ملخص: تواجه العديد من المؤسسات صعوبة في كيفية دمج جهود الرقمنة المجزأة والمؤقتة بطريقة مستدامة. هل يوجد طرق لتسريع عملية الرقمنة وجعل نتائجها أكثر قابلية للتوقع؟ يوصي المؤلفون استناداً إلى بحثهم بثلاث روافع لتسريع مشاريع عملية الرقمنة التي ستساعد المؤسسات من أي حجم في جني فوائد عمليات التحوّل الحقيقية. تستمد تلك الاستراتيجيات جذورها من فكرة التعقيد عند استخدام الأدوات الرقمية، وهو مفهوم طوره المؤلفون للمساعدة في فهم الصعوبات التي يواجهها المستخدمون عند محاولة التعامل مع تأثيرات الأدوات الرقمية الجديدة على أعمالهم. وبمجرد أن يتقن المدراء التعامل مع ذلك التعقيد، سيتمكنون من تنظيم جهودهم الرقمية وتركيزها وتقديم عمليات تحوّل أكثر فاعلية.
منحت الجائحة العديد من المؤسسات دورة تدريبية مكثفة وغير متوقعة في مجال الرقمنة. وعلى الرغم من إحراز تقدم كبير فيما يتعلق بالمعدات الحاسوبية والبنية التحتية وفي عمليات العمل المحدثة والثقافة المؤسسية المتجددة حتى، تواجه العديد من المؤسسات صعوبة في كيفية دمج جهود عملية الرقمنة المجزأة والمؤقتة بطريقة مستدامة.
وسواء كان الهدف من أي جهد رقمي حماية استمرارية الأعمال التجارية أو تمكين الابتكارات الرقمية، يبقى أحد الأسئلة الرئيسة للمدراء: هل يوجد طرق لتسريع عملية الرقمنة وجعل نتائجها أكثر قابلية للتوقع؟ تُعتبر الإجابة عن ذلك السؤال مهمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي يجب عليها تركيز جهودها والتي قد لا تمتلك الموارد اللازمة للتعامل مع نهج "الفشل السريع" الذي تُبشر به المؤسسات الأكبر التي تُمثّل القدوة في تبني حركة الرقمنة.
ونوصي استناداً إلى بحثنا بثلاث استراتيجيات لتسريع مشاريع الرقمنة التي تساعد المؤسسات من أي حجم في جني فوائد عمليات التحوّل الحقيقية. تستمد تلك الاستراتيجيات جذورها من فكرة التعقيد عند استخدام الأدوات الرقمية، وهو مفهوم طورناه للمساعدة في فهم الصعوبات التي يواجهها المستخدمون عند محاولة التعامل مع تأثيرات الأدوات الرقمية الجديدة على أعمالهم. وبمجرد أن يتقن المدراء التعامل مع ذلك التعقيد، سيتمكنون من تنظيم جهودهم الرقمية وتركيزها وتقديم عمليات تحوّل أكثر فاعلية.
الدراسة
تستند رؤانا الثاقبة إلى دراسة بحثية استمرت مدة عامين في أحد البنوك الرائدة في أوروبا، حيث حلّت تجاربنا محل نظام الصيرفة الأساسي في البنك. قمنا بتمثيل إحدى وحدات الأعمال التي تقدم خدمات مشتركة لمرحلة ما بعد البيع ترتبط بأعمال الرهون والقروض في البنك. وركزنا في دراستنا على الفرق المختلفة في الإدارات الأساسية للوحدة، وعلى الاختلافات في الأساليب التي اتبعتها تلك الفرق لرقمنة أعمالها باستخدام النظام الجديد، وعلى مدى نجاحها.
وأجرينا أكثر من 60 مقابلة شخصية مع أصحاب المصلحة في مستويات مختلفة من الوحدة وراقبنا العمليات اليومية من كثب، بدءاً من إجراءات العمل الروتينية للموظفين باستخدام نظام قديم طُوّر منذ 30 عاماً وانتهاءً بمرحلة شعر فيها المسؤولون التنفيذيون في الوحدة أن فرقهم تتعامل بشكل جيد مع النظام الجديد. وأبدينا اهتماماً خاصاً بالتناقض بين الإدارات التي تمكنت من استخدام النظام الجديد بشكل فاعل وسريع وتلك التي واجهت صعوبات على مدى فترة طويلة. حيث أتاح لنا تحليل تلك الصعوبات تحديد الآليات الأساسية التي تتسبب في مشكلة التعقيد عند استخدام النظام والاستجابات الناجحة لتلك المشكلات.
النتائج الرئيسية
يفسّر التعقيد عند الاستخدام سبب سهولة تعلم استخدام الأداة الرقمية وبساطتها بالنسبة لبعض المستخدمين في ظل ظروف معينة وصعوبة استخدامها وتعقيدها بالنسبة لمستخدمين آخرين في ظل ظروف أخرى.
أجبر التعقيد عند الاستخدام في دراستنا الإدارات المختلفة على اتباع رحلات رقمية مختلفة، على الرغم من استخدام جميع الإدارات النظام نفسه في أداء مهامها. على سبيل المثال، استخدمت مجموعة واحدة من الموظفين نظام إدارة القروض الجديد المستند إلى نظام "ساب" (الأنظمة والتطبيقات والمنتجات المتخصصة في معالجة البيانات) لإدخال عقود جديدة. كان تعلم كيفية أداء العمل مع النظام الجديد أمراً سهلاً بالنسبة لهم. وفي تناقض صارخ، واجه الموظفون الذين احتاجوا إلى إجراء تعديلات على القروض الموجودة بالفعل وقتاً أصعب بكثير في تعلم كيفية التعامل معها. تمكّن الموظفون في المجموعة الأولى من تحقيق استخدام فاعل في غضون 6 إلى 8 أسابيع، في حين احتاج أولئك في المجموعة الثانية إلى أكثر من 6 أشهر ليواصلوا أداء أعمالهم بفاعلية مرة أخرى.
ولاحظنا وجود بُعدين يفسران ذلك الاختلاف: البعد الأول هو مدى الاعتماد على النظام، ويتطرق إلى مقدار المهام الممثلة في النظام، أي مدى تمثيل المهام والبيئة ذات الصلة في النظام من خلال البيانات والخوارزميات. والبعد الثاني هو مدى الاعتماد على المفاهيم الدلالية، ويحلل المستوى الذي يجب على المستخدمين الوصول إليه لفهم كيفية تمثيل المنطق التجاري لمهامهم في النظام. وتُوصف المهام المرقمنة (أي المهام التي تدعمها أداة رقمية) التي تحتوي على درجة عالية من كلا البُعدين أنها مهام عالية التعقيد.
تقتصر مهمة موظفي إدخال البيانات على تمثيل بيانات عقود القروض في النظام فقط. أي أن فهم المنطق الأعمق لعقود القروض أو كيفية تمثيل عقود القروض ومعالجتها في النظام ليس مطلوباً لإدخال البيانات بنجاح. وبالتالي، يُعد تعلم كيفية عمل النظام لأداء تلك المهمة المحددة أمراً بسيطاً نسبياً.
لكنها قضية مختلفة بالنسبة للموظفين القائمين على تحرير القروض. إذ بالإضافة إلى بيانات عقود القروض، يعتمد عدد كبير من مهام أولئك الموظفين على مفاهيم الأعمال التجارية الإضافية الممثلة في النظام (كحالة القروض أو قواعد حسابية معينة). حيث يحتاج أولئك الموظفين إلى فهم معنى البيانات وكيفية معالجتها من أجل إجراء التعديلات الصحيحة على القروض. ويُعتبر تعلم كيفية عمل النظام مهمة أكثر تعقيداً وجهداً بالنسبة لهم.
وتوضح تلك الأمثلة الأبعاد التي يرتكز عليها التعقيد عند استخدام النظام. أولاً، يزداد مدى الاعتماد على النظام عندما يجري تمثيل مزيد من مفاهيم الأعمال التجارية في النظام. ثانياً، يزداد مدى الاعتماد على المفاهيم الدلالية في حال تطلبت المهمة فهماً أعمق لتلك المفاهيم ولكيفية معالجتها من قبل النظام. يكمل البُعدان ويعززان بعضهما البعض، وسيكون تأثير الاعتماد على المفاهيم الدلالية أعلى بكثير إذا كان مدى الاعتماد على النظام عالياً أيضاً.
ويواجه المستخدمون هذين البُعدين في كل مرة يستعدون فيها معرفياً لأداء مهمة ما باستخدام نظام معين. سيتعلم المستخدمون كيفية أداء أعمالهم بمرور الوقت، أي بمجرد أن تصبح المهام روتينية، ولكن غالباً ما تكون الجهود المعرفية في المراحل الأولى من مشروع الرقمنة هائلة وتهدف إلى تحديد مدى ترابط الأدوات والمهام مع بعضها البعض من أجل أداء العمل بفاعلية وكفاءة.
وغالباً ما يجري التغاضي عن مشكلة التعقيد عند الاستخدام في مشاريع الرقمنة لاعتقاد القائمين على العمل أن عملية تفسير طبيعة المهام ومدى تعقيد النظام بشكل مستقل عن بعضهما البعض هي عملية كافية. حيث اعتُبرت المهام والعمليات مستقرة نسبياً ومستقلة عن النظام الجديد في بداية التحوّل في دراستنا. ونتيجة لذلك، لم يتمكن موظفو تحرير القروض من إكمال مهام الأعمال المهمة لأسابيع، وكانت الإدارة بحاجة إلى إعادة ابتكار نهج إدارة التغيير بالكامل لتغيير المشروع والتغلب على المشكلات التشغيلية في المجالات عالية التعقيد عند الاستخدام. فجلبوا مزيداً من الأشخاص لتقليل الأعمال المتراكمة، وطوروا مواد تدريبية جديدة، وغيروا حتى النظام المنفذ حديثاً، وهي تقنية لحل المشكلات لن تجد المؤسسات ذات الميزانيات الأصغر طريقة سهلة لتطبيقها. وتمكّن شريكنا في الدراسة من إدارة تلك المهمة الشاقة في النهاية، لكن الأمر استغرق شهوراً لإعادة الإدارات المتعثرة إلى مسارها الصحيح.
الاستراتيجيات الثلاثة للرقمنة المتسارعة
توفر دراستنا دروساً مهمة لأولئك الذين يسعون إلى دفع جهود الرقمنة إلى المستوى التالي، وتجنبهم بعض المشكلات والنفقات التي بذلها شريك الدراسة. ونورد فيما يلي الاستراتيجيات الثلاثة للرقمنة المتسارعة استناداً إلى النتائج التي توصلنا إليها والتقييمات المقدمة من المسؤولين التنفيذيين.
أولاً، إجراء عملية الاستقصاء اللازم قبل التنفيذ
طوّر خريطة تمثيل لوني تحدد درجات مختلفة من التعقيد عند الاستخدام ضمن المؤسسة. يوضح الجدول التالي البيانات التي ستحتاج إليها لإعداد خريطة تمثيل لوني.
ستكشف الخطوتان الأولى والثانية عن المهام التي ستعتمد على النظام الجديد وكيفية استخدام النظام للتعامل معها، وهو ما يتيح لك الانتقال إلى الخطوة 3، حيث ستحدد مكان المهام الفردية على المحور الأفقي لخريطة التمثيل اللوني (انظر الأشكال أدناه). وبمجرد أن تحدد المهام التي تعتمد على النظام، ستكشف الخطوة 4 عن مدى اعتماد تلك المهام على النظام (المحور العمودي). وبمجرد أن تفهم مكان وجود المهمة على المحور الأفقي، يمكنك البدء في إعداد خريطة تمثيل لوني (الخطوة 5) لتوضيح المستويات النسبية للتعقيد عند الاستخدام في المهام المختلفة التي سيجري رقمنتها. ضع المهام التي لا تستخدم النظام في المربع "دون" كما هو موضح في الأشكال البيانية.
وقد وضعنا خرائط تمثيل لوني لدرجة التعقيد لمجالين اثنين في الدراسة. يأتي عدد من المهام التي يتعين على موظفي تحرير القروض أداؤها مصحوبة بدرجة عالية من التعقيد عند الاستخدام (الرسم البياني العلوي)، وهو مؤشر على أن جهود التحوّل في هذا المجال ستكون أعلى مما هي عليه في المجالات منخفضة التعقيد عند الاستخدام التي تنطوي على إدخال البيانات (الرسم البياني السفلي).
وعلى الرغم من أن إعداد الخرائط يتطلب كثيراً من الجهد قبل أن تبدأ عملية الرقمنة الفعلية، يُظهر بحثنا أن هذا النهج قد يمنع الأخطاء المكلفة في وقت مبكر.
ثانياً، صمم خطة تحوّل قائمة على مراحل
تمكّنك تلك الخطة من توجيه الانتباه والموارد التنظيمية نحو المجالات منخفضة التعقيد عند الاستخدام نسبياً أولاً. تختلف جهود المشروع في "مجالات الربح السريع" تلك عن المجالات عالية التعقيد عند الاستخدام من حيث النطاق والقوى العاملة وتدابير عملية التحوّل. وعندما يبدأ العمل على نظام جديد في مجال استخدام منخفض التعقيد، يمكن لفريق التحوّل تبنّي نهج إدارة مشاريع رشيق وتعيين عدد قليل من الأشخاص الرئيسيين، كما يمكنه خفض أعضاء إدارة التغيير إلى الحد الأدنى. ومن المرجح هنا أن تؤتي استثمارات الرقمنة ثمارها بسرعة.
وبالإضافة إلى الاعتبارات المالية، تنطوي المكاسب السريعة على تأثير نفسي مهم. فنظراً لأن مشاريع الرقمنة غالباً ما تكون كسباقات الماراثون بدلاً من سباقات السرعة، وتتطلب تغييرات تدريجية في الهياكل التنظيمية والثقافة بمرور الوقت، تكون المشاريع التجريبية الناجحة في المراحل المبكرة بمثابة أداة توجيهية ومنارات تحفيزية، وهو ما يتيح اعتماد نهج رشيق لإدارة التحوّل يمكن تكييفه وتحسينه.
ويساعد تطبيق الاستراتيجيتين الأوليتين في تعويض الاستثمارات المبكرة بشكل أسرع وفي توليد الدافع لتنفيذ جهود أكثر تعقيداً في وقت لاحق.
ثالثاً، طوّر تدابير تحوّل مصممة خصيصاً
على سبيل المثال، قد تتطلب المجالات منخفضة التعقيد عند الاستخدام عقد دورات تدريبية تقليدية قائمة على الميزات لتعريف الموظفين بالنظام الجديد. في المقابل، يجب اتخاذ تدابير تدريبية أخرى لمعالجة الصعوبات النموذجية في المجالات عالية التعقيد عند الاستخدام. كما يجب عقد تدريبات مستمرة تركز على المهام هنا، إضافة إلى تعليق مؤقت لأهداف الأداء وفرص التعلم الذاتي والاجتماعي، وتلك هي بعض التدابير التي نجحت في حالتنا على سبيل المثال لا الحصر. تساعد خرائط التمثيل اللوني لدرجة التعقيد في وضع معالم تلك الجهود وتوجيهها إلى المجالات المحددة لأنها تُتيح للمسؤولين التنفيذيين تحديد المهام التي تمثل عوامل دافعة للجهد الرامي إلى تحقيق التحوّل الرقمي في تلك المجالات. ويمكن للمؤسسات بتلك الطريقة توجيه الموارد النادرة إلى المجالات التي تكون في أمس الحاجة إليها، وهو ما يجنبها التعثر في عمليات التحوّل وفقدان الوقت الثمين.
الآثار الإدارية
ستجد أن الوعي بقضية التعقيد عند الاستخدام يوفر رؤى ثاقبة قيمة تساعد في تسريع عملية الرقمنة ويكشف عن ثلاثة آثار مهمة للعمليات والمشاريع والأشخاص.
بالنسبة للعمليات والنظام والاعتماد على المفاهيم الدلالية التي تعد محفزات مهمة للتعقيد، حاول استكشاف طرق محدثة لتوثيق العمليات ونمذجتها. يجب أن تكون المؤسسات على دراية بأوجه الترابط في مهام مجال محدد إذا أرادت أن تحدد طبيعة الجهد في عملية التحوّل وأهميته (الاستراتيجية الأولى).
بالنسبة للمشاريع، يفتح الوعي بقضية التعقيد عند الاستخدام آفاقاً جديدة حول كيفية تنفيذ مشاريع التحوّل على مراحل، وهو ما سيجعل جهود التحوّل بدورها أسهل في التخطيط والتنفيذ (الاستراتيجية الثانية).
بالنسبة للأشخاص، يُظهر عملنا أن طرق الرقمنة الموحدة غير ناجحة، وذلك لسبب وجيه، إذ يجب أن تجري معايرة تدابير التحوّل بعناية مع المجالات التي تنطوي على تعقيد عند الاستخدام في المؤسسة (الاستراتيجية الثالثة). وينطبق ذلك على محتوى الدورات التدريبية (تعلم كيفية استخدام الأداة الرقمية مقابل ما يعنيه توفر أداة رقمية جديدة تساعد الموظفين في أداء أعمالهم)، وشكل الدورات (إلقاء محاضرات مقابل التعلم الذاتي أو التعلم الاجتماعي)، وتوقيت الدورات (ما قبل التنفيذ فقط مقابل الأسابيع أو الأشهر التي تلي التنفيذ إلى حين يجري العمل بشكل فاعل مرة أخرى).
وبالنظر إلى كل تلك العوامل مجتمعة، يمكّن إدراك التعقيد عند الاستخدام المدراء من تطبيق الاستراتيجيات الثلاثة عند تصميم رحلات التحوّل حتى تتمكن شركاتهم من جني الفوائد المرتبطة بـ "عملية الرقمنة" في أقرب وقت.