طريقة بسيطة لاتخاذ قرارات أفضل

8 دقيقة
اتخاذ قرارات أفضل
مصدر الصورة: فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو، مانويل بريفا كولمييرو/ غيتي إميدجيز

منذ بضعة أعوام، قرأت كتاب جوليا كاميرون "طريق الفنان" (The Artist’s Way) مع مجموعة من 10 نساء. في هذا الكتاب، تؤكد كاميرون أهمية ما تسميه "صفحات الصباح" (Morning Pages)، وهي 3 صفحات من اليوميات التي تدونها على الورق فور استيقاظك من النوم، ويجب إنجاز هذه المهمة قبل أن تشرب قهوة الصباح، وقبل التحقق من الرسائل الواردة، وقبل أي شيء آخر.

القواعد المتعلقة بصفحات الصباح غير صارمة، يمكنك أن تكتب أي شيء يخطر على بالك، مثل حلم رأيته للتو، أو مخاوفك بشأن اليوم الحالي، أو الامتنان لشيء ما، أو حتى كتابة جملة "لا أعرف ماذا علي أن أكتب" مراراً وتكراراً. وفي حين أن هذه الممارسة مصممة في المقام الأول لمساعدة الفنانين على الخروج من حالة الجمود الإبداعي، فإنها تقنية أثبتت قيمتها في كل جانب من جوانب الحياة. بعد الالتزام بهذه العادة بضعة أشهر، أدركت أنها حسّنت طريقتي في تنظيم أفكاري، وساعدتني على اتخاذ قرارات مدروسة أفضل في العمل.

آنذاك، كانت ثمة مشاكل في المكتب الذي أعمل فيه تقلقني وأخشى التحدث بشأنها؛ فقد كان الفريق يعاني حالة ارتباك لأن بعض أفراده كانوا يوجهون الاتهامات لزملائهم أمام القيادة، وكانت القيادة تتخذ إجراءات بحقهم دون أن تتواصل معهم كما ينبغي. وكانت النتيجة ضربة قاصمة لمعنويات جميع مَن في الشركة. وكان الكثير منا يتساءل: هل سأتعرض إلى إجراء تأديبي؟ هل سينتهي بي المطاف مفصولاً من العمل بسبب شيء لم أفعله؟

في أحد الأيام، دعاني مدير الموارد البشرية إلى اجتماع دون أن يطلعني على جدول مجرياته، كنت قلقة ولا أملك أدنى فكرة عما ينتظرني. هل سأكون الضحية التالية في قائمة التسريح غير المبرر من العمل؟

كنت في حاجة إلى الشجاعة. عندما كتبت صفحات يومياتي في ذلك الصباح، واجهت المخاوف التي ساورتني حول مسار ذلك الاجتماع، وكان علي أن أتخذ بعض القرارات بشأن الطريقة التي سأرد بها إذا ساءت الأمور.

وخلال الاجتماع، تحدثت بوضوح وهدوء وبثقة، ولم أطل الحديث بسبب توتري، وكنت قد اتخذت قراراً مسبقاً بشأن الموقف الذي سأتخذه في ذلك اليوم بغض النظر عن الاتجاه الذي سيسلكه الحديث. بعد مغادرة الاجتماع، كنت مندهشة من مدى السهولة التي دافعت بها عن نفسي، وأدركت بسرعة الصلة بين هذه المفاجأة السارة وعادة الكتابة اليومية لدي، فتخصيصي الوقت الكافي حتى أتأمل أفكاري وألتزم بها من خلال كتابتها على الورق أدى إلى تغيير شعوري تجاه المحادثة المرتقبة، وكيفية تعاملي معها في تلك اللحظة.

لو أنني لم أدون أفكاري في ذلك اليوم، لكان من المرجح أنني كنت سأستسلم وأوافق ببساطة على كل ما قاله الشخص الآخر في ذلك الاجتماع. وكان من المحتمل أن تستحوذ رغبتي الطبيعية في نيل إعجاب الآخرين على تفكيري، وكانت نزعتي الطبيعية الأخرى نحو الإكثار من الكلام ستظهر أيضاً، وكانت كلماتي ستحمل نبرة الاعتذار، بدلاً من أن تحمل نبرة الثقة بالحقائق التي أعرفها جيداً. لكنني اتخذت قراراً مسبقاً حول كيفية مواجهة زميلي، ولهذا تمكنت من إدارة الموقف على نحو أفضل.

ما زلت أكتب صفحاتي الصباحية يومياً، وقد غيّر ذلك حياتي. تحتوي صفحاتي على كل شيء، بدءاً من الأفكار الرتيبة وصولاً إلى الأفكار الوجودية. تساعدني هذه العادة في السيطرة على حالة اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط التي أعانيها، فهي تمنحني الفرصة لتنظيم جدول أعمالي اليومي وتخصيص مساحة لطرح الأسئلة التالية على نفسي: من أنا اليوم؟ وما هو هدفي؟ ولماذا؟

أدى تخصيص الوقت لتأمل هذه الأسئلة إلى تأثير عميق في قدرتي على صنع القرارات، فقد أصبحت أقل عفوية وتهوراً، لأنني أبدأ يومي بوضع خطة تضبط سلوكي. لقد أصبحت أكثر ثقة بنفسي ولم أعد أسعى باستمرار إلى نيل رضا الآخرين، لأنني أعدت النظر مؤخراً في نظرتي إلى نفسي. لقد أصبحت أقل عفوية في كيفية قضاء وقتي، كما أن قراراتي، سواء التي أخطط لها مسبقاً أو التي أرتجلها، أصبحت أقل اعتماداً على المشاعر مثل الغضب أو الخوف.

لماذا يجب أن يصبح تدوين المذكرات والأفكار عادة يومية؟

تشير عدة مصادر متنوعة إلى أن الشخص البالغ العادي يتخذ إجمالاً من 33,000 إلى 35,000 قرار كل يوم، بما في ذلك القرارات بشأن ما نأكله وما نرتديه وما نقوله ونبرة الكلام. ونتخذ الكثير من هذه القرارات تلقائياً وفي الوقت نفسه اعتماداً على المعلومات التي خزّناها في عقلنا الباطن لا شعورياً حول الأشياء التي نعتبرها جيدة أو سيئة. ويشير الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، جيرالد زالتمان، إلى أن 95% من إدراكنا يحدث في العقل الباطن، وهذا ضروري، فأدمغتنا ستتعرض لما يشبه الماس الكهربائي إذا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى التفكير في أكثر من 30,000 قرار، واحداً تلو الآخر.

بطبيعة الحال، فإن بعض القرارات التي نتخذها أصعب وأكثر تعقيداً من غيرها، مثل كيفية أدائنا لأعمالنا، وكيفية قضاء الوقت وتعاملنا مع أحبائنا، وكيف نستثمر أموالنا. عندما نترك الكثير من الخيارات لعقلنا الباطن -لمجرد أننا نفعل الأشياء بالطريقة التي اعتدناها دائماً- فإننا نفوّت الفرص لاتخاذ قرارات أفضل. فعادة الكتابة اليومية تساعدنا على كسر الروتين وتخفيف حالة الانغماس المفرط في العمل التي تمنعنا من إدراك مشاعرنا واللحظات الحالية، فيزداد وعينا بالتجارب التي نعيشها وبما نمر به.

لقد استفدت كثيراً من مهمة الصفحات الصباحية في روتيني اليومي، لكن إذا لم تكن قصتي كافية لإقناعك، فسأعرض عليك بعض الأبحاث حول الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها من الكتابة أنت أيضاً.

ستصبح قراراتك أكثر اتزاناً

تؤدي عملية الكتابة اليدوية إلى تشغيل كلا الجانبين الأيمن والأيسر للدماغ، ويجب أن يعملا معاً للتعبير عما يجول في أذهاننا؛ ويفيدك هذا الأمر بطريقتين؛ إذ يعمل الجانب المنطقي والعقلاني بحيث لا تتمكن المشاعر من السيطرة على الوضع بالكامل، في حين يعمل الجانب الإبداعي والتخيلي حتى تتجاوز الأسلوب السطحي في تصنيف الأشياء الذي يحد من التفكير.

ستتمكن من تحليل القرارات المعقدة

ليس في إمكان ذاكرتنا العاملة أن تحتوي على أكثر من 3 أو 4 عناصر تقريباً في آن واحد، على نحو مماثل لليدين اللتين ليس في إمكانهما حمل إلا عدد محدود من الأغراض في الوقت نفسه. لنفترض أنك ستتخذ قراراً بشأن قبول وظيفة جديدة في ولاية أخرى، هذا ليس قراراً يسهل اتخاذه. لكي يكون خيارك مدروساً، يجب أن تطرح على نفسك عدة أسئلة: ما هي معايير الرضا الوظيفي؟ كيف سيؤثر العامل المالي في قرارك (مع الأخذ بعين الاعتبار تكلفة الانتقال، وتكلفة المعيشة، والراتب الجديد المحتمل)؟ كيف سيؤثر الانتقال في شريك حياتك، أو الأشخاص الآخرين في حياتك؟ في مواجهة موقف كهذا، يلجأ الكثيرون إلى إعداد قائمة تتضمن الإيجابيات والسلبيات. تمثّل هذه القائمة نقطة بداية جيدة، لكن هذه الكتابة ليست من النوع الذي تقصده جوليا كاميرون في حديثها عن الصفحات الصباحية.

إن إجبار نفسك على الجلوس وكتابة ما تفكر فيه فعلياً يختلف كثيراً عن مجرد إعداد قائمة، لماذا ترغب في اتخاذ هذه الخطوة؟ ما هي المخاوف التي قد تعترض طريقك؟ ما هي العوامل التي قد تشوش قرارك؟ هل تشعر بالقلق، أم أنك تحاول الهروب من شيء ما؟ أي نوع من الثقة ستحتاج إليه حتى تنتقل إلى مكان جديد كلياً، وتكافح إصابتك بمتلازمة المحتال (أي الشعور بالشك بقدراتك وإمكاناتك وبأن الآخرين يعتبرونك محتالاً لا يمتلك فعلياً أي قدرات أو كفاءات مميزة)؟

قد تكتب شيئاً مشابهاً لما يلي:

لا أستطيع أن أصدق أنني حصلت على عرض للعمل في ماساتشوستس، فهذا ما أحلم به منذ أن تخرجت. من المفترض أن يكون قراراً سهلاً، لكن إذا أردت أن أكون صادقاً، فيجب أن أعترف أنني أشعر بوجود مشكلة ما. لا أعرف ما هي. لم يسبق لي أن كنت خبيراً في اتباع حدسي. يبدو أن جميع الأشخاص من حولي متحمسون للغاية، ومن الصعب أن أجد الهدوء الذي أحتاج إليه حتى أفكر في الأسباب التي تجعلني أشعر بهذا التردد.

يبين المثال أعلاه أن أول جملتين تكتبهما قد تعبّران عن الشيء الوحيد الذي يدور في ذهنك. لكن، بمجرد أن تصبح هاتان الجملتان مدونتين على الورق، ستدرك فكرة أعمق في أغلب الأحيان. إذا واصلت اتباع هذا المسار والكتابة عما تشعر بأنه إيجابي أو سلبي، فقد تتفاجأ بمدى سهولة أن يتبادر الحل إلى ذهنك، أو على الأقل، مدى وضوح الأفكار التي تساعدك على التوصل إلى الحل.

ستزداد ثقتك بقراراتك

درس الباحثان في جامعة ميشيغان، وينستون سيك وفرانك ييتس، مستوى ثقتنا بالقرارات التي نتخذها عندما نفكر فيها بكتابتها على الورق وعندما لا نفكر فيها على الورق. ففي دراسة شملت 100 طالب جامعي في جامعة ميشيغان، قدّم الباحثان إلى المشاركين مجموعة من التعليمات حول ما يجب فعله في حال تفشي مرض محتمل.

عندما يستجيب الناس إلى ما يقوله الأشخاص لهم، فإنهم غالباً ما يكونون عرضة لما يحمل اسم "تأثير التأطير" أو "تأثير الصياغة" (Framing Effect). من الناحية الجوهرية، يميل الإنسان أكثر إلى التفكير على نحو إيجابي في شيء مصوغ بطريقة إيجابية، وعلى نحو سلبي في شيء مصوغ بطريقة سلبية. بناءً على هذه المعلومة، تعمّد الباحثان سيك وييتس صياغة الإجابة الأقل تفضيلاً على طلبهما في إطار إيجابي لدراسة استجابة المشاركين له.

وجد الباحثان في نهاية المطاف أن المشاركين الذين كتبوا عن قراراتهم قبل اتخاذها كانت ثقتهم بالقرارات التي اتخذوها أكبر بكثير، كما أنهم اتخذوا خيارات أقل تحيزاً. تمكّن هؤلاء المشاركون من اكتشاف الإجابة ذات الظاهر الإيجابي المزيف بسهولة أكبر، وفكروا في خياراتهم بصورة مدروسة. ونتيجة لذلك، لم يكونوا أكثر ثقة فحسب، بل كانت قراراتهم أكثر إنصافاً أيضاً.

يظهر المزيد من الأبحاث أنه إذا لم ننتبه بما يكفي إلى الخيارات المتاحة لنا فسنكون أقل ثقة بالقرارات التي نتخذها.

كيف تبدأ؟

قد تميل إلى تأجيل الكتابة إلى أن تواجه قراراً صعباً. لكن تحويل هذه الكتابة إلى ممارسة يومية فكرة تستحق النظر فيها. فكلما أمسكت بالقلم وشرعت في الكتابة، منحت نفسك فرصة أكبر لاكتشاف ما يدور في عقلك الباطن، لا لشيء سوى أنك خصصت بعض الوقت لاستكشافه.

عندما تتسنى لك الفرصة لتخصيص 20 دقيقة لاستجماع أفكارك بهدوء، راجع نفسك بشأن القرارات التي تنتظرك، وحاول أن تحصر كل المشاعر أو المخاوف التي يمكن أن تؤثر في كيفية اتخاذك لهذه القرارات.

ليس من الضروري أن تكون هذه الكتابة مدروسة جيداً. فالهدف الرئيسي من الكتابة هو التعامل مع الصفحات الفارغة على أنها مساحتك الخاصة للتفكير. ويمثل انكشاف نقاط الضعف بأكملها عاملاً حاسماً لتحقيق النجاح في هذه العملية. يجب أن تكون قادراً على الكتابة بحرية دون القلق بشأن رأي أي شخص فيما ستكتبه أو الأسلوب الذي تتبعه في الكتابة.

يستصعب البعض فكرة التعبير عن نقاط ضعفهم، حتى إن كان ذلك في مذكرات خاصة، بسبب تجارب سابقة تمكّن فيها أشخاص آخرون من قراءتها. إذا شعرت بأنك متردد، فجرّب الكتابة على شيء يمكنك التخلص منه على الفور بعد الانتهاء من الكتابة. يمكنك استخدام أوراق الملاحظات اللاصقة، أو المناديل، أو ملف إلكتروني محمي بكلمة مرور. لا تكمن القيمة هنا في المنتج النهائي للكتابة، بل في العملية نفسها.

وإذا كنت لا تعرف كيف تبدأ بالتفكير في قرار ما، فنحن نقترح عليك بعض الأسئلة التي يمكنها أن تحفز تفكيرك.

  • ما هي المشاعر الرئيسية التي تنتابني إزاء اتخاذ هذا القرار؟
  • هل هناك أي شيء يشتت انتباهي حالياً، ويمكن أن يؤثر في قدرتي على اتخاذ القرار الأفضل؟
  • هل استشرت أصحاب المصلحة جميعهم بهذا القرار؟
  • ما هي المعلومات التي ما زلت في حاجة إليها حتى أتخذ هذا القرار؟
  • ما هي العوامل المحتملة التي تهدد ثقتي في هذا القرار؟
  • هل أنا على وشك اتخاذ هذا القرار وأنا في أفضل حالاتي؟

في الأيام التي لا تحتاج فيها إلى اتخاذ قرار ما، يبقى الاستمرار في الكتابة محبذاً. يمكنك أن تنغمس في كتابات مطولة على الورق تتعمد فيها الحديث عن أي لحظات عصيبة في حياتك. لقد ثبت وجود ارتباط قوي بين هذه العادة وتحقيق نتائج صحية أفضل على المدى البعيد. فهذه العادة تمثّل وسيلة من أجل "التنفيس" عن التوتر، بدلاً من أن يبقى حبيساً في الجسم.

قد تكشف الكتابة أيضاً عن أشياء مخفية. غالباً ما يؤكد عملائي أنهم بعد كتابة شيء ما يدركون أنهم لم يعرفوا ما كانوا يشعرون به إلى أن انتهوا من كتابته.

إن فكرة الاضطرار إلى إنجاز نوع من مهام الكتابة، في الوقت الذي نكون فيه معرضين فعلاً لضغوط تفوق التصور، هي شيء لا يملك سوى قلة من الناس حيزاً له في جدول أعمالهم. لكن الأبحاث تشير بوضوح إلى أن التأثير المتزايد بصورة حادة لهذه العادة، حتى عند الإقلال في ممارستها، هو شيء لا يمكن تعويضه. وسواء كنت تمارس هذه العادة يومياً أو لا، فلا تدع عدد الأيام التي أهملتها فيها، مهما كان كبيراً، يردعك عن العودة إلى إليها مرة ثانية. من المرجح أنك ستكتشف الفائدة كل مرة تمارس فيها هذه العادة، مهما كانت ممارستك متقطعة. إن تحديد الأسباب الكامنة خلف أفعالك عنصر حاسم في اتخاذ القرارات الحكيمة والواثقة وغير المتحيزة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي