الآن وأنا في سن الحادية والأربعين، لقد حققت ما أصبو إليه في عملي، إذ أدير شركتي الخاصة للتدريب على المبيعات، وهي شركة تملك عدداً كبيراً من العملاء، ما يجعلني أطمئن على وضعي لعدة سنوات قادمة، إلا أنني حقاً في ورطة، ولست وحدي، بل جيلي بأكمله.
أصبح أفراد الأجيال الأصغر سناً أسرع استحواذاً على سوق العمل. أصبحوا صنّاع القرار وهم نفسهم أيضاً المستهلكون الذين تسعى الشركات لرضاهم. وهو جيل لديه تطلعاته الخاصة وينظر إلى العالم نظرته الخاصة به.
وإذا لم أجد وسيلة لمواكبة من هم في العشرينات من العمر اليوم، فسوف أتحول إلى ديناصور عتيق بعد خمسة أعوام، أو ربما أقل. فأنا وأبناء جيلي بحاجة إلى التعلم المستمر، وكل ما يُقال عن حاجة الشباب للتعلم ورغبتهم في اكتساب خبرات جديدة ينطبق علينا كذلك، نحن بحاجة للتعلم منهم ومن طريقتهم في اكتساب معارف جديدة.
ولهذا السبب، وبعد أن عملت لعدة أعوام دون فريق دعم (أنا ومدير العمليات فقط)، قمت مؤخراً بتعيين "مورغان" الذي يبلغ من العمر 24 عاماً ومنحته وظيفة باسم "مدير التنفيذ والتطوير" وأخبرته أنّ وظيفته هي مساعدتي على تطوير عملي وتنمية عقلي.
توقف عن اللحاق بالتكنولوجيا
لطالما كنت أسعى لمواكبة التغييرات التي تطرأ في مجال التكنولوجيا، خاصة في مجال المبيعات. كنت أتناقش دوماً مع زملائي وكنت مستعداً لتجربة أشياء جديدة يراها البعض مفيدة. أمّا مورغان، فلديه استراتيجية مختلفة، فهو لا يكتفي باللحاق بالتكنولوجيا، بل يسبقها بخطوة. يبادر مورغان باستكشاف التقنيات الجديدة بنفسه ويختبرها ليعرف مدى تأثيرها على الإنتاجية والكفاءة والجودة. وتسمح له هذه الاستراتيجية بإيجاد أفضل الأدوات الممكنة ضمن نطاق العمل الذي يقوم به لا الأدوات التي يسمع عنها فحسب.
واكب العصر
عندما كنت أصغر سناً، كنت أكره الطريقة التي يتحدث بها المدربون. ولهذا السبب، لم أرغب يوماً أن أصبح واحداً منهم. يوردون قصصاً تبدأ بعبارة "في أيامنا سابقاً، كنا نفعل كذا وكذا" وكانوا يستشهدون بقصص بالية.
لكنني الآن أفهم السبب، فعندما تفعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً على مدى الأعوام، فمن الطبيعي أن تجد نفسك تتصرف بطريقة نمطية وتصبح قصصك قد عفا عليها الزمن. وإن لم أكن حذراً، فسأصبح أنا ذلك الشخص. في الفترة الأخيرة، كنت أعرض على زبون محتمل ما كنت أظن أنه مثال رائع على تبادل المراسلات الإلكترونية، لكن التاريخ المسجل عليها كان يعود لعام 2014. وبالنسبة لأشخاص في عمر مورغان، فإنّ هذا المثال يرجع إلى تاريخ كانوا لا يزالون يدرسون فيه قبل أن يمضوا ثلاثة أعوام في ميدان العمل. إنه مثال عتيق بالنسبة لهم.
طلبت من مورغان أن يساعدني على تجنب مثل هذه المواقف، أردت منه أن ينبهني "توقف يا عم، فأسلوبك قديم" قبل أن يخطر ذلك ببال المتدربين في الدورات التي أقدمها.
قدّم عملية تعليمية سريعة تراعي الاحتياجات الفردية
كنت أضع المادة التدريبية عادة وفقاً لمتطلبات المجموعات لا الأفراد وأقدّم أفكاراً وتقنيات مختلفة لفريق المبيعات بأكمله. أمّا الآن، فقد تغيّرت وتيرة العمل، وكما يقول مورغان، فقد تغيرت توقعات المتدربين كذلك. كل دقيقة محسوبة، وتختلف احتياجات المتدربين ضمن فريق المبيعات (أو أي وظيفة أُخرى) من شخص إلى آخر، فلدى كل شخص نقاط قوة ونقاط ضعف مختلفة عن الآخر. وبالطبع لن يرغب أحد بتضييع وقته في الجلوس للاستماع إلى شرح قد لا يحتاج إليه بينما يمكنه الحصول على ما يحتاج إليه تحديداً من خلال الدورات القصيرة ومقاطع الفيديو التدريبية على الإنترنت وهو يتوقع الحصول على نفس المعلومات خلال التدريب الحي الذي تقدمه له.
ولكي أضمن استفادة المتدربين خلال دوراتي التدريبية، أحرص دائماً على تطوير أسلوبي ومحاولة الإجابة عن جميع الأسئلة بطريقة مخصصة دون تنفير بقية الحاضرين. كما بدأت مؤخراً بإعداد محتوى تعليمي يراعي الاحتياجات الفردية، ويتمثل ذلك بالنسبة لأحد المتدربين في تقديم منهجية منظمة يمكنه اتباعها، بينما يعني لآخر أن أطرح أسلوباً يمكنه من خلاله التعامل مع تحدي محدد ربما واجهه. أنا أعلم أنّ مجال عملي لم يعد يناسبه التدريبات التي تُجرى على عدّة أيام في أماكن العمل، ويميل إلى أسلوب التعليم، "التعليم المطلوب عند الحاجة إليه"، وسوف أعتمد على مورغان بشكل كبير في مساعدتي على تحقيق ذلك على أكمل وجه.
ضع كبرياءك جانباً، وتواصل مع الآخرين
تسبب فكرة التعلّم من الموظفين الأصغر سنّاً، والتي تُسمى أحياناً بـ"التوجيه العكسي" في كثير من الأحيان حساسية في بيئة العمل. فمثلاً، مورغان في النهاية يعمل لديّ وأنا رئيسه في العمل، فكيف له أن يشعر بالراحة وهو يقوم بدور المعلم؟ وكيف لي أن أشعر بالراحة وأنا أقوم بدور التلميذ؟
عندما أُخبر زملائي بما أتعلمه من مورغان، أوضّح لهم ضرورة التحلي بالشجاعة لأعترف بما أحتاج إليه من معارف أو مهارات. أنا ومورغان نعتمد على وجود تواصل مفتوح ومنتظم يضمن استمرار عملية التعليم المتبادل فيما بيننا بطريقة سهلة وسلسة. ولذلك، حددنا موعداً ثابتاً نجتمع فيه وهو يوم الاثنين لمناقشة أهدافنا وتوقعاتنا، ويُرسل كلانا للآخر رسالة إلكترونية كل يوم جمعة تُلخص أهم ما تعلمناه خلال الأسبوع. وفي الأوقات الأُخرى نحاول البقاء على تواصل من خلال تبادل الرسائل والمحادثات القصيرة. ويسمح لنا هذا النوع من التواصل بأن نظل على علم بكافة الأمور وآخر المستجدات وإجراء تعديلات سريعة عند الحاجة، وبذلك نضمن تحقيق ما هو أفضل كل يوم.
وسعياً مني لتحقيق المزيد من التقدم، اتفقت مع مورغان أن يخبرني بأي جوانب يرى أنني بحاجة إلى تطويرها، وهذا ما يفعله حتى الآن. على سبيل المثال، أنا معتاد على استخدام برامج مايكروسوفت وكنت أحبس نفسي ضمن عالمها (الحاسوب الشخصي وبرامج "الوورد" و"الإكسل" و"الباوربوينت") والتي يرى مورغان وغيره من أبناء جيله أنها قديمة ولا تواكب العصر، ولذلك بدأ بتدريبي (أو إرغامي) على استخدام تطبيقات أُخرى مثل "محرر مستندات جوجل" (Google Docs) و"سلاك" (Slack) وغيرها من الأدوات التفاعلية المفيدة. وليس الغرض من ذلك هو تعزيز التواصل فيما بيننا فحسب، بل أيضاً مساعدتي على رفع مستوى كفاءتي في العمل مع الآخرين من أبناء جيله، ولكي يروني دائماً مواكباً للتقدم والتطور. وعلى الرغم من أنني لازلت متمسكاً بحاسوبي الشخصي، إلا أنه أصبح بإمكاني الآن الالتقاء بهم أينما كانوا.
أمّا مورغان، فإنه أيضاً يتعلّم مني الكثير بالتأكيد، فعلى سبيل المثال، علّمته الاستغناء عن عبارات الحشو الركيكة التي اعتاد استخدامها ليصبح حديثه أكثر وضوحاً وأشدّ تأثيراً. كما أنني أعلّمه الأمور التي يحتاج إليها لتأسيس عمل تجاري وإدارته بشكل ناجح، بدءاً من التمويل والتشغيل وحتى توقعات العمل المستقبلية.
وتمثل علاقتي بمورغان نوعاً من التبادل التكافلي إلى حد بعيد، ولكن يبقى السبب الوحيد لاستفادتي منها هو تقبّلي لفكرة التعلم من مورغان بعض الأشياء التي أحتاجها. ومع تركيز كلينا على استمرار حاجته للتعلم من الطرف الآخر، فقد أصبحنا أكثر استعداداً للمستقبل وما يحمله من تطور وتغيّر.