تمر الشركات في جميع أنحاء العالم بفترة تُدعى ازدهار التسوق بسبب عملية الاندماج الناجحة التي قد تحصل، ذلك أن الرغبة العالمية في إجراء عمليات الاندماج والاستحواذ وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 10 أعوام، على الرغم من الحرب التجارية المحتدمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وما دفع هذه الرغبة هو مرور سنوات من النمو الاقتصادي المطرد وانخفاض تكلفة الديون. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أحجام الصفقات المعلنة إلى 4.1 تريليونات دولار عام 2018، وهو ثالث أعلى مستوى على الإطلاق. ومن جانب آخر، ازدادت نسبة فشل عمليات الاندماج والاستحواذ لتصل إلى حوالي 80%. ومن البديهي أن إمعان النظر في عوامل الرغبة الجامحة للشراء والتوقعات المستقبلية لما بعد عمليات إجراء الصفقات سيجعلنا نتساءل: ما عمليات الاندماج والاستحواذ التي تمتلك أفضل فرص النجاح؟
اقرأ أيضاً: التقارب بين الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية يجعل عمليات الاندماج أكثر نجاحاً
وأفضل من يزودنا بإجابات عن هذا السؤال هم الأفراد الذين يشغلون المناصب التنفيذية العليا، وعلى وجه التحديد، الرؤساء التنفيذيون الذين تتمثل مهامهم في صياغة استراتيجيات شركاتهم واتخاذ قرارات الاندماج والاستحواذ النهائية، فضلاً عن التماسهم مشورة الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية الذين تنطوي مهامهم على تحديد أهداف الاستحواذ، وإجراء عمليات التدقيق اللازم، واتخاذ ترتيبات التمويل، والمشاركة في عمليات التنفيذ التي تُجرى بعد إتمام الصفقات. ويمكننا تشبيه علاقة الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية بالرؤساء التنفيذيين بعلاقة روبن بباتمان، وعلاقة الطبيب واتسون بشيرلوك هولمز.
قيادة عملية الاندماج الناجحة
يُظهر بحثنا أن وجود علاقة مثالية بين الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية يزيد من فرص نجاح عمليات الاندماج والاستحواذ، إذ تعمل النظرة الثاقبة للرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية على تخفيف النظرة التفاؤلية للرؤساء التنفيذيين.
فكل بطل متفائل بحاجة إلى صاحب متشائم
لماذا التفاؤل والتشاؤم؟ لأنهما من الخصائص المعرفية التي تؤثر في طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا، ذلك أن الأشخاص المتفائلين يميلون إلى التركيز على المعلومات الإيجابية الميسرة للأهداف، وتجنب التفكير في الحقائق غير المرغوب فيها. في حين يكون الأشخاص المتشائمون أكثر حساسية تجاه المعلومات السلبية التي تحول دون تحقيق الأهداف، كما أنهم أكثر حذراً ويقظة في جهودهم الرامية إلى تجنب الكوارث المحتملة.
وقد ثبت أن هاتين الصفتين تتناسبان مع منصبي الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية. فمن المتوقع أن يكون الرؤساء التنفيذيون أكثر تفاؤلاً وانفتاحاً على المخاطر. وقد تَبيّن اليوم أن المواصفات القياسية للرئيس التنفيذي في جميع الصناعات تنطوي على شخص متفائل وصاحب رؤى ثاقبة، وممثل جيد لصورة الشركة. ويُعد كل من ساتيا ناديلا وجاك ما وماري بارا، ضمن عدد قليل من الذين يتصفون بهذه الصفات. ولا يمكن للشركات إدارة نموها مع قائد ينأى بنفسه عن المخاطرة أو يكون غير قادر على أن يرى ما بعد المدى المتوسط.
اقرأ أيضاً: الصحة التنظيمية للمؤسسة هي العنصر السري في نجاح صفقات الاستحواذ الكبرى
ولكن توظيف هذه الرؤية المتفائلة في سبيل تحقيق عائد جيد على الأصول في مرحلة ما بعد عمليات الاندماج والاستحواذ، يتطلب قدراً قليلاً من التشاؤم. ولا بد أن ينبع هذا التشاؤم من الرئيس التنفيذي للشؤون المالية، الذي تتمثل مهمته في فحص أنشطة الشركات المستهدفة، وإجراء عمليات التدقيق اللازمة بدقة، وتحديد المخاطر المحتملة لأي عمليات اندماج واستحواذ. ومن المتوقع أن يكون الرئيس التنفيذي للشؤون المالية حذراً وعلى استعداد للتكيف مع الظروف المعاكسة، وأن يكون مثل حارس البوابة الذي يقود الرئيس التنفيذي الطموح إلى المسار الصحيح. وقد أفاد الرئيس التنفيذي للشؤون المالية السابق لشركة "فيسبوك" ديفيد إبيرسمان في مقابلة أُجريت معه في عام 2015 قائلاً: "بصفتي الرئيس التنفيذي للشؤون المالية لدى شركة كبيرة، أشعر بمسؤولية عظيمة تجاه أن أكون متشائماً إلى حد ما، وأن أفكر في مخاطر الاستثمارات المحتملة، وأن أضمن وجود من يتحدى إنفاق أي دولار على الشركة".
ثم درسنا تأثير العلاقة بين كل من الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية في 2,356 شركة أميركية أجرت حوالي 4,529 من عمليات الاندماج والاستحواذ، وتأثير هذه العلاقة في أداء الشركة. وركزنا بشكل خاص على مستويات التفاؤل والتشاؤم التي أضفاها شاغلو هذين المنصبين على قرارات الاندماج والاستحواذ. وجمعنا نصوص المكالمات الهاتفية الجماعية بين عامي 2002 و2013 بمشاركة كل من الرؤساء التنفيذيين والرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية، وقيّمنا تفاؤل المسؤولين التنفيذيين وتشاؤمهم من خلال تحليل استعمالهم للكلمات الإيجابية والسلبية. وتضمنت العبارات الإيجابية كلمات مثل "تحقيق" و"ضمان" و"فائدة" و"نجاح" و"مكافأة" و"إرضاء"، في حين شملت العبارات السلبية كلمات مثل "خلل" و"خطأ" و"تغاضٍ" و"معاقبة"، و"منع" و"لا مفر من ذلك". وقيّمنا مدى تفاؤل الرؤساء التنفيذيين من خلال حساب الفرق بين استعمالهم الكلمات الإيجابية واستعمالهم الكلمات السلبية، كما قيّمنا مدى تشاؤم الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية من خلال حساب الفرق بين استعمالهم الكلمات السلبية واستعمالهم الكلمات الإيجابية.
وأظهرت بياناتنا أن الرؤساء التنفيذيين استعملوا كلمات أكثر إيجابية، وكانوا أكثر تفاؤلاً من الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية بشكل عام، في حين استعمل الرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية كلمات أكثر سلبية وكانوا أكثر تشاؤماً من الرؤساء التنفيذيين. ثم قارنّا نسبة تفاؤل الرؤساء التنفيذيين بنسبة تشاؤم الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية بهدف استخلاص ما نسميه التفاؤل النسبي لعلاقة الرئيس التنفيذي بالرئيس التنفيذي للشؤون المالية. وطابقنا هذه القيم بعدد عمليات الاندماج والاستحواذ الخاصة بكل شركة، وقيمتها التجارية، ومستوى أدائها التشغيلي بعد عام.
ووجدنا أنه كلما كانت العلاقة بين الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية قائمة على التفاؤل، زادت عمليات الاندماج والاستحواذ التي أجرتها الشركة، وهو ما يعني وجود مستوى تفاؤل عالٍ لدى الرئيس التنفيذي مقابل مستوى تشاؤم منخفض لدى الرئيس التنفيذي للشؤون المالية. وأظهرت نماذجنا أن أي زيادة واحدة في الانحراف المعياري للتفاؤل النسبي لعلاقة الرئيس التنفيذي بالرئيس التنفيذي للشؤون المالية ستسفر عن زيادة بمقدار 8.2% في عدد عمليات الاندماج والاستحواذ.
لسوء الحظ، يرتبط التفاؤل الكبير للرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية لشركة ما بانخفاض "العائد على الأصول" (ROA) بعد عام من عمليات الاندماج والاستحواذ. وأظهرت نماذجنا أنه عندما كان التفاؤل النسبي لعلاقة الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية مرتفعاً، أي عند عمل رئيس تنفيذي عالي التفاؤل مع رئيس تنفيذي للشؤون المالية قليل التشاؤم، انخفض العائد على الأصول بنسبة 1.4% عند زيادة عدد عمليات الاندماج والاستحواذ. وعندما كان التفاؤل النسبي لعلاقة الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية منخفضاً (أي عند عمل رئيس تنفيذي قليل التفاؤل مع رئيس تنفيذي للشؤون المالية عالي التشاؤم)، ارتفع معدل العائد على الأصول بنسبة 4.7% عندما شهد عدد عمليات الاندماج والاستحواذ المستوى نفسه من الزيادة.
اقرأ أيضاً: أحد أسباب فشل الاندماج: عدم توافق ثقافات الشركات
وأبرز مثال على ذلك هو شركة المستحضرات الصيدلانية "سبيكتروم فارماسوتيكالز" (Spectrum Pharmaceuticals)، حيث كان التفاؤل النسبي بين الرئيس التنفيذي، راجيش شروتريا، والرئيس التنفيذي للشؤون المالية، بريت سكوت، ضمن أعلى 5 نسب مئوية، في حين كان العائد على الأصول مخيباً للآمال بنسبة -3.4% بعد أن أجرت الشركة عملية استحواذ في عام 2012. وعلى الجانب الآخر من مجموعة بيانات دراستنا، كان مستوى التفاؤل النسبي بين الرئيس التنفيذي لشركة "غلياد ساينسيز" (Gilead Sciences)، جون مارتن، والرئيس التنفيذي للشؤون المالية في الشركة، روبن واشنطن، في أدنى 5 نسب مئوية، ولكن شركة التكنولوجيا الحيوية هذه أعلنت عن عائد على الأصول بلغ 36% سنوياً بعد إجراء عملية استحواذ كبرى في عام 2009.
ونستنتج من ذلك أن وجود الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية المتشائمين يجعل الرؤساء التنفيذيين المتفائلين يجرون عمليات استحواذ أقل، كما أنهم يصبحون أقل احتمالاً لإجراء عمليات استحواذ عديمة القيمة. وتشير هذه النتائج إلى وجود علاقة مُثلى بين رئيس تنفيذي متفائل يمتلك رغبة جامحة في خوض المخاطر في عمليات الاندماج والاستحواذ، ورئيس تنفيذي للشؤون المالية متشائم يتسم بالحذر والدقة الكافية لإشعار هذا الرئيس التنفيذي بالمخاطر المحتملة. وارتبطت التباينات الأخرى التي لوحظت بين الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية بنتائج أقل عموماً.
أهمية الوضع الراهن
تُحدث البيئة التشغيلية للشركات فارقاً أيضاً في كيفية تأثير علاقة الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية في عمليات الاندماج والاستحواذ،
ذلك أننا وجدنا أن الشركات التي يتمتع رؤساؤها التنفيذيون ورؤساؤها التنفيذيون للشؤون المالية بتفاؤل نسبي كبير أجرت المزيد من عمليات الاندماج والاستحواذ في بيئات العمل الديناميكية. وحددنا هذه البيئات في بحثنا وفق إجمالي مبيعات الصناعة المتقلبة في السنوات الخمس السابقة. وتشير هذه النتائج إلى أن الرؤساء التنفيذيين كانوا أكثر عرضة للتشاور مع الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية في عمليات الاندماج والاستحواذ في أوقات عدم اليقين، فمن المحتمل أن تُجري الشركة المزيد من عمليات الاندماج والاستحواذ عندما يعمل المدير التنفيذي المتفائل جداً مع الرئيس التنفيذي للشؤون المالية المتشائم جداً. بمعنى آخر، تعمل البيئة الديناميكية على تحسين العلاقة الإيجابية بين تفاؤل الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية وعدد عمليات الاندماج والاستحواذ.
ويُعد الوضع الراهن المتمثل في وجود حرب تجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وقضية البريكست ديناميكياً على أقل تقدير، وقد أسفر عن تراجع المبيعات، ونشر التحذيرات وتوقعات النمو المتشائمة في مختلف القطاعات. وستؤثر نسبة تفاؤل الرئيس التنفيذي ونسبة تشاؤم الرئيس التنفيذي للشؤون المالية، في ظل هذه الظروف، في قرارات الشركات في مجال الاندماج والاستحواذ وفي أدائها المستقبلي.
وتتجاوز رؤانا الثاقبة عالم الشركات العامة وعمليات الاندماج والاستحواذ، إذ إنها تؤكد على أهمية تكامل الأدوار في الإدارة العليا في كل موقع، فليس من الضروري أن يتّسم كل المسؤولين التنفيذيين بامتلاكهم رؤى ثاقبة ونظرات تفاؤلية. بل يجب عليك توظيف أشخاص تتناسب شخصياتهم مع المنصب المراد شغله بهدف تكوين فريقك الأساسي. على سبيل المثال، يجب أن يكون الرئيس التنفيذي للشؤون المالية متشائماً أو حكيماً، في حين يميل رؤساء العمليات إلى التركيز على التفاصيل. ومن ثَم، لا توجد شخصية تلائم جميع المناصب.
ونؤكد أيضاً أن تكامل الأدوار يُعتبر شرطاً ضرورياً يُتيح للمناصب التنفيذية العليا الاستفادة من التنوع الذي ثبت أنه يدعم كل شيء، مثل تحقيق أرباح أعلى وخلق روح معنوية أفضل. وبينما يكون من الجيد بالتأكيد أن تمتلك شخصيات ومجموعات مهارات مختلفة في فريق الإدارة العليا، فإنه من الضروري أن تكون تلك الشخصيات والمهارات متوافقة بشكل مثالي مع المناصب التي تشغلها.
إن الفهم الجيد لموضوع عملية الاندماج الناجحة ولشخصية الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية وكبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين سيساعدك في تحقيق هذه المعادلة البسيطة أو إجراء عمليات توظيف للأفراد تنطوي على نسب نجاح كبيرة، سواء كنت رئيساً للشركة أو مستثمراً أو كبير موظفي الموارد البشرية. وقد يساعدك فهم هذه العلاقة أيضاً في أن تكون مدركاً لتوجهك الشخصي نحو التفاؤل أو التشاؤم.