يتسابق القادة ومؤسساتهم في مجتمعنا وفي القطاعات كافة لتعزيز قيمة البيانات وإدخال التكنولوجيا في العمليات داخل الشركات وإنشاء خبرات معززة رقمياً على نحو أفضل للزبائن والعملاء والموظفين في مسعى لتحقيق زعزعة في شركاتهم قبل أن يقوم بها غيرهم. ولا يمكن تحقيق ذلك من دون استثمار كبير في المواهب. ومع وجود شواغر في وظائف تقنية يقارب عددها 500,000 وظيفة في الولايات المتحدة، وهو رقم من المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2020، يعلم المدراء أنه ليس بإمكانهم توظيف ما يغطي حاجتهم من الموظفين ذوي الكفاءات العالية. كما أن الموظفين يركزون بحرص على المؤسسات التي سوف تستثمر في تطويرهم وتساعد على تأمين مستقبلهم في الاقتصاد الرقمي القائم على البيانات.
يجد المدراء أنفسهم في مواجهة قرارات بشأن طلب خبرات من خارج مؤسساتهم، من خلال التوظيف أو الشراكة أو الاستحواذ، ولكنهم غالباً ما يتغاضون عن فكرة رفع مهارات القوى العاملة الموجودة لديهم. يمكن أن يكون رفع المهارات أداة تمكين أساسية لتحريك أجندات البيانات والرقميات والتقنيات في الشركة مع مساعدة الموظفين على تأمين مستقبلهم وفائدتهم في ذات الوقت. وعلى الرغم من أنه يجب على الموظفين المشاركة في رفع مهاراتهم الرقمية الشخصية من تلقاء أنفسهم واستثمار الوقت والجهد اللازمين لاكتساب المعارف والمهارات الجديدة، إلا أنه يجب على القادة أيضاً الالتزام بعدم التخلي عن أي موظف وإجراء الاستثمارات التي تعزز التعلم الدائم الضروري للحياة في القرن الواحد والعشرين. ويتعلق رفع المهارات الرقمية جوهرياً بالثقافة وخبرات الموظفين وتفعيل عقلية النمو المشترك بين الأفراد والفرق وفي جميع أنحاء المؤسسة.
في شركة "برايس ووترهاوس كوبرز"، على سبيل المثال، طورنا قوة استراتيجية لرفع مهارات شاملة للقوى العاملة من أجل بناء "لياقة رقمية" لدى جميع موظفينا، وتجهيزهم بقاعدة واسعة من المعارف الممتدة عبر مجالات مختلفة نؤمن أنها حيوية لجميع موظفي الشركات اليوم، مثل البيانات والتحليلات والذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي (الأتمتة) وتقنية البلوك تشين والتفكير التصميمي. واستراتيجية رفع المهارات هذه هي أولوية محورية لشركتنا ويرعاها الرئيس.
نحن نطور اللياقة الرقمية من خلال التعلّم المعزز بالتقنية، بما فيه الملفات الصوتية الرقمية (بودكاست) والتعليم عن طريق الألعاب والمحتوى متعدد الوسائط والمسابقات عبر برامج الهواتف الذكية، دون أن نتقيد بحدود غرف الصف التقليدية. لقد أنشأنا أيضاً تطبيقاً للياقة الرقمية يوفر لكل موظف لدينا تقييماً شخصياً لحنكته الرقمية ويوجهه لملء الثغرات وتحقيق تحسن. يقدم هذا التطبيق مسار تعلم مصمم خصيصاً مع توليد معلومات قيّمة لتخطيط القوى العاملة واستراتيجيات تطوير المهارات في الوقت ذاته.
المسرّعون الرقميون
يتضمن تحصين مستقبل قوتنا العاملة مجموعة من جهود التطوير السريعة. على سبيل المثال، نعمل على تمكين الموظفين المتحمسين لتسريع مهاراتهم أكثر عن طريق تقديم "محور مهني" لهم ليصبحوا ما نسميه "مسرعين رقميين". وسرعان ما يعمق المسرعون مهاراتهم في الاختصاصات الرقمية، مثل البيانات والأتمتة والذكاء الاصطناعي واستخدام التقنيات الرقمية في سرد القصص اليومية عن طريق تعلم مجموعة من الأدوات ذاتية الاستخدام ولغات البرمجة وتطبيق هذه المهارات في جميع أقسام شركتنا.
مع اعتراف من قيادة شركتنا بأن إدماج مهارات متقدمة وتوزيعها على فرقنا هو محور أساسي لبرنامج رفع المهارات، دعونا جميع الموظفين من جميع أقسام الشركة للمشاركة والتسجيل في برنامج المسرعين الرقميين ضمن عملية اختيار تنافسية. وتقدم قرابة 3,500 موظف لشواغر قد يصل عددها إلى 1,000 في 2018.
التعلم والمجتمع والتطبيق السريع
استثمرنا لمدة عام تقريباً في إنشاء تجربة تعلم مرنة ذات تفكير تقدمي تجمع المسرعين بادئ الأمر من أجل عملية التحاق شخصية غامرة، يتبعها إنشاء مسار تطوير شخصي لكل موظف. ولضمان حماية الوقت الذي نحتاجه لتحقيق التطبيق السريع للتعلم، تضمّن الاستثمار إتاحة الوقت لمئات المسرعين عن طريق إسقاط مسؤولياتهم الاعتيادية عنهم. فيركزون على عمل الزبون كامل الوقت مع تطبيق هذه المهارات لمدة لا تقلّ عن عامين. وإتاحة الوقت لهم من أجل التعلم والتعاون، والتنفيذ هو جزء حيوي من البرنامج، إذ لا يمكن إضافة عملية حقيقية لرفع المهارات الرقمية إلى عمل آخر.
يستخدم مسرعونا فعلياً إجراءات وأتمتة مكتبية آلية ذكية لتحسين الإجراءات التي لا تزال حتى اليوم تتطلب عملاً يدوياً مكثفاً. ويمكن أن يساعد ذلك على تقليص الوقت الذي تستغرقه المهام من أكثر من ألف ساعة في بعض الأحيان إلى مجرد دقائق أو ثوانٍ فقط، ما يولد قدرة لدى الموظفين وزبائنهم لتركيز التأثير على أمور ذات قيمة أعلى. كما يحظى المسرعون بالتقدير من خلال برنامجنا للأوسمة الرقمية في أثناء مراحل إتقانهم للمعارف والمهارات تدريجياً عن طريق التطبيق.
وهناك أمر أساسي آخر، وهو بناء مجتمع بين المسرعين وتعزيزهم ليتمكنوا من تنظيم أنفسهم بطرق تضخم نجاحاتهم. فالتواصل الدائم والعمل معاً ومشاركة ما تعلموه من أمور ترتقي بالمؤسسة بأكملها هي أمور أساسية. وبالطبع، مكّنا حسّ التواصل هذا عن طريق التقنيات، ولكن العنصر الإنساني هو ما يجعله مذهلاً. ويشجع العنصر الاجتماعي من البرنامج التعلم المسرّع من خلال المشاركة مع النظراء. وهذا يعني أنه من الممكن أن تصبح فوائد جهود الانتقال إلى التقنيات الرقمية فعلية وكبيرة بسرعة. واليوم، أصبحت أتمتة المهمات اليدوية التقليدية متوفرة في شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" لآلاف الموظفين الذين لم يلتقوا ببعضهم البعض أبداً، ومعظمهم ليسوا ضمن برنامج المسرعين الرقميين الرسمي.
دروس للمدراء والمؤسسات
تعلمنا على مدى هذا المسار بضعة أمور أساسية يمكنها مساعدة المؤسسات الأخرى الراغبة في وضع برامج كهذه قيد التنفيذ، وهي:
- رفع المهارات الرقمية هي أولوية للشركات والموظفين. من الضروري أن يعترف المدراء على جميع المستويات برفع المهارات على أنه أولوية الشركة ويدفعها الرئيس التنفيذي.
- لا يمكن تحقيق التعليم القائم على التقنيات دون وضع ما يلزم من الاستثمارات والأصول والإجراءات. يجب أن يتم دعم الموظفين بالأدوات والموارد الرقمية بالإضافة إلى الوقت اللازم لتطبيق ما يتعلمونه. كما يجب الاحتفال باكتساب المهارات الجديدة والآثار المثبتة وتقديرها.
- ركز على بناء ثقافة عقلية النمو. تعهد بعدم التخلي عن أحد طالما أنهم لا يختارون البقاء في الخلف. إن الالتزام بالتعلم الدائم هو الحدّ الأدنى المطلوب في عصر رقمي قائم على البيانات. والتعلم الذي تدعمه المؤسسات هو عقد ضمني بين الشركة والمتعلم أو الموظف الذي يجب أن يمتلك الرغبة بالمشاركة بما يتاح له.
يرتبط العمل الذي نقوم به بنتائج الشركات وهو موصول مباشرة بتغيير الثقافة. وبرنامجنا لرفع المهارات الرقمية هو بصفة أساسية برنامج شامل وقابل للقياس ومرن وسريع ويحقق نتائج فعلية بما يخص تغيير شركتنا وتغيير خبرات موظفينا على حدّ سواء.