كيف نجعل البيانات تحسن عملية الإدماج الرقمي؟

5 دقائق
عملية الإدماج الرقمي
shutterstock.com/Eskemar

ندرك جميعنا فوائد الحكومة الرقمية تمام الإدراك، وهذا ما يحفزنا إلى تعزيز عملية الإدماج الرقمي بالاعتماد على البيانات.

ففي الوقت الذي تساعد فيه التكنولوجيا الرقمية الحكومات على تحسين مشاركة المواطنين وتطوير خبراتهم وتعزيز كفاءاتهم والتوصل إلى حلول مبتكرة للتحديات المجتمعيّة، تمثّل تهديداً ينطوي على تضخيم قضية عدم المساواة القائمة بالفعل حول العالم نتيجة عوامل مثل عدم تكافؤ فرص الوصول إلى العالم الرقمي ونقص المعرفة الرقمية لدى البعض.

وتجلّت أوجه التفاوت تلك خلال الاستجابات التي نفّذتها الحكومات لمكافحة تفشي جائحة "كوفيد-19"، إذ تبيّن أن المؤسسات والأفراد الذين يتمتعون بإمكانية وصول أفضل إلى الإنترنت وبمستويات أعلى من المعرفة الرقمية كانوا أكثر استعداداً نسبياً للالتزام بتعليمات التباعد الاجتماعي وتدابير الإغلاق العام مقارنة بأولئك المهمشين أو من هم خارج المنظومة البيئية الرقمية المتكاملة.

مشكلة عملية الإدماج الرقمي حول العالم

ولشرح هذا السياق بشكل تفصيلي، لم يكن لدى حوالي 3.6 مليار شخص، أي ما يقرب من نصف سكان العالم، إمكانية الوصول إلى الإنترنت عندما انتشرت الجائحة، على الرغم من أن ما نسبته 93% من سكان العالم يقطنون في مناطق تدعم خدمات النطاق العريض المتنقل أو الإنترنت.

في عام 2019، استخدم الإنترنت حوالي 87% من الأفراد في البلدان المتقدمة مقارنة بحوالي 19% فقط في البلدان الأقل تقدّماً. قد يعتقد المرء عند النظر في هذه الإحصائية أن القضية مرتبطة بالدول الأقل تقدماً وبالاقتصادات الناشئة، لكن الحقيقة ليست كذلك. على سبيل المثال، يوجد 21 مليون نسمة يفتقرون إلى خدمة الاتصال بالنطاق العريض في الولايات المتحدة، وجاء ذلك بحسب لجنة الاتصالات الفيدرالية في الولايات المتحدة، وتشمل تلك النسبة 30% من سكان الريف و40% من المدارس و60% من مرافق الرعاية الصحية خارج المدن الكبرى في البلاد. من جانب آخر، تقدّر الإحصائيات التي جمعتها دراسات القطاع الخاص رقماً أعلى بكثير عندما يتعلق الأمر باستخدام الإنترنت بسرعة النطاق العريض، مثل الدراسة التي أجرتها شركة "مايكروسوفت". والنقطة المهمة هنا هي أن الاتصال والوصول إلى الإنترنت هي مشكلة يحتاج الجميع إلى حلّها، وليس فقط البلدان النامية.

كيفية تعزيز التكنولوجيا الرقمية من أجل عملية الإدماج الرقمي

لقد أكدتُ مراراً على ضرورة أن ينطوي الغرض من التكنولوجيا الرقمية في الحكومة على تمكينها من التركيز على الأفراد، لذلك، من غير المقبول التخلي عنهم في هذه الرحلة الرقمية.

اقرأ أيضاً: كيف ساعدت البيانات الصغيرة إحدى الشركات في تحاشي وقوع الكارثة؟

ولا شك أن الأبطال الرقميين حول العالم يدركون هذه المشكلة وأثرها في استراتيجياتهم الرقمية، لكن غالباً ما تكون السياسات والمبادرات في هذا الصدد ضيقة النطاق بسبب نقص البيانات المناسبة. وبحسب ما قال الأمين العام لفريق الأمم المتحدة رفيع المستوى المعني بالتعاون الرقمي: "سيجري دعم الجهود المبذولة لتحسين الإدماج الرقمي بشكل كبير شرط وجود مجموعة مقاييس واضحة ومتفق عليها للإشراف على تلك الجهود". 

وتعمل كلاً من "جمعية المستقبل الرقمي" (DFS) ووحدة التشغيل بجامعة الأمم المتحدة بشأن الحوكمة الإلكترونية المستندة إلى السياسات معاً في دراسة تهدف إلى فهم التحديات المرتبطة بالنهج الحالي وتطوير إطار عمل هدفه تحسين الإدماج الرقمي بمساعدة بيانات أفضل.

اقرأ أيضاً: كيف تقدم بياناتك بطريقة احترافية؟

وقد أُتيحت لي فرصة حضور ندوتهما المشتركة عبر الإنترنت مؤخراً كجزء من منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات 2020 (الذي ينظّمه الاتحاد الدولي للاتصالات واليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية)، حيث شاركا بعض النتائج الرئيسة لدراستهما. ولعل إحدى أهم النتائج التي توصلا إليها هي تلك المرتبطة بمنح العديد من الدراسات المختلفة الأولوية على "إمكانية الوصول" بهدف تقييم الإدماج الرقمي والإشراف عليه.

مهارات تحليل البيانات

يشير التحليل الذي شمل أكثر من 300 مقياس من مقاييس الإدماج الرقمي ومؤشراته الحالية من الدراسات الدولية والوطنية إلى أن غالبية المؤشرات (123 مؤشراً) تركّز على إمكانية الوصول، تليها المهارات (58 مؤشراً) ومن ثمّ الاستخدام (50 مؤشراً). ولا يوجد سوى 7 مؤشرات تُعنى بالإدماج الرقمي في مجموعات المستخدمين، حيث وجدت الدراسات على مجموعات المستخدمين أن تغطية البيانات القائمة على النوع الاجتماعي كانت أسوأ، وذلك نتيجة اقتصار تلك النتائج على الدراسة التي أجراها النظام العالمي للاتصالات المتنقلة، على الرغم من أن الدراسات التي أجراها الاتحاد الدولي للاتصالات تُظهر اتساع الفجوة من حيث استخدام الإنترنت على أساس النوع الاجتماعي.

ويوجد نتيجة رئيسة أخرى للدراسة تتناول البيئات الداعمة للإدماج الرقمي، ففي حين تطرق 38 مؤشراً إلى القدرة على تحمل التكاليف، لم يرد الكثير عن الهويات الرقمية وقضايا الأمن والثقة عند الحديث عن مهارات تحليل البيانات.

علاوة على ذلك، بلغت تغطية المقاييس الشائعة مثل إمكانية الوصول والاستخدام، و النأكيد على مهارات ثقافة البيانات مستوى عال للغاية. على سبيل المثال، يسلط مقياس "الوصول" في الغالب الضوء على توافر الإنترنت وإجراء الاتصالات الهاتفية، في حين تغطي المهارات في الغالب المؤشرات التقليدية المتعلقة بمحو الأمية مع تركيز دراسات قليلة فقط على الثقافة الرقمية ومجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM). إضافة لذلك، لن يكون بُعد "الاستخدام" مفيداً إلا في حال استخدم الفرد الإنترنت في فترة محددة، كما أنه لا يقدم معلومات عن طبيعة الاستخدام أو الغرض منه.

اقرأ أيضاً: كيف تصل إلى قرارات أفضل باستخدام بيانات أقل

ولا بد أن ذلك النقص في المعلومات التفصيلية وتجزئة البيانات على المستوى المحلي والإقليمي حسب الدخل والنوع الاجتماعي والموقع والمجتمعات والفئات العمرية والاستخدام يخفي الفجوات الحقيقية، وهو ما يجعل توجيه الموارد المحدودة في الاتجاهات الصحيحة أمراً صعباً للغاية على صانعي السياسات. كما أن نقص البيانات الدقيقة يعني أيضاً أنه من غير الممكن تطوير خدمات مخصصة لمجموعات مختلفة من المستهلكين ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما يعيق الجهود المبذولة لتحديد المجتمعات المهمشة، وبالتالي القدرة على ابتكار أيّ مبادرات تستهدفهم.

وبحسب رئيسة مركز التفكير "ديجيتال فيوتشر سوسايتي" (DFS)، كارينا لوبيز، تُعتبر المؤشرات والبيانات الوطنية المتاحة لنا مفيدة جداً لفهم ما يحدث على المستوى العالمي أو الوطني. في المقابل، من الضروري أن تساعد تلك البيانات صانعي السياسات الإقليميين والمنظمات غير الحكومية المحلية في تصميم برامجهم بهدف إحداث تأثير ملموس.

واقترحت الدراسة إطار عمل يوصي بالتوحيد، وفي بعض الحالات أوصت بتعزيز نطاق مقاييس "الوصول" و"المهارات" و"الاستخدام" و"البيئة الداعمة"، وذلك بهدف تحسين جودة البيانات المتاحة لواضعي السياسات وفي مسعى لتوحيد عملية القياس. على سبيل المثال، يشجع بُعد "الوصول" على التحقق أيضاً من توفر الكهرباء والأجهزة وجودة الوصول إلى الإنترنت.

وقد قام مورتن مييرهوف نيلسن، مستشار وحدة التشغيل المعنية بالحكومة الرقمية التابعة لجامعة الأمم المتحدة، بتسليط الضوء خلال الندوة عبر الإنترنت على إمكانية أن تقف التكلفة رادعاً رئيساً أمام عملية جمع البيانات الدقيقة. وعلى الرغم من أن "الوصول" يحظى بأولوية قصوى اليوم، أشار مورتن إلى ضرورة التركيز على جمع المعلومات حول الاستخدام وأنماطه لتعزيز إطار العمل، مستنداً إلى أساس منطقي مفاده أن الاستخدام النشط يحدث فقط عندما يمتلك الشخص إمكانية الوصول إلى الإنترنت والخبرة في العمل عليها. ويمكن لهذا التحول في التركيز أن يقلل من عدد المؤشرات التي يجب مراعاتها وأن يقلل من العبء على الموارد.

لا بد لنا أيضاً من استكشاف دور تقنيات أخرى، مثل الذكاء الاصطناعي، في تقليل العبء على عملية جمع البيانات وإدارتها، إذ يمكن للنظام المصمم لهذا الغرض أن يوفر معلومات لصانعي القرار بشكل آني بدلاً من انتظار دراسة رسمية قد تستغرق عاماً أو أكثر لإعدادها ونشر نتائجها. وسيؤدي التعاون الوثيق بين مزودي خدمات الاتصالات والمؤسسات الإحصائية الحكومية دوراً أساسياً في نجاح تلك العملية.

كما أؤمن أيضاً بضرورة توحيد التعاريف الأساسية للمؤشرات والمقاييس بحيث تكون أي مهارات ثقافة البيانات يجري جمعها من جميع أنحاء العالم قابلة للمقارنة. على سبيل المثال، إذا استخدمت بلدان مختلفة فئات عمرية مختلفة لتعريف المقصود بكلمة "الشباب" أو "كبار السن"، يصبح من الصعب على الباحثين معالجة تلك البيانات دون إجراء مزيد من التعديلات. وبالمثل، يجب أن نمتلك تعريفاً موحداً لهوية المتعلم الرقمي، ولا بد أن يكون ذلك التعريف مقبولاً عالمياً. لا يمكننا بالطبع استبعاد التفرد المحلي والثقافي في وضع ذلك التعريف الذي سيراعي النظر في بعض الاعتبارات الخاصة، إلا أنه من الممكن تحديد مجموعة أولية من المؤشرات لتوحيده.

وسيكون دور المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمنتدى الاقتصادي العالمي والبنك الدولي مهماً في سياق تحسين عملية الإدماج الرقمي، إذ لا بد أن تتحد تلك المؤسسات ذات النفوذ وأن تمثّل منصّة لأصحاب المصلحة، بمن فيهم شركات الاتصالات، تهدف إلى جمع الموارد وإنشاء منهجية إشراف وقياس مقبولة عالمياً.

ملحوظة: تستند تلك الرؤى الثاقبة إلى ورشة العمل الافتراضية التي تحمل عنوان "هل ننسى الإدماج الرقمي للمجموعات المهمّشة؟ توصيات لرصد الإدماج الرقمي" وقد بُثّت على موقع الاتحاد الدولي للاتصالات في 3 يوليو/ تموز عام 2020.

اقرأ أيضاً: كيف تشجع فريق عملك لمحو الأمية تجاه البيانات؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي