ملخص: الثقة المتبادلة هي جانب أساسي من العلاقة الصحية بين القائد والموظف؛ ومن دونها يواجه القائد والموظف والفريق عموماً عواقب سلبية. وفي هذه المقالة تحدد المؤلفة 5 خطوات عليك اتباعها إذا وجدت نفسك في موقف غير مريح لا تثق فيه بأحد موظفيك، وهي: 1) افصل الحقائق عن الافتراضات وركز على السلوكيات المحددة التي تثير الإشكالية، وحدّد عنصر الثقة المفقود والتصرف الذي بدر من هذا الشخص وأدى إلى عدم ثقتك به 2) حدد المواقف أو المهام التي تكون على استعداد للوثوق فيها بالموظف 3) قدِّم ملاحظات عن السلوكيات المحددة التي تسهم في انعدام ثقتك بالموظف 4) فكر في تصرفاتك التي قد تسهم في الموقف 5) حدد إذا ما كان خرق الثقة خطيراً جداً بحيث لا يمكن إصلاحه.
إنّ الثقة هي أحد أهم أشكال الأصول التي يمكن أن يمتلكها القائد؛ فعندما يحظى القادة بثقة موظفيهم، فإن ذلك يؤدي إلى تحسين الأداء؛ إذ يصبح الموظفون أكثر انخراطاً في العمل وتزيد إنتاجيتهم وابتكارهم، ويقلّ تعرضهم للتوتر والاحتراق الوظيفي، وبذلك تزيد فرص بقائهم في وظائفهم الحالية. ويدرك القادة الفعالون أهمية الثقة وفوائدها ويتخذون خطوات فعالة لكسب ثقة أعضاء فريقهم وزملائهم والحفاظ عليها.
وقد يجد القادة أنفسهم في بعض الأحيان في موقف لا يثقون فيه بأحد أعضاء فريقهم؛ إذ يمكن أن يؤدي انعدام الثقة هذا إلى خلق موقف غير مريح للقائد. وفي هذا العصر المختلف الذي يسود فيه العمل عن بُعد والعمل الهجين، ربما ليس من المستغرب أن يصل انعدام الثقة بين القادة وموظفيهم إلى مستوى غير مسبوق! وهذا ما أكده مؤشر توجهات العمل الذي طورته شركة مايكروسوفت ونشرته حديثاً؛ إذ يؤدي عدم الثقة بالموظف إلى عواقب سلبية، ومنها شعور القادة بالقلق والإحباط والتردد في التفويض والميل إلى الإدارة التفصيلية. بل -لسوء الحظ- يمكن أن تمتد الآثار السلبية لانعدام ثقة القائد أيضاً إلى ما هو أبعد من العلاقة المحددة بين القائد والموظف؛ إذ يمكن أن تقلل بصورة خفية من الابتكار والمعنويات وأداء الفريق بأكمله.
الخطوات التي يجب اتباعها عندما يفقد القائد ثقته بالموظف
إنّ الثقة المتبادلة بين القائد والموظف جانب ضروري لعلاقة عمل صحية ومثمرة، فإذا وجدت نفسك -بصفتك القائد- في موقف غير مريح ينطوي على عدم الثقة بأحد أعضاء الفريق، فهناك 5 خطوات يمكنك اتباعها لمعالجة المشكلة والمضي قُدُماً.
1. حدد مصدر عدم ثقتك
من الشائع أننا نُدلي بتعليقات من قبيل "أنا لا أثق به" أو"ليس جديراً بالثقة"؛ فنتحدث عن الثقة بعبارات شموليّة كلية توحي أنها مفهوم كل شيء أو لا شيء! ولكن الحقيقة هي أن الثقة ليست مفهوماً كلياً في الواقع، بل يجب أن ترتبط بأفعال فردية محددة؛ إذ من النادر ألا يثق شخص ما في كل شيء يتعلق بشخص آخر. فمثلاً قد تثق في الخبرة الفنية لأحد أعضاء الفريق، ولكنك لا تثق في قدرته على تقديم الأفكار بفاعلية للعملاء. وتُظهر الأبحاث أنه يمكن تقسيم الثقة إلى 3 مكونات:
- الكفاءة
- الاتساق
- الشخصية
إنّ الثقة بكفاءة الموظف تعني الإيمان بمهاراته وقدراته على أداء وظيفته بفاعلية. والاتساق هو الاعتقاد أنه يمكن الاعتماد على الموظف وأنه سيفي بالتزاماته وسيلبي أداؤه التوقعات. أما الثقة بالسمات الشخصية للموظف فتعني الاعتقاد أنه يتمتع بالنزاهة ويراعي احتياجات الآخرين بالإضافة إلى احتياجاته الخاصة. وحال هذه العناصر كحال أرجل الكرسي الثلاث التي لا يمكن الاستغناء عن إحداها؛ إذ يؤدي كل عنصر من عناصر الثقة دوراً حيوياً في العلاقة.
ولتجنب النظرة الشمولية إلى موظف ما على أنه غير جدير بالثقة، اسأل نفسك: ما عنصر الثقة المفقود في هذا الموظف؟ ما التصرف الذي بدر من هذا الشخص وأدى إلى عدم ثقتي به؟ وافصل الحقائق عن الافتراضات وركّز على السلوكيات المحددة التي تثير الإشكالية.
2. حدد المواقف أو المهام التي تكون على استعداد للوثوق فيها بالموظف
ضع قائمة بالمجالات التي تثق فيها بموظفك، وفكر في كيفية تعزيز ثقتك تدريجياً اعتماداً على هذه المجالات بطرق منخفضة المخاطر. وفيما يلي أمثلة عن كيفية تحقيق ذلك:
- إذا كنت تثق بقدرة موظفك على التواصل بفعالية داخل الفريق، فحاول إشراكه في اجتماعات متعددة الوظائف أو في مناقشات أوسع.
- وإذا كنت تثق بالمهارات الفنية لموظفك، فحاول أن تطلب منه توجيه عضو جديد في الفريق، أو توجيه موظف آخر في أثناء أدائه مهمة معقدة.
- وإذا كنت تثق بمهارات موظفك في حل المشكلات، فحاول تكليفه بمهام أكثر تعقيداً أو وفر له المزيد من الاستقلالية في معالجة المشكلات واستنباط حلول مبتكرة لها.
ومن المهمّ مع كل ما سبق أن تعتمد على التواصل الشفاف والمنتظم في أثناء تفويض المهام والبناء على مسؤوليات الموظف، وأن تحدد غرض المهمة والنتيجة المرجوة منها، بالإضافة إلى توقعاتك ومعاييرك المحددة والمواعيد النهائية ومدى صلاحيات الموظف في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمهمة.
ومن المهم أيضاً عقد اجتماعات فردية منتظمة مع الموظف لضمان الحفاظ على التوافق وتقديم القدر الكافي من الدعم وتعزيز الثقة. ولتشجيع الموظف على التواصل معك بين هذه الاجتماعات المنتظمة، يمكنك إخباره بأنك متاح في أي وقت وأنك تتبع سياسة الباب المفتوح.
وعندما تتردد في الثقة بموظفك، فإنك ستخشى من العواقب المحتملة! وهذا سيؤدي في كثير من الأحيان إلى زيادة الإدارة التفصيلية في جميع المجالات بصفتها وسيلة للسيطرة على الموقف. لذلك من المهم إعطاء الموظف الذي لا تثق به الفرصة لإثبات أنه جدير بالثقة؛ إذ من المرجح أن تؤدي الإدارة التفصيلية إلى تقليل حافز الموظف وإنتاجيته وشعوره بالسيطرة، وهذا قد يؤدي بدوره إلى سلوكيات تزيد من تآكل ثقتك به.
3. قدِّم ملاحظات عن السلوكيات المحددة التي تسهم في انعدام ثقتك بالموظف
عليك قبل كل شيء أن تعيّن العنصر الذي ينقصك من عناصر الثقة الثلاثة (الكفاءة والاتساق والشخصية) وأن تحدد السلوكيات التي أدت إلى تقويض ثقتك. فمثلاً، لنفترض أنك وجدت أن عنصر انتفاء ثقتك هو عدم الاتساق؛ فما السلوكيات الدقيقة التي لاحظتها ودفعتك للاعتقاد أنك لا تستطيع الاعتماد على هذا الموظف؟ هل هي تفويته المواعيد النهائية أم فشله في الوفاء بالالتزامات المعلنة أم عدم استجابته في الوقت المناسب؟
لذلك قدِّم ملاحظات واضحة ومحددة عن السلوكيات الإشكالية واشرح العواقب السلبية التي نتجت عنها، وتعاونا أنت وموظفك على إيجاد حلول بنّاءة للمضي قُدُماً على نحو منتج. فمثلاً يمكنك أن تقول للموظف: "فاتك في الأسبوعين الماضيين الموعد النهائي لتقرير حالة المشروع الأسبوعي؛ ونتيجة لذلك لم أتمكن من تقديم تحديث كامل للمشروع إلى الفريق التنفيذي؛ فهل يمكننا مناقشة سبب التأخير ووضع خطة لمعالجة الخلل؟".
واعلم أنه يمكن للتعليقات العالية الجودة أن تساعد على تقوية العلاقات مع أعضاء الفريق وتعزيز الثقة. واعلم أيضاً أنه لا أحد يرى نفسه غير جدير بالثقة؛ لذلك تجنب استخدام كلمة "الثقة" في أثناء المحادثة.
4. فكّر في تصرفاتك التي قد تسهم في الموقف
يؤدي كل شخص دوراً في تكوين آليّات العلاقة ونتائجها، لذلك من المهم بصفتك القائد أن تأخذ في الحسبان دورك في الموقف الحالي. ويمكن أن تتدهور الثقة عندما لا يكون لدى الموظف فهم واضح لدوره ومسؤولياته وتوقعاته؛ لذلك يجب أن تتحقّق إن كنت تقدم ما يكفي من الوضوح أو التوجيه له.
إن الثقة متبادلة بطبيعتها، وبعبارة أخرى: كلما زادت ثقة شخص ما بك زاد احتمال ثقتك به في المقابل؛ لذا ركّز على ما يجب أن يفعله هذا الموظف لتستعيد ثقتك به ويستعيد ثقته بك. ومرة أخرى تذكّر أن مكونات الثقة ثلاثة: الكفاءة والاتساق والشخصية؛ فكيف يمكنك إثبات قدرتك على التمييز وإثبات خبرتك ونزاهتك واهتمامك به وتأكيد موثوقيتك؟ وهل يمكنك أن تُظهر له الصدق والشفافية وتحمل المسؤولية بشأن خطأ وقع حديثاً؟
وتحقق أيضاً إن كان عدم قدرتك على رؤية عمل الموظف يسهم في عدم ثقتك به؛ فعندما تقلّ التفاعلات الشخصية يتسع المجال لوضع افتراضات سلبية لا أساس لها من الصحة عن الآخرين. وفكر فيما إذا كان من المفيد ترتيب المزيد من الاجتماعات الشخصية مع هذا الموظف، أو فكر فيما إذا كان عليك التخلي عن مراقبة عمل الموظف وإعطاء الأولوية لتقييم نتائجه بدلاً من ذلك.
5. حدد إذا ما كان خرق الثقة خطيراً جداً بحيث لا يمكن إصلاحه
مع أن الثقة هي أحد الأصول الملموسة التي يمكنك ترسيخها في العلاقة، يوجد بعض المواقف التي يكون فيها الضرر الذي يلحق بالثقة شديداً جداً بحيث لا يمكن إصلاحه؛ مثل اكتشافك أن أحد أعضاء فريقك يكذب أو ينتهك سرية العمل أو ينخرط في سلوك لا أخلاقي. وإذا تجاوز الموظف حدوداً معينة، فقد يكون من الضروري اتخاذ إجراءات فورية لحماية نزاهة قيادتك وصحة فريقك، مثل بدء تحقيق فوري في الأمر أو النظر في إمكانية فصله. ويمكن أن يتطور هذا الموقف المؤسف أيضاً وإن كان سلوك الموظف أقل خطورة، وذلك إذا كانت مساعيك المخلصة لتعزيز الثقة لم تؤد إلى أي تحسن. وفي هذه الحالات قد يكون من الضروري مشاورة الموارد البشرية والنظر في إنهاء علاقة العمل.
إنّ الثقة المتبادلة هي جانب أساسي من العلاقة الصحية بين القائد والموظف؛ ومن دونها يواجه القائد والموظف والفريق عموماً عواقب سلبية. لذا ضع خطة استناداً إلى الخطوات التي سبق توضيحها لمعالجة مشكلة عدم الثقة، وامنحها الوقت الكافي للتأثير، وأدرك أنه يمكن استعادة الثقة في معظم الحالات، وهذا يمكن أن يؤدي إلى بيئة عمل أكثر سعادة وإنتاجية للجميع.