عندما تتعاون الفرق لمحاربة الإنهاك

6 دقائق
محاربة الإرهاق والإنهاك

إليكم مفارقة محيرة تتعلق بمحاربة الإرهاق والإنهاك. من جهة، نجد أن الشركات تقدم خيارات الراحة والرفاهية أكثر من أي وقت مضى، وذلك يشمل دروس التأمل الواعي واليوغا وغرف القيلولة ومرفقات رياضية. ومن الجهة الأخرى، نرى أن إنهاك الموظفين الشديد قد ازداد لدرجة دفعت منظمة الصحة العالمية لاعتباره من الأخطار المهنية.

ينطوي معظم ما تقدمه الشركات من خيارات الرفاهية على نية حسنة وقيمة محتملة. ولكن تكمن المشكلة في عدم التصدي للعقلية الراسخة بعمق، والتي ترى أنه كلما ازداد حجم العمل وسرعته كان ذلك أفضل، لأنه سيؤدي إلى عدم حصول خيارات الرفاهية هذه على الدعم الكامل وعدم استخدامها بحرية وعلى نطاق واسع.

محاربة الإرهاق والإنهاك في بيئة العمل

ولذلك، قامت شركتا إرنست آند يونغ (Ernst & Young) (EY) وذي إنرجي بروجكت (The Energy Project) باختبار للفرضية التالية: إذا تعاون جميع أفراد فريق يعمل في خدمة الزبائن معاً من أجل بناء مجال أكبر للراحة وتجديد النشاط في حياة كل منهم، فسيشعرون أنهم أفضل حالاً وسيتمكنون من إنجاز عمل أكثر في وقت أقل.

توجد في كل قطاع فترات يزداد فيها ضغط العمل، سواء كانت مواسم العطل بالنسبة لمتاجر التجزئة أو المحاكمات الموسعة بالنسبة للمحامين، أو مفاوضات الاندماج والشراء بالنسبة لموظفي المصارف الاستثمارية. وبالنسبة للمحاسبين، يكون موسم ازدحام العمل التقليدي من شهر يناير/ كانون الثاني حتى أبريل/ نيسان، وفي أثناء هذه الفترة، يتوقع المحاسبون أن يستمروا بالعمل ساعات طويلة، وذلك يشمل أيام عطل نهاية الأسبوع.

اقرأ أيضاً: للتخلص من الإنهاك الشديد... استعد إحساسك بالتحكم

ركزت تجربتنا على فريق من 40 موظف في شركة إرنست آند يونغ ويقع مقر عمله في جنوب شرق الولايات المتحدة. وكان هذا الفريق قد خضع لضغط كبير عام 2018 في عمله لصالح شركة عميلة كانت تواجه صعوبات داخلية شديدة. ومع انتهاء موسم ازدحام العمل ذاك، شعر أفراد فريق إرنست آند يونغ بإنهاك شديد وانحطاط في معنوياتهم.

خمسة سلوكيات أساسية لمحاربة الإرهاق في العمل

ومع بداية موسم عام 2019، عملت شركة ذي إنرجي بروجكت مع الفريق من أجل تطوير خطة جماعية لبناء القدرة على التحمل. وكما يبني الموظفون خطط تطوير في بداية كل عام من أجل تحديد أهدافهم، ركزت خطة بناء القدرة على التحمل على طريقة إدارة الموظفين لطاقتهم، جسدياً وعاطفياً ومعنوياً، أثناء فترات ضغط العمل تحديداً. واشتملت الخطة على خمسة سلوكيات أساسية، وهي:

  • ابدأ بأهم عمل فور وصولك إلى المكتب لمدة غير مستقطعة تستمر ما بين 60 و90 دقيقة، ثم خذ فترة استراحة لتجديد نشاطك.
  • خذ مالا يقل عن 30 دقيقة لاستراحة الغداء بعيداً عن مكتبك، وقم أثناءها بأي نوع من الحركة.
  • خذ مالا يقل عن 5 دقائق استراحة بعد 90 دقيقة من العمل، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، أجر تمرين التنفس العميق لمدة دقيقة واحدة كي تتمكن من تخليص دورتك الدموية من هرمونات الإجهاد.
  • عندما تنهي عمل اليوم، قم بما يساعدك على الانتقال معنوياً وعاطفياً من العمل إلى المنزل.
  • اتبع روتيناً في فترة قبل النوم وعند موعد النوم يضمن حصولك على ما لا يقل عن 7 ساعات من النوم.

أجرى الفريق جلسة أولية استمرت نهاراً كاملاً، وكان التركيز فيها على المبادئ والممارسات المتبعة في إدارة الطاقة. وبعدها قمنا بمتابعة الفريق أثناء موسم ازدحام العمل من خلال جلسات تدريب لمدة ساعة واحدة كل أسبوعين. ومن أجل الاستفادة من تنوع الفريق، اخترنا مجموعات من 6 أو 7 أشخاص بمختلف المناصب ومجالات الاختصاص والأعمال والخلفيات.

وفي هذه الجلسات، شارك أفراد الفريق قصص نجاحهم وفشلهم، ودعم بعضهم بعضاً في التعامل مع المطالب المستمرة، وتحدوا افتراضات بعضهم البعض بشأن ما كان ممكناً واستكشفوا مقاومة التغيير التي ظهرت على مدى الجلسات. وعمل كل عضو من الفريق مع عضو آخر كشكل من المساءلة والدعم الإضافيين.

اقرأ أيضاً: ساعد فريقك على إنجاز المزيد دون أن يصاب بالإنهاك

لاحظنا تغيراً كبيراً في السلوك بعد بداية جلسات المجموعات بوقت قليل، إذ بدأ كثير من أفراد الفريق أيام العمل بالتركيز على المهمات الأكبر أهمية أو صعوبة على مدى فترة غير مستقطعة. وسرعان ما اكتشفوا أنهم قادرون على إنجاز المهمات الحاسمة بكفاءة أكبر، وهو ما ساعدهم على الحفاظ على معنويات إيجابية طوال اليوم.

كما بدأ أفراد الفريق بالخروج لتناول الغداء معاً وأخذ فترات استراحة بعضهم مع بعض. وسعى بعض المشاركين لتخصيص وقت للخروج من المكتب ضمن جدول الأعمال، عن طريق ترتيب اجتماعات مع الزملاء أثناء المشي، أو المشي بمفردهم أثناء إجراء اجتماعات عبر الهاتف.

كما التزم عدد كبير من المشاركين بمواعيد محددة للنوم حرصاً على حصولهم على مالا يقل عن سبع ساعات من النوم. ولتحقيق هذا الهدف، بدأ عدد منهم بإطفاء أجهزتهم الإلكترونية تماماً قبل موعد النوم بنصف ساعة على الأقل.

كما حذفت واحدة من المدراء برامج التواصل الاجتماعي من هاتفها لتقلل من التنبيهات التي تشتت انتباهها. وقالت لنا: "كنت أعتقد أن تصفح موقع التواصل الاجتماعي كان طريقة للاسترخاء مساء. ولكني أدركت أنه يشكل تنبيها مفرطاً ويتعارض مع النوم".

وهناك مشاركة أخرى كانت قد عادت للتو من إجازة الأمومة، اعترفت بأنها كانت غير واثقة إطلاقاً من قدرتها على العمل في موسم ازدحام العمل مع وجود رضيعها في المنزل. ولكن وضع أكثر أعمالها أهمية في بداية يوم العمل وتخصيص أوقات لتجديد نشاطها أثناء النهار ساعدها على تحسين تركيزها. فتمكنت من إنجاز قدر أكبر من العمل في وقت أقل ومغادرة المكتب في وقت أبكر مساء. ومع عدم شعورها بالإنهاك الشديد، كان بإمكانها تخصيص طاقة إيجابية أكثر لعائلتها عند عودتها إلى المنزل.

اقرأ أيضاً: امنح فريقك الإحساس بالتحكم لتحدّ من شعوره بالإنهاك

كما كانت هناك مشتركة ثالثة تحب المشاركة في سباقات الجري الطويلة، وكانت تتوقف عن التمرين في مواسم ازدحام العمل لأنها كانت تعتقد أنه يستحيل عليها تخصيص وقت يومي للجري في جدول عملها. ولكن بعد أن شجعتها وجهة النظر التي مفادها أن الوقت الذي تمضيه في الجري هو مصدر لتجديد نشاطها الذهني والعاطفي، اختارت مواصلة تدريبها خلال موسم ازدحام العمل. وفعلاً، بعدها بفترة قصيرة أصبح بإمكانها الجري لمسافة تصل إلى نصف مسافة السباق الطويل.

كما استفاد الفريق ككل، فقد ازدادت كفاءة الموظفين وإنتاجيتهم كثيراً لدرجة أنهم تمكنوا من إنجاز أعمالهم في وقت أقل، واتفقوا جميعاً على أخذ عطلة في يوم واحد من نهاية كل أسبوع. وفي باقي الأيام تمكن كثير منهم من مغادرة العمل بوقت أبكر مما اعتادوا عليه في مواسم ازدحام العمل السابقة. وكان أفراد فريق العملاء الذين عملوا معه في غاية الإعجاب بالتغير الذي شهدوه في الفريق لدرجة أنهم سألوا عن طريقة للانضمام إلى التجربة.

وفي نهاية موسم ازدحام العمل، قال أفراد الفريق أنهم يشعرون بتحسن كبير عما شعروا به في نهاية الموسم السابق. كما تعافى الموظفون الذين عانوا من إنهاك شديد العام الماضي بسرعة أكبر بكثير هذه المرة. وقال لنا شريك الفريق الرئيس أن أفراده عادوا إلى العمل بنشاط تام بعد أسبوعين، وأن هذه التجربة أثبتت لهم القيمة الاستثنائية لاهتمامهم المدروس بأنفسهم. وأثناء الأشهر الخمسة التي تلت موسم ازدحام العمل، والتي تخسر أثناءها فرق المحاسبين عادة عدة أفراد بسبب الإنهاك والإرهاق الشديدين، بقيت نسبة الاحتفاظ بالموظفين لدى هذا الفريق بقيمة 97.5%.

هل ترغب ببدء تجربة مماثلة في مؤسستك؟ فيما يلي بعض العبر التي استخلصناها:

  • اعثر على موظف نجم يؤمن بهذه الفكرة، وكلما علا منصبه كان أفضل. إن تغيير العادات أمر صعب دائماً، وخصوصاً عندما تكون الخطة المتبعة تتصدى للمعتقدات الراسخة منذ زمن طويل. لطالما كان سام جونسون، الذي قاد المنطقة الجنوبية الشرقية لدى شركة إرنست آند يونغ ويشغل الآن منصب نائب رئيس الحسابات في أميركا، مناصراً لجهود الشركة "الحيوية". وبعد حضور جلسة مع شركة ذا إنرجي بروجكت، أجرى جونسون تغييرات هامة في إدارة طريقته في العمل، وكان حريصاً على تزويد موظفي منطقته بالآراء والمعلومات.
  • اختر قائداً مشاركاً في الفريق راغباً في المشاركة على نحو فعال في التجربة ووضع نموذج للسلوكيات الجديدة. كان الشريك الرئيسي لفريق إرنست آند يونغ الأميركي ملتزماً بتأمين الرفاهية لموظفيه وراغباً في تجربة زعزعة ثقافة العمل وطريقة عمله الخاصة.
  • أشرك الفريق بأكمله منذ البداية. يحدد الاجتماع الأول طريقة العمل: فإما أن يغادر الموظفون وهم متحمسون بشأن التحدي الجديد أو أن يغادروا وهم يشككون بشأن الجهد الإضافي لعملية التغيير. يركز برنامج ذا إنرجي بروجكت الذي يستمر على مدى يوم واحد على المبادئ والممارسات الأساسية لإدارة الطاقة جسدياً وعاطفياً ومعنوياً. فكانت استجابة جميع الموظفين لهذا اليوم حماسية، بمن فيهم الذين شككوا بالبرنامج بادئ الأمر، مما شكل قوة دفع للعمل الذي أعقب ذلك. كما شارك جميع شركاء الفريق، مما شجع أفراده على تجربة السلوكيات الجديدة ومغادرة المكتب عند الضرورة من أجل التعامل مع احتياجاتهم والتزاماتهم الشخصية.
  • التكرار والمساءلة أمران أساسيان. تتمتع ممارسات كثيرة بفترة صلاحية محدودة عندما تطبق لمرة واحدة فقط. وعندما يعود الموظفون إلى مكان العمل غالباً ما تؤدي المطالب الكثيرة لإرباك أفضل النوايا لديهم. ولكن أدت اجتماعات المجموعات التي أجريناها كل أسبوعين، بالإضافة إلى عمل شركاء المساءلة، إلى تعزيز التعلم الأولي وساعدت المشاركين في إدخال السلوكيات إلى حياتهم. وكانت النتيجة تغيراً حقيقياً في الثقافة لدى فريق أميركا في شركة إرنست آند يونغ. قال لنا أحد الشركاء: "لقد كنت أحد المشككين بالتأكيد، ولكن ثبت خطئي. لقد كانت التجربة مفيدة جداً للفريق بأكمله، وخصوصاً موظفينا الأصغر سناً، ليتمكنوا من زيادة تحكمهم بطريقة العمل التي يختارونها. فبدأنا باختيار ما هو أفضل لنا شخصياً، واكتشفنا أن خياراتنا هذه زادت إنتاجيتنا بدورها".

تتشدق مؤسسات كثيرة بالحديث عن المفهوم الذي يركز على أن الرفاهية تساعد الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم في العمل، ولكن ما أدى لنجاح هذه التجربة الكبير هو رغبة جميع أفراد الفريق في اتباع طريقة مختلفة في العمل، ودعم بعضهم بعضاً في كل خطوة من أجل محاربة الإرهاق والإنهاك.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي