ليس ممتعاً أن تكدح في عمل لا يلاحظ فيه أحد جهودك. كيف يمكنك تسليط الضوء على إنجازاتك دون أن تظهر بمظهر المتباهي؟ وإلى من عليك أن تتحدث بشأن شعورك بعدم التقدير؟ وإلى متى عليك أن تبقى في عملك إن لم يتغير الوضع على ما هو عليه؟
ماذا يقول الخبراء؟
تقول آني ماكي مؤلفة كتاب "كيف تكون سعيداً في العمل" (How to be Happy at Work): "لا شيء أسوأ من الشعور بأنك غير مرئي أو غير مسموع في مكان العمل". وتضيف: "لدينا جميعاً حاجة إنسانية لأن نكون موضع تقدير على جهودنا، ولهذا عندما لا يلاحظ زملاؤك مساهماتك، يجعلك ذلك تشعر أنك لا تنتمي إلى ذلك المكان". ويبدأ يساورك القلق (وهذا مبرر) حول احتمالات تطورك المهني. تقول ماكي: "تشكيكك بنفسك يجعلك تبدأ تتصرف بغرابة، وتبدأ تراودك أفكار مثل: إن كان أحد لا يلاحظ ما أفعله، كيف سأتطور؟". لكنك لست عاجزاً عن تغيير الوضع، تقول كارين ديلون مؤلفة كتاب "دليل هارفارد بزنس ريفيو لسياسات مكان العمل" (HBR Guide to Office Politics): "هناك طرق عديدة يمكنك من خلالها جعل الناس يفهمون ويرون ما تفعله". والأساس، كما تقول، هو العثور على "طرق دبلوماسية للفت الأنظار". إليك هنا بعض الأفكار.
كن واقعياً
قبل فعل أي شيء، اسأل نفسك إذا كان هناك واقعية في الكم من التقدير "الذي تنشده من مديرك وزملائك وأقرانك وعملائك". تقول ماكي: "الناس مشغولون جداً. وربما لا تتوافق آراؤهم مع ما تتمناه". لكنها تكون معقولة إن نُظر لها في سياق مؤسستك. تقول ديلون: "أنت تتعامل مع بشر. ربما يكون تجاهل الزملاء والمدير لما تفعله صادراً عن نية حسنة، ومردّه أنهم يعتبرون ما تقوم به مفروغاً منه". لهذا، عندما تشعر أنك لا تلقى التقدير، تنصحك ديلون بأن تجري اختباراً للتأكد من إنجازاتك الأخيرة. اسأل نفسك، هل كان عملي استثنائياً؟ هل يتجاوز ما يفعله نظرائي عادة؟ والأهم من ذلك هل سأبدو أخرقاً إن طالبت بثناء على ما قمت به؟ إذا لم تكن متأكداً، اطلب رأياً من زميل أعلى منك مرتبة أو زميل تحترمه كثيراً.
تحدث إلى مديرك
إذا كانت جهودك الأعلى من المعدل مغمورة، ادخل في حوار مع مديرك، كما تشرح ماكي. بالطبع، ستختلف صعوبة الأمر من مدير إلى آخر. تقول ماكي: "لا يلقي المدير العادي بالاً إلى الاحتياجات الإنسانية". إذا كان مديرك ضمن هذه الفئة، تذكر أنك "لن تستطيع تغيير ذلك الشخص، لكن يمكنك الإشارة إلى أنك تود التحدث أكثر عن أدائك" كما تؤكد ماكي. وتضيف: "إذا كان مديرك من الفئة بين المتوسط والجيد، فقد يستجيب لدعوتك". بالطبع، يتوجب عليك أن تكون حاذقاً هنا. تقترح ماكي "لا تدخل عليه وتقل أريد مزيداً من التقدير". بدل ذلك، قل شيء من قبيل: "أود التحدث عن الشهور الثلاثة الماضية ومعرفة مكامن القوة لدي وما بإمكاني تحسينه". تنصح ديلون أن تكون عندها مسلحاً ببعض الأمثلة المحددة. وهي تقترح وضع قائمة بجميع إنجازاتك لتنشيط ذاكرة مديرك حول عملك الجيد. تقول هنا: "سيسّر معظم المدراء الحصول على تلك القائمة".
سلط الضوء على فريقك
إذا كنت تدير فريقاً، فأنت أيضاً بحاجة للبحث عن طرق لتشرح للآخرين ما تفعله المجموعة ولماذا هناك قيمة فيما يفعلونه، تقول ديلون: "في حياتنا اليومية العصيبة، لا يكون مديرك وزملاؤك على دراية بكل شاردة وواردة في عملك". وتنصح بأن تطلب من مديرك بعض الوقت "للحديث عما يفعله فريقك وعن أهدافك وعما تفعله لجعل عملك أفضل". وتقترح ماكي أيضاً توظيف بعض الطرق الحاذقة لجذب الانتباه إلى الجهود اليومية للمجموعة. فلا تدع العروض التقديمية أو التقارير تخرج دون توضيح من الذي عمل عليها. تقول ماكي: "احرص على أن يظهر اسم كل الفريق على منتج العمل". إذ أنه من مصلحتك أن يعرف بعملك أشخاص أعلى من مديرك. وعندما يحين الوقت، احرص على توزيع التقدير، وليس احتكاره. لكن لا تخش أن تروّج لقيادتك. تقول ديلون: "أحياناً، في سعيك لأن تبدو شاملاً وألا تبدو مغروراً بذاتك، تفوّت على نفسك الفرصة". تميل النساء عادة لفعل ذلك أكثر من الرجال، كما تقول ديلون. لا بأس في "استخدام كلمة أنا كما في قولك أنجزت كذا وكذا، وأنا ممتن للدعم الذي حصلت عليه".
اعترف بمساهمات الآخرين
من المفارقات، أنّ من الطرق المضمونة لجعل عملك ملاحَظاً كما تقول ماكي: "أن تمتدح وتقدّر الآخرين". "تقديرك للأعمال الجيدة للآخرين يجعلك سفيراً للتغيير في ثقافة مؤسستك". وفي معظم الأحيان "سيقوم الشخص الآخر برد الجميل" كما تضيف. إذا لم يكن مديرك شخصاً ينشر تقييمات إيجابية، فتحدث إلى فريقك عما يمكن فعله لمساندة بعضكم البعض، وولّد بعض التفاؤل بين مختلف الرتب في العمل. تشير ماكي "بسبب وتيرة العمل في المؤسسات، لا يلبث ما ننجزه يصبح غير ملحوظاً أو عفا عليه الزمن". لذا تنصح بتأسيس عادات في فريقك، مثلاً، عندما يقوم أحد أفراد فريقك بمساهمة مهمة أو يتم جزءاً مهماً من العمل، يتوقف الجميع لثانية من الوقت ويقولون جميعهم هنيئاً. لكن لا تبالغ في الأمر، إذ تحذر ديلون قائلة: "المبالغة في إرسال رسائل الشكر يُفقدها قيمتها". وتضيف: "قيّم كل حالة. اسأل من فعلاً يستحق اعترافاً لما بُذل من جهد إضافي؟".
صادق على أهميتك بنفسك
في حين أنّ من الرائع الحصول على تقدير واعتراف بالفضل من الآخرين في العمل، لا تتوقع "أن يأتي كل تحفيزك من التكريمات والمعانقات والعرفان بالجميل" كما تقول ديلون. فالمحفزات الداخلية أقوى بكثير. وتتفق في هذا ماكي أيضاً وتقول: "أنت بحاجة لأن تناضل من أجل إيجاد المعنى في العمل ذاته. في النهاية وعلى امتداد حياتك العملية، من مصلحتك التخلص من الحاجة للحصول على مصادقة خارجية على أهميتك". وتضيف: "ينبع الشعور الحقيقي بالرضا من الداخل". وتقترح عليك أن تشجع نفسك بنفسك بين الحين والآخر. "جرّب أن تخصص وقتاً في نهاية كل أسبوع لمراجعة ما جرى جيداً وما لم يجر جيداً". هذه تمارين جيدة لتذكيرك بما تتقن عمله وسبب قيامك به. لكن "كن حذراً لئلا تغرق في حالة من العجز تركز فيها على الأخطاء". لهذا تنصحك ماكي أن "تستعرض نجاحاتك".
انظر في احتمال ترك العمل
إذا استمر شعورك بأنك غير مقدر حق قدرك أو أنّ قيمتك منقوصة في شركتك، فقد تكون تلك إشارة على أنّ هذا العمل لا يناسبك. تقول ماكي: "هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا جميعاً نبقى في وظائف غير مثالية لنا". لعلك بحاجة لاكتساب خبرة، أو لعلك لا تستطيع الانتقال لاضطرارك البقاء في منطقة جغرافية معينة من أجل زوجتك أو عائلتك. لكن إذا جرّبت جعل عملك أكثر إقراراً بقيمتك وأن يمنحك شعوراً أكثر بالإنجاز، ولم ينجح شيء، فقد يكون الوقت قد حان للبحث عن عمل جديد.
مبادئ عليك تذكرها
افعل:
- اطلب رأياً ثانياً حول ما إذا كان حجم التقدير الذي تتوقعه من زملائك معقولاً. وتذكر: "لدى الناس مشاغلهم الخاصة".
- امتدح وأشد بمساهمات الآخرين. عندما تلاحظ ما يقوم به الآخرون من عمل جيد، أنت تساعد على خلق ثقافة إيجابية.
- ابحث عن طرق لجعل عملك بارزاً أكثر.
لا تفعل:
- أن تتجاهل الحاجة للمصادقة الذاتية على أهميتك. خصص وقتاً في نهاية كل أسبوع للتأمل في ما أجدت فعله.
- أن تحتكر الفضل على إنجازات فريقك. سلط الضوء على إنجازات كل فرد.
- أن تستمر في العمل ضمن شركة لا تقدر قيمتك.
دراسة حالة رقم 1: ساعد على تغيير ثقافة مؤسستك من خلال الإشادة بالآخرين
تتذكر سالي سروك جيداً شعورها بعدم التقدير في العمل. كانت في ذلك الوقت تقود قسم الضيافة في مؤسسة "فرانسيس فورد كوبولا واينري" (Francis Ford Coppola Winery). كانت سالي وفريقها تحت قيادة جديدة بعد أن ترك المشرف عليها الشركة. كما كانت الشركة أغلقت للتو مكتبها الأساسي وعدة مكاتب مشتركة.
تقول سالي كما تستذكر: "بالنتيجة، كان الكثير من الناس يعملون عن بعد، وبدأت تشعر أنّ ثقافة الشركة آخذة بالتفكك".
كانت سالي تحب مديرها وترى فيه قائداً "قوياً وعطوفاً". كانت تعرف أنّ شعورها بالافتقار للتقدير "لم يكن شخصياً" أو مقصوداً، "بل كان انعكاساً للتغييرات التي تمر بها الشركة. وكان منصبه يتطلب منه ببساطة إعطاء الأولوية لأقسام أُخرى".
ومع ذلك، كانت سالي تشعر بمعنوياتها تتراجع، وكانت تلك إشارة أنّ عليها التصرف. تقول: "أخذت أذكّر نفسي أنني في منصب قيادي، وأنّ مسؤوليتي تحتم علي خدمة الآخرين". وتضيف: "إن كنت أنا أعاني من مشاعر عدم التقدير، فلا شك أنّ آخرين تساورهم نفس المشاعر".
أدركت سالي أنّ بإمكانها المساعدة في تغيير ثقافة المؤسسة ببذل بعض الجهد لتسليط الضوء على مساهمات زملائها وتوجيه الشكر علانية لأعضاء الفريق عندما يتجاوزون في عملهم ما هو مطلوب منهم. تقول سالي: "أخذت أتحدث عن الاعتراف بالجميل في اجتماعاتنا الصباحية، وكان لذلك تأثير على فرق الضيافة لدينا".
لكن باستثناء مجموعة الضيافة، فإنّ شيئاً لم يتغير. شعر زملاء سالي في القسم أنّ جهودهم غير مقدرة وأنه يُنظر إلى قيامهم بعملهم على أنه أمر مفروغ منه. تقول سالي: "أدركت أنّ المعضلة كانت منهجية. وفكرت: كيف بإمكاني أن أسّهل شكر شخص ما في العمل؟". تحدثت سالي إلى رئيسها وأجريا معاً عصفاً ذهنياً للأفكار. كانت النتيجة إطلاق بطاقات "جرازي" (Grazie) والتي يقوم الموظفون بمنحها لبعضهم البعض كطريقة للتعبير عن الامتنان. تقول سالي: "تحمس الناس كثيراً لمنح البطاقات والحصول عليها". وتضيف: "حالما توقفت عن التفكير بنفسي، ووظفت جهودي في تغيير الثقافة، بدأ التقدير ينهال علي".
تشغل سالي اليوم منصب رئيسة مؤسسة "إينر كومباس كونسلتينغ" (Inner Compass Consulting) وهي تواصل التأكيد على أهمية شكر الآخرين لما ينجزونه من عمل.
دراسة حالة رقم 2: جد طرقاً مبتكرة لجذب الانتباه إليك من خلال استعراض مساهماتك (ومساهمات الآخرين)
بدأت آنا بروكواي مسارها المهني مسؤولة مبتدئة لإدارة حسابات العملاء في وكالة إعلانات ضخمة في سان فرانسيسكو.
كانت تحب عملها وعميلها الأساسي، ليفاي شتراوس (Levi Strauss)، وكانت تعمل باجتهاد كبير. ومع ذلك، كان صعباً عليها أن تبرز بين زملائها، وكان الشعور السائد لديها أنّ جهودها لا يلاحظها أحد. تستذكر آنا: "كنت أقضي ساعات إضافية في تطوير برامج وأفكار جديدة لعملائي، لكن العمل كان يضيع في بحر من المشاريع الجاري العمل عليها". وتضيف: "كنت أجد صعوبة في جعل عملي واضحاً أكثر بحيث أحصل على تقدير أكبر".
لدى التفكير في الوضع، أدركت آنا أنّ العديد من النسوة الشابات كنّ يُفضلن الانتظار للحصول على إقرار بفضلهن، بدل المبادرة والسعي للحصول عليه. تقول آنا: "أعتقد أننا عُلّمنا ضمنياً أو بجلاء أن نتحلى بالرزانة". وتضيف: "استعراض عملك أشبه بإطلاق حملة علاقات عامة. أنت لا تريد التكبر أمام الآخرين، لكنك أيضاً لا تريد أن تكون غير مرئي".
في أحد الأيام، شاهدت آنا زميلة لها تعمل على عرض تقديمي لعميل حول فكرة جديدة وأدركت أنّ الشفافية أمر مهم هنا. تقول آنا: "لم تكن المشكلة أنّ العمل لم يكن مهماً، الفكرة هي أنهم لم يعرفوا ما أفعله".
وضعت آنا عرضاً بسيطاً من 15 دقيقة عن العمل الذي قامت به لمساعدة الشركة لتستعرض بشكل أفضل أحدث منتجاتها في الصفوف الأولى للمتاجر. لم يؤدي هذا إلى تسليط الضوء على جهودها فقط بل أيضاً على عمل المصممين لدى ليفاي شتراوس والذين أضافوا مؤخراً تعديلات و"كانوا يبحثون عن طريقة لجعل عملهم ملاحظاً أيضاً".
تقول آنا: "أذكر كم كان رئيس المشتريات فخوراً لوضعه في العرض التقديمي وشكره على عمله".
بعد ذلك بسنتين، جلبت ليفاي شتراوس آنا للعمل معهم، وأصبحت لاحقاً رئيسة لمجموعة التسويق العالمي لديها.
تشغل آنا اليوم منصب الشريكة المؤسسة ورئيسة شؤون التسويق في "تشيريش" (Chairish)، وهو سوق إلكترونية للديكور والمفروشات والقطع الفنية الأثرية. تكتب آنا في كل يوم اثنين عند الساعة الثانية مساء ملاحظة شكر بأسلوب "جيد وتقليدي" إلى أحد أعضاء فريقها. تقول آنا: "أعتقد أنّ الجميع يشعرون أنّ الاعتراف بالفضل يجعل الجميع يشعرون بقيمتهم في العمل. المال، والترقيات وغيرها، أشياء مهمة بحق، لكن المصادقة على الذات هي ما يكسب العمل معنى أكبر".