هل عمليات الاندماج والاستحواذ هي العلاج لنظام الرعاية الصحية المتعثر؟

5 دقائق
إصلاح تعثر نظام الرعاية الصحية

يحتاج نظام الرعاية الصحية الأميركي إلى تغيير مزعزع، إنه باهظ التكلفة (بلغت التكاليف 3.3 مليار دولار في 2018) رغم تدني القيمة التي يوفرها. فكيف يمكن إصلاح تعثر نظام الرعاية الصحية؟

يحصل مئات الملايين من الألمان والفرنسيين والإنكليز وسكان الدول الاسكندنافية والهولنديين والدنماركيين والسويديين والكنديين وسكان نيوزيلندا والأستراليين على خدمات صحية مماثلة أو أفضل مقابل نصف ما ندفعه. والحصول على الرعاية الصحية بالنسبة لمعظم الأميركيين ليس باهظ الثمن فحسب، بل مُجزأ وغير مريح، كما أن الوصول إلى مؤسسات الرعاية صعب عملياً، خصوصاً لمن هم في حالة مرضية أخطر، والأضعف من بيننا.

ومن ثم، ينبغي أن لا نُفاجأ عندما يتجاوب أصحاب الأسهم ويُبدون إعجابهم الكبير بالاتجاهات الجديدة في المجال، والتي يطرحها عمالقة قطاع الرعاية الصحية الخاص الهادف إلى الربح، مثل "أتنا" (Aetna) و"سي في إس" (CVS) و"يونايتد هيلث جروب" (UnitedHealth Group) و"دافيتا" (DaVita). هل يمكن أن يكون هذا هو المطلوب؟ هل يجلب سحر السوق الحرة أخيراً الراحة والجودة والكفاءة إلى قطاع الرعاية الصحية على طريقة "أمازون" (Amazon)؟ وهل مؤسسات الحرس القديم، مثل المستشفيات ودور رعاية المسنين، على وشك الانقراض؟

عمليات الاندماح الاستحواذ في قطاع الرعاية الصحية

الجواب وبصورة محبِطة هو أن ذلك يعتمد، يعتمد قبل كل شيء على النتائج. لكي تمثل التغيير الذي يرغب فيه الكثيرون، يجب أن تنتج عمليات الدمج والاستحواذ الجديدة هذه، وغيرها التي من المحتمل أن تتبعها، منتجاً عالي الجودة للمستهلكين (ويحوز على رضا الأطباء وغيرهم من المهنيين الصحيين) وبسعر معقول. لكن التفاصيل مهمة، والتفاصيل في مجال الرعاية الصحية - كما تعلم قادتنا السياسيون مؤخراً - مسألة معقدة.

حتى إلقاء نظرة فاحصة على عقدين يبدو أنهما متشابهين يوحي بأهمية الخوض في تفاصيل هذه الترتيبات. وكل من خطة "سي في إس" البالغة قيمتها 69 مليار دولار للاستحواذ على "أتنا" وصفقة "يونايتد هيلث" البالغة 4.9 مليار دولار لشراء مجموعة "دافيتا ميديكال جروب" تدمج شركة تأمين وطنية كبيرة جداً مع مزود كبير لخدمات الرعاية الصحية. ولدينا أمثلة كثيرة سابقة عن الدمج بين وظيفتي التأمين وتوفير الرعاية الصحية. وتلجأ إلى هذه الصيغة بعض مؤسسات الرعاية الصحية غير الربحية الأكثر ابتكاراً والأعلى أداء في البلاد. ومن هذه المؤسسات "كيزر هيلث بلانز" (Kaiser Health Plans) و"إنترماونتين هيلث كير" (Intermountain Healthcare) في أوتا وأيداهو، و"غيسينغر سيستم" (Geisinger System) في بنسلفانيا، و"هنري فورد هيلث سيستم" (Henry Ford Health System) في ديترويت، و"هيلث بارتنرز" (HealthPartners) في مينيسوتا، و"ويسكنسن" (Wisconsin)، من بين أخرى كثيرة.

اقرأ أيضاً: كيف تتعاون مع مبتكرين من خارج مجال الرعاية الصحية؟

والسبب في نجاح هذه الصيغة هو أنه عندما تعمل أنظمة خدمات الرعاية أيضاً مثل شركات تأمين، فإنها تتحمل المسؤولية المالية عن الرعاية التي تقدمها. يميل هذا إلى جعل الأطباء والممرضين وغيرهم من المهنيين الصحيين يركزون على قيمة ما يقومون به، ويعثرون على النهج الأكثر فعالية من حيث التكلفة لإدارة مشاكل مرضاهم. يمكن أن تكون النتيجة بناء ثقافة الاقتصاد والجودة التي يصعب تكرارها في بيئة الرسوم مقابل الخدمة السائدة، إذ يُكافأ العاملون في مجال الصحة على الحجم بدلاً من قيمة الخدمات.

لذا، فإن السؤال الكبير هو ما إذا كان يمكن لهذه المجموعات الجديدة الجريئة من شركة التأمين والمزود أن تُنشئ شراكات واعدة على غرار "كيزر" ( Kaiser) أو "إنترماونتين" (Intermountain)، أوأن تعثر على صيغة أخرى قوية بالقدر نفسه لإحداث تأثير مزعزع. الجواب أبعد ما يكون عن اليقين، وتختلف أوجه عدم اليقين بالنسبة لعمليتي الاندماج.

في حالة "سي في إس - أتنا"، يوفر مقدم الرعاية الصحية، وهي شركة لبيع الأدوية بالتجزئة، وتعنى بإدارة عقود التأمين المتصلة بالأدوية، مجموعة محدودة للغاية من الخدمات الصحية: الأدوية وشراء الأدوية والرعاية الأولية المختارة والروتينية المنتشرة في أكثر من 1,100 عيادة محلية تقع في مجتمعات موزعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لتصبح في مستوى برنامج "غيسنغر" (Geisinger) أو "إنترماونتين" (Intermountain)، سيتعين على "أتنا-سي في إس" (Aetna-CVS) اكتساب علاقات سلسة مع أعداد كبيرة من أطباء الرعاية الأولية والأطباء المتخصصين والمستشفيات، أو تطويرها، وسيتعين عليها تحويل متاجرها إلى عيادات طبية مع غرف للكشف ومعامل تشخيصية وأقسام للأشعة السينية، وسيكون عليها تثبيت وربط السجلات الصحية الإلكترونية مع مقدمي الخدمات الآخرين في مجتمعاتها. بعد هذا كله، سيتعين على "سي في إس" أن تتفوق في المهمة الصعبة للغاية، المتمثلة في إدارة الأطباء وغيرهم من المهنيين الصحيين، وهو أمر يربك يومياً حتى أنظمة تقديم الرعاية الأكثر خبرة وتمرساً. وسيكون التحدي غير مسبوق، والنفقات كبيرة، والنتائج غير مؤكدة.

اقرأ أيضاً: الأطباء يشعرون بإقصائهم من عمليات تطوير قطاع الرعاية الصحية

يبدو أنه من المرجح أن تنطلق شراكة "أتنا-سي في إس" بدلاً من ذلك في اتجاه مختلف ومثير للفضول، عبر تقديم مجموعة معززة من الخدمات الصحية الوقائية والعامة للمرضى المصابين بأمراض مزمنة عالية التكلفة، من خلال منافذها المجتمعية المريحة. سيعمل موظفو "سي في إس" مدراء ومنسقين محليين لحالات المرضى الذين قد يتجاوزون إجراء الخدمات الوقائية اللازمة، أو يواجهون صعوبة في الوصول إلى مكاتب أطباء الرعاية الأولية، أو يحتاجون فقط إلى مساعدة في تناول الأدوية. وما يُؤمل هو أن يقلل هذا من استخدام المرضى لخدمات الطوارئ والمستشفيات والخدمات المتخصصة الأكثر تكلفة، ويخفض بالتالي فواتير "أتنا" ويجعل منتجها أكثر قدرة على المنافسة. ستحفز "أتنا" عملاءها على استخدام خدمات "سي في إس" عن طريق إعفاء هذه الخدمات من الاقتطاعات العادية والمدفوعات التي تفرضها معظم شركات التأمين، وبالتالي ستزيد بشكل عام عن طريق ذلك أعمال "سي في إس". يمكن أن تجذب هذه الاستراتيجية عملاء لكل من "سي في إس" و"أتنا" وأن تضيف قيمة الرعاية الصحية وتزيد حتى الأرباح.

الشكوك المتعلقة بإصلاح تعثر نظام الرعاية الصحية

لكن الشكوك ستبقى قائمة. إضافة إلى تلك التي ذكرتها، سيكون التنسيق مع مقدمي الرعاية التقليديين من أكبر التحديات، سواء في أقسام الرعاية الأولية أو لدى الأطباء المتخصصين. والعمل الجماعي السلس أمر بالغ الأهمية لتوفير الرعاية الفعالة للمرضى ذوي الحالات المعقدة وعالية التكلفة. ومن خلال إضافة لاعب آخر إلى نظام الرعاية الصحية المجزأ بالفعل لدينا، يمكن أن يقوض مشروع "سي في إس - أتنا" بالفعل تنسيق الخدمات. ورغم أن توفير رعاية أفضل للمرضى ذوي الحالات المعقدة جزء أساسي من حل مشكلات التكلفة والجودة لدينا، فقد لا نحصل على التغيير المزعزع في النظام الذي يأمل البعض فيه.

اقرأ أيضاً: يمكن لمؤسسات الرعاية الصحية استخدام التفكير التصميمي من أجل تحسين تجربة المرضى

في المقابل، يبدو من النظرة الأولى أن صفقة "يونايتد هيلث-دافيتا" تنجز على الأرجح الشراكة بين شركة التأمين ومقدم الرعاية الصحية التي ميزت عمل مؤسسات مثل "كيسر" (Kaiser) في الماضي. توظف مجموعة "دافيتا" الطبية 2,000 من أطباء الرعاية الأولية والأخصائيين في حوالي 300 عيادة طبية، و35 مركز رعاية عاجلة، وستة مراكز لجراحة العيادات الخارجية في ست ولايات. من بين أقسام المجموعة شركة "هيلث كير بارتنرز" (HealthCare Partners) المستقلة سابقاً، التي كما توضح دراسة حالة صندوق "كومنولث فاند" (Commonwealth Fund) لها تاريخ طويل في قبول المخاطر المالية وإدارتها، واستخدام أنظمة المعلومات المتقدمة وتعزيز برامج تحسين الجودة.

ومع ذلك، لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن التحدي المتمثل في زيادة استحواذ "يونايتد هيلث" على مجموعات مشتتة من الأطباء في نظام وطني قادر على زعزعة نظامنا الصحي المتعثر. الرعاية الصحية شأن محلي للغاية، وتميل المؤسسات التي توفرها إلى أن تكون كائنات تنتمي إلى أماكن وجودها وتاريخها. قد يستغرق الأمر أجيالاً حتى تتمكن الشراكة بين شركة تأمين ومزود لخدمة الرعاية الصحية من تطوير ثقافة الثقة والتعاون وتوجيه القيم التي جعلت الأمثلة الحالية لهذه المجموعات فعالة على نحو فريد. إذا سعى الكيان الجديد إلى النمو، فسيجد أن توظيف أطباء يمكنهم التخلي عن عقلية الأجر مقابل الخدمة وتدريبهم يمثل تحدياً، مثل إيجاد القيادة التي يمكن أن تكتسب ثقة المهنيين الصحيين وتحافظ عليها. لقد فشل "كيسر" في محاولاته العديدة للانتشار إلى مواقع جديدة. ورغم أن قسم "أوبتم" (Optum) التابع لـ "يونايتد هيلث" الذي سيدير الشراكة، لديه بعض الخبرة المحدودة في إدارة خدمات صحية متخصصة محددة، فإن إنجاح هذا المشروع الجديد قد يثبت أنه عمل شاق.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لمتاجر التجزئة الكبرى تقديم خدمات الرعاية الصحية على المستوى المحلي؟

حتى وإن احتوى مشروعا "أتنا-سي في إس" و"يونايتد هيلث-دافيتا" على بذور التغيير التي ستحول النظام الصحي، ستحتاج هذه البذور لوقت لكي تنبت. لكن بورصة وول ستريت ليس من طبعها الصبر. وستواجه الشركات المعنية ضغوطاً على المدى القصير لإثبات ربحية الترتيبات الجديدة، من هذا المنطلق، لا يبشر بالخير أن "دافيتا" حرصتْ على بيع مجموعاتها الطبية لأن أداءها المالي لم يكن جيداً.

وتكشف الحماسة التي أثيرت حول هذين الترتيبين الجريئين للرعاية الصحية الكثير عن اليأس المحيط بأنظمة الرعاية الصحية الحالية لدينا، مثلما تفعل بالنسبة للوعود المعلقة على عمليات الدمج نفسها. فقد يكون لها قيمة تجارية مقنعة قصيرة الأجل للمساهمين، رغم أنه لا يزال يتعين إثبات ذلك. ولكن بصفتهما مزعزعين لأنظمة الرعاية الصحية الأساسية، يواجه المشروعان مستقبلاً غير مؤكد حافلاً بالتحديات المتعلقة بإصلاح تعثر نظام الرعاية الصحية.

اقرأ أيضاً: إشراك الرئيس التنفيذي يحسن من مستوى الرعاية الصحية في شركتك

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي