كيف تبني علاقات عمل قوية عن بُعد؟

7 دقائق
علاقات عمل قوية

ملخص: قبل انتشار الجائحة تماماً، أجرى المؤلفان مقابلات شخصية مع 82 مديراً من 4 مناطق مختلفة من العالم وتحدثا إليهم عن قرار منح الثقة لشركاء العمل الجدد. ثم في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول من عام 2020، أجريا مقابلات جديدة مع 21 مديراً من نفس المجموعة وسألاهم عن تأثير الجائحة في قدرتهم على تطوير علاقات العمل الجديدة، ولاحظا استمرار تأثير الاختلافات الثقافية. ولكن تجربة المدراء المشتركة في الاضطرار إلى عقد الاجتماعات عبر الإنترنت ولّدت إجماعاً بينهم على أنه يكاد يكون مستحيلاً بناء العلاقات القائمة على الثقة التي تدعم أعمالهم عادة في أثناء الجائحة، إذ لا يمكن عقد الاجتماعات إلا افتراضياً. يناقش المؤلفان التحديات التي واجهها المدراء في بناء علاقات عمل عبر الإنترنت، ثم يقدمان 4 نصائح من الخبراء للتغلب عليها.

 

على الرغم من أن الكثير من المدراء تكيفوا مع الاجتماعات الافتراضية بدلاً من الاجتماعات الشخصية وجهاً لوجه نتيجة لجائحة "كوفيد-19"، فتطوير علاقات عمل قوية جديدة ينطوي على مجموعة مميزة من التحديات. بما أن العلاقات الناجحة تقوم على الثقة فمن الضروري أن نبذل جهداً لحل مواضع القصور في التفاعلات الافتراضية.

في كتابنا "البحث عن الثقة في الاقتصاد العالمي" (Searching for Trust in the Global Economy)، وضحنا أننا أجرينا قبل انتشار الجائحة تماماً مقابلات شخصية مع 82 مديراً من 4 مناطق مختلفة من العالم وتحدثنا إليهم عن قرار منح الثقة لشركاء العمل الجدد، فاختلفت أجوبتهم باختلاف المناطق والثقافات. مثلاً، لاحظنا أن المدراء في كل من أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وجنوب آسيا يرغبون في قضاء بعض الوقت مع شريك العمل المحتمل للتعرف عليه شخصياً كي يتمكنوا من الوثوق به، كان المدراء في أميركا اللاتينية يعملون في هذا الوقت على تقييم ما يحمله الشريك المحتمل من قيم مشتركة، في حين يركز المدراء في الشرق الأوسط وجنوب آسيا على تقييم احترامه للقيم المختلفة.

ثم في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول من عام 2020، أجرينا مقابلات جديدة مع 21 مديراً من نفس المجموعة وسألناهم عن تأثير الجائحة في قدرتهم على تطوير علاقات العمل الجديدة، ولاحظنا استمرار تأثير الاختلافات الثقافية. مثلاً، لم تتغير الثقة في أثناء الجائحة، إذ كانت متدنية في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وجنوب آسيا مقارنة بشرق آسيا والغرب. ولكن تجربة المدراء المشتركة في الاضطرار إلى عقد الاجتماعات افتراضياً ولّدت إجماعاً بينهم على أنه يكاد يكون مستحيلاً بناء العلاقات القائمة على الثقة التي اعتادوا أن تدعم أعمالهم في أثناء الجائحة إذ لا يمكن عقد الاجتماعات إلا افتراضياً. وضحوا أن الاجتماعات الافتراضية تقوم على التعاملات بين الطرفين فقط في حين يتطلب اتخاذ قرار بالوثوق بشريك العمل الجديد بناء علاقات أعمق.

لذا، نناقش في هذا المقال تحديات معينة واجهها المدراء في بناء علاقات العمل افتراضياً، ثم نقدم 4 نصائح من الخبراء حول التغلب على هذه التحديات.

التحدي

تمكنا في المقابلات التي أجريناها قبل الجائحة من تحديد 4 معايير يستخدمها المدراء في اتخاذ القرارات المتعلقة بالثقة، وهي الانفتاح والكفاءة والاحترام والرابط (أي القيم المتماثلة). وفي المقابلات التي أجريناها في أثناء الجائحة سلطنا الضوء على صعوبة البحث عن المعلومات اللازمة لتقييم الشركاء المحتملين وفقاً لهذه المعايير حين ينحصر التعامل معهم في التفاعلات التي تتم عبر الإنترنت وفقاً لخطة محددة وضمن وقت محدود.

مثلاً، وضح لنا أحد المدراء من اليابان قائلاً:*"من الصعوبة بمكان تقييم درجة الكفاءة قبل أن تلتقي بالشريك المحتمل". وأضاف مدير آخر من هونغ كونغ: "أعتقد أنه من الصعب جداً إقناع شخص بالتوقيع على صفقة تصل قيمتها إلى مليار دولار في كمبوديا مثلاً، من دون أن يرى أرض المشروع فعلياً".

كما أبدى المشاركون أسفهم لتقييد التفاعلات عبر الإنترنت قدرتهم على مشاهدة تفاعلات الشركاء المحتملين فيما بينهم مباشرة والاستماع لهم. وضحت مديرة من تايلاند أنه من الصعب فهم عملية صنع القرار في شركة الشريك المحتمل حين تعقد الاجتماعات عبر الإنترنت، وكانت شركتها قد أرجأت اتخاذ القرارات النهائية إلى أن تنحسر الجائحة ويصبح بالإمكان عقد الاجتماعات وجهاً لوجه. قالت لنا: "ما إن تمكنا من إلقاء نظرة مباشرة علمنا أن جميع قرارات الشريك المحتمل يتخذها شخص واحد، لذلك لم نعمل معه في نهاية المطاف".

نصيحة من خبير في بناء الثقة

بعد عامين من الجائحة عرفنا جميعنا ما يمكن وما لا يمكن فعله عبر الإنترنت، يتمتع المدراء الذين أجرينا معهم مقابلات شخصية بخبرات وحكمة كبيرة فيما يتعلق ببناء الثقة مع شركاء العمل الجدد. فيما يلي 4 دروس مستقاة من خبراتهم.

1. لا تتخطَّ التعارف الشخصي

على الرغم من أن تخصيص الوقت في الاجتماعات الافتراضية للتعرف على الآخرين من الجانب الشخصي ليس أمراً مثالياً، فهو مهم جداً لبناء الثقة في سياق بناء العلاقة الجديدة. وأسباب أهمية تخصيص الوقت لمحادثات ذات طابع شخصي أكثر هي:

في العالم الافتراضي، لا تحصل على الكثير من الفرص للتعرف على الشخص الآخر، فالوقت محدود ولن تبدأ بالدردشة حول عائلتك أو نشأتك. أتوقع أن صعوبة التحدث عن الأمور الشخصية في اجتماع افتراضي مع شخص ما أصعب كثيراً من التحدث عنها وأنتما تتناولان الغداء معاً حيث تظهر الحواجز أو تزول بعد مرور 30 دقيقة أو ساعة. مدير من بوليفيا

هي الأمور التي لا يمكن أن تعرفها لأن الاجتماع الافتراضي يسير وفقاً لخطة عمل معينة. إن عقدت اجتماعاً عبر الإنترنت فلن تخصص وقتاً كافياً للحديث بعيداً عن الإنترنت للحصول على الأدلة. مدير من ألمانيا

كنا جميعنا نستمع للحوار وننظر إلى الشاشة في الاجتماع عبر اتصال الفيديو، ولكننا لا نزال نفضل اللقاءات وجهاً لوجه. ففي الاجتماعات الشخصية وجهاً لوجه تستطيع خوض أحاديث جانبية مختلفة بعد الاجتماع، في حين أن هذه الأحاديث تجري الآن على منصة "واتساب" أو الرسائل النصية أو عبر الهاتف، ولكنها تكون سريعة في الأوقات المستقطعة في سيارة الأجرة أو ما شابه. ولكن لحظات التفاعل الشخصي وجهاً لوجه هي التي تبني الثقة مع الشريك. مدير من سنغافورة

2. استعن بشبكات معارفك

يمكن للأشخاص ضمن شبكات معارفك الحالية تعريفك على الشركاء المحتملين أو مساعدتك في تقييمهم، ويمكن أن يكونوا كوسيط. وضح مصالحك المشتركة مع الشريك المحتمل وتساؤلاتك بشأنه، وإليك بعض ما قاله بعض المشاركين حول بناء العلاقات:

ليس لدينا صيغة محددة. كل ما عليك هو البحث ضمن شبكة معارفك عن الأشخاص الأكثر قدرة على مساعدتك ولديهم الرغبة في المساعدة، وعندما تحدد 3 أو 4 أشخاص يمكنك الاتصال بهم وقول: "أرغب بلقاء شخص معين، هل يمكنك مساعدتي وتقديمي له؟" مدير من الولايات المتحدة

قدمتنا إحدى الشركات الألمانية التي نعمل معها إلى شركتها الفرعية في النمسا، وعقدنا اجتماعاً جيداً مع قادتها. لكن بعد ذلك خضعت الشركة النمساوية لعملية إعادة تنظيم وظننت أننا قد نفقد جميع أعمالنا معها، غير أن قادة الشركة الجدد الذين لم نعمل معهم من قبل تواصلوا معنا وقالوا إنهم راغبون في الاستمرار بالعمل معنا في العام المقبل. مدير من إيطاليا

ازدادت أهمية تزكية المعارف الذين باتوا يمثلون صلة وصل لأنه ليس سهلاً التواصل مع شخص لا تعرفه، لذلك تزايدت رغبة الناس بهذه التزكية، لأننا حالياً غير قادرين على التواصل مع من لا نعرفهم. لديك جميع وسائل التواصل من بريد إلكتروني وغيره، ولكنها ليست كافية. مدير من تركيا

وضح لنا أحد المدراء اليابانيين أنه حدد أعمالاً جديدة محتملة في تايوان، ولكن مع انتشار الجائحة لم يتمكن من زيارة الموقع، فلجأ إلى شركة يابانية أخرى يثق بها ويعلم أن لديها معارف في تايوان يمكنهم زيارة الموقع ومقابلة بعض الأشخاص نيابة عنه. قال لنا: "الآن بتنا نطلب الخدمات من طرف ثالث موثوق به".

3. فكر في إجراء تجربة مع الشريك الجديد

إن تواصل أحدهم معك بشأن شراكة جديدة، فابدأ باستثمار أصغر من الاستثمار الذي يمكن أن تقوم به لو تمكنت من مقابلته شخصياً. وأيضاً، في حال كنت أنت من تتواصل مع شريك محتمل بشأن مشروع جديد، يجب أن تدرك أن تفضيله لعقد صفقة أولية أصغر قد يفضي إلى صفقات أكبر في نهاية المطاف. قال لنا مدير من المملكة العربية السعودية:

أنهينا صفقة تجارية الأسبوع الماضي، وهذا تعاملنا الأول مع هذا الشريك، لكننا أعجبنا بهذه الفرصة وأحببنا الأسواق وكانت نتائج الفحص النافي للجهالة الذي قمنا به إيجابية عموماً. كنا عازمين على ضخ مبالغ أكبر في هذا الاستثمار تحديداً، ولكن بسبب عدم قدرتنا على لقاء الفريق شخصياً ورؤية شركته بأعيننا، قررنا أن نجري الاستثمار على مراحل. وقلنا إننا نرغب في استثمار مبلغ معين الآن مع إمكانية استثمار مبلغ إضافي في المستقبل عندما نتمكن من عقد اجتماع شخصي وجهاً لوجه مع الشركاء.

4. شارك الخبرات مع الشركاء الذين تثق بهم

قد تتمكن من مساعدتهم على تبسيط عملياتهم وبالتالي توفير التكاليف، أو تقديم خدمات أفضل لعملائهم وبالتالي تطوير أعمال جديدة لك ولهم.

قال أحد المدراء من نيكاراغوا موضحاً:

نعمل على إنشاء برامج على الإنترنت لمساعدتهم في بيع منتجاتهم، وهذا يساعد في بيع منتجنا ويساعدهم في بيع جميع منتجاتهم، مكننا ذلك من توسيع أعمالنا معهم لأنهم يرون أننا نسعى لمساعدتهم. الأمر ليس محصوراً بالأعمال فحسب، بل هو محاولة كل منا مساعدة الآخر للاستمرار في هذه البيئة الجديدة.

قال لنا مدير آخر من فنلندا إن تجهيزات شركته لديها القدرة على نقل معلومات رقمية عن الأداء، وكان العملاء الذين لم يطلبوا هذه الخدمة في عقودهم الأصلية يسألون عن طريقة تفعيلها وتحقيق أقصى استفادة منها في أثناء الجائحة. ونتجت عن ذلك أعمال جديدة للشركة وطرق جديدة لتسويق الخدمات التي يمكن لهذه الشركة تقديمها.

مستقبل البحث عن الثقة

اتفق المشاركون على أن تعلم طرق العمل عبر الإنترنت في أثناء الجائحة سيحدث تغييراً دائماً، ولكنه لن يغني بالكامل عن الاجتماعات الشخصية وجهاً لوجه فيما يتعلق بتقييم جدارة الشريك الجديد المحتمل بالثقة. عبّر أحد المدراء من إيطاليا عن ذلك بقوله:

من الممكن أن أعمل عبر الإنترنت بدرجة أكبر بعد انحسار جائحة "كوفيد-19"، ولكني لا أعتقد أني سأكتفي به، فنحن بشر ونرغب جميعنا في العودة إلى ما اعتدنا عليه، لكن ثمة اجتماعات تدرك جميع الأطراف أنه بالإمكان عقدها عبر الإنترنت.

وقال لنا أحد المدراء من الولايات المتحدة:

أعتقد أننا سنستعيد بعض عاداتنا القديمة في الاجتماعات الشخصية وجهاً لوجه، ولكن لا أعتقد أننا سنستعيدها كلها كما كان الحال فيما مضى. ستستمر الجائحة فترة طويلة، وستضطر إلى تطوير عادات واستراتيجيات وأدوات تواصل جديدة ستعتادها وتألفها بدرجة كافية، وفي كثير من الحالات سترى أنها مجدية. لم يعد حضور الاجتماعات شخصياً في بعض هذه الحالات مهماً بالنسبة لي كما كان فيما مضى، لن تكون هذه الاجتماعات بنفس جودة التي أحضرها شخصياً ولكنها تمنحني فرصة لاستثمار وقتي على نحو أفضل من دون الحاجة إلى قطع كل الرحلات التي كنت أقوم بها في الماضي.

أصبح المدراء يتقبلون التفاعلات عبر الإنترنت بدرجة أكبر وبدؤوا يرون بعض فوائدها مع استمرار الجائحة بالتأثير في قدرتهم على تطوير الأعمال بالحضور الشخصي. ومن ناحية أخرى، تعلمنا من التعامل مع جائحة "كوفيد-19" أهمية أن نتعامل مع علاقات العمل على نحو مدروس من أجل بناء علاقات العمل الجديدة. قاوم الرغبة في عدم تخصيص بعض الوقت لإجراء المحادثات الشخصية عندما تتعامل مع الشريك المحتمل عبر الإنترنت، واستعن بشبكات معارفك لوصلك بالشركاء المحتملين وتقييمهم، وفكر في إجراء تجربة محدودة معهم قبل القيام بمجازفة كبيرة أو رفض الاتفاق بأكمله، وتوصل إلى طرق إبداعية لمساعدة الشركاء الموثوقين على تبسيط أعمالهم وتطويرها.

*ملاحظة المحرر: أجرينا تعديلات بسيطة على اقتباسات أقوال المشاركين بغرض توضيحها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي