عندما ننظر إلى تجاربنا السابقة، غالباً ما ندرك أن المخاطر التي انطوت عليها كانت واضحة. وعندما نبذل جهداً كافياً لتقييم المخاطر المحتملة، غالباً ما يتبين لنا أنها واضحة تماماً وليست معقدة أو عميقة مثلما كنا نظن. مع ذلك، يقع الكثير منا فريسة لمخاطر غير متوقعة، معتقدين أنها ظهرت فجأة أو لم يكن بالإمكان توقعها. صحيح أن بعض المخاطر لا يمكن التنبؤ بها حقاً في بعض الحالات، لكن عدم قدرتنا على رؤية المخاطر، أو ما يُعرف بعمى المخاطر، سببه في معظم الأحيان كيفية عمل أدمغتنا. فيما يلي 3 أسباب تجعلنا لا نرى المخاطر، وما يمكننا فعله حيال ذلك.
السبب الأول لعمى المخاطر هو أن النجاح يحجب المخاطر، فعندما يسير عملنا على أفضل وجه، تنتابنا حالة من النشوة وننسى أنفسنا في غمرة النجاح. توضح إحدى الدراسات حرفياً هذا التأثير. طُلب من المشاركين في الدراسة، الذين كانوا طيارين غير تجاريين، قيادة طائرة والوصول بها إلى الارتفاع المقرر. ثم أُعطي الطيارون عند تلك النقطة معلومات ستؤثر على قرارهم في مواصلة الطيران (خيار غير آمن) أو إلغاء الرحلة والعودة (خيار آمن). عندما تُعطى للطيارين إشارات لإلغاء الرحلة في الظروف العادية، تبدأ مناطق التفكير المنطقي والتعارض في الدماغ بالإشارة إلى الخطر، ولكن عندما تُقدم مكافأة لهم، مثلما هي الحال في هذه الدراسة، تكون هذه المناطق في أدمغة المشاركين أقل نشاطاً. إذاً ماذا يمكننا فعله لتجنب الوقوع في هذا المزلق؟ أحد الحلول أن نسأل أنفسنا بانتظام السؤال البسيط الآتي:
ما المخاطر التي يحجبها نجاحي عني؟
إذا فعلنا ذلك، فقد ينظر المستثمرون الذين يحققون أداءً جيداً إلى ظروف السوق بطريقة مختلفة، وربما لم تكن الشركات التي حققت نجاحاً كبيراً نتيجة الإصدارات الأخيرة لمنتجها لتغفل عن المنافسة القادمة.
يرتبط السبب الثاني لعمى المخاطر بالتكلفة الغارقة. لماذا نواصل استثمار أموالنا في مسعى ما ثبت بالفعل أنه خاسر؟ وما الذي يجري في عقولنا عندما نفعل ذلك؟ تشير الدراسات إلى أننا قد نميل إلى تجنب الاعتراف بخسائرنا في الحياة، وبعضنا أكثر نفوراً من الخسائر من الآخرين. وقد أضافت دراسة حديثة أنه عندما نستمر في استثمار أموالنا في مشاريع ثبت أنها فاشلة، فذلك لأن "المحاسب" في الدماغ لا يسهم في صناعة القرارات المالية بقدر ما يفعل عادة، إذ تمنعه الاستثمارات السابقة من "رفع صوته" إن جاز التعبير. لتجنب الوقوع في هذا المزلق، يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا بشأن الاستثمارات الفاشلة، وأن نتعلم الاعتراف بالخسارة بدلاً من تجنبها. إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي أتمتة تحليلات التكلفة الغارقة أو دمجها في عملية وضع استراتيجيتك، ويمكنك التخطيط لإجراء مثل هذا التحليل كل شهر للتحقق بوعي من نفسك أو من فريقك.
السبب الثالث الذي يجعلنا أحياناً لا نرى أننا نتجه مباشرة إلى حائط مسدود هو ما أدعوه "النفور من المستقبل"، وهو الميل إلى افتراض أنه لا يمكن اختبار المستقبل أو التنبؤ به لأنه غير معروف. نتيجة لذلك، عندما يتعين علينا اتخاذ قرارات بشأن المستقبل، فقد نعتمد على البيانات الحالية فقط بدلاً من محاولة تقييم المخاطر المجهولة واختبارها. علاوة على ذلك، نرغب في كثير من الأحيان في تجنب العقاب الذي سندفعه نتيجة ارتكابنا للأخطاء، لكن الدراسات تشير إلى أن العقاب يعزز التعلّم بعد الخطأ. لتجنب هذا المزلق، خصوصاً في مشهد الأعمال التجارية الدائم التغير، يجب أن نكون أكثر استعداداً لاتخاذ إجراء حتى عند عدم توافر بيانات كاملة. فقد يكون اتخاذ خطوات صغيرة لاختبار الأفكار أكثر فعالية من عملية التفكير المسبّق الأكثر شمولاً. وبالإضافة إلى ذلك، إذا لم تنجح فكرة ما، فعلينا أن ننظر إلى "العقاب" على أنه إعادة توجيه مفيد يمكّننا من اختبار الفكرة التالية. يكمن التحدي هنا في أن الاختبار يتطلب وقتاً ومالاً، ولكن يمكننا التخفيف من تأثير بعض هذه التحديات من خلال تبنّي منظور طويل الأمد، وإدراك أن اختبار فكرة ما قد يكون مفيداً لنا على المدى الطويل. وأخيراً، يمكن أن يساعدنا الحدس على استشعار رؤى قيّمة عن المستقبل لا نعرفها بوعي، فللدماغ القدرة على الإحساس بالمجهول قبل أن نفهم بوعي سبب هذا الإحساس، لذلك من المنطقي في كثير من الأحيان اختبار حدسك واتخاذ إجراء بناءً عليه.
جميعنا عرضة لعمى المخاطر، ولكن من خلال سؤال أنفسنا هذه الأسئلة البسيطة حول كيفية تأثير النجاح والنفور من الخسارة والعجز عن مواجهة المجهول في عملية صنع قراراتنا، قد نتمكن من تجنب خسائر أكبر بكثير على المدى الطويل.