ملخص: لا تحدث عملية إنعاش العلامة التجارية الناجحة في لحظة، ولا توجد طرق مختصرة لها، بل ثمة سلسلة متواصلة من القرارات التشغيلية والإبداعية والاستراتيجية التي إذا تم تنفيذها على نحو منهجي، فستمنح العلامة التجارية أهميتها الثقافية وتُكسبها محبة المستهلكين وتجعلها وسيلة لنجاح الشركة. هذه العملية لا يظهر أثرها على المدى القصير، بل تمثل نهجاً شديد الفعالية على المدى الطويل.
من أجل إعادة ابتكار علامتك التجارية يجب أن تعيد النظر في أسلوب تعاملك مع منتج شركتك وقصتها وثقافتها وزبائنها. تبدو عملية إنعاش العلامة التجارية في العادة بسيطة ومنطقية وحتمية عندما يتم تدريسها في فصول كليات الأعمال وذكرها في الإعلام، لكن القليل من محاولات الإنعاش ينجح، وفي هذه الحالات النادرة يستغرق توليد النتائج المهمة أعواماً أو عقوداً من الزمن.
قامت علامات تجارية شهيرة، مثل "آبل" و"غوتشي" و"ماكدونالدز" بإنعاش استراتيجية التسويق لديها ونجحت في تجديد اهتمام العملاء، وتمكنت هذه الشركات من النجاح عن طريق التركيز على اتباع أسلوب جديد في تعاملها مع منتجها وقصتها وثقافتها وزبائنها. أصبحت هذه العناصر الأربعة التي عززتها التغييرات التنظيمية والتشغيلية محاور التحولات المستدامة في العلامات التجارية.
ابدأ من المنتج
شهدت شركة "غوتشي" للأزياء على مدى تاريخها المستمر منذ مائة عام وعام تضاؤل شعبيتها وتناميها وتعثر نتائج أعمالها وتعافيها، وهي اليوم ثاني أكبر علامة تجارية فاخرة في العالم. بدأت آخر عملية إنعاش لعلامتها التجارية في عام 2015 بتعيين الرئيس التنفيذي ماركو بيزاري والمدير الإبداعي أليساندرو ميشيل، إذ أجريا في العام الأول تغييرات أبرزها وضع رؤية إبداعية جديدة وتجديد المتاجر وتحسين العروض الرقمية، أدت إلى زيادة في الإيرادات السنوية بنسبة 7.8% وزيادة في الربح التشغيلي السنوي بنسبة 21.7% وزيادة في مبيعات الإنترنت في الربع السنوي الأول مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2015.
عندما تسلم ميشيل دور المدير الإبداعي أسس "طلّة غوتشي" (Gucci Look)؛ مزيج مستوحى من عصر الهيبيز وعصر النهضة يتميز بالأزهار والترتر والبهرجة البراقة والمفاجآت والغرابة والتعبير الإبداعي والإكسسوارات والطبعات التي تشير إلى زخارف الفروسية. واليوم أصبح من الممكن تمييز الطلة الكثيفة التفاصيل ذات التركيز على الجمالية المفرطة والرومانسية الجديدة فوراً على أنها "طلّة غوتشي" في جوهرها، سواء في الشوارع أو في عروض الأزياء. وأصبحت كلمات مثل "يتملكني شعور غوتشي" (I feel Gucci!) أو "هذا يبدو غوتشي جداً" (That’s so Gucci!) جزءاً من قاموسنا الثقافي.
شهدت شركة "آبل" تحولاً مماثلاً في منتجاتها. بعد عودة ستيف جوبز إلى الشركة في عام 1997 بفترة قصيرة، دعا لعقد اجتماع وجه فيه الانتقادات لموظفيه. سألهم: "أتعرفون ما مشكلة هذه الشركة؟ المنتجات سيئة. ولم يعد فيها ما يثير الاهتمام". يُقال إن هذا الاجتماع كان مصدر الإلهام الذي أدى إلى اختراع جهاز الكمبيوتر المحمول "آي ماك" (iMac). في الأشهر الثلاثة الأولى من إنتاج هذا الجهاز، باعت الشركة 800,000 وحدة منه وجنت أرباحاً بقيمة 309 ملايين دولار في عام 1998 و601 مليون دولار في 1999. كان جهاز "آي ماك" إشارة إلى أن شركة "آبل" استعادت قدرتها على توليد الأرباح.
فهمت شركتا "آبل" و"غوتشي" أن الناحية الجمالية من العلامة التجارية المميزة هي عنصر حاسم في إنعاشها، وكلما كانت الناحية الجمالية محددة أكثر ازدادت الدقة التنظيمية التي تفرضها على التصميم وأسلوب القص وطريقة البيع وازداد مجال العمل التعاوني بين هذه الوظائف لتقديم تجربة جديدة مشتركة للعلامة التجارية. تترجم الناحية الجمالية من العلامة التجارية المميزة إلى المنتجات الأساسية التي تعتبر بمثابة الخلاصة الأنقى لحقيقة العلامة التجارية. بالنسبة لشركة "غوتشي" تتمثل هذه المنتجات في حقائب "جي جي مارمونت" و"سوهو" وأحذية "برنستاون" الخفيفة وحزام "جي جي" ورمز "جي جي" (GG) على الأقمشة المطبوعة بالإضافة إلى البدلات والفساتين المستوحاة من السبعينيات، أما بالنسبة لشركة "آبل"، فهذه المنتجات الأساسية هي مجموعة أجهزة الكمبيوتر المحمولة "ماك" وأجهزة "آيباد" و"آيفون" و"ساعة آبل" وسماعات "إيربودز" اللاسلكية.
تساعد هذه المكونات الأساسية للعلامة التجارية في توجيه تركيز عمليات إنعاشها، وينبغي لكل شركة مهما كانت المنتجات التي تبيعها تطوير مكونات أساسية كهذه في محاولة إعادة بناء علامتها التجارية. وحتى مطاعم الوجبات السريعة تقدم منتجات خاصة بها تعتبر توقيعاً لعلامتها التجارية. يقدم مطعم "ماكدونالدز" شطيرة "بيغ ماك" ووجبة "ماك ناغتس" وأصابع البطاطس المقلية، لكنه عانى من صعوبات في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة لأنه حاول توسيع قائمة الوجبات التي يقدمها بهدف جذب شريحة أوسع من الزبائن، وفي عام 2015، أوقف المطعم عروض الوجبات ووجه تركيزه إلى السعر والجودة، وأدى قرار "أقلّ ولكن أفضل" هذا إلى زيادة مبيعاته لتتجاوز 100 مليار دولار في عام 2019 وزيادة الهامش التشغيلي بنسبة 43% عاماً بعد عام. منذ أن وجه مطعم "ماكدونالدز" تركيزه إلى منتجاته الأساسية ازدادت قيمته السوقية بمقدار الضعف تقريباً لتصل إلى 160 مليار دولار.
حسّن قصة علامتك التجارية
تمنح قصة العلامة التجارية الواضحة والمقنعة المنتجات سياقاً ووصفاً يساعدان على زيادة رغبة الزبائن فيها؛ عندما تبيع العلامة التجارية منتجاتها فهي تبيع قصتها، وعندما يشتري المستهلكون المنتجات فهم يساهمون في هذه القصة. أما داخلياً فهذه القصة توحّد المؤسسة وتبسّط عملية صناعة القرار، وهي تربط الأنشطة التحريرية للعلامة التجارية بمجموعات منتجاتها وتوجه التصميم ليدمج محاور روايتها (كالنمط المميز أو الإبزيم أو اللون أو أسلوب الخياطة) ويحولها إلى منتجات وتبسط عمليات البيع والتزيين والتسويق. بالإضافة إلى أن رواية القصة تعتبر عملة ذات قيمة بالنسبة للعلامة التجارية، فهي أساسية في اكتساب الزبائن وولائهم؛ ما إن يساهم الزبائن في قصة العلامة التجارية تقل احتمالات تركهم لها أو انتقالهم إلى غيرها مقارنة بشراء أحد منتجاتها فحسب.
عندما تولى ميشيل منصب المدير الإبداعي في شركة "غوتشي" بدأ على الفور بإجراء تغيير ثوري على رواية العلامة التجارية. فغيّر الرواية التي كانت تركز على النوع الاجتماعي وجعلها عالماً محدداً بوضوح؛ كثيف التفاصيل يشبه الأحلام ويركز على الناحية الجمالية المفرطة وتدور قصته في عالم الحدائق السرية والمخلوقات الخيالية. قطع الكريستال والكشكش ودرجات الألوان الزاهية ورسوم صغار التنانين هي جميعها أوجه من علامة "غوتشي" التجارية. وعالمها الإبداعي إلى حد بعيد والانتقائي والشامل حاضر في متاجر مثل متجر "حديقة غوتشي" (Gucci Garden)، وهو مكان يشبه المتحف ضمن قصر "ديلا ميركانتزيا" (Palazzo della Mercanzia) الذي لا يبيع سوى أشياء فريدة من نوعها، وفي سلسلة مطاعم "غوتشي أوستيريا دا ماسيمو بوتورا" (Gucci Osteria da Massimo Bottura) المعاصرة الراقية، وفي 483 متجراً عالمياً. في عام 2016 وبعد تعيين ميشيل، ازدادت المبيعات في المتاجر التي تديرها الشركة مباشرة بنسبة 28% في الربع الأخير من العام، وكانت النتائج قوية في جميع المناطق. يرتبط النمو السريع في مبيعات شركة "غوتشي" مباشرة بقصة علامتها التجارية الجديدة، علماً أن هذا النمو هو أسرع نمو شهدته منذ 20 عاماً.
تواصل مع الثقافة الشعبية
تعكس الروابط الثقافية دور العلامة التجارية في العالم وتضمن مصداقيتها لدى جمهورها المستهدف، يقول مؤسس شركة "ماكدونالدز"، راي كروك دائماً: "نحن لا نعمل في صناعة شطائر البرغر، بل نعمل في عالم الاستعراض". عملت شركة "ماكدونالدز" مؤخراً بالتعاون مع المشاهير جيه بالدوين وترافيس سكوت وفرقة "بي تي إس" على مشروع "طلبات المشاهير" الذي يسمي الوجبات ذات القيمة بأسمائهم.
على الرغم من أن هذا الارتباط الجديد والرائج بالثقافة الشعبية يساعد في إنعاش العلامات التجارية التي تعاني من الصعوبات، فأسرع طريقة لاستعادة أهمية العلامة التجارية الثقافية تتمثل في تفكيك ما تسبب بنجاحها في المقام الأول. تعتبر سجلات محفوظات العلامات التجارية منجم ذهب يضم الكلاسيكيات المحبوبة التي يتم التخلي عنها غالباً، فعندما تنمو العلامة التجارية وتنضج تنسى غالباً الشرارة التي تسببت بهذا النجاح كله. تتمتع العناصر المفضلة القديمة التي تشكل جزءاً من تقاليد العلامة التجارية بالقدرة على دفع معجبيها القدامى والجدد للتفاعل معها من جديد وبسرعة عن طريق إثارة مشاعر الحنين الحقيقية أو المبتدعة لديهم.
في الحملة التي أقامتها شركة "غوتشي" في ذكراها المئوية تحت عنوان "غوتشي 100"، أشادت بتاريخ علامتها التجارية وتأثيرها على الثقافة الشعبية، واستعرضت مجموعة حصرية من المنتجات التي قدمتها على مدى تاريخها الممتد على مدى قرن كامل في صناعة الأزياء. فتحت الشركة 100 متجر تجزئة مؤقت، وتشاركت مع شركتي "آبل" و"سبوتيفاي" لإبراز الموسيقى التي تكرّم جماليات الشركة الراسخة في قوائم التشغيل. عن طريق استحضار مواضيع علامة "غوتشي" التجارية بالموسيقى ودمجها مع منتجاتها الجديدة والقديمة تمكنت الشركة من استثمار إرثها وتمديد دورات حياة منتجاتها.
يمكن أن تساعد هذه الاستراتيجية في نقل تاريخ العلامة التجارية إلى الحاضر وتذكير الناس بالمنتجات المبتكرة التي منحت العلامة التجارية عظمتها في المقام الأول. لكن تعديل المنتجات القديمة ليس كافياً، بل يجب على العلامات التجارية نقل الإرث إلى الزبائن الجدد والقيم العصرية أيضاً؛ أطلقت شركة "غوتشي" مؤخراً متجرها الإلكتروني "فولت" (Vault) وهو موقع إلكتروني يمزج بين العناصر القديمة المفضلة والمصممين الجدد الذين يركزون على قيم علامة "غوتشي" التجارية كالتنوع وحيادية النوع الاجتماعي والاستدامة.
اعرف زبائنك
كان لدى شركات "آبل" و"غوتشي" و"ماكدونالدز" أمر مشترك واحد عندما بدأت بإنعاش علاماتها التجارية، ألا وهو فهمها الذكي لما يريده زبائنها، وهو ليس بالأمر السهل. تملك الشركات كثيراً من بيانات الزبائن ولكنها تفتقر عادة إلى الرؤى المتعلقة بهم؛ فبيانات الزبائن تُستخدم في أقسام مختلفة من المؤسسة لا ترابط بينها، وعندما يتم تقديمها يكون من الصعب فهمها والعمل بناء عليها. ومن أجل جَسر هذه الفجوة ينبغي للعلامات التجارية إنشاء إطار عمل متعلق بالزبون يكون توجيهياً وعملياً ويتمتع بالأهمية بالنسبة إلى عدد من أصحاب المصلحة الداخليين في آن معاً، يقوم إطار العمل هذا بترجمة البيانات الكمية إلى رؤى نوعية يمكن لمصممي المنتج والمسؤولين عن شراء الوسائط والمبدعين والتجار فهمها بنفس الدرجة.
وأول خطوة من عملية بناء إطار عمل قابل للتنفيذ حول الزبائن هي التركيز على أهداف الزبائن الأساسية والتعمق في دوافعهم واهتماماتهم وعاداتهم في استخدام الوسائط وأهم العوامل التي تؤثر فيهم ونقاط الشراء الأساسية وعوائق الشراء. حدد السمات الأساسية التي تتمتع بالقيمة بالنسبة لهم، ومنها ميزات مثل الرواج والقدرة الوظيفية والراحة والإشارة إلى المكانة. سيختلف ذلك من علامة تجارية إلى أخرى، ولذلك من الضروري أن تقوم أي علامة تجارية تحاول استعادة ألقها بإجراء هذا البحث قبل أن تتخذ قرارات التخطيط الحاسمة.
لا تحدث عملية إنعاش العلامة التجارية الناجحة في لحظة، ولا توجد طرق مختصرة لها، بل ثمة سلسلة متواصلة من القرارات التشغيلية والإبداعية والاستراتيجية التي إذا تم تنفيذها على نحو منهجي، فستمنح العلامة التجارية أهميتها الثقافية وتُكسبها محبة المستهلكين وتجعلها وسيلة لنجاح الشركة. هذه العملية لا يظهر أثرها على المدى القصير، بل تمثل نهجاً شديد الفعالية على المدى الطويل.