندرك تماماً أنّ لديك الكثير لتركز جهدك عليه في الوقت الحالي".
نظروا إليه جميعاً. عندما قال جيل: "إنني أدعم الفكرة 100%، ولقد تأثرت كثيراً بجهدكم الذي تبذلونه يا رفاق. إني أرغب في المشاركة: فإن لم أتمكن من الفوز بهذه المعركة، أريد أن ينتصر بها غيري من الناس. ولكني سأحتاج إلى بعض الوقت للتفكير في الأمر. إنّ "غلوبال سكوب" في مرحلة حرجة حالياً، كما أنني وعدت زوجتي التركيز على الجولة الثانية من العلاج الكيماوي في الوقت الراهن".
غصّ آرثر عندما حاول الكلام، ثم حاول أن يتمالك نفسه، واعتذر.
"لا بأس. يبدو أنه أصبح لي هذا التأثير على الناس في الآونة الأخيرة"، قال جيل.
نهضوا جميعاً استعداداً للمغادرة، لكن ديفيد طلب من جيل البقاء. وقال: "أريدك أن تعرف أنني بجانبك إذا كنت تريد التحدث سواء عن "غلوبال سكوب" أو عن هذه الجائزة أو عن أي شيء".
أجاب جيل: "إنه أمر غريب. لقد اعتقدت أنّ الأمور كانت واضحة تماماً أمام ناظري: الزوجة، ماجستير إدارة الأعمال، إطلاق الشركة. كنت في أعلا درجات السيطرة على حياتي. أما الآن فأنا لست متأكداً مما سيحدث الأسبوع المقبل، ناهيك عن ثلاثة أشهر أو ثلاث سنوات. يمتلك معظم الناس الكثير من الفرص لاتخاذ القرارات المهنية الهامة في حياتهم. أما أنا فقد لا يكون لدي أكثر من قرار واحد فقط. لذا أريد أن أتخذه بشكل صحيح".
إنه أمر غريب. لقد اعتقدت أن الأمور كانت واضحة تماماً أمام ناظري: الزوجة، ماجستير إدارة الأعمال، إطلاق الشركة. كنت في أعلا درجات السيطرة على حياتي. أما الآن فأنا لست متأكداً مما سيحدث الأسبوع المقبل، ناهيك عن ثلاثة أشهر أو ثلاث سنوات.
في المنزل ثانية: بعد ثلاثة أشهر من التشخيص
كان منزل والدَي جيل مكتظاً بالضيوف. عندما سمعت عائلته أنه وروتي عائدين لقضاء العيد معهم، حيث فرّغوا كلّهم وقتهم لرؤيته. لكنّ جيل أصرّ على أن لا يتم مناقشة التشخيص أو العلاج أو السرطان أو الموت كي يكون جوّ اللقاء لطيفاً بل احتفالياً.
وبعد ساعات قليلة من بدء الحفلة تمكن جيل من الفرار إلى الفناء الخلفي ليأخذ استراحة سريعة. وتبعه ابن عمه راسل. وكان الرجلان عاشا في نفس الحيّ وذهبا إلى ذات المدارس، والآن راسل متزوج ولديه طفلين ويعمل في شركة تكنولوجية ناشئة.
قال راسل لابن عمه: "تبدو بحالة جيدة".
أجاب جيل مازحاً: "لا يبدو عليّ أني في طريقي إلى الموت؟"
ردّ راسل مازحاً أيضاً: "بالكاد يمكنك معرفة ذلك".
قال جيل: "أشعر بالفعل أنني بحالة جيدة. كان العلاج الكيماوي مزعجاً جداً، لكنه أوقف الضرر عند حدّ معين في الوقت الراهن".
قال راسل: "لقد سمعت كلّ ما يتعلق بهذا الأمر. يبدو وكأنه في كل مرة تتقيأ فيها كانت روتي تتصل بأمك، وأمك بدورها تتصل بأمي، ثم تقوم أمي بالاتصال بي. إنها شجرة هاتف جيل لينر. كما أني أعلم كل شيء عن العلاج الذي ستخضع له لدى عودتك أيضاً".
ضحك جيل ثم قال: "من الجميل أن يكون المرء محبوباً، كما أعتقد".
قال راسل: "بالتأكيد لن يفاجئك الأمر إذ أخبرتك أنّ والدك طلب مني التحدث إليك عن العودة للاستقرار بجانبهم؟"، "من المفترض أن أنصحك بالعودة هذا الصيف بعد إنهائك مرحلة العلاج التي تتابعها هناك. وأن تكمل بقية علاجك هنا كي تتمكن من قضاء بعض الوقت مع روتي، ووالديك، وأبناء عمك، وجميع أطفالنا. إنك تمتلك نظام دعم كامل هنا، وكذلك الحال مع روتي. إذا نظرنا إلى الصورة الكلية للأمور، نجد أنه يمكن للأسرة أن تساعدك بشكل يفوق بأشواط بعيدة ما يمكن للعمل أن يمدك به من مساعدة. وتابع راسل: "بالطبع، لا أستطيع أن أتخيل للحظة واحدة أن أكون مكانك، لذلك لا تتردد في أن تطلب مني إغلاق فمي وأكفّ عن قول ما يزعجك إذا أردت".
رد جيل: "لا تقلق. لقد سبقك عمي في طرح هذا الأمر. لقد أخبرني أنه بإمكانه تأمين العلاج السريري الذي أرغب به هنا، بالإضافة إلى عمل بدوام جزئي في صندوق أبحاث السرطان. لقد بالغ في اعتماده اللعب على وتر الشعور بالذنب تجاه الأم والأب بشكل يفوق ما يمكنك فعله بمرات عديدة". توقف جيل لحظة عن الكلام، ثم تابع: "لا أنكر أنّ الفكرة تشعرني بالراحة، كما أنني على يقين من إمكانية إنجاز الكثير في موضوع صندوق الأبحاث".
ثم تابع قائلاً: "كما تعلم، كانت روتي مصرّة على التوقف عن ممارسة كلّ نشاطاتي في البداية أيضاً، لأتفرغ للانتهاء من موضوع العلاج، ثم نستمتع بحياتنا بقدر ما نستطيع. أرادت أن نسافر في جميع أنحاء العالم، فقط نحن الاثنين. ولكنها أدركت بعد ذلك مدى السعادة التي تغمرني بشكل أكبر عندما أنغمس في العمل بجد. العمل هو أمر رائع حقاً".
كما أعلم جيل ابن عمه راسل بآخر أخبار "غلوبال سكوب"، موضحاً أن الشركة حققت اختراقاً، فقد استطاعت إنتاج صور أكثر وضوحاً وسهولة ليتم نقلها عبر المحمول. وأبدت منظمة الصحة العالمية اهتمامها بالموضوع، كما كان المستثمرون يطالبون بمعرفة المزيد. وأضاف على ذلك مؤكداً: "لذلك، إذا تابعت مشواري مع الشركة سأتمكن من جني مبلغ لا بأس به من المال، حتى لو لم أتمكن من استخدام هذا المبلغ، فسيبقى لروتي ولوالديّ. بالإضافة إلى أنني سوف أساعد الكثير من المرضى الذين لن يحصلوا على الرعاية المطلوبة بشكل آخر".
قال راسل: "أرى أنك لا تريد التخلي عن هذا الأمر".
"ولكن هناك خيار آخر". أوضح جيل قاصداً مشروع مايا وآرثر. لقد جمعا بالفعل 300 ألف دولار من خرّيجي كلية إدارة الأعمال، وكانا يضغطان عليه ليندمج أكثر في المشاركة بجمع التبرعات حتى يتمكنا من الإعلان عن الجائزة في الخريف. وقال جيل: "أحبّ فكرة مكافحة هذا المرض، ليس على صعيد جسدي فقط ولكن على نطاق أوسع أيضاً، وأعتقد أنه يمكن لهذه الجائزة أن يكون لها تأثير حقيقي".
قال راسل: "هل هناك فرصة في أن تتمكن هذه الجائزة من تموّيل اختراقاً طبياً يستطيع مساعدتك؟".
رد جيل: "ربما. فمن المستحيل أن نعرف يقيناً. تشعر روتي بالحماس عندما تتحدث مع آرثر ومايا".
قال راسل: "يا عزيزي جيل هذا أمر بالغ الصعوبة. أعلم أنك قلت لا ينبغي أن نتحدث عن الموت، وأنا، بالنسبة لي، ما زلت أعتقد أنه يمكن التغلب على هذا الأمر. ولكن إذا كان صحيحاً أنه ليس لديك سوى بضع سنوات، فما هو الإرث الذي ترغب في أن تتركه وراءك؟، هل تريد أن تُمضي هذه السنوات المتبقية لك كرجل أعمال أو كناشط، أو تفضل أن تمضيها مع عائلتك؟"
ماذا كنت ستفعل؟، بعض النصائح من مجتمع موقع مجلة هارفارد بزنس ريفيو
يقول مايكل هو كبير مدراء شركة "هوتشيسون": "لا ينبغي أن يتم تحديد إرث جيل من قبل مصيره أو ظروفه، بل يجب أن يحدده جيل بنفسه. يجب أن يتابع عمله في "غلوبال سكوب" ويساعد في إطلاق الجائزة. هذا ما سيسمح له بأن يتمتع بتأثير إيجابي على الأجيال القادمة".
ويقول فارون جين، مرشح لماجستير إدارة الأعمال في كلية كيلوغ للإدارة: "الحب هو الأكثر قدرة بين جميع الأمور الأُخرى على مساعدة جيل في أن يحظى بحياة سعيدة وذات تأثير أكبر. قد يختار حبه لشركته الناشئة، أو لسعيه في سبيل الجائزة، أو للمساهمة في البحث، أو للبقاء مع الأصدقاء والعائلة في المنزل. إذ لا تشكل هذه الأمور اختيارات حصرية في العالم الذي نعيش فيه اليوم".
كما يقول أركانا دانكار، طالب، معهد آرمي للتكنولوجيا بمدينة بيون، في الهند: "عندما كان عمري 22 عاماً كنت ضحية مرض السرطان، وبرأيي عليه أن يجد وسيلة لتحقيق التوازن بين الخيارات الثلاثة معاً. وهذا من شأنه أن يساعده على النهوض من سريره كل صباح ليكون له تأثير على المجتمع، حيث أنه من الصعب الاكتفاء بالجلوس والانتظار، من الأفضل لك بكثير أن تُبقي نفسك مشغولاً بالأشياء التي تُعطيك المتعة والاستقرار".
أخيراً، يقول سيفاكومار بالانيابان، المؤسس وكبير المعلمين في أكاديمية ماسترينغ مايند: "يجب على جيل أن يكرّس بقية حياته للعمل على الجائزة بينما يقضي وقتاً طويلاً مع روتي وعائلته. نادراً ما يمتلك الناس فرصة كهذه لتقديم مثل هذا الإسهام الكبير للمجتمع، يمكن لجيل أن يخوض معركةَ سرطان الرئة دفاعاً عن نفسه وعن الآخرين أيضاً".
اقرأ المزيد
هل يتوجب على جيل الاستمرار في العمل ضمن "غلوبال سكوب"، أو المساعدة في إطلاق الجائزة، أو الجلوس مع أهله؟
ردود الخبراء
يبيّن بن مونوز، مؤسس "بن فريندز"، وهي شبكة على الإنترنت مكونة من مجموعات دعم المرضى للمرضى الآخرين مخصصة للأشخاص الذين يعانون من أمراض نادرة أنه يتوجب على جيل أن يتبع نصيحة ابن عمه راسل ويعيش أيامه رفقة عائلته. إذ يتعلق جوهر الأمر بتحديد الأولويات، وبالتأكيد تأتي عائلته أولاً في سلم الأولويات. لا يعني هذا أنه لا بدّ له من أن يمتنع عن العمل تماماً. فإذا كانت صحته تسمح له بذلك، أنا متأكد من أنه سيتمكن من إيجاد طرق مبتكرة للمساهمة في أحد المشاريع: الجائزة، أو الشركة الناشئة. لكنه يجب أن يقضي معظم وقته مع عائلته الآن.
أنا أتكلم من واقع تجربتي الشخصية. في عام 2006، عندما كنت في عمر الـ29، عانيت من نزف دماغي ناجم عن تشوّه شرياني. وتم نقلي إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية. وبينما كنت مستلقياً في سرير المستشفى ضمن الليلة الأولى، متسائلاً عمّا إذا كنت سأعيش أو أموت، كنت محاطاً بعائلتي. فلو دنت منيّتي في ذلك الوقت، لكنت أريد عائلتي حولي. لم أكن في ذلك الوقت أفكر في العمل على الإطلاق.
وليس على جيل أن يأخذ خياراً واحداً فقط، بطبيعة الحال. وفي أعقاب وعكتي الصحية، اتبعت العديد من المسارات. أنا حالياً طالب طب في بايلور ورجل أعمال طموح. كما أنني أُدير مؤسسة غير هادفة للربح أسّستها لمساعدة الناس الذين يعانون من وضع يشبه وضعي ووضع جيل، وذلك كي يتأقلموا مع مرضهم. وخلال العامين الذين لم أكن خلالهما متأكداً مما إذا كنت سأبقى على قيد الحياة، كان الشخص الوحيد الذي استطعت الارتباط به، والذي كان قادراً على تفهّم القلق والاكتئاب والنشوة الذين كنت أشعر بهم على التناوب، هو صديق لصديقي والذي كان يعاني من نفس حالتي. فقررت إنشاء شبكة اجتماعية لمساعدة الناس الذين يعانون من أمراض نادرة ليتواصلوا مع بعضهم. وتغطي هذه الشبكة حالياً 35 تجمّعاً مختلفاً للمرضى، وهي الوجهة التي يقصدها أكثر من 50 ألف شخص يبحثون عن الدعم.
لا يمكن لأي شخص عاقل أن يرفض قرار جيل في التفرغ ليكون مع عائلته، إذ يمكنه أن يتابع نشاطاته عن بعد. من الواضح أن "غلوبال سكوب" تمتلك فريقاً قوياً مناسباً يمكنه الاستمرار في غياب جيل. ومما لا شك فيه أنّ زملاءه سيكونون مرنين إذا رغب في مواصلة العمل عن بعد. ولا بدّ أنهم سيفتقدونه، لكن ليس بقدر عائلته بالتأكيد. وسيتابع هو في لعب دوره ليكون بمثابة مصدر إلهام لفريقه أينما كان. ولا بدّ أنّ زيارة بين الحين والآخر أو لقاء عن بعد عبر وسائل التواصل مع جيل سيفعلان الأعاجيب مع زملائه عندما يمرّون بأوقات عصيبة. ستبقى الشركة متابعة على طريق النجاح، كما يمكن لزوجته ووالديه أن يستفيدوا مالياً أيضاً.
أنا على يقين من أنّ الفريق الذي يسعى لإطلاق الجائزة لبحوث سرطان الرئة في الخلايا الصغيرة (آرثر ومايا) سيقدّر أي جهد يتمكن جيل من بذله لدعم القضية. وهو غير مضطر للتضحية بالوقت العائلي ليتمكن من إحداث فرق: إذ تبرز أهميته في جهود جمع التبرعات من خلال لعبه دور الوجه الإعلامي للمرض. فمن خلال الظهور شخصياً في بعض الأحيان بالإضافة إلى بعض رسائل الفيديو التي يمكنه إعدادها من المنزل، يمكنه أن يمثّل جميع أولئك الذين سيستفيدون من البحث.
إلى جانب ذلك، ليس على جيل أن يتخلى عن كل شيء على الفور للتفرع لعائلته. يجب أن يأخذ ما يلزم من الوقت للانتهاء من المشاريع مع "غلوبال سكوب" وتأمين المال لتمويل الجائزة. ولكن يجب أن يكون مصرّاً على عدم القيام بمهام جديدة حتى يتمكن من البدء في ترتيب عملية التفرغ للعائلة.
ربما ينظر الكثيرون إلى وضع جيل ويرون أنه ينبغي عليه التركيز في ترك إرث خلفه بعد أن يرحل، وذلك من خلال قيامه بأكبر تأثير يمكنه بذل جهده في سبيله. ولقد خطرت هذه الفكرة على بالي أيضاً عندما قرأت قصته للمرة الأولى. ولكن في رأيي، لا يملك جيل سوى خياراً واحداً فقط. إذ أنه بغض النظر عن مقدار الوقت الذي يقضيه جيل مع عائلته، عندما يقترب من النهاية، سيودّ لو أنه قضى وقتاً أطول معهم.
بغضّ النظر عن مقدار الوقت الذي يقضيه جيل مع عائلته، عندما يقترب من النهاية، سوف يودّ لو أنه قضى وقتاً أطول معهم.
أما أفيتشاي كريمر الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "برايز فور لايف"، وهي مؤسسة غير ربحية مكرّسة لاكتشاف علاج وشفاء لمرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) يؤكد أنّ الخيارات المتاحة لجيل ليست خيارات حصرية. إذ في عالمنا الذي ينعم بوسائل التواصل العالمية، يمكن أن يعيش المرء في مكان ويبقى قادراً على متابعة عمله في شركة تتّخذ من الولايات المتحدة مقرّاً لها، مع مراعاة القيام بالتنقل الفعلي ذهاباً وإياباً في بعض الأحيان. هذا ما أقوم به أنا، وهو يؤدي المطلوب. ولكن إذا كان جيل مضطراً إلى اختيار خيار واحد فقط، أقترح متابعة شركته الناشئة. إذ سيغمره هذا الأمر بالسعادة وسيوفر له أفضل فرصة ليضمن مستقبل عائلته بعد أن يرحل.
تقع على عاتق جيل، مثلنا جميعاً، ثلاثة أنواع من المسؤولية. النوع الأول من الالتزام هو واجبه الشخصي تجاه نفسه. وهذا ما يسمى في كثير من الأحيان "الرضا"، أي قيامه بما سيجعله يشعر بأعلى درجات الرضا. أما التزامه الثاني فهو تجاه عائلته، ولا سيما زوجته، روتي، وأطفالهما، إذا قررا إنجاب أطفال في السنوات المقبلة. إنّ إمضاء وقت رائع معاً هو أمر مهم، ولكن كذلك هو المال. ربما تبدو الثروة أمراً تافهاً بالنسبة للشخص الذي يواجه الموت (ولهذا السبب قال ريتشارد الثالث في إحدى مسرحيات شكسبير، "مملكتي مقابل حصان")، ولكن قد يكون على جيل أن يبذل ما بوسعه لضمان الأمن المالي لأحبائه. أما المسؤولية الثالثة فهي تجاه المجتمع، أي محاولة جعل العالم مكاناً أفضل. ويستطيع جيل أن يلبّي هذا الالتزام إما من خلال الاستمرار في شركته الناشئة أو متابعة مبادرة الجائزة، فكلاهما يشكلان أمراً جديراً بالاهتمام.
الفرق بين جيل وأيّ شخص عادي آخر هو أنه لا يستطيع الوفاء بالتزاماته واحداً تلو الآخر. إذ طالما أنّ ساعة رحيله تدنو بسرعة، عليه أن يقوم بالاختيار. في الوقت الراهن، يجب أن تكون مسؤوليته الشخصية أهمّ أولوياته: إذا لم يكن راضياً، سيشعر بالإحباط وبأنه غير منتج، ولا بد من أن يجعل هذا السخط عائلته وأحباءه بائسين أيضاً.
ويعلم جيل علم اليقين أنّ شركته الناشئة ذات مستقبل رائع ومُجز. بالإضافة إلى ذلك، هناك جانب إيجابي من الناحية المالية، ما يساعده على احترام مسؤولياته تجاه روتي. لهذا أعتقد أنّ هذا الأمر يشكل أفضل خيار متاح بالنسبة له.
تستند هذه الحالة على قصتي الشخصية، حيث أنه في عام 2009 تمّ تشخيص إصابتي بمرض التصلب الجانبي (ALS) المعروف بشكل شائع باسم مرض "لو جيهريج". إنها حالة انتكاسية تؤدي إلى ضمور العضلات تدريجياً، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الشلل الكامل. بعد الاستلقاء في السرير مكتئباً لبضعة أيام، قرّرت أنّ لا بدّ لي من محاربة مرضي. لقد انضممت مع أصدقائي، جنباً إلى جنب مع زملاء الدراسة والأساتذة في كلية هارفارد للأعمال (حيث كنت أدرس لنيل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال)، وأسّسنا مؤسسة غير ربحية تسمى "برايز فور لايف". إنها شركة مماثلة للشركة التي تقترحها مايا و آرثر على جيل. نحن نقدم جوائز بقيمة مليون دولار للباحثين في مجال اكتشاف علاج وشفاء لمرض (ALS).
كنت على يقين أنّ هذا الطريق هو الذي سيكون الأكثر إرضاء بالنسبة لي، وعلى الرغم من أنّ عملي أبقاني بعيداً عن المنزل لمدة ثلاث سنوات أُخرى، إلا أنّ أحبائي أشادوا بقراري. كما أنني لم أكن شديد الاهتمام بالمال لأنني لم يكن لدي عائلة لأهتم بنفقاتها.
بغض النظر عن القرار الذي سيتخذه جيل، نصيحتي له، بل للجميع، هي أن تعيش كل يوم حتى الثمالة، أن تتفاءل، وتملأ وقتك بالعمل الذي تستمتع به. لقد توقع أطبائي عام 2004 أن أعيش لمدة ثلاث سنوات فقط. كان ذلك قبل عشر سنوات. يمكنني القول أنّ العمل الجاد في سبيل شيء تؤمن به هو أفضل علاج أعرفه.