كيف يغير الجيل الرقمي عملية الشراء بين الشركات؟

4 دقائق

تظهر الرسوم الكاريكاتورية العملية التجارية ما بين شركة وأخرى (B2B) على أنها اجتماعات لمدراء تنفيذيين كبار في السن ومندوبي مبيعات، يتكلّمون على الهاتف ويتناولون الغداء مع الموردين، حيث تركز محادثاتهم بشكل رئيسي على التفاوض على الأسعار وشروط الدفع.

اختفت بعض الوسائل التي كانت تعتبر إحدى خصائص العملية التجارية ما بين شركة وأخرى، مثل أجهزة الفاكس ومباريات الغولف الطويلة، وذلك بسبب التغير المذهل في التكنولوجيا خلال العقدين الماضيين. قام الجيل الرقمي الذي نشأ مع وجود الإنترنت والهواتف الذكية بتغيير الطريقة التي تبحث فيها الشركات عما تريد شراءه من شركة أخرى، كما قاموا بتغيير كل من طريقتي تأهيل الموردين وإجراء عمليات الشراء- لقد قاموا بتغيير قواعد اللعبة للمسوقين ومدراء المنتجات.

يشارك حوالي 73% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين الـ20 و35 عاماً في اتخاذ القرار بشأن شراء المنتجات أو الخدمات في الشركات التي يعملون بها، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة ميريت (Merit) عن المشتريين التابعين لـ"جيل الألفية"، حيث أفاد ثلثهم بأنهم هم وحدهم من يتخذون القرار في دائرة عملهم. وجدت دراسة جوجل/ ميلوارد براون ديجيتال الاستقصائية بشأن المشترين أنّ نحو نصف الأشخاص الذين يبحثون عن المنتجات الشرائية في عملية الشراء بين شركة وأخرى هم من الجيل الرقمي، وهذا العدد يزداد كل عام. أصبحت الشركات عند احتياجها لشراء منتج أو خدمة تقوم أولاً بالبحث عبر الكمبيوتر المحمول أو الهاتف الذكي، بدلاً من الاتصال الفوري بالبائعين أو قيامهم بالاجتماع معهم. يبدأ أكثر من 70% منهم بالقيام بعمليات بحث عمومية بدلاً من البحث عن علامات تجارية محددة، ومثال على ذلك "برنامج CRM". ويحدث التواصل مع مندوب المبيعات لاحقاً في عملية الشراء النموذجية، وأحياناً لا يحدث على الإطلاق. عندما يأتي الوقت الذي يجب أن يشارك فيه مندوب المبيعات في عملية الشراء، يكون قد سبق وحصل المشتري على كمية كبيرة من المعلومات بشأن سمعة الشركة ومواصفات المنتج وتقييمات نجاحات أو إخفاقات المنتج أو الشركة.

تعتبر هذه المجموعة من المشترين أنّ عملية البحث عبر الإنترنت والمواقع الإلكترونية للبائعين والنظراء والزملاء هي أهم مصادر للمعلومات (أهم من مندوب المبيعات). يفضّل الأشخاص الأصغر عمراً في هذه المجموعة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات. تشير دراسة فورستر (Forrester Research study) التي أجريت في العام 2017 إلى أنّ الجيل الرقمي يفضل الحصول على المعلومات بوقت مختصر، غالباً من خلال وسائل بصرية، ويعتقد هذا الجيل أنّ المكالمات الهاتفية مملة وتعطّلهم عن أشغالهم.

توضح دراسة باين آند كومباني (Bain & Company) عن الأشياء التي يقدّرها المستهلكون، وكيف يستفيد الناس من التكنولوجيا الرقمية بطرق متعددة. تساعد هذه التكنولوجيا لأنّها تقلّل من التكلفة، وتوفر الوقت، وتوحّد مصادر المعلومات، وتوصِل، وتنظم، وتُعلم، وتؤمّن للناس عملية الوصول إلى البيانات والخبرات السابقة التي يصعب العثور عليها – جميع هذه العناصر التي يقدّرها المشترون هي "عناصر القيمة" التي لها تأثير مباشر على كل من المستهلك وعملية الشراء ما بين شركة وأخرى واستخدام المنتج. (إنّ عناصر القيمة هي قيم أساسية يتم تقديمها من خلال عروض الشركة في أكثر أشكالها الأساسية تمايزاً، ما يفيد العملاء بطرق معينة). نقل الجيل الرقمي عاداته كمستهلك إلى عالم النشاط التجاري الذي يجري ما بين شركة وأخرى، وأصبحنا نرى المشترين الأكبر سناً يستخدمون هذه العادات أيضاً. يؤدي هذا التحول في السلوك إلى العديد من التأثيرات على نظريات القيمة في العملية التجارية ما بين شركة وأخرى.

أولاً، عندما يتم في نهاية المطاف دعوة مندوب المبيعات إلى مكان الاجتماع، فإنّ المشترين يكونون قد سبق وكوّنوا رأياً حازماً حول العديد من جوانب القيم المتوقع تقديمها من قِبل المورد. وبالتالي، يجب على مواقع الموردين الإلكترونية توفير كمية هائلة من المعلومات حول هذه الأنواع من القيم، مع تفاصيل حول الجوانب التي نجحت فيها منتجاتهم. ستقوم المراجعات بإخبار المشتري عن كيفية أداء المورد في العديد من الخطوات المتبعة من أجل سهولة ممارسة الأعمال التجارية، وقبل فترة طويلة من قيام المشتري باختبار الأمر بنفسه مع نفس المورد. لذلك، يجب على الموردين اختيار المحتوى الخاص بهم عبر الإنترنت بتأنّ وبانتظام، ويجب عليهم تشجيع العملاء الذين يؤيدون أعمال الشركة على وضع تعليقاتهم على المواقع ذات الصلة. يتثاقل العديد من الموردين في العملية التجارية التي تجري ما بين شركة وأخرى عن القيام بهذه الأنشطة، ويختارون بدلاً من ذلك توظيف استثمارهم في القوة العاملة في وظيفة مندوبي المبيعات أكثر من توظيفه في عملية تحسين وجودهم على مواقع الإنترنت.

ثانياً، نظراً لأن الجيل الرقمي قد تحرّى عن جوانب الموردين الوظيفية والمتعلقة بسمعتهم قبل وقت طويل من الالتقاء بهم، فمن الضروري أن يقدّم الموردون عناصر القيم الظاهرة في هذه الجوانب، مستخدمين الطرق التي يترقبها المشترون الأصغر سناً. على سبيل المثال، تظهر الدراسة التي أجريت في جامعة سانتا كلارا أنّ هذه المجموعة من المشتريين تستجيب بشكل إيجابي مع مندوبي المبيعات الذين يحفّزون مشاعر الثقة والتوافق والترابط، في الناحية الأخرى ستجد المشتريين الذين يبلغون من العمر 50 عاماً أو أكثر، يركزون بشكل أكبر على حوافز العملية التجارية والمواد المسلمة.

وأخيراً، تتطرق العديد من العناصر الأكثر أهمية إلى أنواع قيم أكثر خصوصية وإلهاماً. توصلت دراسة ميريت (Merit)، والتي تتماشى مع تحليل باين الخاص، إلى أنه في العملية التجارية ما بين شركة وأخرى 80% من المشتريين من جيل الألفية (والحصة الأكبر من جيل الألفية الأصغر سناً) يشعرون بأنّ الجهود البيئية والاجتماعية والإنسانية للشركات تصبح جهوداً مهمة عند النظر إلى هذه الشركات على أنها الموردة للخدمات.

يقوم عدد قليل من الشركات بتقديم الخدمات التجارية مستخدمين عناصر القيمة الملهمة هذه. وتُعتبر شركة هنري شاين للمنتجات الطبية مثال جيد على ذلك. تمتلك العديد من الشركات برامج المسؤولية الاجتماعية، ولكن في كثير من الأحيان لا تُعرف هذه البرامج من قِبل العملاء. في المقابل، تؤدي شركة هنري شاين عملها بطريقة تحفّز عملائها وشركائها في الصناعة على المشاركة في البرامج الإنسانية. تعزّز هذه البرامج إلى حد ما العلاقات بينهم وبين شركة هنري شاين، وتعلّل سبب دخول الشركة لـ15 سنة متتالية في قائمة "أفضل الشركات في العالم" والتي تصدرها مجلة فورتشن (Fortune).

إنّ الانطباعات الأولى مهمة، مثلما كانت دائماً في أسواق النشاط التجاري ما بين شركة وأخرى. اليوم، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ هذا الانطباع الأول يأتي من خلال مواقع الإنترنت، ومنتديات المستخدمين ودراسات الحالات السريعة، وليس من خلال الاجتماعات الترويجية بين المورد والمشتري. أماّ السؤال الرئيسي للمورد فهو: هل ينقل وجودك على وسائل الإنترنت عناصر القيمة التي قد اخترتها؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي