يشعر معظمنا أنّ إمكاناتنا مستغلة إلى أقصى حد في العمل ولم يتبق لدينا أي شيء نقدمه. لكن استطلاعاً أجرته مؤسسة غالوب أظهر أن 70% من القوى العاملة في الولايات المتحدة إما "غير منخرطين في العمل بشكل نشط" أو "غير منخرطين في العمل بشكل كامل"، ما يعني أن هناك ملايين من المهنيين الذين يملكون جهداً مدخريمكنهم تقديمه إذا شعروا بالدافع والإلهام. وتقدّر مؤسسة غالوب أن عدم الانتماء هذا يكلّف ما يتراوح بين 450 و550 مليار دولار أميركي في الإنتاجية المفقودة كل عام، وهو لا يمثّل حتى تكاليف الفرصة البديلة. وتفتقد الشركات الأفكار والابتكارات الموفرة للتكاليف التي يمكن تطويرها من القاعدة إلى القمة عندما يكون الموظفون منشغلين وغير منتمين.
وبالتالي، نعتقد أن إحدى الطرق التي تُمكّن المدراء من الاستفادة من هذا الجهد الاختياري هي ممارسة القيادة القائمة على الخدمة.
قدّم روبرت غرينليف أولاً مفهوم القيادة الخدمية للشركات في منتصف القرن العشرين. تعرّف كلانا على هذا النهج الذي وُصف بأنه القيادة القائمة على الخدمة في قوّات مشاة البحرية الأميركية. أساس القيادة القائمة على الخدمة هو إيلاء الأولوية لاحتياجات فريقك قبل احتياجاتك الخاصة. بصفتنا ضباط مشاة البحرية، لطالما كنّا نأكل في وقت متأخّر لنضمن امتلاء أطباق الآخرين بالطعام قبل ملء أطباقنا. وأبقينا فرقنا خلال فترة الراحة مشغولة بفرص التدريب حتى يتمكنوا من توسيع مهاراتهم، ما حرمنا أيضاً من الرضا عن النفس. حتى عندما كان الجو مظلماً وبارداً في الميدان، حرصنا على حضورنا على الخطوط بدلاً من الاختباء في خيمة دافئة لنُظهر لفرقنا وجودنا معهم. وأظهرنا من خلال أفعالنا أننا على استعداد للبقاء من دون طعام ومن دون وقت فراغ وراحة لنضمن دراية شعبنا بدعمنا لهم.
والنتيجة؟ شعرت فرقنا بالعناية والتقدير، وأظهروا ولائهم من خلال مبادرتهم ومشاركتهم. وعلى الرغم من عدم استخدامنا استبانات للموظفين لقياس تأثير القيادة القائمة على الخدمة، إلا أن ذلك بات واضحاً استناداً إلى أن غالبية أفراد فريقنا كانوا يحملون شعار قوات مشاة البحرية موشوماً على أجسامهم. كان هذا رمزاً قوياً للعلاقة الوطيدة التي يشعر بها الأفراد فيما بينهم وبين الفريق الذي كانوا جزءاً منه، كان الاتصال قوي لدرجة أن الأفراد أرادوا الحفاظ عليه لبقية حياتهم.
عندما تركنا الخدمة الفعلية لعالم الأعمال، كان من المدهش رؤية أن عدداً قليلاً من المدراء فقط عرفوا وفهموا مزايا القيادة القائمة على الخدمة. التقينا بمدراء قوّضوا جهودهم الخاصة بانتظام لبناء الولاء والتواصل مع فرقهم. بدلاً من إجراء مناقشات مهنية مع أعضاء فريقهم، كانوا يفعلون أشياء مثل التباهي بمزايا منصبهم، والتأكيد على الامتيازات المرتبطة بمهامهم، والتي أرسلت إشارة إلى أن فريقهم المستقبلي لم يكن من أولوياتهم.
إذا أراد المدراء تحقيق أقصى قدر من الفائدة من كل عضو في الفريق، فيمكنهم تبني العديد من ممارسات القيادة القائمة على الخدمة في قوات مشاة البحرية. لكن فهم المصطلح لا يكفي؛ يجب عليهم التغلب على الحواجز الثلاثة المشتركة التي تمنع المدراء من وضع احتياجات موظفيهم أولاً: وهي الوعي والوقت والمنافسة غير السليمة.
الوعي
تعرّف عدد قليل فقط من المدراء على مفهوم القيادة القائمة على الخدمة خلال حياتهم المهنية. ونادراً ما تُدرج كليات إدارة الأعمال التي تروج لتطوير القيادة هذا المفهوم في مناهجها الدراسية. وعندما يتعرف المدراء على هذا النهج، يعتقدون في كثير من الأحيان أنه بسيط للغاية لأن يكون فعالاً. ولكن من الناحية الجوهرية، تعتبر تلبية احتياجات الموظفين مهمة المدير، حيث لا يمكن تفويض التواصل الاستباقي وإظهار التعاطف والمشاركة في أهداف أعضاء الفريق إلى قسم الموارد البشرية. بل يحتاج المدراء إلى معرفة أعضاء فريقهم على المستوى الشخصي وفهم نقاط قوتهم وأهدافهم وما يحفّزهم.
الوقت
حتى في حال لم يُدرك المدراء فوائد وضع احتياجات موظفيهم قبل احتياجاتهم الخاصة، فإنّ وتيرة العمل وحدها غالباً ما تمنعهم من أن يصبحوا قادة قائمين على تقديم الخدمة. وعدد قليل فقط من المدراء يشعرون أن لديهم الوقت للتصرف وفقاً لأفكارهم الجيدة حول كيفية إشراك الفريق. يجب عليهم بذل جهد مقصود لبناء قيادة قائمة على الخدمة في روتين عملهم. يمكنهم البدء بجدولة ساعة إلى ساعتين من الوقت في برنامجهم كل أسبوع لمشاركة الفريق. يمكنهم المباشرة بإجراءات صغيرة مثل مكالمة غير مخطط لها لمناقشة "ما يجري"، أو دعوة مرتجلة لتناول طعام الغداء أو القهوة، أو زيارة غير مجدولة إلى طابق البيع أو منطقة المشروع للاطلاع على كيفية قيام الفريق بعمله.
عند أداء ذلك بشكل جيد، يمكن للخدمة أن توفر لك الوقت. التقينا بمدير مدرسة ثانوية يسير في القاعات كل صباح لاستقبال أعضاء هيئة التدريس. وفي حال وجود مشاكل تحتاج إلى حل، يقوم بحلّها عند الساعة التاسعة صباحاً قبل أن تصبح حالات طارئة تستغرق وقتاً طويلاً.
منافسة غير سليمة
تركز الشركات في كثير من الأحيان على الأفراد النجوم الذين "يفوزون" باستمرار، مع تركيز ضئيل على التماسك الاجتماعي. لكن هذا يقف في طريق خدمة الموظفين. عندما عملنا مع فريق صغير من المدراء الذين يكسب كل منهم أكثر من مليوني دولار في السنة، تفاجأنا بمقدار خلافاتهم كل شهر حول كمية مساهماتهم في النتيجة النهائية وكيفية تعويض كل منهم. كان هذه الاقتتال الداخلي عائقاً خطيراً أمام التعاون ومنعهم من العمل الأكثر أهمية المتمثل برعاية أعضاء فريقهم. واختفت الحجج بمجرد أن قام الفريق بتنسيق هيكل التعويض الخاص به لضمان مكافأته للأداء، واستخلاص صورة أكثر اكتمالاً للمساهمات. وأصبح لدى أعضاء الفريق الطاقة والقدرة على التركيز بشكل أقل على أنفسهم والتركيز أكثر على مصالح شركتهم وموظفيهم الذين كانوا قد أغفلوهم.
لقد اتخذوا القرار الواعي ببدء اجتماعاتهم من خلال الحديث عن المؤسسة أولاً بما في ذلك ثقافة المؤسسة وتدريب الموظفين وتطويرهم، قبل الانتقال إلى موضوعات العمل مثل الأداء المالي وتحديثات المشروع والموظفين. عندما بدؤوا بالتفكير أكثر حول كيفية تلبية احتياجات أعضاء فريقهم، تغيرت لهجة ومحتوى مناقشاتهم تماماً. يبدو وضع فريقك على رأس القائمة واضحاً، لكن المنافسة غير السليمة قد تصبح بسهولة مصدر إلهاء وعائقاً أمام تلبية احتياجات الآخرين.
قد تكون اللغة التي يستخدمها الأفراد في بعض الأحيان علامة على وجود منافسة غير سليمة في أي مؤسسة مثل الوقت مدفوع الأجر مقابل وقت غير مدفوع الأجر، والمشغلين مقابل النفقات العامة، والتسويق مقابل المهندسين. وقد تسرق الكلمات التي تبدو غير ضارة الانتباه من الأداء في حال اختفاء الرقابة. ويدرك القادة القائمون على الخدمة أنه عند وجود جدل حول الأشخاص الأكثر قيمة وأهمية بينهم، فإن الفريق بأكمله يعاني. لذلك يشجعون أعضاء فريقهم على التفكير في المجموعة ككل، وبناء علاقات بين الإدارات، وقضاء بعض الوقت للإقرار بكيفية مساهمة جهود الأفراد في الفريق.
قد يكون لممارسات القيادة القائمة على الخدمة تأثير فوري على مشاركة وفعالية الفرق عندما يتبناها المدراء الأفراد. وقد تكون القيادة القائمة على الخدمة أكثر فائدة حتى للأداء التنظيمي عند تفعيلها. وقد لاحظنا من خلال عملنا الاستشاري بعض الممارسات التنظيمية التي تعمل على تنمية الولاء والمشاركة مثل:
- تقديم وجبات مجانية للعاملين في الخطوط الأمامية والتي تحظى بتقدير أكبر عند تقديمها من قبل كبار القادة.
- إجازات مرضية مدفوعة الأجر وأيام عطلة قابلة للإحالة بين الموظفين، لذلك عندما يتعرض الموظف لحالة طوارئ شخصية أو عائلية، يمكن لزملائه المساعدة في تغطية غيابه.
- برامج التوجيه غير الرسمية والرسمية بحيث يتمتع كل موظف، وخاصة الموظف الجديد بالدعم الذي يحتاجه للقيام بعمله.
- ضرورة قضاء كبار المدراء بعض الوقت بشكل روتيني في أداء عمل موظفي الخطوط الأمامية بهدف أن يراهم جميع الموظفين وألا يغيبوا عن تجربة المواجهة.
قد تبدو هذه الإجراءات بسيطة، لكن هذا لا يعني أنها سهلة. أن تكون في خدمة موظفيك هي عملية وليست حدثاً. يستغرق الأمر وقتاً والتزاماً وجهداً، لكن المردود واضح: الولاء والمشاركة والأداء العالي.