ملخص: لماذا ينجح بعض المنتجات والشركات والبرامج الاجتماعية ويحقق النمو، بينما ينحسر البعض الآخر ويبوء بالفشل الذريع؟ يرى كاتب المقالة أن هناك 5 أسباب وراء هذه الظاهرة: 1) النتائج الإيجابية الزائفة، أو التفسير غير الدقيق لجزء من الأدلة أو البيانات، 2) التحيز في تمثيل الشرائح السكانية، أو عدم التأكد أن عيّناتك تعكس أكبر عدد من السكان على نطاق واسع، 3) العناصر غير القابلة للتفاوض التي لا يمكن أن تنمو أو تتكرر، 4) التداعيات السلبية غير المباشرة، أو النتائج غير المقصودة، 5) مزالق التكلفة. ويشرح في هذه المقالة ويستعرض أمثلة لكل سبب، وكذلك كيفية توقعها أو تجنبها.
كنتُ على مدى السنوات العديدة الماضية في طليعة المدافعين عن الحركة المعروفة باسم علم التنفيذ، أو علم التوسع. وسنحاول في هذه المقالة فهم أسباب نجاح بعض المنتجات والشركات والبرامج الاجتماعية ونموها، بينما ينحسر البعض الآخر ويبوء بالفشل الذريع.
عندما تفقد فكرة واعدة فعاليتها أو تتراجع ربحيتها في أثناء التوسع في تنفيذها، فإننا نطلق على هذه الظاهرة مسمى "هبوط الجهد" (Voltage Drop). ولا يحدث هذا الفشل في التوسع لسبب واحد.
وبحكم عملي على مدار الأعوام الخمسة والعشرين الماضية خبيراً في الاقتصاد السلوكي ومستشاراً لعدد من الشركات الكبيرة والصغيرة ومستشاراً اقتصادياً سابقاً في البيت الأبيض، حددتُ خمسة أسباب أو ما أسميه "المؤشرات الحيوية" لظاهرة هبوط الجهد.
1. النتائج الإيجابية الزائفة
يحدث هذا عندما تتعجّل في تفسير بعض الشواهد أو البيانات وتعتبرها دليلاً على صحة شيء ما، في حين أنها ليست كذلك في الحقيقة، كما رأينا مثلاً في النتائج غير الدقيقة لاختبارات فيروس كورونا. وبالنسبة للتوسع، فإن النتائج الإيجابية الزائفة هي مؤشر مضلّل على أن فكرة ما تبدو واعدة، أو بها "جهد" (Voltage)، في حين أنها ليست كذلك في الحقيقة.
وتحدث نتيجة إيجابية زائفة في بعض الأحيان بسبب خطأ إحصائي، كما هي الحال مع برنامج الوقاية من تعاطي المخدرات الشهير (D.A.R.E). فبعد أن أظهرت دراسة مستقلة نتائج واعدة على المدى القصير، تلقى البرنامج تمويلات ضخمة من وزارة العدل الأميركية. لكن كانت هناك عدة مشاكل تكتنف هذه الدراسة؛ فقد استبعدت أنواعاً محدّدة من المخدرات، مثل الكحول والماريجوانا، وركزت على التبغ، كما اعتمدت على عينة صغيرة، والأخطر من ذلك أن الدراسات اللاحقة وحتى التحليلات اللاحقة لم تستطع التوصّل إلى نتائج مطابقة.
وتنجم الإيجابيات الزائفة في حالات أخرى عن الكذب المتعمد. ومن أبرز الأمثلة على ذلك إليزابيث هولمز وتكنولوجيا فحص الدم الرائدة المزعومة في شركة ثيرانوس (Theranos) التي لم يكن لها وجود على أرض الواقع.
ويكمن الحل لاستئصال الإيجابيات الزائفة في الحصول على 3 نتائج متطابقة مستقلة على الأقل لأي فكرة قد تبدو واعدة في البداية. ويجب تحفيز الموظفين في الشركات التي تحافظ على سرية أبحاثها بمكافآت مالية تشجعهم على التشكيك في النتائج.
2. التحيز في تمثيل الشرائح السكانية
بمجرد أن تتوصّل إلى دليل دامغ يُثبت فاعلية فكرة معينة تأمل التوسع في تنفيذها، فإن الخطوة التالية هي الإجابة عن السؤال التالي: "إلى أي مدى ستنجح الفكرة إذا تم تنفيذها على نطاق واسع؟".
يجب أن يفهم القائمون على المشاريع جمهورهم المحتمل. وتتمثل الطريقة الأولى لاتخاذ هذه الخطوة في التأكد أن عيّنات الاختبار التي أجريتها على نطاق صغير تعكس أكبر عدد من الشرائح السكانية على نطاق واسع. وإن لم تفعل، فسيحدث معك ما حدث مع سلسلة مطاعم ماكدونالدز التي وقعت ضحية لانحياز الاختيار عندما طرحت شطائر آرك ديلوكس (Arch Deluxe) دون أن تلقى نجاحاً يُذكَر. فقد وقع المشاركون في المجموعة المركزة في حب المُنتَج الجديد، لكنهم لم يكونوا يمثلون غالبية الأميركيين الذين أرادوا ببساطة الاستمرار في تناول شطائر بيج ماك.
وللتخلص من مثل هذه التحيزات، تأكد أن المستخدمين الأوائل لديك يمثلون عينة عشوائية. يجب عليك أيضاً التأكد أن المشاركين في الاستقصاء لديهم الحوافز المناسبة لإخبارك بالحقيقة. إذ يمكن لأحد المشاركين في المجموعة المركزة الذي يدعي أنه سيشتري مُنتَجاً معيناً إذا تم طرحه في الأسواق أن يقول ببساطة: "أحب أن أدرس خيار شراء هذا المُنتَج في المستقبل"، بدلاً من قول: "سأشتري المُنتَج في المستقبل".
3. العناصر غير القابلة للتفاوض التي لا يمكن أن تنمو أو تتكرر
لكي تستطيع فكرة أو مشروع ما الصمود وتحقيق النجاح على نطاق واسع، فلا بد أن تعرف ما إذا كان يمكن تكرار "العناصر غير القابلة للتفاوض"، أو العناصر المؤثرة في نجاحك، على نطاق واسع. بعبارة أخرى: هل يتمثل سر خلطة فكرتك أو مشروعك في "الطُهاة" أم "المقادير"؟ ونظراً لصعوبة التوسع في الأشخاص (أي عدم إمكانية استنساخهم)، فإن المشاريع التي تتمحور حول المواهب غالباً لا يصعُب التوسع فيها أيضاً. ولا يمكنك تحمل تكلفة كل المواهب التي تحتاج إليها مع استمرارك في النمو، لذا فإنك توظف عدداً أقل من الموظفين ذوي القدرات المتميزة، وبالتالي تتأثر جودة منتجاتك سلباً عند التوسع، وهو ما يعني حدوث هبوط شديد في الجهد.
لكن هذا المؤشر الحيوي لا يرتبط بالأفراد وحدهم. فقد تظهر في أثناء التوسع قيود تنظيمية وقيود على الموارد ومخاوف تتعلق بالصحة وعدد من المشكلات الأخرى. ويجب أن نضع في النهاية هذه القيود التوسعية على "طبق بتري" ونتأكد من نجاح الفكرة في ظلها.
4. التداعيات السلبية غير المباشرة
يُعرَف أثر التداعيات غير المباشرة بأنه الأثر غير المقصود الذي قد ينتُج عن تأثير حدث أو نتيجة ما على حدث أو نتيجة أخرى. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما يحدث عندما يتم افتتاح مصنع جديد في إحدى المدن ويؤثر تلوث الهواء الناتج عن هذا المصنع على صحة السكان في الأحياء المجاورة.
وكلما توسعت أكثر، ازدادت احتمالية حدوث التداعيات غير المباشرة. وتعتبر تأثيرات التوازن العام أو التعديلات الطبيعية للسوق أحد الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة. وقد رأيت هذا بنفسي عندما كنت أشغل منصب رئيس الخبراء الاقتصاديين في شركة أوبر، حيث فشلت القسيمة التي أدت إلى زيادة عدد الركّاب في إحدى مناطق سياتل عندما عملنا على توسيع نطاقها في المدينة بأكملها بسبب ارتفاع الأسعار، ووجد المستخدمون طرقاً أرخص للتنقل في تلك الليلة.
توجد أيضاً تداعيات إيجابية غير مباشرة، مثل الآثار المترتبة على وجود الشبكات التي تجعل منصة وسائل التواصل الاجتماعي أكثر قيمة مع انضمام المزيد من المستخدمين إليها. وعند تصميم فكرتك، يجب أن تتحسَّب في البداية لكافة التداعيات السلبية غير المباشرة وتبحث عن فرص لاستغلال التداعيات الإيجابية غير المباشرة والاستفادة منها.
5. مزلق التكلفة
إذا أردتَ النجاح في التوسع، فيجب ألا يقتصر الأمر على تحديد عدد الأشخاص الذين يحبون فكرتك فحسب، بل لا بد أيضاً من تحديد المبالغ المستعدين لدفعها مقابل الاستفادة منها، والأهم من ذلك تكلفة توفيرها.
وعند تصميم مؤسستك، يجب أن تحسب نوعين من التكاليف: التكاليف الثابتة المدفوعة مسبقاً، مثل الاستثمار لمرة واحدة في البحث والتطوير لإنشاء منتجات أو خدمات جديدة، ونفقات التشغيل المستمرة. ويمكن تعويض التكاليف المدفوعة مسبقاً، لكن التكاليف التشغيلية يمكن أن تستنزف مواردك المالية وتؤدي إلى هبوط الجهد، كما حدث مع شركة أريفال (Arivale) الناشئة المتخصصة في مجال التكنولوجيا البيولوجية، التي كانت على وشك تغيير وجه الرعاية الصحية الوقائية، إلا أنها أفلست بعد بضع سنوات لأنها لم تستطع إيجاد نقطة سعرية قابلة للتطبيق لخدماتها.
ويمكن الهروب من مزلق تكلفة التوسع عبر اتباع عدد من الاستراتيجيات يتمثل إحداها في ضمان الاستفادة من وفورات الحجم، وهي مهارة يتفوق فيها إيلون ماسك في كل مشاريعه. فمنذ أن أسهم في تغيير عالم الخدمات المصرفية عبر الإنترنت من خلال شركة باي بال، فإن كل ابتكار رئيسي نفذه حقق الازدهار من خلال وفورات الحجم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك سيارة تيسلا. إذ يمكن إرجاع نجاحها الهائل إلى وفورات الحجم في أهم اثنين من مكوناتها، وهما البطاريات وخلايا توليد الطاقة الشمسية، وكلاهما يمكن تصنيعه بسعر أرخص بكثير وبأعداد أكبر. بالإضافة إلى ذلك، فإن كل شيء في شركة تيسلا موجَّه نحو زيادة كفاءة "الآلة التي تصنع الآلات"، أو ما يحب أن يسميه ماسك "المدرعة العجيبة" (Alien Dreadnought)، أي منشأة الإنتاج المؤتمتة بالكامل والمتقدمة للغاية.
وتتمثل الاستراتيجية الأخرى في إنشاء نماذج لا تعتمد على المواهب الرفيعة المستوى. إذ سيصبح العثور على أصحاب الأداء المتميز في أثناء التوسع ودفع أجورهم أمراً باهظ التكلفة. ويكمن الحل في إنشاء منتجات يمكن أن يستفيد العملاء من قيمتها الكاملة حتى في حال تقديمها من خلال موظفين متوسطي الأداء.
وعندما ألقي محاضرات حول هذا الموضوع، أستحضر السطر الافتتاحي الشهير لرواية "آنا كارنينا" للروائي المعروف ليو تولستوي: "الأسر السعيدة تتشابه، إلا أن لكل أسرة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة". وبالمثل، فإن الأفكار القابلة للتطوير كلها متشابهة، إلا أن كل فكرة غير قابلة للتطوير لها طريقتها الخاصة في عدم قابليتها للتطوير. والفارق مع القياس أنه لا يوجد سوى 5 عوائق رئيسية تواجهها. وإذا استطعتَ توقعها وتجنبها، فيمكنك تطوير فكرتك والتوسع في تنفيذها للحصول على أعلى "جهد" (Voltage) ممكن.