الطريقة الصحيحة لقيادة التفكير التصميمي

14 دقيقة

كانت آن ليند رئيسة الوكالة الوطنية الدانماركية تواجه أزمة انبثقت، بشكل غريب، من مشروع بدا وكأنه يسير على درب النجاح. كانت الوكالة مسؤولة عن تقييّم مطالبات التأمين الخاصة بالعمال المصابين وتحديد التعويضات الملائمة لهم. وطبّق المشروع التفكير التصميمي في محاولته لتحسين خدمات الوكالة، حيث قام أعضاء فريق ليند باختبار ما يتعرض له العملاء وقاموا بإنشاء الروابط معهم ووضع أنفسهم في مكانهم في محاولة لرؤية العالم من منظورهم. كما عمل الفريق على إجراء مقابلات وقام بشكل خفي بتسجيل المقابلات التي جرت مع العملاء باستخدام الفيديو أثناء حديثهم عما اختبروه خلال تعاملهم مع الوكالة وكيفية إدارتها لمطالباتهم. وكشفت تلك الطريقة عن أمر مفاجئ، إذ اُكتشف بأن تم تصميم عمليات الوكالة كان إلى حد كبير لخدمة رغباتها واحتياجاتها (لتكون أكثر كفاءة وتسهّل تقييم مُطالبات عملائها) بدل أن تكون مُسخّرة لخدمة عملائها ممن تعرضوا لحادث صادم ويحاولون استعادة حياتهم الطبيعية المنتِجة.

أخبرتنا ليند كيف فتحت تلك التجربة عيني الوكالة وأدت إلى إطلاق تحوّل كبير فيها، لكنها تسببت أيضاً في ظهور شعور كبير بالانزعاج، إذ أظهرت مقابلات الفيديو تلك شعور بعض العملاء بالمرارة من تصرفات الوكالة، إذ قال أحدهم بسخرية مبطّنة كيف أن على المرء التمتع بصحة جيدة لتحمّل ضغوط التواصل مع الوكالة. (استغرب فريق التصميم لدى معرفته أن العملاء يتلقون وسطياً 23 رسالة من الوكالة وجهات أخرى مثل المستشفيات وأرباب العمل خلال إجراءات تقديم المطالبات). وكان موظفو آن ليند قد سبق وأن نالوا جوائز في الإنتاجية لكفاءتهم في إدارة المطالبات ولطالما نظروا إلى أنفسهم كمختصين أكفاء، مع ذلك، صُدموا لدى سماعهم ما قاله العملاء عنهم.

قررت ليند أن يرى جميع موظفي الوكالة المقابلات على اعتبار أن خبرتهم واقتناعهم سيكونان ضروريين لتطوير الحلول. وقد صُدم الموظفون واستاؤوا بشدة، الأمر الذي أثار قلق ليند وخوفها من صعوبة تقبّل بعضهم لما شاهدوه. تمثّل هدفها الأساسي في إشعارهم بالحماس، وليس الإحباط. وكانت تلك لحظة احتاجت فيها المنظمة إلى مهاراتها القيادية، إذ كان عليها مساعدة الموظفين على استيعاب المعلومات المقلقة هذه وتحديد الخطوات التالية. كانت الخطوة التالية إما ارتقاء الموظفين إلى مستوى التحدي وتعديل طريقة مساعدتهم للعملاء أو البقاء رهن حالة الإحباط هذه.

يتطلب التفكير التصميمي قيادة فعالة وكفؤة لإنجاح الجهود مقارنةً بعمليات إدارة التغيير الأخرى. وقد كُتب الكثير عن كيفية توظيف المنظمات للتفكير التصميمي في الابتكار، سواءً في هارفارد بزنس ريفيو أم في منشورات أخرى، (انظر "التفكير التصميمي"، هارفارد بزنس ريفيو، يونيو/ حزيران 2008، و"والتفكير التصميمي يأتي مع العمر"، هارفارد بزنس ريفيو، سبتمبر/ أيلول 2015). تقترح دراستنا المتعمّقة أن القيادة الكفؤة مهمة جداً للنجاح. وشملت دراستنا ما يقرب من عشرين مشروعاً كبيراً موزعة على عدة منظمات كبيرة في القطاعين العام والخاص في خمسة بلدان. ركزنا في الدراسة على كيفية أداء فرق التفكير التصميمي لعملها من ناحية، ومن ناحية أخرى كيف يمكن لكبار المسؤولين التنفيذيين الذي أطلقوا تلك المشاريع التفاعل مع تلك الفرق وتمكينها.

فكرة المقالة بإيجاز

التحدي

قد يرى بعض الموظفين أساليباً على غرار التعاطف مع المستخدمين وإجراء تجارب مع المعرفة بأن أغلبها سيفشل على أنها شخصية وذاتية مقارنةً بالعقلانية والموضوعية التي اعتادوا سماعهما منذ فترة طويلة.

التداعيات

يمكن أن تتسبب النتائج بصدمة الموظفين وفزعهم، إذ قد يشعرون وكأنهم يراوحون يفي مكانهم، أو قد يجدون صعوبة في إلغاء الأفكار المسبقة عن المنتج أو الخدمة التي يقدمونها. وقد تعرقل مخاوفهم هذه المشروع.

العلاج

يحتاج القادة إلى مساعدة الفرق على توفير الوقت والمجال اللازمين لإظهار أفكار جديدة والحفاظ على إحساس عام بالاتجاه والغرض.

من الناحية المثالية، يرعى القادة فرق المشروعات والتي تعمل بدورها مع مجموعة فرعية من الموظفين على التوصل إلى حلول تُنفّذ في نهاية المطاف على نطاق أوسع، غالباً ما يكون عبر المؤسسة بأكملها. وتتكون تلك الفرق في العادة من استشاريين خارجيين أو من وحدات متخصصة من داخل الشركة. وفي بعض الأحيان، وعندما يكون هناك احتمالية لأن يتضمن التغيير مجالات مختلفة من عمل المؤسسة ليس للفريق الأساسي أي خبرة في عملياتها، يتوسع المشروع ليضم أشخاصاً من تلك المجالات، في خطوة تفيد أيضاً في ضمان إقناعهم بالمشروع. ولم يكن لدى القادة الذين كُلفوا بهذه المشاريع في معظم الأحيان خبرة سابقة في التفكير التصميمي. ورغم انخراط البعض بشكل مباشر أكثر من البقية، كان الجميع يريد معرفة الآلية التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم الاستراتيجية.

وقد فاز موظفو وكالة التأمين بجوائز الإنتاجية لكفاءة إدارتهم لقضاياهم. لقد صدموا لسماع تعليقات العملاء السلبية.

لماذا تعتبر القيادة القوية أمراً حاسماً

قد تحمل عبارة "التفكير التصميمي" معانٍ مختلفة، إلا أنها تصف في العادة العمليات والأساليب والأدوات اللازمة لإنشاء منتجات وخدمات وحلول وخبرات تدور حول الإنسان. وتتضمن أيضاً إنشاء رابط شخصي مع الأشخاص، أو المستخدمين، الذين تُصمَّم تلك الحلول لأجلهم. ويسعى المصممون إلى فهم ظروف المستخدمين وأوضاعهم واحتياجاتهم بشكل عميق عبر محاولة رؤية العالم من منظورهم والتقاط جوهر تجاربهم. وينصبُّ التركيز هنا على إنشاء رابط ناجح، وحتى عميق، مع المستخدمين.

لكن قد يرى بعض الموظفين هذه الأساليب شخصية وذاتية مقارنةً بالعقلانية والموضوعية التي اعتادوا سماعهما منذ فترة طويلة. وتريد الشركات بالطبع فهم عملائها، لكن قد تتسبب تلك الروابط المبنية مع العملاء والقادمة من التفكير التصميمي في أن يشعر الموظفون بالارتباك وحتى القلق الشديد.

وإضافةً إلى ما سبق، هناك جانب آخر غير مريح في أساليب التفكير التصميمي يتمثل في اعتمادها على التفكير المتباين، إذ يُطلب من الموظفين عدم الاندفاع إلى خط النهاية وعدم الاتفاق السريع على إجابة واحد، بل استكشاف خيارات أكثر والتقدّم بشكل متوازٍ بدل التقدّم إلى الأمام. وقد يكون هذا الأمر صعباً على من اعتاد النظر إلى اتجاه واضح محدد مثل التوفير في التكاليف أو زيادة الكفاءة أو غير ذلك. كما قد يعطي ذلك شعوراً بأن التفكير التصميمي عملية معقّدة (وهي كذلك في واقع الأمر).

وما يزيد الطين بلة هو دعوة أساليب التفكير التصميمي الموظفين إلى تجربة شيء لطالما حاولوا تجنبه بشدة في حياتهم وهو "الفشل"، إذ تزيد نسبة نجاح النماذج الأولية والاختبارات المتضمنة في هذه الأساليب لدى إنتاجها الكثير من النتائج السلبية التي توّضح بدورها الأمور غير الناجحة. لكن ثمة كثيرون من ناحية أخرى لا يرتاحون بمواجهة الفشل مرة بعد مرة.

ويستحق التفكير التصميمي العناء المبذول لأجله نظراً لوجود إمكانية هائلة على إحداث التغيير والتحسين والابتكار. وفي الواقع، فإن نقاط قوة طرق التفكير التصميمي هي نفسها الأمور التي يعاني الموظفون في التعامل معها.

لذلك، يحتاج الموظفون، ممن لا دراية سابقة لهم بالتفكير التصميمي (وهم الأغلبية في العادة)، إلى تلقي التوجيه والدعم من قادتهم للمضي في تلك الطرق غير المألوفة لهم وإيصال ملاحظاتهم حول هذا الأسلوب بشكل مُنتِج. وقد قام بحثنا بتحديد الممارسات التي يمكن أن يستخدمها القادة التنفيذيون لإنجاح مشاريع التفكير التصميمي مع توزيعها على ثلاث فئات هي: الاستفادة من التعاطف، وتشجيع التباين وخوض غمار الغموض، والتدرّب على الاحتمالات المستقبلية الجديدة.

الاستفادة من التعاطف

في المراحل الأولى من عملية التفكير التصميمي، يكون على الموظفين العاملين على مشروع معيّن التخلّي عن أفكارهم المسبقة حيال المنتج أو الخدمة المقدمة. ويمكن للقادة مساعدتهم في ذلك عبر دعم العملية والتي بدورها تستخدم معلومات خاصة بالعملاء لإثارة تعاطف الموظفين وجعلهم يتساءلون عن تأثير أفعالهم على العملاء. لكن تُظهر أبحاثنا أن على القادة تقديم ما هو أكثر من مجرّد الدعم، إذ عليهم أيضاً دعم الموظفين بينما يواجهون مشاعر مؤلمة محتملة ناتجة عن التشكيك في كفاءة عملهم، إذ يمكن للنتائج غير المتوقعة أن تولّد حالة دفاعية وخوف قد تتداخل مع هذا التعاطف وتقوّض الحافز للعمل.

لقد أدركت ليند حاجتها إلى تحويل اكتشاف الموظفين لتجارب العملاء السلبية مع وكالتها من أمر يدمّر المعنويات إلى قوة إيجابية للتغيير، وهو ما عنى نقل تركيز الموظفين لينصب على العملاء بدلاً من أنفسهم. وقد أنجزت ليند ذلك عبر إشراك جميع موظفي الوكالة في تفسير الاكتشافات التي تم الحصول عليها خلال المراحل المبكرة من مشروع التفكير التصميمي، ثم الطلب من مدراء المستوى الإداري المتوسط تنسيق تمارين ضمن وحداتهم تعمل على تقديم أفكار جديدة. وقد خرجت إحدى المجموعات بفكرة تقترح إحاطة العملاء بما قد سيواجهونه خلال رحلة تقديم مطالباتهم من خلال نشر رسم بصري على موقع الوكالة على الإنترنت يوضّح العملية، في حين اقترحت أخرى إنشاء خط ساخن "للأسئلة" يقدم المساعدة للعملاء بسهولة. وفي واقع الأمر، حفّزت ليند الموظفين على التفكير في خطوات قد لا تحل كل واحدة منها لوحدها المشكلة برمتها ولن تشكّل حلاً نهائياً، إلا أنها تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح.

تدعو أساليب التفكير التصميمي الموظفين إلى الاختبار المتكرر لأمر لطالما حاولوا تجنبه ألا وهو الفشل.

ولنتأمل أيضاً مشروع تصميم تفكيري قادته ماتي روزندال دارمر، رئيسة قسم الممرضات في المستشفى الوطني في الدنمارك، إذ أشارت المقابلات التي أجراها فريق المشروع إلى أن المرضى كانوا يشعرون بالارتباك والقلق والخوف وأحياناً الإذلال خلال تجربتهم مع عيادة القلب في المستشفى. وقامت دارمر بعرض هذه الملاحظات على 40 طبيباً وممرضة وموظفاً إدارياً ذي أدوار رئيسة في العيادة. كانت دارمر تعلم بأنها بحاجة إلى مساعدتهم للعمل على تطوير أفكار تخاطب ما ذكره المرضى، وقد شعر هؤلاء جميعهم بالدهشة، إذا كان يظنون بأنهم يقدمون الخدمات الكفيلة بتحسين صحة مرضاهم. وتقصّدت دارمر إزعاجهم كما قالت لنا لاحقاً، لكنها لم تتوقف عند ذلك، إذ اقترحت طرقاً عملية لتوظيف ذاك الاكتشاف ليكون قوة دافعة كبيرة للتغيير التنظيمي والعملياتي.

وكانت تلك الطريقة مفيدة جداً كونها دعت الموظفين إلى طرح السؤال التالي على أنفسهم: "ماذا لو نظرنا إلى وقت المريض على أنه أكثر أهمية من وقت الطبيب؟"، وتسببت طريقة التفكير المختلفة هذه في طرح هدف قابل للتحقيق يتمثل في تحسين رحلة المريض في العيادة، الأمر الذي قاد بدوره إلى إعادة تصميم الرحلة كلها في نهاية المطاف. لكن كانت دارمر بحاجة إلى إضفاء الشرعية على هذا التحول، إذ شعر موظفوها بالقلق من عدم تقبّل الإدارة لتوقف الموظفين عن تحسين الكفاءة نظراً لإمكانية تسبب تلك الإجراءات في زيادة التكاليف. لكن أكدت درامر لهم أن الإدارة تدعم هدف وضع المرضى أولاً. وفي النهاية، لم ترتفع التكاليف بشكل كبير نظراً لأن تحسين تجربة المرضى خفّضت نسبة مبيتهم في العيادة إلى النصف.

ما يمكن تعلمه من المثالين السابقين هو أن على القادة دفع الموظفين إلى الانفتاح على التغيير، ثم تقديم الدعم لهم حيال أي مشاعر سلبية قد يواجهونها لمساعدتهم على العودة إلى المسار الإيجابي وعدم الشعور بالإحباط أو الدفاعية لدى مواجهتهم مواطن القصور في الممارسات القائمة. كما أن عليهم تأطير تلك الاكتشافات كفرص لإعادة التصميم والتحسّن بدلاً من رويتها كمشاكل في الأداء.

عمل القادة الذين درسناهم على إلقاء الضوء على احتياجات المستخدمين الحقيقية بشدة، حتى لو رأى الموظفون العملية في البداية بلا طائل أو كانت النتائج تُشعرهم بعدم الراحة. كانت بولا سانغيل، مديرة منظمة تقدم وجبات جاهزة للمواطنين المسنين في بلدية هولستبرو الدنماركية، قائدة غير تقليدية نوعاً ما مقارنةً بباقي قادة دراستنا، إذ أنها تولّت دوراً مباشراً في قيادة عملية التفكير التصميمي. فعندما اقترحت لأول مرة مشروع تحسين الخدمة، غدا فريق مدراء الطبقة الإدارية الوسطى ​​دفاعياً جداً ومقاوماً لفكرة إمكانية التغيير. وقد اشتكوا من قصر الوقت المخصص للخدمات الغذائية (10 دقائق لكل عملية تسليم) وأصروا على عدم وجود شيء يمكن تحسينه ضمن تلك الفترة القصيرة، لكن رداً على ذلك، مشت معهم سانغيل خلال العملية خطوة بخطوة للنظر في فرص للتحسين حتى ضمن قيود الوقت. وفي النهاية بدأ فريقها تقديم الأفكار.

حثّ القادة الذين درسناهم أيضاً موظفيهم على تجاوز اعتمادهم المعتاد على الإحصائيات ومحاولة التعّرف عن قرب لما يختبره المستخدمون وشعورهم حياله. فنادراً ما كان الموظفون على دراية بالطرق الإثنوغرافية المستخدمة في التفكير التصميمي. واضطر القادة إلى إلغاء التركيز على الدراسات الاستشارية التقليدية والعمل بدلاً من ذلك على توفير ظروف تضع الموظفين موضع المستخدمين مسترشدين بخبراء التفكير التصميمي. فعلى سبيل المثال، وعندما كانت دائرة المحافظة على الإسكان والتنمية في مدينة نيويورك تعمل على تقييم عروض جديدة، رتّب القادة قضاء الموظفين أسابيع عملية يتفاعلون فيها مع أشخاص يعيشون في عقارات مخفّضة الإيجار في مانهاتن. وكان الهدف مساعدة الموظفين على استيعاب الحياة اليومية للمستأجرين بحيث يمكنهم لاحقاً تحديد الخدمات التي تهم المستأجرين حقاً وتجربتها وتقديمها لهم بأفضل شكل ممكن مستخدمين الدراسات القائمة على الملاحظة والمقابلات.

الأمر متروك للقادة لمساعدة موظفيهم على مقاومة الرغبة في الإجماع بسرعة على حل من دون إشعارهم بأنهم لا يحصلون على التوجيه.

وشجع القادة فرق المشروع على جمع البيانات ثم تقديمها لاحقاً إلى باقي الموظفين بتنسيقات تثير الذكريات أو العواطف، مثل تقديم تسجيلات صوتية أو مقاطع فيديو لأشخاص يتحدثون بتلقائية، بدل الجداول والمخططات البيانية الجافة التي شاع استخدامها في مشاريع مشابهة. ويحقق جمع المعلومات باستخدام نماذج كهذه عدة أغراض: فهو يضمن حصول الموظفين على فهم عميق لظروف المستخدمين، ويوفر وسيلة لتوصيل تلك الأوضاع بقوة للآخرين، فضلاً عن أنها توفر شحنة عاطفية لتحفيز التغيير وتوليده إذا تم تعامل القائد معها بشكل جيد. فكل ما علينا القيام به هو فقط العودة والاستماع إلى الأصوات في التسجيلات لكي نتذكر لماذا كانت هناك حاجة للتغيير.

تشجيع التباين وخوض غمار الغموض

أكد القادة المتميزون الذين رصدنا عملهم أن فرق مشاريع التفكير التصميمي الخاصة بهم خصصت المكان والزمان المناسبين لتقديم أفكار جديدة متنوعة وكذلك الحفاظ على إحساس عام بالاتجاه والغاية. وعلى القادة هنا مساعدة موظفيهم على مقاومة رغبتهم في الإجماع السريع على حل من دون إشعارهم في الوقت نفسه بافتقادهم إلى التوجيه.

طلبت عميدة مدرسة ستينهوس الثانوية في هولبيك في الدنمارك، من تسعة أساتذة تقديم مقترحات لتحويل برنامج. وبعد أن بدأ الأساتذة بالعمل، لم تقم العميدة عمداً بما كانت تقوم به في العادة والمتمثل في تدقيقها الشديد حيال التقدم وطلب معرفة آخر التطورات باستمرار والضغط على الفريق لإكمال المشروع بسرعة. وقد قال أعضاء الفريق بأنهم شعروا بالحيرة عندما لم تحدث تدخلات الإدارة المتوقعة، حيث كان يُطلب منهم بشكل متكرر الاجتماع ببعضهم ثانيةً والقدوم بأفكار جديدة. كما ذكروا بأنه بعد فترة طويلة من الأفكار المثمرة، "لم تحاول حتى التحكم فينا"، وهو ما أكدته العميدة بقولها إنها لم ترغب بفعل ذلك، حيث أرادت أن تفقد السيطرة، لكنه كان فقدان سيطرة إيجابي.

وقام بيتر جادسدون، رئيس قسم رؤية العملاء وتصميم الخدمات لمنطقة لويشام في لندن بإعداد تسجيل مقاطع فيديو لتفاعلات موظفي خدمة العملاء مع المواطنين في وحدة خدمات التشرد. ولم يكن هذا أمراً شائعاً، وكان يجب حماية خصوصية المواطنين. ولكن حالما حصل جادسدون على الموافقات اللازمة وبدأ بتنظيم العملية، استخدمت مقاطع الفيديو تلك بما يتسق مع ممارسات التفكير التصميمي الشائعة لإطلاق الأفكار. يقول جادسدون: "على مدار ثلاثة أسابيع، قابل الموظفون أشخاص مختلفين عديدين، وحصلنا على مقاطع فيديو متعددة". أظهرت المقاطع قيام أبناء المهاجرين غير الناطقين بالإنجليزية بالترجمة بين آبائهم والإخصائيين الاجتماعيين، الأمر الذي يتعارض مع الممارسة المثلى المتمثلة في استخدام مترجم محترف لتجنب تعرّض اليافعين للصدمة الناتجة عن إشراكهم في محادثات متصلة بقضايا بالغين معقدة، مثل تشرد محتمل. وبعد مشاهدة المقاطع، سأل جادسدون موظفي خدمة العملاء، "ما الذي يمكننا فعله لمعالجة مشاكل مثل هذه؟"، واستخدم المصممون مقاطع الفيديو تلك لجعل الموظفين أكثر انفتاحاً على التغيير والذين قدموا بدورهم أفكار متعددة بحسب جادسدون.

أما في شركة بوينغ، فرأينا لاري لوفتيس، المسؤول لتنفيذي في مجال التصنيع في شركة الطيران العملاقة، يصرّ على أن تستخدم فرق تحسين العمليات لديه نهجاً يُدعى "الطرق السبعة" والمتمثل في تحديد سبع حلول ممكنة على الأقل خلال العصف الذهني، حيث يضيف، "يكون من السهل القدوم بالحلول الثلاثة الأولى، ولكن يغدو من الصعب جداً التوصل إلى حلول أخرى بعد ذلك. وعليك هنا عدم التقيّد [بأفكارك الأولية] والانفتاح على كل ما هو جديد".

ويتمثل الهدف من التفكير المتباين في تخطّي الإجابات السهلة إلى تلك التي قد تكون مبتكرة بحق، إذ نادراً ما يتم اختيار الخيارات المتطرفة والتي قد تكون مقدمة إلى حلول أكثر عملية. يضيف لوفتيس: "يمكن أن تكون بعض الحلول جنونية إلى درجة تكون فيها متأكداً من استحالة حدوثها. ولكن يمكن لاحقاً إجراء محادثة حيال إمكانية تطويع تلك الأفكار قليلاً وطرح أفكار جديدة قابلة للحياة".

لكن ثمَة من لا يشعر بالراحة بالتفكير بأكثر من احتمال ومتابعة طرح الأفكار لدرجة تقديمه أفكار قد تكون مجنونة لدرجة استحالة التطبيق. فبالنسبة للأشخاص الموجهين نحو تحقيق الأهداف، يمكن أن يروا التفكير المتباين وكأنه يولّد غموضاً لا داعٍ له حيال وجهة المشروع. وعلى القادة هنا مساعدة هؤلاء الأشخاص على التعامل مع انعدام الأمن والقلق لديهم.

ولا يعتبر ما سبق بهذه السهولة دائماً نظراً لاحتمال مواجهة المدراء أنفسهم المشاعر ذاتها، إذ طرحت علينا إحدى المديرات اللاتي أدرن خدمات دعم الأعمال في مدينة هلسنكي السؤال التالي، "كيف تشرح لموظفيك أنك تطبّق منهجية أنت نفسك لا تفهمها بشكل كامل؟". لقد كُلّفت تلك المديرة بمشروع تفكير تصميمي لإيجاد طرق كفيلة بخفض الإجراءات الروتينية أمام الشركات، إذ تمثّل الهدف في تبسيط عملية منح الأذونات للمطاعم وأماكن الترفيه في الهواء الطلق، والتي تحتاج موافقة 14 وكالة بلدية في العادة. ولقد أجابت بنفسها على سؤالها عبر طرحها لمثال: إذ شاركتْ مشاعر عدم يقينها مع موظفيها ثم بدأت بلا تردد في تطبيق تلك العملية، وأوصلت بوضوح رؤيتها للاحتمالات اللانهائية للنهج على أنها طريقة للانطلاق لحلول جديدة وليس نتيجةً لضعف التوجيه.

التدرب على الاحتمالات المستقبلية الجديدة

إحدى العناصر الجوهرية في التفكير التصميمي اختبار الحلول الممكنة مع المستخدمين النهائيين والموظفين وأصحاب المصلحة بطرق سريعة وعملية. وتدعو بوينغ هذه العملية باسم "العصف التجريبي"، فهي مشابهة للعصف الذهني، ولكنها تتخطى مجرد طرح أفكار إلى محاولة تنفيذها بطريقة أنيقة قد تتطلب بناء نماذج أو إنشاء مقاطع فيديو لترتيبات مستقبلية متخيلة. وتولّد مثل هذه القطع الفنية الواقعية محادثات تميل إلى أن تكون أكثر تفصيلية ووضوحاً وفائدةً مقارنةً بتلك الافتراضية. ويجب على القادة تمكين هذه الممارسة عبر توفير الوقت والموارد ومعالجة الشكوك حيال قيمة هذا الإجراء عبر الشرح للموظفين بأن النماذج "الفاشلة" تمثّل بحد ذاتها تقدماً، وعليهم تفسير ما يحاولون تحقيقه ومن عليه تحقيق ذلك بوضوح.

أراد سيث شونفيلد، المدير المؤسس لأكاديمية أوليمبوس، وهي مدرسة ثانوية عامة في بروكلين بنيويورك، أن تعيد منظمته التفكير في كيفية خلق نتائج التعلم (على سبيل المثال، كيف تُعلّم الطلاب مهارات جديدة). كان في العادة يجتمع بمجموعة من المعلمين والطلاب للخروج بأفكار جديدة انطلاقاً من تجاربهم الخاصة. إنما في هذا المثال، تمت دعوته لتجربة التفكير التصميمي كجزء من مبادرة تقوم بها وزارة التعليم في مدينة نيويورك، والتي زودته بالمستشارين والأدوات بما في ذلك كاميرات فيديو. اقترح شونفيلد قيام الفريق بعمل مقطع فيديو قصير يصور يوماً في حياة طالب خيالي في بيئة تعليمية رقمية تركز تماماً على الطلاب. واستخدم المشاركون في المشروع مقطع الفيديو لتوضيح السيناريوهات الجديدة: المواد التعليمية متاحة عبر الإنترنت، ودروس مصممة لتناسب قدرات كل طالب ووتيرة تعلمه، وسيتم توفير دورات متابعة فور الانتهاء من الدورات السابقة، وما إلى ذلك. وأثار الفيديو، الذي لعب فيه أحد طلاب الفريق دور البطولة، مناقشات ثرية حول ميزات الاحتمالات المستقبلية البديلة للمدرسة. وخلال حديثهم عن الفيديو، تقاربت وجهات نظر المدير والكادر التعليمي حيال كيفية تفعيل تلك الأهداف ذات الرؤية الأوسع والتي تحقق معظمها لاحقاً. وقد ساعد ما سبق بشدة على تلقي دعم وتوجيه الإدارة العليا نظراً لاختلافه الجذري عن طريقة العمل المعتادة.

طلبت بولا سانغيل من فريق التفكير التصميمي تصميم خدمة مشابهة لعمل المطاعم خلال مشروعها لإعادة تصميم خدمة "الوجبات المتنقلة" التابعة لبلدية هولستبرو، والتي تم اختبارها وتطويرها بشكل متكرر مع عملاء فعليين. كما طلبت من أعضاء الفريق استكشاف سيناريوهات مختلفة. واعتبر الموظفون التمرين سخيفاً في البداية، إلا أنهم لاحظوا بعد ذلك أن ملاحظات العملاء أدت إلى أفكار لم تكن لتظهر بخلاف ذلك. بعض تلك الأفكار كانت وجبات أصغر لمن يأكلون كميات أقل، وتخفيض التكاليف، وذلك تمشياً مع الهدف الشامل للتحول.

يجب على أولئك الذين يفوضون مشاريع تفكير التصميم أن يكونوا مدربين يلهمون فرقهم، ويمسكون بأيديهم عند الضرورة مع التراجع في الوقت نفسه عندما يمضي الفريق لوحده.

ويتطلب التدرّب على الاحتمالات المستقبلية أن يكون القادة محددين بشأن النتائج الشاملة الواجب تحقيقها. ففي مشروع يهدف إلى تحويل تجربة العملاء، قام عملاق التأمين النرويجي جنسيدج بعمل نموذج أولي لمجموعة أفكار متنوعة لتحقيق ثلاثة عناصر رئيسة لخدمة عملاء ممتازة: "كن ودوداً ومتعاطفاً، وحل مشكلة العميل فوراً، وقدّم دائماً للعملاء نصيحة واحدة لم يتوقعوها". ورغم البساطة الظاهرية لهذه المبادئ، إلا أنها كانت أمراً جديداً تماماً على منظمة مالية ركزت في الماضي على إدارة المخاطر ومراقبتها. واستلزم ذلك تغيير النظرة من التشكيك النسبي في ادعاءات العملاء إلى تقديم تجربة عميل أكثر إيجابية. وكان على القادة أن يشرحوا للموظفين بأنه من المقبول القيام بهذا التحول، فضلاً عن أنه كان عليهم التصرف بحذر في حال حدوث أمر ما، مثل خداع عميل لموظف باستخدام ادعاء كاذب، للبرهنة عن المصداقية. وكان عليهم الإشارة بوضوح إلى أهمية خدمة العملاء حتى عندما تسوء الأمور. وقد ساعد هذا التحول على ارتقاء شركة جنسيدج إلى القمة في تصنيفي خدمة العملاء والولاء بين الشركات المائة التي تعمل في سوقها (النرويج والدنمارك والسويد ودول البلطيق).

ولدى اختبار الحلول، شجع القادة الذين درسناهم على التركيز على خلق القيمة لكل من العملاء الخارجيين والموظفين أيضاً (وأحياناً دوائر أخرى). ووسع هذا من الفوائد المحتملة للتغيير وساهم في تأمين اقتناع مجموعات متعددة، مما أدى إلى تغيير طويل الأمد.

عندما بدأت الشركة الصناعية العملاقة غروندفوس، الرائدة عالمياً في تكنولوجيا مضخات المياه، بالعمل على مضخة من الجيل التالي، عرف فريق التصميم أن على واجهتي التحكم والمستخدم أن تكونا رقميتين إلى حد بعيد. لكن ماذا يعني ذلك في الواقع؟ مال الفريق في البداية إلى البحث ضمن التقنيات الرقمية والاستفسار عن احتياجات العملاء، وكلاهما كانا عنصران مهمان للمشروع بطبيعة الحال. لكن أصر المدراء التنفيذيون على قيام أعضاء الفريق بالتفكير على نطاق أوسع يشمل فئات قد تقدم قيمة، مثل الفنيّون ممن يعمل بعضهم لدى شركات أخرى، ومن قد يقومون بتركيب المضخات، ومعرفة سياقات عملهم واحتياجاتهم.

خاتمة

لا يمكن للقادة ببساطة تفويض مشاريع التفكير التصميمي ثم التراجع، بل عليهم المحافظة على نظرتهم الساهرة والبقاء منتبهين للتعرف على اللحظات التي يتوجب عليهم فيها الانخراط مع الفريق. ويجب عليهم مساعدة أعضاء الفريق على التعامل مع المشاعر والانزعاج الطبيعي الذي يرافق هكذا محاولات في العادة. كما يجب عليهم تشجيع الفريق على اتخاذ هذه الطرق الاستكشافية الهامة للغاية مع المساعدة في الحفاظ على الثقة في أن المبادرة تمضي قدماً. وفي الوقت نفسه، يجب ألا يكونوا ثقيلي الوطأة، إذ تحتاج الفرق إلى تحقيق الاكتشافات بنفسها وإدراك أنها تشارك في عملية إبداعية، لا تقوم فقط بتنفيذ تعليمات الإدارة.

ويجب على القادة الذين يفوّضون مشاريع التفكير التصميمي العمل كمدربين يُلهمون فرقهم لتحقيق النجاح، ويساعدونهم خطوة بخطوة عند الضرورة مع التراجع عندما يمضي الفريق بسهولة لوحده. ولا يعتبر هذا الدور سهلاً، إذ يمثل التفكير التصميمي تحدياً لأنه يتضمن شيئاً أكثر حيوية من مجرد إدارة التغيير، فهو يتضمن اكتشاف نوع التغيير المطلوب. وقد برهن المدراء الذين درسناهم على أن هناك قادة عديدون يمكنهم القيام بذلك. لكن يتطلب الأمر فهماً عميقاً للعمل وتقديراً للاختلافات بين التفكير التصميمي وآليات تحقيق التحول التنظيمي الأخرى

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي