عندما تحملين مسؤولية رعاية مسنين

27 دقيقة
كيف يمكن للمرأة تدبير أعمالها عنمدا تتولى رعاية المسنين؟
shutterstock.com/Robert Kneschke

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع آن باردول (Anne Bardoel) أستاذة في كلية إدارة الأعمال بجامعة سوينبورن (Swinburne Business School) حول مسؤوليات المرأة العاملة، وتحديداً المرأة العاملة ورعاية المسنين.

نقدم لكم هذا الموضوع عبر المدونة الصوتية "النساء في العمل" (Women at Work):

يمكنكم الاستماع إلى هذه المدونة والاشتراك فيها عبر "آبل بودكاستس" (Apple Podcasts) | و"جوجل بودكاستس" (Google Podcasts) | و"آر إس إس" (RSS)

وفقاً للأبحاث، مهمة الاهتمام بأحد أفراد العائلة المريض أو المسن لا تزال في معظم الأحيان تقع على عاتق المرأة. إذ تلقي هذه المهمة بجهدها العاطفي وعدم القدرة على التنبؤ بالأمور المتعلقة بها عبئاً ثقيلاً على مَن تقدم هذه الرعاية، فهي تؤثر على حالتها الصحية والمالية والمهنية. صحيح أن الشركات أبدت تحسناً في الاعتراف برعاية الأطفال واستيعابها، ومن الممكن أيضاً أن تقدم دعماً ومرونة أكبر لموظفيها كي يتمكنوا من رعاية أشخاص بالغين.

نتحدث في حلقتنا هذه مع آن باردول بشأن ما تقوله الأبحاث عن المرأة ورعاية المسنين. فقد مرت بهذه التجربة بنفسها، وهي تقدم لنا استراتيجيات تساعد على تجاوز آثارها السلبية كالإرهاق والعزلة والاكتئاب. كما تقدم بعض النصائح للموظفين والمدراء بشأن كيفية البدء في إجراء محادثات عن الالتزامات المتعلقة بتقديم الرعاية. ثم سنسمع تجربة امرأة انغمست في رعاية والديها ووالدي زوجها في وقت أبكر مما كانت تتوقعه.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص:

إيمي بيرنستين: أنتم تستمعون إلى المدونة الصوتية "النساء في العمل"، من هارفارد بزنس ريفيو. أنا إيمي بيرنستين.

نيكول توريس: وأنا نيكول توريس.

إيمي غالو: وأنا إيمي غالو. يتولى أغلبنا رعاية شخص بالغ في إحدى مراحل حياتنا المهنية. قد يكون أحد الوالدين المصاب بداء باركنسون، أو زوجاً يتلقى علاجاً كيميائياً، أو صديقاً أصيب بسكتة دماغية، وفي بعض الأحيان نجد أننا سنضطر لرعاية شخص مسن قريباً، فنتمكن من التخطيط له مسبقاً، ولكن في أحيان أخرى يحتاج إلينا الآخرون بصورة مفاجئة ولا تكون لدينا إمكانية تقديم الرعاية.

إيمي بيرنستين: غالباً ما تتضمن رعاية المسنين كثيراً من المحادثات والقرارات والمسؤوليات الصعبة، فهي أشبه بالعمل في وظيفة ثانية، حيث يلقي العمل الإضافي عبئاً ثقيلاً علينا، وفي وظائفنا نتقاضى عليه أجراً. ولهذا السبب سنتحدث اليوم عن كيفية التأقلم مع تقديم الرعاية للمسنين، سواء كنت أنت من تقدمين الرعاية أو كانت إحدى زميلاتك في الفريق.

نيكول توريس: وضيفتنا الخبيرة هي آن باردول، الأستاذة في كلية إدارة الأعمال بجامعة سوينبورن في مدينة ملبورن. لم أتمكن من حضور المقابلة، لذلك أترك الحوار الآن لزميلتيّ إيمي بيرنستينوإيمي غالو.

إيمي غالو: مرحباً آن. أنا إيمي غالو.

إيمي بيرنستين: وأنا إيمي بيرنستين. إذن، سنبسط الأمر لكِ.

آن باردول: شكراً لك.

إيمي بيرنستين: كلتا مضيفتيك اسمهما إيمي.

آن باردول: وبذلك لن أنسى اسميكما.

إيمي غالو: هذا صحيح.

إيمي بيرنستين: بل يمكنك.

إيمي غالو: وحينها ستجيبك إحدانا.

آن باردول: نعم.

إيمي بيرنستين: فلنبدأ بكيفية دخولك إلى هذا المجال. ما الذي أدى بك إلى إجراء بحث عن رعاية المسنين؟

آن باردول: لطالما كنت مهتمة بالبحث في القضايا المتعلقة بالحياة المهنية وتحقيق التوازن بين العمل والأسرة. فكانت لدي خلفية عن الموضوع، ولكن كان هناك سبباً شخصياً معيناً دفعني للاهتمام بالبحث في قضية تقديم الرعاية. بدأ الأمر فعلياً في إحدى ليالي الجمعة، عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً لإعلامي بوفاة والدي إثر نوبة قلبية حادة. ووجدت نفسي فجأة مسؤولة عن رعاية والدتي، التي كانت تعاني من مرض ألزهايمر، بالإضافة إلى أخي المصاب بالتوحد ولا يستطيع العيش مستقلاً، وكان يعيش مع والديّ. وبذلك، في لحظة واحدة أصبحت مسؤولة عن رعاية شخصين مهمين للغاية بالنسبة لي، أمي وأخي.

إيمي غالو: وكيف ربطت تجربتك ببحثك؟ ما هي الأسئلة التي كنتِ تبحثين عن إجاباتها من أجلك ومن أجل الآخرين، ولأجلها أجريتِ هذا البحث؟

آن باردول: أحد الأمور التي اتضحت لي كانت عدم وجود كثير من الأبحاث حول هذا الموضوع، لا أقول أنه لا توجد أبحاث عن المشكلات المتعلقة بتقديم الرعاية ورعاية العائلة، وإنما هناك نقص في الأبحاث التي تدرس ما يمر به من يقدم الرعاية، وكيف يرتبط التزامه بالرعاية بمشكلات مثل الاكتئاب الذي عانيت منه أيضاً. كان أحد أسباب اكتئابي هو فقدان أبي الذي كنت أحبه كثيراً، بالإضافة إلى رؤية أمي التي كانت مدرسة لغة إنجليزية لطلاب المرحلة الثانوية، وهي تنجرف إلى أعماق مرض ألزهايمر. ولذلك أردت أن أعرف الأبحاث التي تدرس قضايا تقديم الرعاية، ووجدت بعضاً منها يتناول قضية "الجيل الوسط"، أي الأشخاص الذين يعولون أطفالاً بالإضافة إلى مسؤوليتهم عن رعاية أحد الوالدين. ولكن لم يكن هناك كثير من الأبحاث التي تدرس تقديم الرعاية لشخص واهن أو مصاب بمرض كألزهايمر، أو تدرس اهتمامك بفرد بالغ من العائلة يعتمد عليك لإعالته، مثل أخي. ليس هناك كثير من الأبحاث التي تدرس هذه الحالات وتناقشها، وهذا ما أثار اهتمامي بالأمر.

إيمي غالو: أفهمك.

إيمي بيرنستين: إذن، كيف أثر اهتمامك بوالدتك وأخيك على حياتك المهنية؟

آن باردول: كان ذلك مثيراً للاهتمام، لأني وجدت نفسي فجأة قبالة مجموعة كبيرة من الأمور العملية التي يجب التعامل معها عندما أُقحمت في عالم الرعاية المكثفة، ولم يكن لدي إخوة آخرون لمساعدتي. وأتذكر أني كنت أتقدم آنذاك بالصدفة للتوظيف في منصب أستاذ جامعي في جامعة أخرى. ثم تلقيت تلك المكالمة ليلة الجمعة، وكان من المفترض أن أذهب إلى مقابلة عمل الأسبوع التالي. أتذكر أني تحدثت إلى رئيس القسم الذي قال: "نحن بحاجة حقاً لمن يستطيع البدء بالعمل مباشرة وبكل حماس وشغف والتركيز جيداً على عمله". وأتذكر أني فكرت أنه من غير الممكن إطلاقاً أن أبدأ بالعمل مباشرة، لست في وضع يسمح بذلك. لذلك سحبت طلب التقدم لذاك المنصب تحديداً، وأنا أعتقد أني كنت أتمتع بفرص قوية للحصول عليه. وواجهت بعد ذلك صعوبات في عملي في إجراء الأبحاث على مدى 12 شهراً، واجهت جميع الصعوبات المتعلقة بالجوانب العملية بكل معنى الكلمة. فهناك صعوبات مالية وطبية وترتيب سكن لأخي يناسب حاجته للمساعدة. لم أكن أتمتع بالطاقة الكافية للقيام بأكثر من عملي اليومي الاعتيادي، فما بالك بعملي الآخر في رعاية شخصين بالغين متكلين عليّ كلياً.

إيمي غالو: صحيح.

آن باردول: وللأسف، توفيت أمي منذ عدة أعوام، ولم يعد لدي شخصين أعتني بهما، ولكن لدي أخي الذي يعاني من مشكلات في صحته العقلية بالإضافة إلى إصابته بالتوحد. إذن، على سبيل المثال، تلقيت اتصالاً الأسبوع الفائت لاستدعائي، لأن أخي بيتر كان يعاني من بعض المشكلات. وبالطبع، يجب علي ترك كل شيء كي أتمكن من الذهاب إليه، والأمر الجيد في العمل الأكاديمي هو أنه يتمتع بقدر لا بأس به من المرونة. ولذلك، تمكنت من الذهاب لرؤية أخي. ولكني أعتقد أنه في الوظائف التي لا تتمتع بالقدر نفسه من المرونة، سيكون من الصعب ترك كل شيء والذهاب لتقديم المساعدة في أمور كهذه.

إيمي غالو: وهل هذا ما تستكشفينه في بحثك؟ أن النساء أو الموظفين عموماً يواجهون صعوبات في حياتهم المهنية باعتبارها نتيجة حتمية للمسؤولية التي يحملونها على عاتقهم في رعاية أفراد بالغين من العائلة؟

آن باردول: أجل، هناك بعض الأدلة بالتأكيد، أعلم أن المؤسسة غير الربحية "كيررز أستراليا" (Carers Australia) قد جمعت عدداً من الإحصاءات. وما وجدوه هو أنه إذا كان شخص ما يتحمل مسؤولية رعاية طفل أو بالغ ذي احتياجات خاصة أو زوج/زوجة، وغالباً ما يكون هذا الشخص امرأة، فهي تضطر لترك العمل. ليس دائماً بالطبع، ولكن هذه إحدى المشكلات التي وثقتها منظمة "كيررز أستراليا" بكل تأكيد.

إيمي غالو: ممم، ذكرت أنهن غالباً من النساء. ينتابني فضول لمعرفة ما إذا تمكن بحثك أو غيره من الأبحاث من معرفة سبب ذلك. لماذا تقع المسؤولية في أغلب الأحيان على عاتق المرأة؟

آن باردول: حسناً، أعتقد أن ذلك بسبب الأمور التي أعلم أن كليكما تعرفونها، المتعلقة بالقوالب النمطية والمعايير الجنسانية، وأن النساء هن غالباً من يقومن بتقديم الرعاية لأفراد العائلة. يمكنني التحدث عن النتائج الأسترالية فقط، ولكني واثقة أنها ستكون مماثلة في الولايات المتحدة وأوروبا كذلك. وفي هذه النتائج، عندما بحثنا عمن يقوم بالرعاية فعلاً، كانت المرأة في 90% من الحالات هي من تتحمل مسؤولية تقديم الرعاية. وعندما لا تكون كذلك، يكون الزوج مسؤولاً عن تقديم الرعاية لزوجته.

إيمي بيرنستين: أعلم أن هذا هو الحال منذ أعوام طويلة، ولكن هل تلاحظين أي تغير؟ فنحن نعلم أن الآباء أصبحوا يأخذون على عاتقهم المزيد من مسؤوليات تربية الأطفال مثلاً. فهل تلاحظين تزايد مساهمة الرجال في رعاية المسنين؟

آن باردول: للأسف لا، وذلك بحسب نتائج الاستبانة الأسترالية التي كنت أعمل على تحليلها والتي أجريت بناء على استبانة "هيلدا" (HILDA Survey)، وهي قاعدة بيانات ضخمة، ولكن لا شك أن الرجال يتحملون مسؤوليات أكثر خاصة برعاية الأبناء، إلا أننا لا نرى هذه الزيادة على مستوى رعاية المسنين بعد. وفي أستراليا، وجدنا أن هناك نسبة عالية من النساء اللاتي يعملن بدوام جزئي فعلاً، وبذلك تصبح لديهن إمكانية أكبر لتقديم الرعاية. في الواقع، تتصف أستراليا بأن لديها إحدى أعلى نسب النساء العاملات بدوام جزئي، وأعتقد أنها تأتي ثانياً بعد هولندا، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ربما كان ذلك مجرد اختلاف بسيط في الآلية عن الحال في الولايات المتحدة، وحتى عندما تفحصت بعض الدراسات الدولية، وجدت أنها تعكس حقيقة أن النساء على الأغلب هن من يقدمن الرعاية، وبالتحديد فيما يخص رعاية المسنين.

إيمي غالو: لقد تحدثت عن أثر ذلك على حياتك المهنية. يصعب تخيل أن العمل في عملين بدوام كامل معاً لن يؤثر على عملك الأساسي، ما الذي يظهره بحثك بشأن طبيعة هذا الأثر؟

آن باردول: لقد بدأنا ببعض الأبحاث النوعية، ولم ننته منها بعد كي أكون صريحة، وما تظهره هو ما يسمى "فتور همة المتعاطفين" (compassion fatigue). وأنا أعلم بكل تأكيد أني أمر به في بعض الأحيان، حيث أشعر برغبة في أن يعتني بي أحدهم لبعض الوقت. في الواقع، ما نحاول استخلاصه هو التمييز بين الآثار المترتبة على مختلف أنواع علاقات الرعاية والشعور بالاكتئاب. وقد وجدنا عدة أمور، وهي أن المرأة التي تحمل مسؤولية رعاية الزوج أو الأبناء البالغين تزيد احتمالات معاناتها من مستويات كآبة أعلى من المرأة التي تعتني بوالديها. وأحد الأمور التي أفسر بها ذلك هي حقيقة أن المرأة التي تحمل مسؤولية رعاية الزوج غالباً ما تجد نفسها وحيدة ومنعزلة، وهذا ما رأيته يحدث لوالدي الذي حمل على عاتقه مسؤولية رعاية والدتي، فمن الصعب مرافقة الزوج/ الزوجة إلى فعاليات اجتماعية وهو/هي يعاني من مرض ألزهايمر في مراحله المتقدمة. أولاً، لأن ذلك يكون مربكاً للغاية للزوج/الزوجة الذي يعاني من مرض مرتبط بفقدان الذاكرة، ثانياً، قد يكون محرجاً في بعض الأحيان، وهذا ما عانى منه أبي. وينطبق الأمر ذاته بالنسبة للابن البالغ.

إيمي غالو: أجل. لقد ذكرت "فتور همة المتعاطفين"، وكنا قد تحدثنا في حلقة ماضية عن الأمهات العاملات وناقشنا كيف أن رعاية الأطفال الصغار تغني الحياة المهنية للمرأة لأنها تجعلها أكثر تعاطفاً تجاه الموظفين الذين يعملون معها. ومما سمعته منك، أجد أن رعاية شخص بالغ على هذا النحو، وبالأخص عندما تقدمينها لأحد الوالدين أو أخ مريض على سبيل المثال، هو أمر يستنفد مواردك كثيراً، وليس أمراً يغني حياتك المهنية.

آن باردول: أجل. برأيي هو لا يغنيها بالصورة التي تصفينها فيما يتعلق برعاية الأطفال. أعتقد أن أحد الأمور التي تعلمتها من رعاية أطفالي، والتي يمكنني تطبيقها بلا شك في مكان العمل، هي مهارة الصبر إن جاز التعبير. لا أعتقد أني كنت امرأة صبورة قبل أن أرزق بأطفالي، ولكني بالتأكيد تعلمت كيف أكون صبورة، لأننا قد نصاب بالجنون إن لم نتحلى بالصبر.

إيمي غالو: بالضبط.

آن باردول: هناك ما تكتسبينه من رعايتك لأحد والديك المسنين. أعتقد أني أصبحت اليوم أكثر تعاطفاً من أي وقت مضى مع الأشخاص ذوي الاحتياجات المختلفة. وأدركت أننا غالباً ما نتحدث مع زملائنا في العمل عن أطفالهم، ولكننا لا نتحدث عن والدينا، وعن مرضهم وشيخوختهم، أو عن أخ مصاب بالتوحد أو أياً كان مرضه. لذلك أدركت أن الموظفين يأتون إلى العمل مثقلين بكثير من الأمور التي لا نعرف عنها شيئاً. وهذا هو التعاطف الذي سيرافقك إلى العمل من رعايتك لأحد والديك أو لشخص بالغ مريض.

إيمي غالو: صحيح.

إيمي بيرنستين: إذن، فرعاية أحد الوالدين لا يجب بالضرورة أن تقوم به المرأة في مرحلة منتصف العمر، بل يمكن أن تكون في عمر أصغر. وبالنسبة للمرأة التي تقدم الرعاية لأحد والديها المسنين، غالباً ما تكون في مرحلة من مسيرتها المهنية حيثما توصف بأنها ذات إمكانات عالية، وتبذل قصارى جهدها لتحقيق نجاح مهني حقيقي. هل لديك ما تقولينه عن ذلك؟ هل هناك ما لاحظته؟

آن باردول: أجل. في الحقيقة يصبح الأمر في غاية الصعوبة، هذا هو الواقع. إذ يتوجب عليك تقديم الرعاية وأنت في هذه المرحلة من مسيرتك المهنية، وذلك من بداية الثلاثينات حتى الخمسينات من العمر، وغالباً ما تكونين قد أسست لنفسك مسيرة مهنية، وربما كنت في بداية مرحلة تنشئة الأطفال وعندما تجدين أن الفرص أصبحت متاحة أمامك، تجدين نفسك فجأة مجبرة على الاعتناء بقريب مسن. ولا يمكنك رفض الاعتناء به، بل هو أمر واجب عليك. وحتى إذا كنت في مكاني، حيث كانت أمي مقيمة في مركز رعاية رائع، ولكني كنت أزورها كل يوم، وكنت أنا المسؤولة عن أمورها المالية وعن أخذها إلى الأخصائيين ومواعيد زيارة الأطباء وما إلى ذلك، ليس هناك طريقة سهلة للقيام بهذا العمل، ولا يمكنك توكيل أحد للقيام به، بل يجب عليكِ القيام به بنفسك.

إيمي بيرنستين: إذن ما هي النصيحة التي توجهينها للنساء الأصغر سناً اللاتي يمررن بالتجربة ذاتها؟

آن باردول: هناك عدة أمور، أحدها هو أمر لم أفعله، ولكني كنت أتمنى دوماً لو أني فعلته، وهو أن تتكلمي مع والديك عما يريدونه في المستقبل إذا ما احتاجوا إلى مساعدة أكبر لرعايتهم. فأنا لم أتحدث إليهم بهذا الشأن قط، ووجدت نفسي فجأة في وضع اضطررت فيه لتقديم الرعاية لأمي. والأمر الآخر مرتبط نوعاً ما ببحثي عن قدرة التحمل، فبالنسبة لمعظمنا، يستمر العمل بتقديم الرعاية لمدة عامين أو عام واحد. ولذلك، أنصح بقبول الوضع الذي نجد أنفسنا فيه وهذا سيسهل الأمر قليلاً، لقد حظيت بمساعدة ودعم زوجي، وكان رائعاً، ولكن مع ذلك، كانت تلك أمي التي توجبت علي رعايتها، وهي كانت تريدني أنا، وليس أي شخص آخر. لذلك، أنا سعيدة أني ابتعدت قليلاً عن مسيرتي المهنية لفترة من الزمن، أعني، لقد تمكنت من البقاء في عملي، ولكني سعيدة لأني قضيت ذاك الوقت مع أمي. إذ كانت تستعيد ذاكرتها ولو لفترات قليلة بين الحين والآخر، قد يستمر ذلك نصف دقيقة أو دقيقة، ولكن كان من الجميل رؤيتها عندما تعود من سديم مرض ألزهايمر.

إيمي غالو: أجل. لقد تحدثت عن مساعدة ودعم زوجك لك، وتبدو لي هذه نصيحة أخرى، أن تحصلي على الدعم العاطفي، أو على الأقل الدعم اللوجستي، أينما كنتِ.

آن باردول: لقد أثرتِ نقطة جيدة حقاً، إيمي، لقد كان لدي عدة أصدقاء ممن كانوا داعمين للغاية، وكنت أتحدث إليهم في بعض الأحيان وأبكي وأنفّس عما في داخلي من ضيق لهم. عندما كانت أمي في آخر أيام حياتها، وكانت مريضة للغاية، كنت أخرج من زيارتها وأجلس في سيارتي وأبكي كثيراً، لأني كنت أرى هذه المرأة التي كانت شديدة الذكاء أصبحت الآن لا تتذكر أي شيء. وكان لدي بعض الأصدقاء الذين كنت أتصل بهم وأتحدث إليهم عن الأمر، ولذلك أعتقد أن ما قلته عن إحاطة نفسك بالأشخاص الذين يمكنهم منحك هذا الدعم هو جزء مهم أيضاً، مع القدرة على مشاركة مشاعرك مع الأصدقاء. ولكن يبدو أني كنت أول شخص في مجموعة الأصدقاء هذه الذي يمر بتجربة تقديم الرعاية لقريب مسن. واليوم، يمر أصدقائي أنفسهم بهذه التجربة، وأنا أقدم الدعم لواحدة منهم على وجه الخصوص كما كانت هي تدعمني في السابق.

إيمي غالو: يدفعني ذلك في التفكير فيما إن كنتِ تودين أخذ إجازة أمومة مثلاً، هل ستجدين حينها دعماً كبيراً من جميع الموظفين؟ فأغلب الشركات تتوقع أن تقع مسؤولية رعاية الأطفال على عاتق المرأة في مرحلة ما، ولكن يبدو أن هذه الشركات لا تفترض أن المرأة قد تضطر إلى تحمُّل مسؤولية رعاية شخص بالغ وقد لا تكون مستعدة لهذا بكل تأكيد. ما السبب في ذلك؟

آن باردول: أوافقك الرأي، ليست هذه الأمور ضمن نطاق تفكير الشركات في كثير من الحالات. هناك فئة سكانية متقدمة في العمر في الولايات المتحدة وأستراليا على حد سواء، وهي موجودة، لن تزول، ولذلك سنجد عدداً متزايداً من الموظفين الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية رعاية شخص مسن أو شخص بالغ واهن أو مريض يعتمد عليهم، ودور الأصدقاء في هذه الحالة مهم. لذا يجب علينا التعامل مع هذا الأمر، وأحد أهم الأمور التي يحتاج إليها الموظف في هذه الحالات عادة هو "الرعاية حسب الحاجة" أو الرعاية الطارئة، ما يعني أن يضطر لأخذ إجازة في أي وقت كان. لأنه لا يمكن توقعها عادة، فمن الممكن أن تبدئي يوم عمل اعتيادي دون أن تعرفي ما إن كنتِ ستضطرين للذهاب وتقديم الرعاية لذاك الشخص في هذا اليوم. سأخبركم بمثال على ذلك، وهو ما حدث مع أخي الأسبوع الماضي، لم أكن أعلم ذاك الصباح أنني سأضطر لمغادرة العمل والذهاب لرؤيته، وهذه هي الرعاية حسب الحاجة التي أتحدث عنها. وستفهمين الأمر إذا كنتِ تعملين في مؤسسة ثقافتها تدعم الموظف بصورة شاملة، أي أنه يجب على الموظف تكريس نفسه بالكامل للعمل. ونجد أن الشركات الصغيرة عادة أفضل من الكبيرة فيما يتعلق بهذا الأمر، لأن مديرك يعرفك ويعرف أن والدتك مريضة أو أن أباك مريض أو مهما يكن، وبالتالي سيقدم لكِ الدعم اللازم.

إيمي غالو: ينتابني فضول بشأن المحادثة التي يجب إجراؤها مع رب العمل. متى يجب علينا إجراء هذه المحادثات؟ فلننظر إلى حالتك على سبيل المثال، فقد تلقيت الاتصال فجأة ليل الجمعة، هل تتمنين لو أنك تحدثت مع أحد في العمل بشأن هذا الأمر بصورة مسبقة؟

آن باردول: أجل، هذه نقطة مهمة، وفكرت بها فعلاً. ولكني لا أعرف الجواب حقاً، أعتقد أنه سيكون من الأسهل على الموظفين لو أن شركاتهم تأخذ هذا الأمر في الاعتبار عند الحديث إلى موظفيها. لا بأس من إجراء هذه المحادثة، وإعلام الشركة أن الرعاية لا تتعلق برعاية الأطفال فقط، وإنما من الممكن أن تكون أوسع من ذلك. وأعتقد أن هذه المحادثة كانت ستسهل عليّ الأمور في العمل. دعيني أسوق لك مثالاً، في عملي الجديد الآن، أتذكر أن مديرتي قالت ذات مرة: يسعدني أن أتعامل بمرونة إذا ما واجه أحدكم مشكلة تتعلق بالعائلة يوماً. من الضروري أن يخبر المدير موظفيه أنه يدرك أنهم يأتون إلى العمل مثقلين بمسؤوليات خارجه. وهذا ما يمكن أن يسهل فتح الموضوع معه أيضاً.

إيمي بيرنستين: وأيضاً، إذا كنت مديرة وتعرفين أن إحدى الموظفات تمر بهذا النوع من المشكلات، سيكون توضيح أنه بإمكانك التعامل معها بمرونة ومساعدتها لتتمكن من تقديم الرعاية للشخص الذي يحتاج إليها أياً كان، هو بمثابة رسالة موجهة للمؤسسة بأكملها.

إيمي غالو: صحيح. لأن الجميع يعرفون أنك تعاملتِ بهذا الشكل مع تلك الموظفة، وبذلك فإن الباب مفتوح أمام الجميع.

آن باردول: بالتأكيد.

إيمي بيرنستين: صحيح. هذا الأمر صعب، لأنه ليس بإمكانك التحدث عن مشكلات الموظفين الشخصية.

إيمي غالو: بالتأكيد. ولكن المعلومات تنتشر فيما بينهم.

إيمي بيرنستين: ونحن نود أن ينتشر هذا النوع من المعلومات تحديداً.

إيمي غالو: أجل. أفكر بما قالته مديرتك، يا آن، ولا أتذكر أن أي مدير قال لي الشيء ذاته من قبل. المديرة التي قالت: إذا كانت هناك أي احتياجات عائلية تتطلب مرونة في العمل، أرجو أن تخبروني بذلك. أتذكر أني طلبت مرونة أكبر في العمل، ولكن لا أتذكر ما إن كان هناك أي مدير قال ذلك بصورة استباقية.

آن باردول: يمكنني القول بصراحة إنها المرة الأولى في مسيرتي المهنية التي أرى فيها مديراً يقول ذلك على الملأ. وهي مديرة مذهلة حقاً، ولتصرفها هذا أثر كبير فعلاً. وهو أمر غير تقليدي. وليس الأمر متعلقاً بحاجتك إلى هذه المرونة لأنك في هذا الوضع، وإنما بامتلاك شعور أفضل تجاه المكان الذي تعملين فيه، وأن الدعم موصول للموظفين الآخرين أيضاً.

إيمي بيرنستين: أجل.

آن باردول: وهناك أمر آخر أود قوله هو أن الحاجة إلى المرونة تكون على مدى فترة قصيرة من الزمن، أقصد أنها ضرورية كي تتمكني من التفكير وتنظيم أمورك، وهذا ما حصل معي. فقد كان عليّ تنظيم بعض الأمور العاجلة، وما أن نظمت أموري كلها ورتبتها ضمن نمط أكثر ثباتاً يسير وفق نظام محدد، لم أعد بحاجة إلى استمرار المرونة في العمل. هذا ما أقوله فيما يتعلق بالعلاقة بين الموظف والمدير. غالباً ما يكون الأمر متعلق بالمرونة في العمل على المدى القصير، وليس بالضرورة أن يستمر إلى الأبد.

إيمي غالو: صحيح. وما سمعته من الموظفات الآخريات هو أنهن لا يحتجن في بعض الأحيان سوى إلى قدر ضئيل جداً من التكيُّف. فمنهم، على سبيل المثال، من تحتاج إلى مغادرة العمل باكراً يوم الجمعة كي تتمكن من قطع مسافة طويلة للذهاب إلى مكان تواجد والديها أكثر من مرة واحدة في الشهر. فلا يلزم إعادة وضع جدول العمل بأكمله.

آن باردول: أجل، بالضبط. وإنما قد يكون أمراً معيناً يجب القيام به فحسب. وقد يتعلق ذلك من الناحية الآنية بحاجة أحدهم إلى إجازة لمدة أسبوع، ولكنه عموماً يتعلق بمجموعة الأمور الصغيرة التي يمكنك فعلها لأحدهم. وقد علمنا من خلال إجراء البحث أنه عندما تمنحين موظفيك درجة من المرونة، أو نوعاً من الدعم، سيقابلون معروفك بزيادة اندماجهم في العمل وارتباطهم بالشركة.

إيمي غالو: أجل. ذكرت أنك منحتِ العائلة الأولوية، وهو ما استدعى انسحابك بعض الشيء من حياتك المهنية، ولكنك ذكرت أيضاً أنك بقيت في عملك رغم ذلك، ينتابني الفضول، كيف تمكنت من فعل ذلك؟ وهل هو أمر تنصحين به الموظفات اللاتي ينتقلن إلى العمل بدوام جزئي أو يطلبن هذه الترتيبات المرنة، هل تنصحينهن بالانسحاب؟

آن باردول: لا لم أنسحب كلياً، وفي الحقيقة كنت سعيدة بالعمل أيضاً، رغم أنه كان صعباً بعض الشيء ولكنه كان ملاذاً لي من كل ما كان يجري في حياتي. كما أن العمل الأكاديمي ممتع ومجزي. لذلك أنا أرى أني كنت محظوظة حقاً لأن وظيفتي بحد ذاتها تتمتع بدرجة كبيرة من المرونة، إذ كان بإمكاني الحفاظ على تواصلي مع العمل من خلال على الأقل إلقاء بعض الدروس وما شابه، وكان هذا أيضاً نوعاً من الدعم النفسي. كان الاستمرار بالعملين معاً شاقاً، ولكن بقائي في عملي الأساسي كان عاملاً مساعداً.

إيمي غالو: صحيح. ويبدو لي هذا الأمر متصلاً بما ذكرته قبل قليل عن إدراك أن هذا الوضع مؤقت. فترك العمل أو المسيرة المهنية كلياً وافتراض أنها أصبحت من الماضي هو خطأ لأن هذا الوضع ليس دائماً.

آن باردول: أجل، لا أنصح أحداً بترك عمله نهائياً إذا كان يستمتع به حقاً. بل حاولي إجراء الترتيبات اللازمة كي تحصلي على بعض المرونة التي ستحتاجين إليها أثناء هذه الفترة القصيرة. كما أن المرونة مطلوبة لأنك تحتاجين فترة للتأقلم مع الوضع الجديد أيضاً. لقد كانت الفترة الأولى من عنايتي بأمي صعبة للغاية، لأن أبي كان غالباً يخفي سوء وضعها الصحي، ولم أعرف عنه شيئاً إلى أن اكتشفت ذلك بنفسي، وعرفت قدر تأثير فقدان الذاكرة عليها، فمررت بفترة من الحزن على الوضع الصحي الذي أصبحت أمي عليه. وهذ موقف صعب، حقاً.

إيمي غالو: أجل.

إيمي بيرنستين: ولكن هناك بعض النساء اللاتي لن يفعلن ما فعلته أنت، فمنهن من ستضطر إلى ترك عملها كلياً أو بشكل جزئي من أجل الاعتناء بأحد والديها، وهذا يعني بالنسبة للبعض التخلي عن أحلامهن وطموحاتهن المهنية. كيف برأيك يجب عليهن التعامل مع خيبة الأمل والإحباط الناتجين عن ذلك؟ لأنهن سيقدمن تضحية، وسيكون هذا الأمر شاقاً عليهن. ما الرسالة التي ترغبين في توجيهها لهن؟

آن باردول: يا إلهي، هذا سؤال صعب حقاً. أنا أدرك أني كنت محظوظة لتمكني من البقاء ضمن القوة العاملة في أثناء مروري بهذه الظروف، ولكن لن يكون الحال هكذا مع الجميع، هذا مؤكد. فليس بالضرورة أن يحظى الجميع بوظيفة تمنحهم قدراً من المرونة، وأعتقد أن أول ما يمكنك فعله في هذه الحالة هو التفاوض مع رب العمل على شروط عمل أكثر مرونة وما إلى ذلك. ولكن إذا لم يكن ذلك ممكناً وكان يجب عليك الانسحاب فعلاً من العمل، فسيكون هذا الأمر صعب جداً، ولكن ما أود قوله هو أني لست نادمة على العناية بأمي، ولست نادمة على العناية بأخي، وأعتقد أني لو لم أعتن بهما لقضيت عمري نادمة على ذلك. وأعتقد أن ما يجب فعله مع المؤسسات هو أن نخبرهم صراحة بما نحتاج إليه في هذا الوضع، وأن يكون خيار الانسحاب من العمل هو آخر ملجأ لنا، وأنا أفضل الصمود والمطالبة بما أحتاج إليه. فقد كنت موظفة جيدة، وهذا ما أحتاج إليه الآن، هل يمكنكم الموافقة على ذلك لأجلي؟ أما فيما يتعلق بالانسحاب إذا اضطررنا له، فأنا أراه أمراً شديد الصعوبة، ولن يكون سهلاً أبداً.

إيمي غالو: أعتقد أن هذه المحادثة مفيدة جداً، فوالديّ انفصلا وتزوجا أكثر من مرة، وكذلك الأمر بالنسبة لوالدي زوجي، أي أننا في المحصلة لدينا سبعة آباء مجتمعين. بطريقة ما، أشعر أن هذه المسؤولية تلوح في الأفق، ومن المفيد أن نبدأ بالتفكير بشأن ما ستعنيه بالنسبة إلينا من الناحيتين المعنوية والمهنية. صحيح أنها تبدو لي نوعاً من المجهول، ولكن من المفيد أن أفكر بها من الآن.

آن باردول: بما أني مررت بالأمر، أقول لك أن تبدئي بالتفكير في الأمر قبل أن تواجهينه فعلاً، فقد اضطررت لمواجهته على حين غرة، وأعتقد أن إجراء هذه المحادثات مع أفراد العائلة مسبقاً هو أمر ضروري حقاً. كما أن هناك جوانب عملية تتعلق بالتوكيلات والإجراءات المالية، وكيفية تعاملك مع أشقائك الآخرين، وما نوع المساعدة الفعلية التي ستتوفر لك؟ هل تريدين أن يذهب من تعتنين به إلى أحد المراكز التي تقدم هذا النوع من المساعدة؟ كما أن هناك أنواعاً مختلفة من ترتيبات الرعاية، والبحث في هذه الأمور وأخذها بعين الاعتبار هو أمر غاية في الأهمية برأيي.

إيمي غالو: إذن لديّ الكثير من العمل لأقوم به.

إيمي بيرنستين: أعتقد أن ما يمكننا فهمه من هذا الكلام، هو أننا قد نمر بهذه التجربة، ويجب أن نستعد لها عاطفياً. ويجب علينا التخطيط لها، ويجب علينا التفكير بالنفقات الطارئة وإجراء المحادثات بصورة مسبقة مع الوالدين وأفراد العائلة الآخرين والشركة التي نعمل فيها، مع المدير والفريق لإيضاح الصورة لهم. وهذا أمر مفيد جداً. لن يجعل الأمر سهلاً، ولكنه يخفف من صعوبته شيئاً بسيطاً.

إيمي غالو: أجل. وأعتقد أنه من الممكن أيضاً البحث عمن مروا بهذه الظروف في الشركة ومعرفة الأمور التي ساعدتهم على تجاوزها. فأنا أفكر بمن نعمل معهم هنا يا إيمي، ويمرون بظروف مماثلة، وهذا يدفعني إلى التفكير بأنه يجب عليّ التحدث معهم ومعرفة الأمور التي ساعدتهم على تجاوز المحنة، بالإضافة إلى تقديم بعض الدعم لهم إن أمكن.

آن باردول: أعتقد أن فتح المحادثات بهذا الشكل أمر ممتاز، وهو في غاية الأهمية. وقد اكتشفت أني منذ مروري بهذه الظروف أجريت عدداً كبيراً من هذه المحادثات، ووجدت عدداً مذهلاً من الموظفين الذين يمرون بتجارب متنوعة مرتبطة بتقديم الرعاية. كان لدى أحد زملائي طفلاً يعاني إعاقة شديدة، وبدأت بالتحدث إليه عن الأمر دون أن أدرك أياً من المشكلات التي تواجهه في عنايته بهذا الطفل. وقد بلغ طفله في الوقت الحالي 17 عاماً، وفي هذا العمر في أستراليا يبدأ ما تحصل عليه من دعم من بيئة المدرسة والحكومة بالتناقص، وهو يعاني من ذلك، ولكني أعتقد أن مجرد التحدث إليه قدم له نوعاً ما من المساعدة والدعم، لأنه من دون هذه المحادثات سيشعر بالوحدة والعزلة.

إيمي غالو: صحيح. حسناً يا آن، لقد بدأ الوقت ينفد منّا، ولكن نشكرك جزيل الشكر على مشاركة تجربتك وبحثك معنا. لقد كان ذلك مفيداً حقاً.

آن باردول: كان التحدث إليكما رائعاً، شكراً جزيلاً. وشكراً لطرح هذا الموضوع في برنامجكم، لا أعتقد أنه سيُنسى بعد الآن.

نيكول توريس: لقد تحدثنا عن مدى صعوبة الاعتناء بالأطفال والوالدين على حد سواء مع العمل في وظيفة يومية. منذ عقد من الزمن، كانت إحدى مستمعاتنا واسمها لورا في بداية مسيرتها المهنية، واضطرت لرعاية شخص مسن بالإضافة إلى اعتنائها بأطفالها. وكان يجب عليها اكتشاف طريقة لتدبر أمرها في خضم كل ذلك.

لورا: ليس لدينا وضع عائلي خاص أو مميز، ولم يكن الأمر مأساوياً بأي شكل من الأشكال، إنه وضع طبيعي، ولكنه مع ذلك شاق وينطوي على تحديات.

نيكول توريس: عندما كانت لورا في بوسطن في رحلة عمل، عرجت علينا في الاستوديو للتحدث مع منتجتنا أماندا كيرسي. لورا في منتصف الأربعينات من عمرها، وهي تعمل مدربة تنفيذية مستقلة، وزوجها طبيب، ولديهما ابنة تبلغ من العمر 14 عاماً، وابن يبلغ 12 عاماً، وهي ممتنة لأن أولادها كبروا برفقة أجدادهم من الطرفين.

لورا: وفي الوقت ذاته، كان أجدادهم يتقدمون في السن، كان والدي ووالدي زوجي يسكنون معنا في المدينة ذاتها، وهذا أمر مساعد جداً، رغم أنه كان مقصوداً، لأن والدي كانا يعيشان في تكساس لفترة طويلة، وكان ذلك صعباً علي عندما كنت موظفة وأطفالي صغار. وكان والديّ قد بدأا يعانيان من مشكلات صحية وكان يجب علي قطع مسافات كبيرة للعناية بهما. لذلك، انتقلا في نهاية المطاف للسكن قريباً منا، رغم أن الأمر لا زال صعباً، إلا أنه بالتأكيد أفضل من السفر بالطائرة إليهما والتعامل مع جليسات للأطفال وأشياء من هذا القبيل.

أماندا كيرسي: نعم، أتخيل ذلك. ما هي المشكلات الصحية التي يعاني منها والداك؟

لورا: لا يعانيان من مشكلات صحية خطيرة. فقط المشكلات المعتادة، أعضاء لم تعد تعمل كما يجب نتيجة للتقدم في السن. كما خضع والدي لعمليتي تدخُّل خطيرتين في القلب، ويجب عليه الراحة التامة. وبالتأكيد لم يعد كما هو، فقد تجاوز السبعين من العمر وخضع لعمليتي تبديل صمام في القلب وكل هذه الأمور. وجميعهم، والدي ووالدي زوجي، يتناولون عقاقير متنوعة لعلاج ضغط الدم وعقاقير أخرى يجب عليهم تناولها والمداومة عليها بانتظام. وقد أصيب أحدهم مؤخراً بالروماتيزم، وهذا مجال خطير جديد يجب علينا التعامل معه. لذلك، للتأكيد، لا يعانون من أمراض خطيرة، وإنما الكثير من الأمراض والمشكلات الصحية العادية.

أماندا كيرسي: حسناً، كيف تختلف العناية بوالديك الآن عنها عندما كانا يعيشان بعيداً عنك؟

لورا: حسناً، قبل كل شيء، كانا أصغر بحوالي 10 أعوام، وبالتالي كانت قدراتهما العقلية أفضل. ولكن في الوقت نفسه، كانا يعانيان حينئذ من مشكلات صحية أكثر حدة. وكان ذلك مرهقاً عندما كانا بعيدين عني وكانت رعايتهما تتطلب مني جهداً كبيراً. أما الآن، فقد أصبحا قريبين مني وأصبحت صحتهما أفضل نوعاً ما، رغم تقدمهما بالسن إلا أن وضعهما الصحي أكثر استقراراً. ولكن مشكلاتهما الصحية مستمرة. فعندما كانا يعيشان في تكساس كانت هناك حالات طارئة تسبب الارتباك في حياتي لمدة أسبوع كامل، وكنت أضطر للتواجد معهما هناك للتعامل معها. ولكني كنت أعود إلى المنزل دون الحاجة إلى التفكير بالأمر لمدة شهر تقريباً. أما الآن فقد أصبحت المشكلات تطرأ كل عدة أيام وتكون على مستويات مختلفة من الخطورة. وليست متعلقة دائماً بالرعاية الصحية، مثلاً، كان هناك احتفال في مدرسة ابني ودعوتهما للحضور، وقبل الحفل بيوم بدأت أتلقى سيلاً من الرسائل منهما وأنا في خضم اجتماع مع أحد عملائي، من قبيل: أين أنت، لقد وصلنا، لا يوجد شيء هنا، القاعة فارغة. فأضطر للاعتذار من العميل والخروج من الاجتماع للتحدث إليهما.

أماندا كيرسي: هل أخطأا في الموعد؟

لورا: نعم، أخطأا في الموعد تماماً. والآن أصبحت مضطرة لتذكيرهما دائماً، عبر الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والاتصالات الهاتفية. ليس فقط لأن وجودهما أمر أساسي بالضرورة، فأنا أعرف أنهما يرغبان بالحضور، وإنما كي أتفادى شعورهما بالإحباط لأنهما أساءا الفهم. وهذا يحدث مع الجميع، ولكني أتعامل مع الكثير من المسائل اللوجستية والمشكلات المتعلقة بالذاكرة التي لم أضطر للتعامل معها منذ 10 أعوام. وهذا الأمر مثير للاهتمام لأن مجال تفكيري آنذاك كان مختلفاً على اعتبار أني كنت أماً عاملة. فمنذ 10 أعوام كان أولادي يبلغان من العمر 4 أعوام وعامين، وكل ما كنت أفكر به وأنا في العمل وأحاول التركيز فيه هو أن أرجو ألا يحدث هذا الأمر، أو كان يجب علي القيام بذاك الأمر، أو لقد نسيت إخبار جليسة الأطفال بذاك الأمر. واليوم أفكر بأولادي ولكنهم يعتمدون على أنفسهم بما يكفي، لذلك أنا مطمئنة أنهم سيتمكنون من التواصل معي بطريقة أو بأخرى، فهم يتمتعون بخبرات تقنية أكثر مني. وكان والداي ووالدا زوجي يقتحمون يومي في العمل، وكانوا يشغلون تفكيري على اعتباري مسؤولة عن تقديم الرعاية لهم وكنت دائمة القلق من أن يستمر ذلك دائماً. والآن قلّ قلقي على أولادي وازداد على المسنين في العائلة. هل يبدو هذا التغير منطقياً؟

أماندا كيرسي: أجل.

لورا: إنه أمر غريب، لا أظن أنه كان بإمكاني توقعه، ولكن عند التفكير فيه أجده منطقياً.

أماندا كيرسي: حسناً.

لورا: أجل.

أماندا كيرسي: إذن، أخبريني عن يوم أو أسبوع اقتحم فيه والداك أو والدا زوجك حياتك في العمل أو تدخلوا فيها. كيف يبدو ذلك؟

لورا: لحسن الحظ لم يكن يتكرر ذلك دوماً، ولكنه كان القلق من أن تتكرر هذه الأمور. وجزء من الفوضى المعنوية التي كنت أعاني منها طوال الوقت كان تفكيري في كيف يمكن أن أتعامل مع هذا الموقف في المرة القادمة، وإذا ما كان الموقف سيتكرر بصورة أسوأ أم بصورة مختلفة أم أياً كان. سأفصل بين والدي ووالدي زوجي، لأنهم ليسوا متماثلين، ونموذج الرعاية لكل منهم كان مختلفاً. فصحة والديّ أضعف من معظم الجوانب من صحة والدي زوجي، ولكنهم يتمتعون بقدر أكبر من الموارد، والآن، تعتني المربية القديمة، التي كانت تعتني بأولادي سابقاً، بوالديّ بدوام كامل، ونتدبر أنا وأخواتي هذا الأمر. ولذلك أحمد الله أنه ليس علينا دفع نفقتها لأنها مكلفة جداً. ولحسن الحظ، أستطيع الآن التواصل مع والديّ أو مع المربية، وأنا أتصل بها فعلاً في بعض الأحيان، إذ أرسل لها رسالة نصية وأطمئن عن وضع والديّ وأسألها ما إذا كان علي المرور لرؤيتهما اليوم. فتقول لي أنهما بخير وسعيدين، أو تخبرني أن والدتي تبدو مكتئبة قليلاً اليوم ولم تنهض من سريرها، فأذهب مع أحد أولادي لزيارتها بعد الظهر مثلاً. ولذلك، فإن ترتيب حياتهما جيد جداً. ولكننا تعمدنا ترتيب الوضع بهذا الشكل بالإضافة إلى أن الحظ حالفنا على ما أظن. أما والدا زوجي فيتمتعان بصحة أفضل، إلا أنهما لا يتمتعان بهذا الوضع نفسه. ولذلك عندما تحدث مشكلة ما معهما يجب أن نتدخل بأنفسنا لمساعدتهما.

أماندا كيرسي: أجل.

لورا: وبالطبع، أسبوع كهذا، حيثما أتواجد معكم، يجعل الوضع أصعب. ولذلك أظن أن كثيراً من النساء يفكرن بذاك الشعور، عند ركوب الطائرة أو استقلال القطار أو السيارة وهنّ يرددن دعاء ما في قلوبهن أو يرجون أن يخضع الكون لهن كي تمضي أيام غيابهم عن الوالدين مهما كان عددها بهدوء دون أحداث كبيرة.

أماندا كيرسي: أجل.

لورا: وأعتقد أن كثيراً من الناس يعيشون على هذا النحو.

أماندا كيرسي: نعم، أعتقد ذلك. أنا أعيش على هذا النحو. كيف يكون السفر مع هذا القدر الكبير من القلق من وقوع مشكلة ما أثناء غيابك، كأن يصاب أحدهم بوعكة صحية أو أن يحتاج إلى شيء لا يمكن للجليسة أو أي شخص آخر سواكِ أن يلبيه له؟

لورا: بالطبع يشكل ذلك ضغطاً كبيراً، وبالتأكيد سيكون له أثر عاطفي لسنا مهيئين له تماماً، وهو يتسبب بتشتيت التركيز في العمل أحياناً، إلا أنني كحال معظم الأمهات أصبحت خبيرة في فصل الأفكار عن بعضها تماماً. ولكن ماهي التكلفة الخفية لهذه الإدارة العاطفية؟ سأخبرك كيف تبدو: أشعر أني أدير مشاعري وأدرب نفسي، فأفكر، حسناً، هكذا تدبرت أمر الأولاد، وتواصلت مع آنا التي تعتني بوالديّ، وأنا واثقة أن والدي زوجي مرتاحين عند ابنتهما، ولن أتمكن من التركيز على أي شيء دون أن أتفقد هذه القائمة. وأعتقد أن الأمور ستبدو مختلفة لو لم أكن بحاجة لجميع هذه القوائم، لا أقصد أني أود التخلص منهم، لأكن واضحة تماماً.

أماندا كيرسي: صحيح.

لورا: هذا ليس البديل المناسب بالطبع، لأن وجودهم يغني حياتك. ولكني واثقة أن هذا الضغط يؤثر علي بطرق لا أفهمها أو لا أقدرها تماماً.

أماندا كيرسي: متى بدأت برعاية والديك أو والدي زوجك، بأي شكل كان؟

لورا: حسناً...

أماندا كيرسي: هل كانت هناك حادثة أولى؟

لورا: أجل، أجل، كانت هناك حادثة أولى. يا إلهي، أحاول أن أتذكرها. عندما كان ابني بعمر الثانية، أصيبت أمي بنوبة قلبية، وكانت نوبة شديدة، وأتذكر أني كنت في المكتب، واتصلت بمديري وقلت له إن أمي أصيبت بنوبة قلبية ويجب علي الذهاب إلى تكساس على الفور كي أساعد أبي. فأنهينا أجزاء من العمل الذي كنت أقوم به، كانت لدينا إمكانية القيام بذلك في ذاك الوقت.

أماندا كيرسي: وفي تلك المرحلة لم تكوني مستقلة في عملك.

لورا: لا لم أكن مستقلة. هذا أمر هامّ جداً.

أماندا كيرسي: كم كان عمرك حينئذ؟

لورا: 34 عاماً. نعم، كان عمري 34 ولدي طفلين يبلغان من العمر أربعة أعوام وعامين. وكنت قد أمضيت 11 عاماً في عمل رائع أحبه جداً، وكان من الممكن أن أستمر فيه إلى أجل غير مسمى بالتأكيد. إذن، عدت إلى العمل والالتزام بعد أن شفيت أمي بأعجوبة، وكانت هذه الحادثة سبباً في انتقالهم إلى هنا في نهاية المطاف بعد تمام شفائها. وكانت سبباً لترك العمل في الشركة الاستشارية وتوجهي للعمل المستقل، لأني احتجت إلى عمل يتسم بمرونة أكبر. ولكن لا يمكنني القول إن رعايتي للمسنين هي سبب كل ذلك، فقد كنت أسافر كثيراً من أجل العمل وكان أطفالي صغاراً جداً، وكان ذلك صعباً جداً عليهما، وصعباً علي وعلى زوجي أيضاً. ولذلك شعرت أني أتلقى الإشارات من جميع الجهات بأن عملي كموظفة في الشركة لن يستمر. كما حالفني الحظ في تلقي التدريب اللازم لأتمكن من العمل بصورة مستقلة، و أصبح بإمكاني التحكم بعملي بعض الشيء، فأزيد كثافته أحياناً وأخففها أحياناً أخرى، وأسافر كثيراً في بعض الأحيان وأقلل من سفري في أحيان أخرى. وناسبني ذلك كثيراً. ولو أني بقيت في عملي في الشركة لاختلف مساري المهني اختلافاً شديداً.

أماندا كيرسي: ماذا سيكون برأيك؟

لورا: أعتقد أني كنت سأصبح شريكة في شركة استشارية كبيرة، وسأجني ثلاثة أو أربعة أضعاف ما أجنيه اليوم. ولكن إذا عدت بالزمن، هل كنت سأتخلى عن مسيرتي المهنية بهذا الشكل؟ لا أظن. ولكن هل كانت تلك تكلفة الفرصة الضائعة مقابل التحلي بالمرونة؟ أجل، بالتأكيد.

أماندا كيرسي: هل تعتقدين أن والديك ووالدي زوجك يدركون الفرص التي ضحيت بها من أجل مساعدتهم والاعتناء بهم؟

لورا: لا، لا أعتقد. فجميع هذه القرارات اتخذتها بصفتي أماً.

أماندا كيرسي: وهل كنت أنت من قرر منحها هذا الشكل؟

لورا: نعم. أجل. كان الجزء الأكبر منها خياري بصفتي الأم، بنسبة 70 إلى 30%، ولكني لن أكذب وأقول أنهم لم يكونوا في الحسبان عندما كنت أحاول معرفة ما يجب علي فعله بحياتي المهنية كي أتيح لنفسي مرونة أكبر عندما كانت الأمور صعبة، إذ كنت حينئذ في بداية الثلاثينات من عمري وكانت الأمور شديدة التعقيد وكانت الأحداث كثيرة. والآن أصبحت الأمور أكثر هدوءاً رغم تقدمهم جميعاً بالعمر. فقد كان هناك كثير من الأمور السيئة التي تحدث، وكان أطفالي صغاراً وكنت أحاول أن أستمر في العمل.

أماندا كيرسي: هل أردت حماية والديك ووالدي زوجك من معرفة تأثيرهم عليك؟

لورا: أعتقد ذلك. وأنا أعرف أن والديّ ستخيب آمالهما فيّ كثيراً لو ظنا أني أمتنع عن مساعدتهما، أعني، سيغضبان قليلاً، وسيقولان: لقد أنفقنا على تعليمك كثيراً من المال ومنحناكِ الكثير من الحب والدعم، والآن تبخلين علينا بوقتك ومالك، لا نصدق أنك تفعلين ذلك بنا. ولهذا السبب لا أتكلم عن التنازلات التي أقوم بها، بل أبقيها طي الكتمان.

أماندا كيرسي: واليوم، كيف ترتبين حياتك المهنية، كيف تتخذين القرارات المتعلقة بمستقبلك المهني، وأنت تأخذين والديك ووالدي زوجك في الحسبان؟

لورا: بالنسبة لي، يمكنني القول أن تأثيرهم غير مباشر. فأنا أستمتع بما أفعله اليوم، وليس بالضرورة أن يكونوا هم عاملاً ذا تأثير مباشر على قراراتي. ولكني في الوقت نفسه أقوم بما أقوم به لأنه مناسب لأتمكن من الاستجابة للأمور التي تحدث، ويمكنني تصور تغير مستقبلي، كزيادة حجم العمل أو السفر أو القيام بهما على نحو مختلف، أو تغيير مكان إقامتي أو ما شابه، في عالم لا أضطر فيه إلى التفكير برعايتهم.

أماندا كيرسي: هل من الممكن أن تغيري مكان إقامتك؟

لورا: ربما!

أماندا كيرسي: هل يمكنك الانتقال؟

لورا: ربما!

أماندا كيرسي: حسناً، لأنك في هذه المرحلة محاطة بكثير من الأشخاص.

لورا: أجل بالتأكيد، فأنا أحطت نفسي بهذه الكوكبة من الناس. فلنضع تصوراً للمستقبل. فلنفترض أن طفليّ ذهبا إلى الجامعة، وهذا ما سيحصل على أي حال.

أماندا كيرسي: صحيح.

لورا: من الأفضل أن يذهبا، إذن، ذهبا إلى الجامعة، ولنفترض أن الأجداد توفوا.

أماندا كيرسي: صحيح. هذا شيء محتمل بالتأكيد.

لورا: أجل. إنه أمر حتمي، وليس مجرد احتمال، وإنما هو ما سيحدث فعلاً، بالتأكيد لا نعرف وقت حدوثه، ولا نعرف كيف سيحدث، ولا نعرف الأثر العاطفي الذي سيسببه، ولكن إذا تخيلت العالم دون وجود أولادي معي في المنزل، وليس لديّ أيّ من هذه القيود والمسؤوليات. هل سأنتقل إلى مكان آخر؟ ربما. وأفكر في مدينتين أودّ الانتقال إلى إحداهما وتجربة الحياة فيها، ولكن هذه الخيارات ليست متاحة الآن، بل ليست ممكنة.

أماندا كيرسي: أعتقد أن كثيراً من النساء يخططن لحياتهن المهنية بأخذ إنجاب الأطفال مثلاً بعين الاعتبار، ويحصرن توقعاتهنّ في رعاية الأطفال، ولكن هل كنت تتوقعين تحمُّل مسؤوليات رعاية المسنين؟

لورا: لم أفكر بالأمر قط.

أماندا كيرسي: قبل أن تبلغي 34 عاماً.

لورا: أجل، أبلغ من العمر 34 عاماً، وكان من الصعب أن أجد نفسي فجأة مضطرة للتعامل مع هذه الأمور على نحو دقيق ومكثف. ولم يكن لدي استعداد معنوي لها، هذا ما تسألين عنه، صحيح؟ فنحن نستعد معنوياً لمرحلة الأمومة، ولكن وجود مجال لإجراء حوارات أكثر فيما يخصها يساعد على الاستعداد لها. ولكن الحوارات بشأن رعاية المسنين ليست شديدة الوضوح، والموظفين عموماً لا يتحدثون عن هذا الأمر، لا يتحدثون صراحة عن الذهاب لرعاية أم مريضة مثلاً كما يتحدثون عن حضور مباراة كرة القدم التي يلعب فيها أحد أبنائهم. لأن ما يخص الأبناء أمر هام قابل للنقاش، أما رعاية المسنين ليست كذلك بالضرورة، ولا أعلم السبب في ذلك. فأنا لا أسمع كثيراً من الموظفين يتحدثون عنها. وأنت؟

أماندا كيرسي: بلى، أسمعهم. وأتساءل ما إذا كان ذلك بسبب تحدثي بصراحة عن مرض أمي وعن مسؤولية رعايتها التي أحملها على عاتقي، والقيود التي فُرضت عليّ. قد يكون هذا هو السبب...

لورا: الذي يجعل الآخرين يتحدثون إليك بهذا الشأن أكثر.

أماندا كيرسي: هذا ممكن، لأني أعرف أن بعض الموظفين يحملون على عاتقهم مسؤولية رعاية المسنين، ولكن قد يكون ذلك لأني أطرح الموضوع أمام الجميع.

لورا: أجل. أجل، فالأمر برمته، بما فيه التوقعات والاستعداد المعنوي لما سيبدو عليه الأمر وما سيكون شعورك حياله وموعد حدوثه، لم يكن داخلاً في حساباتي على الإطلاق. على عكس ما حدث عندما عرفت بحملي بطفلي الأول مثلاً، عندما قلت: حسناً، لقد انطلقنا في هذا الطريق. وكنت قد خططت في ذهني للإنجاب وكنت أتخيل كيف سيكون، رغم أنه لم يحث شيء مما تخيلته، ولكن على الأقل كانت لدي خطة. أما أمور رعاية المسنين، شعرت وكأنها أصابتني كصاعقة مفاجئة انبثقت من السماء دون وجود سحب تنبئ بقدومها، وحينها شعرت أني كبرت بسرعة.

أماندا كيرسي: حسناً، هل نتجت بعض الأمور الإيجابية من تحملك مسؤولية رعاية المسنين؟

لورا: ممم.

أماندا كيرسي: وحتى إذا لم يكن هناك أي نتيجة إيجابية، لا بأس في ذلك.

لورا: أجل، فهي ليست أموراً ملموسة، إذ تمكنت من التواصل مع والديّ وقضاء وقت أطول برفقتهما أكثر، وما كان ذلك ليحصل لو لم أتحمل مسؤولية رعايتهما. مثلاً، عندما كنت في العشرينات من عمري لم أكن أراهما كثيراً. لأني غادرت المنزل حينئذ، وكنت أعيش في بوسطن وأسافر طوال الوقت لأجل العمل، لقد تركتهما ببساطة. ثم اضطررت للاستقرار بطريقة ربما كانت أفضل لي على المدى الطويل فيما يتعلق بعلاقتي بهما والوقت الذي أقضيه معهما. أظن أننا نكتسب تعاطفاً عندما نتعامل مع القيود الصحية لشخص نحبه وصدمته النفسية وخوفه وحزنه وما إلى ذلك. يمكن القول أن ذلك يمنحنا شيئاً من الخبرة والحنكة، وأنا أعتبر ذلك فائدة إيجابية. وفي عملي، حيث أدرب الموظفين على تطوير مهاراتهم القيادية ومهارات التواصل والتعامل مع الأشخاص والمهارات الإنسانية الأساسية لديهم، أجد أن امتلاك كثير من التعاطف أمر يفيدني حقاً. ولذلك أقول: نعم لقد استفدت من تحمل مسؤولية رعاية المسنين إنما بصورة غير ملموسة.

أماندا كيرسي: حسناً، هل تعتبرين نفسك مقدمة رعاية؟

لورا: بل أعتبر نفسي منسقة رعاية، وأعتبر نفسي أيضاً رئيسة تنفيذية في الرعاية. فأنا لا أقوم بأعمال الرعاية بنفسي على كل حال، ليس هذا ما أفعله، فأنا لست الرئيس التنفيذي الذي يدير من بعيد، ولا رئيسة الرعاية التي تستعين بشركات خارجية لأداء العمل، بل أستطيع المشاركة في العمل بنفسي في أي لحظة، ولكني لا أعتبر نفسي مقدمة رعاية. لأني لا أقوم بهذا فعلياً. فأنا لا أحضر الطعام لهما ولا أساعدهما في الاستحمام، أنا لا أقوم بأعمال التمريض. لا أقوم بأي من هذه الأعمال، بينما يقوم مقدم الرعاية بها. وأعتقد أن عبء هذه الأعمال مختلف تماماً عن العبء الذي نتحدث عنه، فالعبء الذي أحمله أنا نوع من العبء البعيد، المتمثل في قلق يخيم عليّ بشأن تنسيق الأمور وضمان سير الأمور وتوفير الموارد وتواصل الجميع بعضهم ببعض وأن يعرف كل منا ما يجب عليه فعله والوقت المناسب لفعله. وهذا هو عمل الرئيس التنفيذي، وهذا ما أقوم به.

أماندا كيرسي: هذا مثير للاهتمام، فأنا لم أسمع هذا الكلام من قبل.

لورا: ولا أنا سمعته، لقد اختلقته للتو.

أماندا كيرسي: هذا التشبيه ذكي حقاً.

نيكول توريس: انتهت حلقتنا لهذا اليوم التي تناولت موضوع المرأة العاملة ورعاية المسنين. وأنا نيكول توريس.

إيمي غالو: وأنا إيمي غالو.

إيمي بيرنستين: وأنا إيمي بيرنستين. ومنتجتنا هي أماندا كيرسي. ومدير الإنتاج الصوتي هو آدم باكولتز. مورين هوك هي المشرف على التحرير. ويقدم روب إيكاردت لنا الدعم التقني. كما تعد إيريكا تروكسلر دليل المناقشة التي نجريها في برنامجنا، والمدقق اللغوي هو جيه إم أوليجارز.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي