طرق لإنجاح عملية إعادة هيكلة المؤسسات وأسباب الفشل

6 دقائق

تؤثر محاولة الحكومات لإعادة هيكلة نفسها كثيراً على كفاءة القطاع العام، إلا أن سجل نجاح هذه العمليات يعتبر ضعيفاً إلى حد كبير، حاله حال عمليات إعادة هيكلة القطاع الخاص. تمثل نتائج الاستطلاع الذي نظمه موقع "هارفارد بزنس ريفيو" (HBR.org) حول فعالية إعادة الهيكلة مؤشراً حول كيفية القيام بذلك بشكل صحيح، إذ يغطي الاستبيان أكثر من 1,000 عملية إعادة هيكلة في جميع القطاعات والمناطق الجغرافية، بما فيها 87 مؤسسة حكومية.

عند النظر إلى بيانات المؤسسات الحكومية، سنجد أن 75% من عمليات إعادة الهيكلة قدمت بعض الفوائد، و13% منها فقط حققت الأهداف التي خُططت لها في الوقت المحدد له، في نفس الوقت الذي عانت فيه 14% منها الضرر بسبب إعادة الهيكلة. ووجد الاستطلاع أيضاً أن التحديات الثلاثة الأكبر التي تواجهها عمليات إعادة الهيكلة الحكومية تتمثل في: وجود قضايا غير متوقعة أدت إلى إبطاء العملية (مثل عدم تجديد أنظمة نقل البيانات ضمن نظم تكنولوجيا المعلومات)، أو مقاومة القادة الشديدة للتغيير، أو مقاومة الموظفين الشديدة للتغيير. (على السياسيين تذكر هذا ملياً لدى شروعهم في بدء التغيير، ومحاولة كسب أولئك الناس لصالحهم قبل البدء بأي تغيير).  

يفسر ما سبق سبب معارضة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، لـ "آليات التغيير الحكومي"، كما يُطلق على عملية إعادة هيكلة الحكومة في المملكة المتحدة. إلا أن التطورات السياسية المتسارعة التي حدثت لاحقاً أدت إلى بروز الحاجة لإجراء بعض التغييرات، وهو ما جعل خليفته تيريزا ماي، تتخذ مساراً مختلفاً من خلال إنشاء إدارتين جديدتين (هما إدارة التجارة وإدارة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، ودمج إدارتين أخريين في إدارة واحدة (هما إدارة قطاع الأعمال والطاقة وإدارة تغير المناخ). لم يتضح بعد المدى الكامل للتغييرات التي أجراها دونالد ترامب للإدارات الأميركية، ولكن من المرجح أن تتجاوز تغييراته ما جرى في المملكة المتحدة بمراحل.

تكمن الخطوة الأولى في معالجة فشل عملية إعادة الهيكلة في فهم ما الذي يجعل إعادة هيكلة القطاع العام ذات مخرجات ضعيفة. يعود السبب، في حد كبير، إلى صعوبة تحديد فوائد لإعادة هيكلة القطاع العام. في القطاع الخاص مثلاً، يكون الأمر أسهل تحديداً وقياساً، إذ تتعلق عمليات إعادة التغيير عادةً بتحقيق إيرادات أو أرباح. أما في القطاع العام، فمن الصعب تحديد منافع قابلة للقياس، إذ قد تكون مسائل فضفاضة على غرار خفض انبعاثات الكربون أو زيادة الاستعداد العسكري أو تحقيق نتائج صحية أفضل. بالتالي، وفي حال أردنا الشروع في عملية إعادة هيكلة ناجحة، علينا تحديد فوائد ملموسة وقابلة للقياس قبل الشروع في إعادة الهيكلة. لسوء الحظ، نادراً ما يحدث هذا، إذ لم تتجاوز نسبة الحكومات التي فصّلت أهداف إعادة الهيكلة الخاصة بها 8%. من ناحية أخرى، إذا كانت النتيجة المرجوة خفض التكاليف، فسيسهل قياس ذلك في أي قطاع. إلا أن 15% فقط من عمليات الهيكلة المشمولة في استطلاعنا السابق ركزت على عمليات خفض التكاليف في خططها رغم ذكر هذا الموضوع في كل مرة يتم الحديث فيها عن وضع ميزانيات القطاع العام.

في واقع الأمر، السببان الأكثر تكراراً لإجراء عمليات هيكلة القطاع الحكومي (بنسبة تزيد على النصف ربما) هما: استجابة لتغيّر في البيئة السياسية، أو رغبة القائد في إعادة تشكيل المؤسسة. يمكننا رؤية الخيار الثاني مطبقاً حالياً في الولايات المتحدة. تشير الإحصاءات إلى أن هذه الأسباب هي أقل الأسباب نجاحاً على الإطلاق فيما يتعلق بعمليات إعادة الهيكلة، نظراً لصعوبة تحديد الفوائد الملموسة لها وترجمتها إلى سلسلة من الإجراءات. بطبيعة الحال، سيرغب السياسيون دائماً في تغيير الأمور لتتناسب مع أهدافهم أو حساباتهم السياسية، لكن حتى في مثل هذه الحالات، من المفيد تعريفهم بالفوائد وتحديدهم لها بوضوح قبل بدء التغيير وذلك على اعتبار إن لم يحدث ذلك، فلن توجد طريقة موضوعية للمقارنة بين إيجابيات خيارات الهيكلة المختلفة وسلبياتها، ولن يتمكن أحد من معرفة إن كانت عملية إعادة هيكلة المؤسسة قد نجحت أم لا. على سبيل المثال، كانت رغبة الحكومة البريطانية في دمج قطاعي الأعمال والطاقة هي تقليل وجود عدد كبير جداً من الوزراء على طاولة مجلس الوزراء، إلا أن هذا القرار أعطى نتائج مختلفة، تمثلت في تركيز الإدارة الجديدة على جعل التعاون بينهما أفضل طريقة ممكنة، وهو ما برز من خلال نجاحها في وضع استراتيجية جديدة حول تخزين الطاقة والسيارات الكهربائية.

بالتالي، وبغض النظر عن الأهداف، ما هي عوامل النجاح الأخرى في إعادة تجهيز آلية الحكومة؟

أولاً، استخدام إعادة الهيكلة لتغيير ليس فقط من تُقدّم إليهم التقارير، بل أيضاً لتغيير العقليات والسلوكيات. من الضروري الحصول على دعم المسؤولين لعملية إعادة الهيكلة هذه. مما يثير القلق أنه بينما عملت جميع الحكومات تقريباً على الأمور الهيكلية، حدد أقل من نصفها أدواراً أو مهاماً جديدة للوحدات الأصغر حجماً أو للموظفين. لن يتغير أي شيء ولن تنجح عملية إعادة الهيكلة ما لم يحدث تغيير في أنشطة الموظفين اليومية. في إعادة هيكلة الجهات الحكومية، يتغير متوسط ​​عدد المناصب العليا بنسبة 20% إلى 30%. لكن حتى إذا تم تغيير جميع القيادة العليا (كما في حالة الولايات المتحدة حالياً)، فلن يؤثر على الموظف العادي داخل المؤسسة ولن يختلف عليه شيء تغيير مدير مدير مدير مديره. قد يعتقد السياسيون أن آلية الحكومة موجودة ببساطة لتنفيذ رغباتهم، لكن إن اتخذوا ما يكفي من الوقت للشرح للبقية لماذا يحدث التغيير، وإمكانية تحقيق ذلك، وحشد الهمم حوله، فستتحقق فوائد كبيرة فيما يتعلق بتغيير سلوك الجميع. جميعنا بشر، وبحاجة إلى معرفة ما تأثير ذلك علينا. (في نفس الوقت، قد تكون بعض التغييرات متطرفة لدرجة لا يمكن فيها للناس التوافق معها كما في حالة وكالة حماية البيئة الأميركية. كانت التغييرات جذرية لدرجة أنها جعلت من المستحيل تقريباً لمن عملوا في الوكالة التوافق معها نظراً لعملهم طوال سيرتهم المهنية على أهداف معاكسة تماماً). إذا لم يقم السياسيون بذلك، قد تتقوض المؤسسة ويغادرها الموظفون الجيدون (في 45% من عمليات الهيكلة الحكومية، غادر الموظفون المراد استبقائهم تلك المؤسسة).

ثانياً، يتمثل عامل النجاح الثاني في إعادة تصميم العمليات الخاصة بالعمل لتربط النتائج بالأنشطة اللازمة لإنجازها. إحصائياً، تنجح واحدة من بين ست عمليات إعادة هيكلة للقطاع العام في إعادة تصميم العمليات المتصلة بكيفية إنجاز العمل. من أبرز الأمثلة حول كيفية إنجاح عملية التصميم وضع "مسارات" (Pathways). تُقدم تلك المسارات في المشافي، مثلاً، توجيهات واضحة بشأن من يفعل ماذا ومتى، حيث قد تركز مثلاً على توضيح كيفية اكتشاف وعلاج السرطان أو كسر العظام، (وهو ما سيؤدي إلى زيادة قبول التغيير وتحسين نتائج رعاية المرضى). في نفس الوقت، يؤدي استخدام مثل تلك المسارات في الجيش إلى تحسين سلسلة التوريد اللوجستية، بالتالي تضمن الوحدات حصول جنود الخط الأمامي على ما يحتاجونه. يشكل هذا التفكير القائم على العمليات فائدة إضافية في معالجة الروابط ضمن سلسلة ما، إذ تُمرر المعلومات من شخص واحد أو مجموعة إلى أخرى. وتكون هذه الطريقة أفضل من الطرق التقليدية نظراً لنجاعة تأثيرها على المتلقين. أما في الحالات التي لا تكون فيها الإدارة قادرة على تقديم النتيجة مباشرة (على سبيل المثال، خلق فرص عمل أكثر، أو بناء المزيد من المنازل، أو تقليل الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة، أو توقيع صفقات تجارية، أو وقف الهجمات الإرهابية)، قد يكون من الأصعب ربط العمليات مباشرة إلى النتائج. ولكن من المهم أيضاً هنا تحديد الأنشطة التي ستؤدي إلى تلك النتائج. احذر من عملية إعادة الهيكلة الحكومية التي تخبر الموظفين عن أدوارهم الجديدة وفقاً للنشرات والبروشورات.

ثالثاً، يتمثل النجاح في تسريع وتيرة التنفيذ لتحقيق فوائد إعادة الهيكلة في أقرب وقت ممكن. من المنطقي التفكير في أن النتائج المرغوبة التي يريدها القادة لن تتحقق ما لم تكن المؤسسة المعاد هيكلتها جاهزة لتقديمها. إذا تم تحديد النتائج المرغوبة تماماً، فسيختلط الأمر على المتلقين. تستغرق عمليات إعادة الهيكلة الحكومية في المتوسط 14 شهراً، مقابل 11 شهراً في القطاع الخاص. يعتبر هذا وقتاً طويلاً للغاية، إذ لا يؤدي إلى تأخير النتائج المرغوبة فحسب، بل يزيد من بؤس الموظفين أيضاً.

تشير البحوث الأكاديمية إلى كره الناس للتغيير، وكرههم أكثر لعدم اليقين. كلما ازدادت حالة عدم اليقين، زاد النفور. يؤدي التأخير إلى حدوث أمور مثل اختناقات غير متوقعة، مثلاً، في طريقة العمل. أما الأمر الآخر، فهو موضوع العدالة، إذ يستغرق قادة الحكومة وقتاً طويلاً لضمان أن كل شيء يتم بشكل عادل والناس سعداء (فعلياً، لا يصوت أحد لإعادة التغيير! سيسعدون فقط بمجرد أن يتم ذلك). ستزيد احتمالية إنجاح التغيير في عمليات إعادة هيكلة القطاع العام إن تم وضع خطة ذات معالم واضحة، وتحقيقها في نصف أو ثلث الفترة المحددة، الأمر الذي سيحقق أفضل النتائج ويقلل من البؤس.

إذاً، هل سينفذ الجيل الجديد من السياسيين الشعبويين خططهم لجعل الحياة أفضل لمن تضرروا من العولمة؟ هل سيُنجح الآخرون في عمل القطاع العام لمساعدة من تضرروا من تهديد الشعبويين؟ ومن الواضح أن مدى نجاح أي مجموعة مما سبق يعتمد على جودة خططها. لكن حتى لو كان لديك أفضل الخطط، لن تحقق أي شيء ما لم تتمكن من جعل آلية الحكومة تعمل لصالحك. لقد شعرت بالارتياح لقراءتي في مجلة "الخدمة المدنية العالمية" قول رئيس وزارة الدفاع البريطانية: "هناك كتاب على مكتبي يسمى "إعادة الهيكلة" (Reorg) سأبدأ في قراءته بينما أفكر في الموضوع". إنه الكتاب الأول التي شاركت في تأليفه "هارفارد بزنس ريفيو برس" العام الماضي.

إذا كانت مؤسستك (عامة أو خاصة) قد خضعت مؤخراً لإعادة هيكلة، فاحرص على تجربة استطلاع "هارفارد بزنس ريفيو" لمعرفة مدى النجاح الذي حققته.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي