شارك
الرئيسية
7 دقيقة
مع ازدياد انتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي في عالم الأعمال، فإن مفتاح نجاح البشر جميعهم، من الموظفين المبتدئين إلى كبار المسؤولين التنفيذيين، سيكون تفويض المهام الروتينية إلى التكنولوجيا والتركيز على المهام الإبداعية.
سواء كنا نعيد صياغة استراتيجيات المبيعات والتسويق، أو نعمل على تحسين العمليات الداخلية، أو نبحث عن مصادر جديدة لتدفق الإيرادات، فهذه هي فرصتنا لقيادة الابتكار والتطور في حياتنا المهنية ومؤسساتنا.
في الواقع، أظهر استطلاع أجرته شركة كانفا (Canva) ووحدة الأبحاث والتحليلات التابعة لهارفارد بزنس ريفيو (HBR Analytic Services) في عام 2024 أن 91% من المشاركين يعتقدون أن التفكير الإبداعي هو سمة رئيسية وضرورية للموظفين، في حين يرى 96% منهم أنه عنصر ضروري لأداء الشركة ونجاحها على المدى البعيد، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الكثير منا يواجهون صعوبة في إطلاق العنان لإمكاناتهم الإبداعية بالكامل.
إذاً، كيف يمكنك تحفيز الإبداع لديك ولدى فريقك؟
بناءً على خبراتنا التي تمتد لعقود في قيادة وكالات الإعلام والإعلانات وتقديم المشورة للعملاء، نقدم هنا بعض الإرشادات والتمارين التي أثبتت فعاليتها في تحفيز التفكير الإبداعي.
التحضير
يتطلب الإبداع أن تكون في حالة ذهنية مناسبة لتحقيقه. هناك سبب واضح يفسر تدفق أفضل الأفكار في أثناء الاستحمام؛ فنحن نستحم بعد نوم عميق ومريح أو بعد ممارسة الرياضة، وبالتالي، نقضي تلك الدقائق القليلة تحت الماء بعيداً عن المشتتات وضغوط العمل والحياة اليومية.
لذلك، قبل أن تبدأ بتنفيذ أي من التمارين التي سنذكرها أدناه، من المهم أن تهيئ نفسك جيداً.
لذلك، خصص وقتاً محدداً ومارس بعض تمارين التنفس لتحسين تركيزك وتأكد من أنك منفتح لتلقّي أفكارك ومشاعرك وكذلك أفكار شركائك المبدعين ومشاعرهم. تذكّر أن العملية ستكون غير منظمة ومليئة بالأخطاء والتجارب المتكررة، ولكن الهدف النهائي هو الوصول إلى أفكار جديدة تحفز النمو.
سواء كنت تعمل بمفردك أو مع زملائك، فقد يكون من المفيد أن تطرح على نفسك أسئلة تساعدك على تحديد السياق، مثل: "ما هو وضعنا الحالي؟ وما هي أهدافنا التي نطمح إلى تحقيقها؟ وهل نمتلك الدعم والأنظمة المناسبة للتفكير والعمل بطريقة إبداعية؟ وإلى أي مدى يمكننا الالتزام؟ وما هو مدى استعدادنا لمواجهة التحديات خلال هذه العملية؟".
بعد الانتهاء من التحضيرات، ستكون مستعداً لتجربة 4 أنواع مختلفة من محفّزات الإبداع، النوع الأول مصمم لإحداث تغيير عندما تكون في حالة ركود وتعاني الروتين الممل، أما النوع الثاني فيهدف إلى تحفيز فريقك بعد فترة من الجمود أو انخفاض القدرة على الإبداع، ويركز النوع الثالث على تجديد النشاط والحيوية بعد النجاح، أما النوع الرابع فيهدف إلى اختبار التحول إذا كنت تعتقد أنه ضروري.
أطلق العنان للتغيير
ربما تشعر بالقلق بشأن تأخرك عن المنافسين، أو ربما رأيت أن ملاحظات العملاء غير مُرضية، أو أن مبادرات التغيير السابقة باءت بالفشل. عندما يكون الأفراد أو الفِرق في حالة ركود ويبحثون عن التجديد والتغيير، فإننا ننصح غالباً بهذين التمرينين:
الجرأة في التفكير إلى حد المبالغة
فكّر في حلول جريئة وغير تقليدية أو مبالغ فيها للتغلب على تحدٍّ أو مشكلة ما. ماذا ستفعل إذا كنت تمتلك سلطة مطلقة أو وقتاً غير محدود أو ميزانية مفتوحة؟ على سبيل المثال، تأمّل الفكرة الجريئة التي اقترحها منظمو حفل افتتاح أولمبياد لندن، وهي أن ترافق شخصية العميل السري، جيمس بوند، الملكة إليزابيث الثانية إلى طائرة مروحية، ثم تقفز الملكة بالمظلة إلى الملعب. على الرغم من أن القفزة الفعلية نفذها ممثلان بديلان، فإن الملكة والممثل دانيال كريغ، الذي أدى دور جيمس بوند، وافقا بحماس على تصوير المشهد، ما أسهم في انطلاقة مميزة للحفل ما كانت لتتحقق لولا وجود شخص تجرأ على التفكير بأسلوب غير تقليدي.
ابدأ بإحداث تغيير جذري
ناقش القواعد المعلنة وغير المعلنة المتعلقة بالعمل الذي تؤديه والخدمات أو المنتجات التي تقدمها.
سجّل هذه القواعد أو الأفكار التقليدية، ثم استعرض الطرق التي يمكنك من خلالها مخالفتها أو تنفيذ عكسها. على سبيل المثال، في التسعينيات، لاحظ مدير التسويق للعلامة التجارية أجاكس (Ajax)، أن الأفكار الإعلانية التي قدمتها الوكالات لتسويق المنتج الجديد، وهو بخاخ تنظيف لا يترك أي أثر، كانت تصوّر ربة منزل مبتسمة تستخدم المنتج للتنظيف بسرعة ثم تستثمر الوقت الذي وفرته في الأنشطة الاجتماعية أو الترفيهية مثل قضاء وقت مع أصدقائها أو ممارسة هواياتها المفضلة. لكن أحد العروض الإعلانية أظهر رجلاً يستخدم المنتج مع شعار "وفّري وقته واشتري سائل أجاكس الجديد". قرر المدير اختيار هذا العرض الذي يكسر الصورة النمطية التي تربط أعمال التنظيف بالنساء، ما أدى إلى نجاح الحملة وتحقيق مبيعات هائلة.
ابحث عن الفرص الجديدة للإبداع والازدهار
يمكنك استخدام هذه الاستراتيجيات عندما تحاول تجاوز فترة الركود التي تفتقر فيها إلى الحماس والإبداع في العمل؛ إذ ربما تسأل نفسك عن كيفية استعادة النشاط والحماس أو ربما تحاول التعافي من الاحتراق الوظيفي أو تشعر بالملل وتبحث عن التغيير والتجديد.
عبّر عن أفكارك بطريقة مختلفة
يمكن أن يؤدي تغيير بعض الكلمات أو المفاهيم الرئيسية التي تستخدمها عند التعامل مع التحديات الإبداعية إلى مساعدة فريقك على التفكير بطريقة مختلفة. إذا كان هدفك هو الاحتفاظ بالعملاء، فاستخدم لغة مشابهة للغة المستخدمة في استشارات العلاقات الزوجية، يمكنك طرح بعض الأسئلة، مثل: "كيف يمكننا تحسين هذه العلاقة؟" أو "ماذا يمكننا أن نفعل لزيادة المودة وضمان الولاء؟" أو إذا لم تكن تحتل المركز الأول في السوق في فئة تنافسية معينة، فيمكنك إعادة صياغة التحدي الإبداعي بطريقة تتيح لك الاستفادة من وضعك الحالي. من الأمثلة الرائعة على ذلك الحملة الإعلانية التي أطلقتها شركة آيفس (Avis) لتأجير السيارات في الستينيات، والتي استخدمت شعار "عندما تكون في المركز الثاني، فإنك تبذل جهداً أكبر"؛ إذ ساعدها هذا التغيير البسيط في التموضع على الانتقال من الخسارة إلى تحقيق الربح للمرة الأولى منذ 10 سنوات.
استخدم الأفكار القديمة
هل يمكن أن تسهم فكرة قديمة في حل المشكلة الحالية التي تواجهك؟ نظراً لأن الطبيعة البشرية لا تتغير كثيراً، فمن الممكن أن تكون الأفكار القديمة فعّالة وتساعدك على النجاح مجدداً. ابحث عن الشخص الأكثر خبرة في مجال عملك وتواصل معه للتأكد مما إذا كانت هناك استراتيجيات أو أساليب قديمة يمكن إعادة استخدامها. احتفظ بقائمة تتضمن الأفكار التي لم تنجح تماماً في الماضي، ولكن يمكن إعادة تجربتها مجدداً.
على سبيل المثال، دعنا ننظر إلى حالة جمانة، وهي مديرة أرادت تشجيع أعضاء فريقها على العودة إلى العمل من المكتب بعد جائحة كوفيد-19. بعد أن استمعت جمانة إلى ملاحظات الموظفين حول أسباب ترددهم في تنفيذ هذه الخطوة، بسبب اختلاف جداول العمل وعدم وجود فائدة مهنية أو شخصية واضحة من العودة إلى العمل من المكتب، أدركت أن عليها تصميم تجربة جماعية قصيرة وممتعة تشجع الجميع على المشاركة فيها. استوحت جمانة فكرتها من مسابقات الفطائر القديمة في المعارض المحلية، حيث كان الناس يتجمعون لمعرفة أفضل خبّاز بينهم، ثم نظّمت نسخة مشابهة وأطلقت عليها اسم "كأس العالم للكعك المُحلى" (The Cookie World Cup). في يوم الأربعاء من كل أسبوع، يحضر زميلان كعكاً محلى منزلياً من صنعهما، ثم يتذوقه الزملاء الآخرون الذين سيصوتون لاختيار الأفضل وتحديد المتأهل للجولة القادمة. بعد مرور 7 أسابيع، حصد أحد المشاركين لقب المسابقة واستعاد أعضاء الفريق نشاطهم وحماسهم للعودة إلى المكتب يوماً واحداً في الأسبوع والتفاعل فيما بينهم.
احرص على تجديد طاقتك الإبداعية وتحديث أفكارك
تهدف هذه الاستراتيجيات إلى تجديد طاقتك وتحديث أفكارك عندما لا تكون بحاجة إلى إحداث تغييرات جذرية. ربما حققت شركتك نمواً مستمراً لفترة طويلة وأصبحت تحاول الآن معرفة كيفية الحفاظ على هذا النجاح، أو ربما كان أعضاء فريقك يعملون معاً منذ فترة طويلة ويحتاجون إلى التجديد وإجراء بعض التغييرات لاستعادة حماسهم ونشاطهم.
ما هي الفرص والمجالات غير المستكشفة؟
فكر في الأنشطة أو الاستراتيجيات التي لم تطبّقها وحاول معرفة السبب. ابحث عن الفرص والمجالات التي لم يدخلها المنافسون وفكّر في الفوائد التي قد تجنيها من التوسع فيها.
أدرك مراد، وهو خبير استراتيجي في مجال التسويق، أن العديد من العلامات التجارية لم تنجح في حملاتها التسويقية التي تركز على الاستدامة البيئية، وذلك لأنها لم تقدم للمستهلكين أمثلة واضحة أو آثاراً ملموسة تبرز الفوائد الفعلية لهذه الحملات على حياتهم، فلم يشعروا بوجود صلة بين هذه الحملات وواقعهم الذي يعيشونه. لذلك، فكَّر في أبرز القضايا المتعلقة بالطبيعة التي يمكنه التركيز عليها، وهي المتنزهات الوطنية، وقرر إنشاء شراكات بين شركته وعملائه لتنفيذ مبادرات واضحة وهادفة تحظى بشعبية وتؤثر بطريقة إيجابية في البيئة وحياة الناس.
ما هي الخطوات التي قد يتخذها خصمك للتغلب عليك؟
حدد منافسك الذي يهدد شركتك وفريقك ومشروعك.
لماذا يمثل هذا الخصم تحدياً لك وكيف يمكنك توقع خطواته التالية والتفوق على طريقة تفكيره؟ على سبيل المثال، عندما كانت إحدى العلامات التجارية المنافسة تستعد لإطلاق منتج جديد لغسيل الأطباق في المتاجر الاستهلاكية البريطانية، قدمت العلامة التجارية الرائدة فيري (Fairy) خصماً كبيراً على شراء كميات كبيرة من منتجاتها، ما قلّل حاجة العملاء إلى شراء مزيد من المنتجات خلال الأشهر القليلة المقبلة.
اختبار التحول.
يمكنك الاعتماد على هذه الاستراتيجيات عندما ترغب في إحداث تغيير جذري وبدء مرحلة جديدة.
على سبيل المثال، إذا كنت تمر بأوقات عصيبة وتواجهك مشكلات مثل فقدان أحد عملائك الرئيسيين أو ظهور شركة ناشئة أدت إلى زعزعة نشاطك التجاري وكنت تبحث عن حلول للخروج من هذه الأزمات.
حدد هدفك وابدأ بتنفيذه في مدة لا تتجاوز 6 أسابيع.
اختر فكرة تريد تجربتها، وحدد موعداً نهائياً صارماً لتنفيذها. اعمل بطريقة عكسية؛ لإنجاز المهمة بسرعة، ما هي الأمور التي يجب إنجازها في الأسبوع الأول أو الأيام الثلاثة الأولى؟ حدد معايير عالية وأهدافاً صعبة، وقسّم العمل إلى مهام صغيرة، وستندهش من الإنجازات التي يمكنك تحقيقها خلال فترة زمنية قصيرة. تستطيع شركة زارا (Zara) الإسبانية الرائدة في مجال تجارة التجزئة تحويل رسومات تصاميم الأزياء على الورق إلى ملابس جاهزة معروضة على رفوف المتاجر في أقل من شهر. ما هي الفكرة التي يمكنك اختبارها في الفترة الزمنية القصيرة نفسها؟
استمر في البحث عن حلول أو أفكار جديدة وجريئة.
لا تستسلم للأفكار التقليدية ولا تقبل أول فكرة تتبادر إلى ذهنك، بل استمر في البحث حتى تصل إلى فكرة تُشعرك بالتحدي. على سبيل المثال، عندما تولت سارة منصب المدير العام لشركتها، أدركت أن الأقسام الثلاثة التي تتكون منها الشركة، والتي يدير كلاً منها قائد ذو شخصية قوية، لم تكن تتعاون بطريقة فعّالة. كان أول اقتراح لها لحل المشكلة هو إشراك القادة الثلاثة في دورة تدريبية تتعلق بالإدارة المشتركة أو إخضاعهم لجلسات تدريب فردية وجماعية، أما فكرتها الثانية فهي تنظيم اجتماع أسبوعي يجمعها بهمهم جميعاً. لكنها كانت تشعر بأن مثل هذه الإجراءات لن تؤدي إلى تغييرات طويلة الأمد في سلوكياتهم. وكانت فكرتها الثالثة تتمثل في إعادة هيكلة الشركة من خلال تقليص عدد الأقسام من ثلاثة إلى اثنين، وإعادة تصميم دور القادة وفِرقهم وأهدافهم. كان هذا الخيار مثيراً للجدل، وظهرت بعض المشكلات في البداية، ولكن بعد عام اختفت الحواجز بين الأقسام، وبدأ المدراء الثلاثة بالعمل معاً بطريقة جيدة، وزادت الإيرادات بنسبة 20%، ويعود ذلك جزئياً إلى ظهور مصادر تدفق جديدة للإيرادات.
في عصر الذكاء الاصطناعي، أصبح الإبداع البشري أداة قوية تسهم في تعزيز نمو مسارك المهني وتقدّم مؤسستك. بالإضافة إلى ذلك، يضيف الإبداع البشري جواً من المتعة والإثارة إلى بيئة العمل. جرّب هذه التمارين واستلهم الأفكار من هذه الأمثلة وابدأ بإطلاق العنان لإبداعك في العمل.