الجزء الثاني
ملخص: في الجزء الثاني من سلسلة "عقلية محمد العبار" نلقي الضوء على الخلطة السحرية التي كونت عقلية هذا الرجل الجامح الطامح، بدءاً من الراشدية في دبي، حيث قضى طفولته بلا كهرباء في بيت طيني يعيش فيه مع أسرة مكونة من 13 فرداً. ثم انتقل فجأة من دبي الناشئة آنذاك مباشرة إلى سياتل الأميركية ليدرس فيها، ثم عاد منها لينتقل إلى سنغافورة التي قضى فيها عدة سنوات. تعلم العبار خلال هذه الجولات من الثقافة الأميركية والسنغافورية والصينية، وعاد بشخصية لا تقبل التردد، شخصية تدعو للبخل لمن أراد أن يحقق نجاحاً، شخصية لا تقبل الخطأ إلاّ بالحد الأدنى رغم تشجيعها على المخاطرة. شخصية تؤمن بالسرعة بشكل لا يصدق امتزجت فيها عقلية الشيخ محمد بن راشد الذي لا يعرف الحدود والمستحيل، بما اكتسبه العبار من تأثره الشديد بالسرعة التي منحتها التكنولوجيا لكل شيء، والتي أدت لولادة شخصية محمد العبار 2.0 والتي يتنافس فيها العبار مع الجيل زد ويتعاون معهم في الوقت نفسه.
ننتقل الآن إلى تفصيل الخلطة التي شكلت شخصية العبار وعقليته. إذ يعتبر العبار نفسه نسخة من "DNA" والده كما يقول، لكنه خاض تجارب وخالط ثقافات يعترف بأنها أسهمت في صقل خبرته ورسمت مساره في العمل.
يتذكر العبار باستمرار طفولته ضمن أسرة إماراتية كادحة مكونة من 13 فرداً، وعاش حتى بلغ الرابعة عشرة من عمره دون كهرباء. لا يريد أن ينسى العبار هذه المرحلة التي رباه فيها والدان أميّان، لا يقرآن ولا يكتبان لكنهما حرصا على تربيته وتعليمه بأسس تكفل نجاحه. يتذكر ذلك، ليكرر دائماً أنه يعتبر نفسه مستثمراً عمل بجد، ولكنه محظوظ، حيث يصف نفسه بأنه "Hard working lucky investor". و"الحظ" الذي يتذكره العبار في معظم كلماته التي يتحدث فيها عن قصة نجاحه، هو "التوفيق" الإلهي الذي يود ألا ينساه. فقد كانت نشأة العبار في تلك الظروف القاسية، كان يمكن أن لا تكون البيئة المناسبة لظهور شخصية العبار كما هي عليها اليوم، لولا التوفيق الذي حالفه لولادته في دولة الإمارات في هذا الظرف بالذات الذي صعد فيه نجم الإمارات كبلد للفرص على مستوى المنطقة والعالم.
بدأ العبار عمله موظفاً في جمارك مطار أبوظبي في دولة الإمارات عندما كان عمره 16 عاماً، وهو عندما يروي قصة بداياته، يذّكر الشباب في معظم كلماته، بأن يبدؤوا العمل مبكراً في حياتهم، فقد أكسبته تجربة العمل مبكراً عقلية الاعتماد على الذات والطموح المبكر. وحين سُئل عن نصيحته التي يقدمها للشباب، كرر قناعته بأن عليهم أن يعملوا مبكراً ويخالطوا من هم أكبر سناً ويطّلعوا على التجارب العالمية، وأن يتبنوا عقلية كسر القواعد. وكسر القواعد المألوفة هو السبيل الذي يشير إليه العبار للخروج من منطقة الراحة والحالة التقليدية، وهذا ما يعتبره العبار نتيجة للجرأة والشجاعة. فالجرأة هي التي تؤدي إلى كسر المألوف والخروج بأفكار إبداعية جديدة.
لكن هل تكفي الأفكار الجيدة للنجاح؟ يحذر العبار في كلماته، بأن الفرق بين الناجحين والفاشلين بحسب العبار هو "التنفيذ"، فهو يقول دوماً بأن الفكرة التي تدور في رأسك الآن، قد تكون في الوقت ذاته تخطر في أذهان ستين شخصاً كما يقول، لكن الذي سينجح هو من يبادر للتنفيذ.
ولذلك يحذر العبار من "التردد"، وينصح بالشجاعة والإقدام على التنفيذ دون الخوف من الخسارة والفشل، بل إنه يقول بأن عليك أن تكون شجاعاً "الشجاعة الحمقاء" ولا تتردد في تنفيذ أفكارك التي تراها مناسبة للنجاح كما يقول. يندم العبار أنه تأخر 19 عاماً في إطلاق مشروعه الخاص، ولا يريد للجيل الشاب الجديد أن يرتكب خطأه أو أن يركن للوظيفة الحكومية طويلاً كما حصل معه.
تعلم العبار من عمله المبكر ومعايشته للظروف القاسية في نشأته أن يقدر قيمة المال. كما تعلم أهمية التواضع والتعود على خشونة الحياة، فهو لا يحبذ مظاهر الترف في مأكله ومشربه وملبسه. العبار يرتدي ساعة يد قيمتها مائة دولار كما يقول، وهو القادر على شراء أثمن الساعات الفاخرة. وينصح العبار الشباب الطامح للنجاح بكل وضوح، أنك إذا أردت أن تكون تاجراً فيجب أن تكون "بخيلاً"، أي أن تتجنب المصاريف الزائدة من مكاتب فاخرة أو سيارات فارهة،. ويقول: "يمكنك اليوم أن تعمل من البيت بلا مكتب". ماذا تريد من المكتب؟ "أدر نفقاتك بحرص حتى تتمكن من النجاح ثم بعد اشتري سيارة الرنج التي تحبها واشتري الساعة التي تريدها" بحسب العبار.
من الراشدية إلى سياتل وسنغافورة
ثم جاءت النقلة النوعية في حياة العبار، حينما انتقل كما يقال فجأة من الراشدية في دبي الناشئة إلى سياتل في الولايات المتحدة الأميركية لدراسة التمويل وإدارة الأعمال في جامعة سياتل. وهكذا انتقل عبر صدمة إيجابية من "الراشدية إلى سياتل" تعلم خلالها إدارة الأعمال على أصولها وخالط لأول مرة العالم المتقدم، فازداد انبهاره ولمعان عقله، ومزج ما تعلمه في صغره مع ما توصل إليه العلم عبر إحدى أقوى جامعاته في العالم.
عاد العبار بعد التخرج من الجامعة بعقلية جديدة، ليعمل في البنك المركزي الإماراتي في أبوظبي عام 1982، حيث اشتد عوده تحت إدارة قاسية يعترف فيها اليوم بفضل مديره الذي كان يكلفه بمهام صعبة في البنك المركزي، كان مديره يرفض خلالها الكثير من الأعمال التي ينجزها العبار، طالباً منه اكتشاف الخطأ الذي تسبب في رفض المهمة. وكان هذا الأسلوب الذي اتبعه مدير محمد العبار يهدف إلى الضغط عليه لتحفيز مخيلته واجتهاده في اكتشاف الأخطاء والتعود على الدقة والتي ربما ساهمت لاحقاً في تشكيل عقلية العبار المهووس بالتفاصيل.
ثم جاءته فرصة يصفها دوماً بفرصة الحظ والتوفيق، عندما تم إيفاده من قبل حكومة دولة الإمارات للعمل رئيساً لشركة تعمل في مجال التجزئة في سنغافورة عام 1987. يقول العبار في مقابلة بحثية مع جامعة هارفارد: "لقد أيقظني انضباط سنغافورة"، كان الانضباط الشديد في العمل والالتزام به مع الخبرة التي اكتسبها من مخالطة الغرب والشرق قد صقلت موهبته وصلابته في إدارة الأعمال. وفي سنغافورة كما يقول، تعرف على الصينيين وتعلم منهم أيضاَ الكثير، فهم الذين يستطيعون عمل أي شي، وليس لقدرتهم حدود، ولا يمكن أن يكفوا عن المحاولة حتى ينجزوا ما يطمحون لتحقيقه.
وفي سنغافورة أيضاً، تأثر مع إدارته شركة التجزئة بالعلامات التجارية التي تلبي حاجات الطبقة المتوسطة من الناس مثل علامة "زارا"، وهو يعتبر أن تأثير زارا مازال راسخاً في عقليته ودمه، وهو الأمر الذي جعله في معظم استثماراته لا يتجه لتلبية حاجات الطبقة المرفهة بل الطبقة المتوسطة. فهو يكرر دوماً "هدفي هو تلبية حاجات الـ 70% من الناس" ممن ينتمون إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة، وليس الـ 30% المرفهين كما يقول. وهذه العقلية انعكست لاحقاً على تركيزه على الاستثمار في فنادق الطبقة المتوسطة بشكل واسع، كقراره ببناء 10 فنادق من علامة "روف" في دولة الإمارات، واتجاهه إلى الاستثمار في منتجات سياحية تناسب الطبقة المتوسطة في مصر وأوروبا الشرقية وألبانيا وغيرها من دول العالم.
بعد خمس سنوات في سنغافورة عاد العبار إلى دبي ليتولى إدارة دائرة التنمية الاقتصادية، وانعكست خبرته المتراكمة حينما قاد القيادي محمد القرقاوي حملة لتطوير القوانين الاقتصادية في دبي. وباتت دبي بعد إدارته لدائرة التنمية الاقتصادية تقدم النموذج الجديد لجذب الاستثمارات، كما قدمت نموذجاً جديداً في الإدارة لم تعتد عليه المؤسسات الحكومية من قبل. فقد كان العبار قد دمج ما تعلمه في أميركا وسنغافورة مع ما تعلمه من بيئته المحلية في خلطة واحدة. وبالتعاون مع "بوسعيد" محمد القرقاوي الذي شكل الذراع الأبرز للشيخ محمد بن راشد في تنفيذ رؤية دبي الحديثة، خلع العبار والقرقاوي الأبواب الداخلية في دائرة التنمية الاقتصادية ليلغوا معها الحدود والصوامع بين الموظفين وأقسام المؤسسة، لتطبيق فكرة بدت حينذاك غير مألوفة وتنص على سياسة الأبواب المفتوحة والعمل بمساحات مشتركة، حيث أصبح بموجبها مكتب العبار وهو المدير قريباً أكثر من الموظفين والمراجعين على حد سواء.
لكن تجربة سنغافورة كان لها تأثير في إيقاظ رائد الأعمال داخل العبار، فخلال عمله في إدارة شركة التجزئة هناك، كان العبار قد تأثر بالمناخ الريادي في هذا البلد الذي ينتمي إلى دول النمو الآسيوية الصاعدة. وهناك بدأ العبار بعض المشاريع الريادية الجانبية مثل افتتاح مخبز للكيك، ثم محل لبيع الأحذية، لكنه لم ينجح في هذه المشاريع. ومع ذلك، بقي هاجس العمل الريادي يرافقه حتى عودته إلى دبي.
ولأن العبار يمتاز بدماغ "دائم البحث" كما عبر ذات مرة، وأنه يتمتع بعقلية "غيورة"، فهو حين رأى في سنغافورة شركات عقارية كبرى تساهم في بناء هذا البلد الصاعد، ظل هذا الشعور بالغيرة يلازمه حين عودته إلى دبي، وكان يتساءل عن السبب الذي يحول دون وجود شركات عقارية كبرى في دبي. حتى قرر بعدها أن يبادر ويتولى إطلاق شركة عقارية كبرى أطلق عليها اسم "إعمار" في عام 1997.
ترك العبار الوظيفة الحكومية على أبواب الأربعين من عمره ليقرر بناء "إعمار"، دون خبرة ودون تاريخ من العمل العقاري، ولم يكن يحفزه سوى الشغف الجامح لبناء شركة عقارية تسهم في كسر القواعد، وتنقل دبي نقلة نوعية في التنمية العمرانية. قرر العبار البدء فوراً بتأسيس شركة مطروحة للاكتتاب العام. وقبلها كان قد بدأ برأسمال تأسيسي بلغ مليار درهم كان 30% منه يعود لحكومة دبي، لِيُفاجأ العبار بحجم الثقة به وبمشروعه العقاري، رغم عدم امتلاكه أي خبرة في هذا المجال من قبل. وما زال العبار يذكر هذه الثقة التي منحها إياه المستثمرون بكل امتنان، ويضيفها إلى قائمة التوفيق الإلهي التي يحرص على ذكره بوضوح في معظم كلماته.
كان تأسيس شركة إعمار كشركة مساهمة قد جعله أمام مسؤولية تقديم التقارير الربعية كل ثلاثة أشهر عن الأرباح والخسائر والأداء. وهذا ما أدى كما يقول في دراسة حالة نشرتها جامعة هارفارد عن تجربته، بأن يكون شخصاً منضبطاً وحريصاً على حساب كل تصرف يقوم به وكل قرار من قرارات شركته لكي يصب في مؤشرات الأداء التي سيقدمها للمستثمرين بعد ثلاثة أشهر. فلم تكن لدى العبار رفاهية ارتكاب الأخطاء، ولا يمكنه كما يقول أن ينسى أو يتأخر في تنفيذ الأهداف المطلوبة. ويقول في مقابلته مع باحثي جامعة هارفارد، بأنه كان قد تعلم سابقاً من العقلية التي ورثها عن والده، بأن تجربة العمل في البحر، علمته بأن الخطأ في البحر قد يكلفك حياتك، لذلك عليك أن تحرص دوماً على عدم ارتكاب الأخطاء الكبيرة، رغم حاجتك للمغامرة باستمرار.
حدّث دماغك كما تحدّث تلفونك
تعلم العبار السرعة في الإنجاز من تجربته التي يظل يتذكر فيها تأخره في الوصول إلى غايته في العمل الخاص حتى بلوغه سن التاسعة والثلاثين، فهو يجد نفسه ملاحقاً بهاجس التأخر، لدرجة أنه يرى أن بلداننا العربية والشرقية ليست لديها رفاهية الوقت التي يتمتع بها الناس في الاقتصادات الناضجة. ويستشهد العبار دوماً في أحاديثه عن تأثره بمعايير الشيخ محمد بن راشد في السرعة وقيمة الوقت، فهو ينقل عنه أن ما يتم إنجازه بعشرة أيام يريده الشيخ محمد بن راشد في يوم. ولذلك يكره العبار إضاعة الوقت في الاجتماعات ويفضل الانتقال إلى التنفيذ، فقد اعتمد العبار منذ زمن طريقة الوقوف في الاجتماعات، فحين يتطلب أمر ما اجتماعاً فإن قاعدة العبار هي أن يجتمع المعنيون بالقضية وقوفاً لكي لا يكون لديهم مجال للاسترخاء وإطالة الحديث والتوسع والتفرع، بل التركيز على نقاش الموضوع بشكل محدد وسريع ثم العودة للعمل.
لكن محمد العبار انتقل إلى مستوى آخر من السرعة وتغيير مفهومه حول الإنتاجية إلى مستوى أعلى مع التحول الرقمي، فقد أصبحنا أمام نسخة جديدة (2.0) من محمد العبار بداً من عام 2010 تقريباً. فقد أصبح العبار مفتوناً بالقدرات التقنية التي تتيحها التكنولوجيا في السرعة والإنتاجية، واُفتتن معها بالجيل الشاب الجديد الذي يعتبره أكثر ذكاءً من جيله. وسارع العبار لإدماج التكنولوجيا والجيل الشاب في أعماله وإدارته اليومية. وبعدها أصبحت أحاديث العبار لا تخلو من تأثير ولده راشد وابنته شمسة فيه والذين يعتبرهما قدوته في التحول الرقمي والانتقال إلى التجارة الإلكترونية عبر إنشاء منصة "نون"، كما أنه يواظب على ذكر مديرة التكنولوجيا في شركته والتي جعل مكتبها مجاوراً لمكتبه "مريم" ذات الواحد والعشرين عاماً والتي يبقيها بقربه في الاجتماعات، لتسهم في إضفاء نَفَس الجيل المعاصر المتمرد على القواعد التقليدية. وأصبح العبار بعدها يركز على أن المنتجات كلها يجب أن تدور حول احتياجات هذا الجيل القادم.
بات شعار العبار حول السرعة وقيمة الوقت، متضمناً في عبارة يكررها في معظم أحاديثه، ومفادها بأنك عليك أن تحدّث مهاراتك وخبراتك بالسرعة التي يتم فيها تحديث نظام هاتفك الجوال أي كل ثلاثة أسابيع تقريباً. عليك أن تطور "السوفتوير" الخاص بدماغك وخبرتك كل ثلاثة أسابيع، وإلاّ سيفوتك القطار وتصبح "Outdated" كما يرى العبار. ومن هذا المنطلق تطورت نظرة العبار للمواهب، فقد يصبح المرشح للوظيفة الذي ينتمي إلى الجيل زد مناسباً وله الأفضلية إذا كان بلا خبرة في بعض الحالات. ويذكر العبار مثالاً على ذلك، بأن فريق عمله أراد تعيين موظف في قسم التسويق، وكان لدى بعض المدراء تردد في توظيفه لأنه لا يمتلك خبرة تزيد عن السنتين، فقالوا "لا يناسب"، بينما كان رد العبار: "بل هو المناسب"، لأن من تزيد خبرته عن العامين في بعض الحالات يصبح "Outdated" أو منتهى الصلاحية، وقد لا يستطيع مواكبة الجديد في ديناميكية الأسواق والتسويق.
دور الملهمين: راشد وشمسة
يتحدث العبار دوماً أن "معلمه" في تأسيس نون هو ولده راشد العبار. وكانت بداية صدمة العبار الإيجابية بما يمكن أن تحققه التكنولوجيا من نمو كبير، في القصة التي يرويها عندما جاء إليه ولده راشد قبل تأسيس نون. قال راشد لوالده: أنت تمتلك دبي مول أكبر مول في العالم؟ كم نسبة النمو السنوية لديك؟ فأجابه الوالد: 6%، فقال راشد لوالده: أنا لدي محل تجاري أونلاين يحقق نمواً بنسبة 20% بالشهر وليس بالسنة.
ثم جاء الدرس الثاني من شمسة العبار، ابنة محمد العبار والتي يروي قصتها بشكل متكرر، شارحاً تأثره بهذا الجيل الذي استخدم التكنولوجيا ليحقق إنجازات وقفزات كانت تحتاج إلى شروط صعبة لدى أبناء جيله. العبار، يحرّض الشباب الذين يستمعون إلى كلماته وأحاديثه، بأنهم يستطيعون تحقيق الملايين بدون الحاجة لمكاتب أو محلات تجارية أو مقرات لشركاتهم، بل عبر البيع أونلاين، تماماً كما حدث في قصة ابنته شمسة التي صدمته بتجربتها الملهمة، فقد كانت وهي ترتدي البيجاما في البيت -كما يقول- تبيع الحلي والمجوهرات التقليدية عبر الإنترنت، وتقوم بإيصال طلبات الديلفري بنفسها إلى شركات الشحن التي تنقل منتجاتها إلى عملاء في كوريا الجنوبية وأستراليا وغيرها. شمسة العبار، فاجأت والدها أيضاً بأن لديها عوائد مادية تزيد على المليون درهم من هذه التجارة.
وهكذا، لا يخفي العبار افتتانه اليوم بذكاء الشباب في هذا الزمن، فهو يراهم أكثر ذكاء من الجيل السابق، وأكثر شجاعة كما يقول في أكثر من كلمة. ولذلك، فإننا نجد العبار يحيط نفسه بهؤلاء الشباب في مختلف أعماله. فهو يرى أنهم الأجدر بتولي الإدارة، ويكرس وقته لاختيار الألمع منهم لتولي مشاريعه ورئاسة الأقسام في شركاته، والاختلاط بهم بنفسه ليستفيد من طاقتهم الملتهبة في الإبداع. وفي الوقت الذي ينصح فيه العبار الشباب بالاختلاط ومجالسة الكبار لتعلم الحكمة ورؤية الأحداث بنضوج، فقد بات ربما أكثر ميلاً لنصيحة كبار المدراء وقادة الأعمال لمجالسة جيل الشباب لإعادة تحفيز طاقتهم وتحديث أدمغتهم بما يناسب العصر.
تمتزج في عقلية محمد العبار أفكار الشيخ محمد بن راشد التي أثرت في تكوينه مع أفكار الشباب المشتعل بقوة وطاقة التكنولوجيا. كلا المصدرين (محمد بن راشد وشباب التكنولوجيا) يتفقان في غرس عقلية السرعة ومسابقة الزمن والتطلع لتحقيق المزيد خلال وقت قصير. فما يزال العبار يتذكر جواب محمد بن راشد حينما سأله أحد المذيعين في برنامج 60 دقيقة الشهير على إحدى القنوات الأميركية، بأنه يقود أهدافهاً طموحة ورغبة في تحقيق النمو السريع لإمارة دبي. وكان المذيع يلمح إلى أن أهداف دبي ربما تكون أهدافاً مبالغاً فيها وتبدو متسرعة، فكان الجواب من الشيخ محمد بن راشد، بأنه "ليس لدينا وقت لنضيعه"، أي أن علينا أن ننمو ونكبر بسرعة بحسب ما يروي العبار.
يكرر العبار، بأنه والكثيرين مثله ممن جالسوا الشيخ محمد بن راشد أصبحوا يفكرون مثله، بلا حدود وبلا هوادة وبلا بطء.
يتبع في الجزء الثالث: (أخطاء محمد العبار ونصائحه)...