متى يكون العمل الجماعي في مصلحة الموظفين ومتى لا يكون كذلك؟

4 دقائق
ضرورة العمل الجماعي

تتم معظم الأعمال اليوم في فرق جماعية بسبب ضرورة العمل الجماعي. وفي حين أن العمل الجماعي يمكن أن يؤدي إلى أفكار مبتكرة وأداء متميز، فقد يبعث على التوتر، إذ تنشأ النزاعات، ويتواكل أفراد الفريق الواحد على بعضهم، ويُحرم البعض من الثناء المستحق، علاوة على تكاليف التنظيم العديدة التي تُصاحب إعداد الفرق للعمل بصورة متناغمة.

التوتر في العمل الجماعي

لكن البحوث لم تخبرنا بالكثير عن مدى التوتر الذي قد يثيره العمل الجماعي، ومصدر هذا التوتر. من خلال دراسة آثار العمل الجماعي على رفاهة الموظفين، وجدت أن الكثير من هذا التوتر ينشأ من الضغط الذي يمارسه المدراء على الموظفين. وعلى الرغم أن بعض الضغوط ضرورية لحث الموظفين للوصول إلى أفضل مستويات الأداء الممكنة، فإن الضغط على الفريق أكثر من اللازم قد يولّد مشكلات ضخمة، مثل ضعف مستوى الأداء وانخفاض الإنتاجية وارتفاع معدل دوران الموظفين.

أجريت تحليلاً للبيانات المستقاة من مقابلات شخصية منظمة مع 664 مديراً من مختلف أماكن العمل البريطانية، حيث يعمل جميع الموظفين في فرق يتخذ تشكيلها الطابع الرسمي. تحدث المدراء حول كيفية إدارة العمل الجماعي في مكان عملهم، بدءاً من عدد أعضاء الفريق الذين يعتمدون على بعضهم البعض في أداء وظائفهم، وصولاً إلى ما إذا كان أعضاء الفريق يتخذون قرارات مشتركة بشأن كيفية إنجاز العمل. كما ذكر المدراء مدى تأثير أماكن عملهم على الجوانب الرئيسية للأداء، بما في ذلك إنتاجية القوة العاملة والأداء المالي وجودة المنتج أو الخدمة المقدمة، مقارنة بأماكن العمل الأخرى في المجال نفسه.

اقرأ أيضاً: متى يكون العمل الجماعي ضرورياً؟

ثم حللت بيانات الدراسات الاستقصائية المستقاة من مجموعة عشوائية من خمسة موظفين إلى 20 موظفاً في كل مكان عمل أجريت فيه مقابلات مع الإدارة، والتي بلغت تقارير من 4,311 عاملاً. طلبت الدراسة الاستقصائية من الموظفين الإبلاغ عن مستويات التزامهم بالمؤسسة، ومقدار الضغوط التي يعانون منها في العمل، وعدد المرات التي شعروا فيها بالتوتر أو القلق أو الهم بسبب العمل.

وعندما طابقت البيانات المستقاة من المقابلات التي أجريتها مع الإدارة وتقارير الموظفين، وجدت أنه يبدو أن العمل الجماعي يؤثر على الأداء المؤسسي ورفاهة الموظفين بشكل مختلف، فمن ناحية، ثمة علاقة إيجابية بين العمل الجماعي والأداء المؤسسي، والذي تم تفسيره جزئياً بإحساس الموظفين بالالتزام تجاه المؤسسة. وفي أماكن العمل التي اضطر الموظفون فيها إلى مشاركة المسؤولية عن منتجات وخدمات محددة، أبلغ المدراء عن ارتفاع مستويات الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات والخدمات. أما في أماكن العمل التي اعتمد الموظفون فيها على بعضهم البعض للقيام بعملهم، أفاد المدراء بأن الأداء المالي قد تحسن، في حين أعرب الموظفون عن شعورهم المتزايد بالالتزام المؤسسي.

سلبيات الإكثار من العمل الجماعي

ومن ناحية أخرى، وجدت أن الإكثار من العمل الجماعي زاد من مستوى متطلبات العمل على الموظفين، ما جعلهم أكثر قلقاً بشأن وظائفهم. فكلما شعر الموظفون أن زملاءهم في الفريق يعتمدون عليهم، زاد شعورهم بعدم توافر الوقت الكافي للقيام بعملهم، ما كان مصدر قلق هائل. وعلى الأرجح سيشعر الموظفون بالتوتر ويُضطرون إلى تخصيص ساعات أطول للعمل عندما يواجهون المسؤولية المشتركة عن منتجات وخدمات محددة.

لكنني وجدت أيضاً أن زيادة الإحساس بالالتزام تجاه المؤسسة يمكن أن يُساهم في القضاء على الإحساس بالقلق. فإذا شعر الموظفون بالفخر للعمل لدى المؤسسة، أو إذا تشاركوا الكثير من قيم المؤسسة، فكانوا يفيدون بأن شعورهم بالتوتر يقل بالعمل الجماعي مقارنة بغيرهم من غير الملتزمين مثلهم بالمؤسسة. ويبدو أن ارتفاع مستويات الالتزام أدت إلى تعزيز الارتباط بالمؤسسة، وساعدت بعض الموظفين على التكيف مع متطلبات العمل الجماعي.

اقرأ أيضاً: كيف يتحسّن العمل الجماعي عند مكافأة أفضل الموظفين؟

وبمزيد من التدقيق في البيانات، رأيت أنماطاً معينة بين أماكن العمل، إذ كان أداء الفرق أفضل في مجالات الأداء الرئيسية. تمثل أحد تلك الأنماط في أن المدراء كانوا أكثر قدرة على التعرف على فوائد توفير المهارات والموارد المناسبة للموظفين، إذ تحدثوا عن كيفية منح الموظفين وقتاً مستقطعاً من العمل لحضور الدورات التدريبية وتحسين مهاراتهم في العمل الجماعي والتواصل والقيادة وأساليب حل المشكلات. وعند سؤالهم على وجه التحديد عن ظروف عمل الموظفين، قال أكثر من ثلث هؤلاء المدراء إن الموظفين لديهم الكثير من التنوع في مهامهم، ولديهم قدر معقول من التحكم في وتيرة العمل، وسُمح لهم بالمشاركة في القرارات المتعلقة بمسؤوليات عملهم. وأفاد الموظفون بشعورهم أن المؤسسة تهتم برفاهة الموظفين وتساعدهم على التعامل مع التوتر بشكل أفضل.

اقرأ أيضاً: العمل الجماعي أثناء العمل

أظهرت البيانات أمراً مختلفاً قليلاً عن أماكن العمل التي لا تؤدي الفرق فيها جيداً، إذ في هذه الحالات، لم يوفر المدراء للموظفين ما يكفي من الفرص لتطوير مهاراتهم من خلال التدريب، كما لم يمنحوهم حرية التأثير في مسؤوليات عملهم. وبالتالي شعر الموظفون بأن المدراء لا يعاملونهم بإنصاف، وكانوا أقل صدقاً في الوفاء بوعودهم. كما ذكر الموظفون كيف أن المدراء لا يشجعونهم على تطوير مهاراتهم، ولم يأخذوا باقتراحاتهم عندما قدموا إسهامات في القرارات ذات الصلة بمكان العمل. باختصار: كانت العوائق الرئيسية أمام الأداء الجماعي تتمثل في العلاقات السيئة بين المدراء والموظفين، ما تسبب في نزاعات مستمرة ودفع الموظفين إلى الشعور بمزيد من التوتر في العمل.

الجانب المظلم من العمل الجماعي

لن يختفي العمل الجماعي قريباً، ومن المهم أن يفهم المدراء والموظفون "الجانب المظلم" المحتمل الذي يصاحب اضطرارهم إلى العمل والتعاون الوثيق بينهم وبين غيرهم. ولتحقيق نتائج أفضل، يجب أن يتفهم المدراء جيداً التوتر الذي يصاحب العمل الجماعي. وعند تفويض المهام، ينبغي عليهم توضيح المهام ذات الأولوية العليا، وربما مناقشة الأولويات مع الفريق. وفي الحالات التي يواجه فيها الموظفون طلبات متضاربة، يجب على المدراء تسليط الضوء على المخاوف المحتملة، مثل ضيق الوقت أو المواعيد النهائية الصارمة، أو أية مشكلة أخرى قد تنشأ، حتى يكون لدى الموظفين فهم أفضل لأدوارهم أو ما هو متوقع منهم، وإلا ارتفع ضغط العمل إلى مستويات غير صحية، وتدهورت رفاهة الموظفين.

ثمة دور يجب على الموظفين أدائه أيضاً، فبإمكانهم العمل على زيادة الثقة المتبادلة مع أفراد الفريق وإظهار التقدير للقيمة التي يشكلها كل فرد في المشروع. وبالطبع، فإن العمل معاً ليس بالأمر السهل دائماً. إذ غالباً ما تتعرض فرق العمل للنزاعات بين الأعضاء، وللاختلافات في الرأي، ولضغوط الأداء التي تزيد من التوتر.

ولكن الفرق الرائعة يتم بناؤها من قبل أشخاص لا يخشون المساومات وتقديم تنازلات. وعندما ينخرط الموظفون في مناقشات موسعة، ويتذكرون أن كل شخص يتحمل مسؤولية المساهمة، ويجب أن يكون قادراً على القيام بذلك بحرية وبصورة بناءة وبطريقة داعمة، فهذا له نتائج إيجابية ستنعكس على ضرورة العمل الجماعي، بما في ذلك تحسُّن العلاقات الشخصية، ورفع معنويات الفريق، والدعم الذي يساعد على تقليل التوتر. فإذا تم العمل الجماعي بشكل صحيح، فسيكون الموظفون أكثر سعادة، وستكون فوائد العمل معاً أكثر استدامة.

اقرأ أيضاً: أسرار العمل الجماعي الناجح

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي