3 طرق علمية لتعزيز ذكائك العاطفي

5 دقيقة
صقل مهارات الذكاء العاطفي
فرانشيسكو كارتا فوتوغرافو/غيتي إميدجيز

هل سبق لك أن تفاعلت مع موقف في العمل بطريقة شعرت بأنها غير لائقة؟ أو هل أرسلت رسالة إلكترونية في لحظة غضب وندمت عليها لاحقاً؟ بغض النظر عن مدى نجاحنا أو تفوقنا، نواجه جميعاً صعوبة في إدارة عواطفنا في بعض الأحيان، ونعاني العواقب بعد ذلك.

ثمة اعتقاد راسخ وغير معلن أن عليك التخلي عن عواطفك عند دخول مكان العمل، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالعواطف ليست مثل الأحذية يمكنك خلعها. ومثلما يدرك معظمنا للأسف، يتحمل أقرب الناس إلينا الذين نحاول دائماً تجنب إزعاجهم؛ أحباؤنا وزملاؤنا المقربين، عبء عدم قدرتنا على التعامل مع عواطفنا السلبية.

تشير الأبحاث إلى أن العواطف السلبية لا تؤثر في علاقاتنا فحسب، بل أيضاً في قدرتنا على الظهور بأفضل حال. فعندما تستحوذ علينا مشاعر مثل التوتر والإحباط والخوف والغضب، تتأثر قدرتنا على التركيز والانتباه واتخاذ القرارات وذاكرتنا وصحتينا البدنية والنفسية. لذلك من المهم للغاية معرفة كيفية التعامل معها، وهنا تبرز أهمية الذكاء العاطفي.

لقد درّست الذكاء العاطفي لآلاف القادة في كلية ييل لإدارة الأعمال وشهدت التأثير التحولي الذي يمكن أن يحدثه على نجاح الفرد. ثمة 3 عناصر رئيسية للذكاء العاطفي: الوعي الذاتي والضبط الذاتي والعلاقات الإيجابية. في كتابي الأخير "الاستقلالية: استعد حريتك وطاقتك وقوتك في زمن التشتت وعدم اليقين والفوضى" (Sovereign: Reclaim Your Freedom, Energy, and Power in a Time of Distraction, Uncertainty, and Chaos)، أستعرض استراتيجيات مدعومة علمياً حول طريقة تقوية هذه المهارات. يمكن لهذه الاستراتيجيات أن تعزز ذكاءك العاطفي بسرعة.

استخدم وعيك الذاتي في دقيقتين

عندما تتفاعل مع شخص ما بطريقة تندم عليها لاحقاً، عادة ما يكون ذلك غير مقصود، فأنت غالباً لم تقصد أن تكون وقحاً أو فظاً أو غير محترم، لكن المشكلة ببساطة هي قلة الوعي الذاتي.

ما هو الوعي الذاتي؟ هو القدرة على الوعي بعواطفنا وأفكارنا الداخلية -هل أنا منزعج؟ هل أنا متعب؟- وعدم الوقوع فريسة لرد الفعل أو السلوك المتهور إذا ما استفزك شخص ما. يمكن أن تساعد تنمية الوعي الذاتي من خلال تعزيز الذكاء العاطفي على تجنب الأخطاء الفادحة في العلاقات.

يمتلك دماغنا منطقة خاصة تراقب حالتنا الداخلية من خلال عملية يطلق عليها متخصصو الأعصاب "الحسّ الداخلي" (Interoception)، لكن المشكلة تكمن في أننا غالباً لا نستفيد منها بأفضل وجه.

يمكن أن يساعدك أحد التمارين الذي أدرّسه في محاضراتي كلها على استخدام هذا الجزء من الدماغ على الفور وتعزيز وعيك الذاتي.

اجلس وأغمض عينيك. ركز انتباهك على نفسك. ثم اتخذ هذه الخطوات الثلاث:

1. لاحظ حالة جسمك

على مقياس الطاقة الذي يتراوح بين التعب الشديد والطاقة العالية، أين تضع نفسك اليوم؟ تحسس جسمك. لاحظ مشاعرك: هل أنت جائع؟ هل ثمة مناطق تشعر فيها بتوتر أو استرخاء شديد؟

2. لاحظ أفكارك وكثافة تواردها

تنتقل الأفكار عبر العقل طوال اليوم، تظهر وتختفي باستمرار. تخيل الأفكار مثل السيارات، كيف تصف حركتها؟ هل تشبه حركة طريق سريع مزدحم، أم طريق ريفي هادئ، أم في مكان ما بينهما؟

3. لاحظ عواطفك

سواء اعتبرت نفسك شخصاً عاطفياً أم لا، ستشعر بعواطف في كل دقيقة من اليوم. قد تشعر بالهدوء أو الفضول أو الحماس، أو قد تشعر بالحيادية أو الغضب أو التوتر.

يمكنك قياس العواطف بطريقتين: أولاً، إلى أي مدى هي سارّة أو مزعجة؟ أين تقع عواطفك حالياً على مقياس من السارّة إلى المزعجة؟ ثانياً، ما هو مدى قوتها؟ ربما تكون حيادية. أين تقع حالياً على مقياس من القوية إلى الضعيفة؟

باستخدام هذا التمرين، ستقيّم سريعاً كثافة حركة أفكارك الداخلية ومستويات التوتر لديك، وسيساعدك ذلك على تحديد إذا ما كنت في حالة مثالية لما أنت على وشك فعله بعد ذلك.

على سبيل المثال، لنفترض أن البند التالي في جدول مواعيدك هو اجتماع مهم مع زميل صعب المراس تخطط لتوجيه ملاحظات إليه. نفّذت هذا التمرين السريع للوعي الذاتي، وأدركت أنك تشعر بالتوتر وأن حركة الأفكار في ذهنك كثيفة. قد يظن زميلك أن انشغالك بأفكارك الداخلية دليل على أنك مشتت الذهن ومتوتر وسريع الانفعال وقليل الاحترام، وبالتالي سيصبح تواصلكما أقل فعالية، وقد لا تكون نتيجة تفاعلك مفيدة مثلما يُفترض أن تكون. يمكن للوعي بذاتك أن يجنبك هذه الأخطاء الفادحة إذا قررت مثلاً تأجيل الاجتماع أو فعل شيء ما لتحسين حالتك الذهنية قبل الاجتماع (سنناقش ذلك لاحقاً).

الضبط الذاتي عن طريق التنفس

أظهرت الأبحاث التي أجريتها مع زملائي في جامعة ييل، بالإضافة إلى العديد من الدراسات الأخرى، أن تمارين التنفس من أهم الطرق الفعالة وأسرعها لإدارة العواطف في الوقت الفعلي. يمكن أن يساعدك التنفس على الانتقال من حالة هيجان عاطفي (لنفترض أن درجتها 10 على مقياس من 1 إلى 10) إلى حالة أكثر استرخاء (لنفترض أن درجتها 2) في دقائق معدودة.

من التمارين التي يمكنك تجربتها إطالة الزفير. ما هو السبب؟ يزداد معدل ضربات قلبك عند الشهيق ويبطئ عند الزفير.

عندما تحتاج إلى ضبط ذاتك، قبل تقديم عرض أمام فريق القيادة العليا مثلاً أو عندما تحاول التحلي بالصبر في اجتماع محبط، جرّب هذا التمرين: أغمض عينيك وخذ شهيقاً وأنت تعد إلى 4، ثم ازفر وأنت تعد إلى 8. افعل ذلك لدقيقتين على الأقل.

سيؤدي أخذ بضع دقائق لإبطاء الزفير وإطالة مدته إلى تنشيط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، وهو جزء من الجهاز العصبي اللاإرادي يساعد الجسم على الاسترخاء والهضم، وهو عكس نظام "الكر والفر" الذي يهيئ الجسم للقتال أو الفرار من تهديد محتمل. نتيجة لذلك، ستهدأ بسرعة.

كوّن علاقات بلحظات قصيرة من اللطف

هل لاحظت من قبل كيف يجعلك التفاعل مع البعض تشعر بالاستنزاف والإرهاق والإحباط؟ في المقابل تشعر بالأمل والتفاؤل والنشاط بعد التفاعل مع البعض الآخر؟

ما هو الفرق؟ في الحالة الثانية، على الأرجح كنت تتعامل مع ما ندعوه "المحفّز الإيجابي"، وهو شخص يتمتع بذكاء عاطفي عالٍ ويدرك أهمية لحظات التشجيع الصغيرة التي تُشعِرك بالتحسن. لقد أثبتت الدراسات أن لهؤلاء الأشخاص تأثيراً إيجابياً في رفاهتنا، وهم قادرون أيضاً على خلق بيئة عالية الإنتاجية في المؤسسات.

يمكنك أن تصقل مهاراتك لتكون محفزاً إيجابياً (ففي النهاية، القدرة على التواصل مع الآخرين بطريقة إيجابية وفعالة جانبٌ أساسي من الذكاء العاطفي) من خلال استغلال اللحظات الصغيرة لرفع معنويات الآخرين. لا يتعلق الأمر بأن تكون مفرط التفاؤل أو تتصنع السعادة، فذلك يُعد إيجابية سامّة.

يدرك الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفي عالٍ كيف يخلقون الإيجابية بطريقة تستند إلى القيم، إذ يفعلون ذلك بالتواضع والتعاطف والرحمة والصدق والنزاهة والتسامح. ما هو شعورك عندما تكون محاطاً بأشخاص يجسّدون هذه القيم؟ بالطبع، تشعر بالأمان والاحترام والتقدير والامتنان والتفهم.

حاول أن ترى كل لقاء فرصة لرفع معنويات الآخرين. لا يستغرق الأمر سوى أقل من دقيقة لمشاركة مجاملة أو مزحة أو كلمة لطيفة أو حتى ابتسامة. تظهر الأبحاث أنك لن تجعل الشخص الآخر يشعر بتحسن فحسب، بل ستشعر أنت أيضاً بتحسن ما دامت كلماتك وأفعالك صادقة.

يمكن أن تكون هذه التمارين الثلاثة مفيدة في الوقت الفعلي، لكن يمكنك أيضاً تدريب نفسك لتعزيز وعيك الذاتي وذكائك العاطفي والإيجابية من خلال ممارسة التأمل بانتظام. لقد كشف دراسات علم الأعصاب أن التأمل يقوي مناطق الدماغ التي تعزز الضبط والوعي الذاتيين وتنظيم المشاعر، ربما لأنك تخلق مساحة أكبر بينك وبين أفكارك ومشاعرك عند التأمل مقارنة بأنشطة الاسترخاء الأخرى. ونتيجة لذلك، تصبح كلماتك وتصرفاتك أقل تلقائية وتفاعلية وتصبح استجابتك أكثر كفاءة. لا عجب إذاً أن يلجأ العديد من الرؤساء التنفيذيين إلى التأمل.

علاقات العمل مهمة جداً، ومع ذلك نادراً ما نتلقى أي تعليم أو تدريب رسمي حول كيفية التواصل مع الآخرين. تساعدنا تنمية ذكائنا العاطفي، خصوصاً الوعي الذاتي وضبط الذات والعلاقات الإيجابية، على جعل تفاعلاتنا ممتعة وبنّاءة أكثر، وبالإضافة إلى ذلك، تعزز رفاهتنا وقدراتنا القيادية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي