نعلم جميعاً أن القادة العظماء يتمتعون بالمهارة في التواصل، مثل ونستون تشرشل ونيلسون مانديلا وأوبرا وينفري وستيف جوبز. لكن كيف يستطيعون إقناع أتباعهم بما يقولون؟
بما أن لدي خبرة في تدريس التواصل الإداري ومساعدة فرق الشركات الناشئة على تقديم عروض المبيعات وجمع مئات ملايين الدولارات، لاحظت أن إحدى السمات المميزة للمتحدث الفعال هي قدرته على التأثير في الآخرين، ليس من خلال حضوره، ولكن من خلال طريقته في الحديث.
فإتقان اللغة المؤثرة، من حيث انتقاء الكلمات وصياغة العبارات واختيار الموضوعات وأسلوب الحديث، يزيد من فرص نجاح القائد في الأدوار الإدارية بدرجة كبيرة، ويضمن قدرته على توفير الموارد للمشروعات والمبادرات، ويكسبه إعجاب من يتبعونه.
سأسلط الضوء في هذا المقال على 5 تقنيات يمكن تطبيقها لزيادة فعالية أسلوبك في التحدث من خلال إظهار قدرتك على التأثير.
التركيز على التنفيذ
يجب أن يتشاور القائد المؤثر مع الآخرين بشأن القرارات المهمة ويوازن بين الإيجابيات والسلبيات في آراء الآخرين. لكن عندما يتحدث يجب أن يركز على التنفيذ.
على سبيل المثال، لننظر في العبارتين التاليتين:
أسلوب محايد: لدينا خياران: إذا اخترنا الخيار (أ)، فقد نحافظ على سمعتنا لدى العملاء الحاليين. وإذا اخترنا الخيار (ب)، فقد نتمكن من توسيع حصتنا السوقية.
أسلوب مؤثر: في حين أن الخيار (أ) سيساعدنا في الحفاظ على سمعتنا لدى العملاء الحاليين، فإن الخيار (ب) هو الخيار الأنسب لترسيخ مكانتنا وتوسيعها. لنخطط الآن للتنفيذ: أولاً، علينا توظيف طاقم عمل لأداء الأدوار اللازمة، ثم علينا التواصل مع وسائل الإعلام.
تبين الأبحاث أن كلتا العبارتين تعكس الكفاءة نفسها لدى القائد، ولكنها تبين أيضاً أن العبارة الثانية مؤثرة أكثر، وتظهر قدرة أكبر على إدارة الآخرين، وتزيد احتمال اكتساب المكانة.
فكر في الصورة الأشمل
القادة اليوم غارقون في المقاييس؛ إذ يراجعون معدلات الإدماج ومؤشرات الأداء الرئيسية ومخططات التحويل باستمرار. الحقائق التي تكشفها هذه البيانات مفيدة، ولكنها غير ملهمة.
تبين الأبحاث أن الموظفين يرون القائد أكثر تأثيراً عندما يفكر ويتحدث بأسلوب أكثر تجريداً، متجاوزاً البيانات المفصلة بهدف عرض صور أشمل. على سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات أن مؤسسي الشركات الناشئة الذين يصفون مشروعاتهم من خلال التفاصيل الملموسة تقل احتمالات حصولهم على التمويل مقارنة بالذين يستخدمون التوصيفات المجردة.
لنقارن بين رسالة شائعة ملموسة (محايدة) ورسالة مجردة (مؤثرة):
الرسالة المحايدة: ازداد الاستبقاء بنسبة 2.5% خلال الربع الحالي؛ أي أن عدد العملاء الإضافيين الذين اكتسبناهم هو 1,250 عميلاً.
الرسالة المؤثرة: ازداد عدد العملاء الذين اختاروا الاستمرار في الاستفادة من منتجاتنا وخدماتنا. لا يتعلق ذلك بالنمو فحسب، بل بالثقة. إذا استفدنا من هذا الزخم، يمكننا تحويل المستخدمين الراضين إلى مناصرين دائمين.
تفيد البيانات غرض الإحاطة، لكن التجريد يرفع شأن المؤسسة؛ لهذا ننظر لأصحاب الرؤى على أنهم قادة عظماء. عندما تتحدث، سواء ذكرت البيانات أم لا، يتولد تأثيرك من تقديم منظور أوسع.
تحمل المسؤولية
قد تشعر برغبة في أن تنسب الفضل بالنجاح إليك وتحميل الآخرين مسؤولية الإخفاق، لكن هذا خطأ. خذ على سبيل المثال، الرئيس التنفيذي لشركة بي بي، توني هايوارد، الذي قرر تحميل شركة ترانس أوشن التي تشغل الحفارة مسؤولية حادثة تسرب النفط في بئر ديب ووتر هورايزون بدلاً من تحمل المسؤولية الكاملة بنفسه، أو الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، دينيس مولينبرغ، الذي انتقد أعمال الصيانة التي أجرتها شركة لايون إير وتدريبات الطيارين التي أجرتها استجابة لأول حادث تحطم طائرة 737 ماكس بدلاً من الاعتراف بوجود عيوب في التصميم. خسر الرئيسان التنفيذيان منصبيهما لاحقاً.
يشير إلقاء اللوم على الآخرين والمراوغة إلى الضعف لأنهما يعبران عن غياب القدرة على التأثير في الموقف؛ فالجهة التي يوجه اللوم إليها هي المؤثرة فعلياً.
من ناحية أخرى، يشير الاعتراف بالفشل إلى التمتع بالقدرة على التأثير؛ فعندما نتحمل المسؤولية نبين أننا قادرون على حل المشكلات والتعامل مع السيناريوهات المستقبلية بفعالية أكبر.
واجهت شركة الأمن السيبراني، كراود سترايك، أزمة في يوليو/تموز 2024 عندما أدى تحديث برمجي معيوب إلى اضطرابات واسعة في مجال تكنولوجيا المعلومات. تحمل الرئيس التنفيذي للشركة، جورج كورتز، المسؤولية قائلاً:
"أود الاعتذار بصدق لكم جميعاً عن الانقطاع الذي حدث اليوم. يتفهم العاملون في كراود سترايك خطورة الموقف وتأثيره. حددنا المشكلة بسرعة وطبقنا حلاً لها".
بين كورتز من خلال تحمله المسؤولية بسرعة وانتقاله إلى اتخاذ الإجراءات التصحيحية أنه قائد مؤثر، وخفف أيضاً شدة العواقب المستقبلية.
تقييم الآخرين
تشير الدراسات إلى أن الأشخاص المؤثرين لا يهدفون بالضرورة إلى إثارة إعجاب الآخرين، بل إلى تقييمهم.
في مجال الأعمال، الشخص الأكثر تأثيراً هو الذي يقيم الشخص الأقل تأثيراً. تقيم وكالات التوظيف المرشحين، ويقيم المشتري البائعين، ويفحص أصحاب رؤوس الأموال الشركات الناشئة.
يطرح الطرف الذي يشعر بالقوة في المفاوضات المزيد من الأسئلة ليتحقق من أن الطرف الآخر مفيد له، وفي المقابل، يسعى الطرف صاحب الموقف الأضعف إلى إثبات نفسه؛ إثبات الذات هو سلوك الطرف الأقل قدرة على التأثير.
لكن كل طرف في أي نقاش يستطيع تقييم الآخر. قد يقيم المرشح ذو المهارة العالية وكالات التوظيف للتحقق من ملاءمة الدور له، كما يمكن أن يكون البائع انتقائياً بشأن العملاء الذين يريد العمل معهم؛ مثل شركات غلف ستريم وفيد شب التي تفحص المشترين قبل بيع الطائرات واليخوت الفاخرة لهم.
يمكنك إبراز قدرتك على التأثير من خلال طرح الأسئلة على نظرائك في المحادثة أو جمهورك. على سبيل المثال، قد يجيب مرشح لمنصب مدير تنفيذي في مقابلة العمل عن بعض الأسئلة لإثبات قيمته للمؤسسة، ثم يقلب الموازين من خلال طرح بعض الاستفسارات مثل:
كيف تدعم القيادة الابتكار في هذه المؤسسة؟ ما هي الرؤية الطويلة المدى لهذا الدور؟
وقد تسأل شركة ناشئة واعدة أحد أصحاب رؤوس الأموال المغامرة ما يلي:
ما هي إنجازاتك في مساعدة الشركات على التوسع؟ كيف تضيف قيمة تتجاوز رأس المال؟
تبين الأسئلة التي تقيم الطرف الآخر أنك واثق من نفسك وقادر على التحكم بخياراتك، ما يوازن آليات توزع السلطة.
الفضول قوة مهمة؛ ولكن الهدف ليس التغطرس أو الهيمنة، بل إبراز التزامك بأهدافك الخاصة من خلال طرح الأسئلة.
توجيه الانتباه
الاجتماعات هي المكان العام الذي يبين منزلة الأشخاص ويتنافس فيه الناس على المكانة؛ يحدد سلوكك الانطباع الذي يأخذه فريقك عنك، قد تعتقد أن أفضل طريقة للتميز هي إضافة وجهات نظرك وقيمتك الشخصية، ولكن هذا ليس صحيحاً تماماً.
فالشخص القادر على التأثير لا يحرص على إبراز نفسه، بل يحدد ما يجب إبرازه خلال الحوار؛ أي يوجه الاجتماع من خلال وضع جدول الأعمال وإدارة المناقشات وتحويل الأفكار إلى واقع عملي.
على سبيل المثال، قد تفتتح أحد اجتماعات الاستراتيجية بقول:
"لنبدأ بمراجعة أداء الربع الماضي لتحديد السياق المناسب، ثم ننتقل إلى التحديات والفرص الرئيسية حتى نتمكن من وضع خطة عمل واضحة بحلول نهاية الاجتماع.
في أثناء الاجتماع، يمكنك طرح أسئلة استكشافية تشجع الجميع على المشاركة بآرائهم على نحو هادف، مثل:
إذا اضطررنا لاتخاذ هذا القرار اليوم، فبماذا يوصي كل منكم؟
دع الآخرين يتحاورون ثم اجمع آراءهم لتشكيل خطة حاسمة. هدف الموجه هنا ليس التحدث أكثر من غيره، بل التحكم في مسار النقاش أكثر من غيره. يمكنك فعل ذلك من خلال التركيز على الصورة الأشمل وطرح الأسئلة وتحويل آراء الآخرين إلى إجراءات فعلية.
تظهر قدرتك على التأثير في حديثك؛ تبين الأبحاث أن الموظفين يرون القادة الذين يستخدمون هذه التقنيات أكثر قدرة على التأثير والإقناع.