كيف تجدّد طاقتك عندما تشعر أنك مجهد عاطفياً؟

5 دقائق

عادة ما يكون الإرهاق العاطفي ناجماً عن الإنهاك الشديد، فعندما تعتمد على مواردك العاطفية في محاولة التعامل مع المواقف الصعبة، مثل الطلبات المرهقة أو حل النزاعات أو نقص الدعم في العمل أو في المنزل، سيتضاءل شعورك بالرفاهة والقدرة على رعاية نفسك والآخرين.

في الواقع، تظهر البحوث أن الأشخاص الذين يعانون من الإرهاق العاطفي يختبرون مستويات أعلى من مشكلات الموازنة بين العمل والحياة. وقد يُصبحون أقل صبراً في التواصل مع أسرهم وأصدقائهم في نهاية اليوم ويصابون بالإحباط بسهولة أكبر، وهي مشكلة قد تتفاقم بعد انتشار عدوى "كوفيد-19" اليوم. ولا تقتصر هذه المشكلات على أولئك الكادحين في الخطوط الأمامية، وإنما تُصيب أيضاً العاملين من المنزل الذين يجاهدون في سبيل موازنة المسؤوليات الشخصية دون حصولهم على أي مساعدة خارجية، وهو ما يقودهم إلى الشعور بالذنب والضياع.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الإجهاد والتوتر لصالحك؟ (بحاجة لاشتراك)

تأمّل مثال عميلتي فاطمة التي أقدّم لها التوجيه. فاطمة هي مديرة منتجات في شركة أجهزة طبية جرى الاستحواذ عليها مؤخراً؛ كانت فاطمة تكافح بالفعل مع مستوى عال من الغموض في العمل قبل انتشار الجائحة. وعلى الرغم من شعورها بالاستقرار المالي في الوقت الحاضر، يبقى العمل صراعاً عاطفياً. لم تحصل فاطمة على أي معلومات موثوقة من القيادة العليا، ولا تعرف هوية الأشخاص الذين يمكنها الوثوق بهم منذ أن جرى الاستحواذ على الشركة، وهو ما منعها من توفير معلومات واضحة لفريقها القلِق الذي يعمل عن بُعد، وجعلها تشعر أنها قائدة غير موثوق بها. وما زاد من خيبة أملها هو فشل مديرها في الدفاع عن القسم وعدم قدرته على الحصول على معلومات واضحة من قبل المسؤولين التنفيذيين للشركة المستحوذة. والأسوأ من ذلك هو أن رسالة الشركة التي ولّدت لدى فاطمة الحافز لتحقيق أهدافها المستقبلية قد تغيّرت، وهو ما دفعها إلى التساؤل عن مستقبل عملها في الشركة. وما عزّز قلقلها أيضاً هو فكرة الاضطرار إلى ترك الوظيفة التي اعتبرتها مصدر سعادتها والبقاء دون عمل في وقت تُعتبر فيه المعيل الرئيس في عائلتها ووضع سوق وظائف العقود اليوم. وأثقلت كل هذه الظروف كاهل فاطمة.

أما زوج فاطمة، عاطف، فهو كاتب كان يعمل من المنزل قبل ولادة طفليهما، محمد البالغ من العمر ثلاث سنوات، وجودي البالغة من العمر سبع سنوات. أخذ عاطف على عاتقه مسؤولية الاعتناء بالأطفال في حين كانت فاطمة تعمل من المكتب قبل تدابير الإغلاق العام. أما اليوم، بعد أن أصبحوا جميعهم في المنزل معاً، انهارت الحدود بين حياتها الشخصية والمهنية، وهي تشعر بالقلق من ضعف أدائها في كل من العمل والمنزل، فتنزعج عندما يقاطع طفلاها مكالمات العمل وتنتابها خيبة الأمل عند إبداء انزعاجها. في الوقت نفسه، لا يزال عقلها مشوش بشأن مستقبل وظيفتها، وتشعر أنها غير قادرة على التخلص من إحساسها المتزايد بالخوف وأنها شخص أقل بهجة مما كانت عليه في السابق. كما أنها تنسى الاهتمام بنفسها تماماً في الأيام التي تكون فيها مشغولة جداً.

اقرأ أيضاً: عندما يتسبب الشغف بالإنهاك الشديد (بحاجة لاشتراك)

ولا تُعتبر حالة فاطمة فريدة، فقد شعر العديد من عملائي بالاستنزاف العاطفي من بعض جوانب أعمالهم، مثل عبء العمل المرهق، والنزاعات بين الموظفين، واضطرارهم إلى التخلي عن مبادئهم، والتعرض للنبذ أو سوء المعاملة أو التحرش. ويُعتبر الحزن على فقدان الحياة الطبيعية، والمخاوف بشأن الصحة والأمن المالي، وتحديات التنقل في الحجر والعزلة، أو عدم القدرة على إيجاد وقت للراحة عوامل إضافية قد تُسفر عن تفاقم حدة التوترات أثناء الجائحة.

ويتطلب التصدّي للإرهاق العاطفي مزيجاً من ثلاثة أساليب، ألا وهي الحد من استنزاف الموارد العاطفية، وتعلم الحفاظ عليها، وتجديدها بانتظام. تخيّل أن لديك خزان وقود داخلي ومقياساً يتيح لك معرفة مدى امتلاء الخزان. قد تتسبب بعض الظروف في احتراق هذا الوقود بسرعة، تماماً مثلما يؤدي الطقس الحار أو الأرض الوعرة أو الحمولة الثقيلة أو السرعة الزائدة أو الضغط على الفرامل إلى استهلاك الغاز بمعدل أعلى من المعتاد. وللتأكد من أنك تمتلك وقوداً كافياً، يجب عليك تقليل التعرض للظروف الصعبة، والقيادة بشكل أكثر كفاءة، والتأكد من إعادة التزود بالوقود بانتظام.

الحد من الاستنزاف

تنطوي الخطوة الأولى في الحد من استهلاك الموارد العاطفية على تحديد الظروف التي تجعلك تستهلك هذه الموارد وأن تقلل من تعرضك لها، سواء كانت مواقف معينة أو مهام محددة في عملك أو علاقة ما.

وبالعودة إلى حالة فاطمة، لم تمتلك فاطمة كثيراً من الحلول التي تساعدها على تغيير الديناميات الثقافية المتغيرة في العمل أو تجنبها في أعقاب عملية الاستحواذ أو الضغوطات الإضافية التي خلقتها الجائحة والركود. لكنها أدركت أن الانخراط في محادثات مستقبلية مع زميلتها التي تنشر طاقة سلبية يزيد من قلقها، وهو ما دفعها إلى تجنّب تلك الأحاديث. فعندما تبدأ زميلتها في العمل التذمر، تُخبرها فاطمة بعدم رضاها هي أيضاً عن الاتجاه الذي تتبعه الشركة، إلا أنها تُذكّرها بأهمية التركيز على الأمور التي يمكنهما السيطرة عليها بغية أن يتحسّن أداؤهما، مثل كيفية تواصلهما مع الآخرين، ثم تشركها في محادثة حول الأمور التي تُجيدا أداءها.

كما طلبت فاطمة أيضاً من مديرها مشاركة أي معلومات يتلقاها من القيادة العليا، حتى إن كانت غير مكتملة. وأوضحت له أنها ستكون أكثر قدرة على إدارة فريقها عند امتلاكها رؤية أوضح لسير العمل في المؤسسة.

تعلّم فن الحفاظ على الموارد العاطفية

تنطوي الخطوة التالية على تعلّم العمل بكفاءة عاطفية أكبر باستخدام تقنيات تنظيم العواطف، مثل تحديد ماهية المشاعر وإعادة تقييم التجارب المثيرة للتوتر.

تستخدم فاطمة استراتيجيتين اثنتين لتقييم ما تختبره من مواقف وتحديد ماهية مشاعرها تجاه تلك المواقف بهدف الحفاظ على مواردها العاطفية. وتنطوي الاستراتيجية الأولى على تجنّب تقييم الأمور من منظورها الشخصي والنظر في السياق الأوسع لوضعها. وتذكّر نفسها أن الزعزعة السلبية التي تواجهها هي أمر طبيعي في سياق عمليات الاندماج والاستحواذ، وأن الزعزعة المتعلقة بالوباء أصبحت تجربة عالمية وليست تجربة شخصية، وأنها واحدة من العديد من الأشخاص الذين يمرّون بهذه المحنة.

وتنطوي الاستراتيجية الثانية على تمسّكها بقيمها الأساسية واستخدامها لتجاوز المواقف الصعبة. تهتم فاطمة أن تكون شخصاً صريحاً ويمكن الاعتماد عليه. وساعدناها خلال جلسة التدريب في العثور على ركائز ملموسة لهذه القيم من خلال التفكير فيما يتبادر إلى ذهنها عند التفكير في كلمات الصدق والأمانة. ووضعت ساعة قديمة أهداها لها والدها على مكتبها وهي لا تزال تعمل حتى اليوم. وتمثّل هذه الساعة بالنسبة لها الصدق والأمانة. وكلما نظرت إلى الساعة، جددت ارتباطها بتلك القيم وشعرت أنها أكثر قدرة على الظهور كقائدة إيجابية وداعمة يمكن لفريقها الاعتماد عليها.

تجديد المخزون العاطفي

تنطوي الاستراتيجية المهمة الأخرى لمنع الإرهاق العاطفي على التزوّد بمخزون عاطفي كاف. على سبيل المثال، تتواصل فاطمة مع الأشخاص في شبكتها المهنية وتجدد علاقتها معهم للتغلب على مخاوفها بشأن احتمال تسريحها من العمل. ومكّنتها هذه المحادثات من امتلاك إحساس أقوى بالانتماء إلى مجتمعها المهني، وجمع معلومات قيّمة حول الخيارات المتاحة لها، والشعور أنها شخص يمكن الاعتماد عليه وأن لديها الكثير لتقدمه؛ وأصبحت أكثر تفاؤلاً نتيجة لذلك. وعلى الرغم من أنها لا تبحث بشكل جدي عن وظيفة أخرى في الوقت الحالي، سيكون من الأفضل لها اتخاذ قرار بهذا الصدد.

ويوجد طريقة أخرى تساعد في تعزيز المخزون العاطفي، ألا وهي الانخراط في الأنشطة غير العملية، مثل التنزه أو التواصل مع الأصدقاء عبر منصة "زووم" أو ممارسة الهوايات، مثل الطهي أو الزراعة، ذلك أن هذه الممارسات تعزز الاسترخاء والانفصال النفسي عن العمل والشعور بالسيطرة والإتقان. وتتمثّل أحد التأثيرات السلبية للإرهاق العاطفي في شعورك بالتعب الشديد لدرجة أنك لا تستطيع بذل جهد لأداء الرياضة أو التفاعل الاجتماعي أو ممارسة الهوايات. لكن لا بدّ لك من بذل كل ما في وسعك لتنظيم تلك الجهود.

توصلت فاطمة وأسرتها إلى عادات إبداعية لإعادة التواصل مع بعضهم البعض بسعادة. على سبيل المثال، اعتادت العائلة على تشغيل الموسيقى كل يوم عند الساعة السادسة مساء والاستماع إليها معاً في غرفة المعيشة لمدة 15 دقيقة. وأصبحت فاطمة وعاطف يتطلّعان إلى هذا الوقت مثل طفليهما للتخلص من عوامل التوتر اليومية والضحك والتبسّم والاستمتاع بوقتهم معاً.

وتُعتبر ممارسات اليقظة الذهنية وسائل أخرى لملء المخزون العاطفي، مثل تقييم تجاربك من حين لآخر، والتركيز على أداء تمارين التنفس، وقضاء 10 دقائق في التفكير في الأمور التي تُشعرك بالامتنان، أو التطلّع إلى الأمور الإيجابية. وتُظهر البحوث أن الأشخاص الذين يتّبعون تلك الممارسات في العمل يختبرون مستويات أقل من الإرهاق العاطفي.

إن اعتماد الممارسات المذكورة أعلاه لا يعني أنك لن تعيش لحظات من التوتر والقلق، إنما ستزيد تلك الممارسات من قدرتك على التحمل ومقاومة الإرهاق العاطفي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي