ملخص: إن طرح القادة للأسئلة الملهمة والمؤثرة خاصة في أوقات الأزمات أمر لا بد منه. ويجب طرحها بشكل جيد؛ إذ يمكن أن يساعد ذلك في حل المشكلات المستعصية والتواصل مع الآخرين وكسب ثقتهم. وأيضاً يجب أن تكون هذه الأسئلة واسعة النطاق، مثل: ما هي الفرص الجديدة التي ظهرت ولا ينبغي إهدارها؟ وكيف يمكننا استخدام تقنيات جديدة لتغيير نموذج عملنا؟ وينبغي لك أيضاً إشراك الآخرين، مثل الموظفين وأصحاب المصلحة وحتى العملاء، في الإجابة عن هذه الأسئلة. القيام بذلك لن يساعدك في الحصول على إجابات أفضل فحسب، ولكنه يمكن أن يساعدك أيضاً في تغيير ثقافة مؤسستك.
يحتاج القادة اليوم إلى إعادة النظر في مهارة عادة ما يغفلون عنها، وهي مهارة طرح الأسئلة. من خلال عملي لمدة 40 عاماً بوصفي مسؤولاً تنفيذياً ومستشاراً في وادي السيليكون، كنت كثيراً ما أرى القادة يفترضون أن الموظفين يعتمدون عليهم للحصول على تأكيدات أو تصريحات قوية تبني ثقة الموظفين في كفاءاتهم. ولكن في الواقع هذا النهج يوهن الثقة، خاصة في الأوقات التي يشوبها الغموض بشكل واضح. هل تعتقد أن لديك إجابات عن جميع الأسئلة المهمة؟ إذا أجبت بنعم فأنت إما تجهل مدى السرعة التي يتغير بها العالم وإما تكذب. وفي الحالتين لن تتمكن من بناء الثقة التي تسعى إلى بنائها.
بدلاً من ذلك، ينبغي للقادة طرح أسئلة مؤثرة وملهمة توحي بأنهم لا يعرفون إجاباتها والتماس مساعدة الآخرين لمعرفتها. عادة ما يشعر القادة الذين أتحدث معهم بالتوتر إزاء اتباع هذا النهج، ويتساءلون: ألن يُنظر إلينا على أننا لا نعرف ما يتعين علينا فعله؟ ولكن ما يحدث هو نقيض ذلك، فقد بينت البحوث أن إظهار الضعف وطلب المساعدة هي أمور تبعث برسالة قوية إلى الآخرين بأنك تثق بهم وبالتالي من المرجح أن تصبح محل ثقتهم. في الواقع، إذا تعلمت كيفية طرح الأسئلة بطريقة جيدة، فهذا يمكن أن يساعدك في التواصل مع الآخرين. فالتفكير الجماعي يمكن أن يساعدك على حل المشكلات المستعصية وإطلاق العنان للأفكار الإبداعية.
اطرح أسئلة مهمة
للتوضيح: لا أقصد أنه ينبغي لك طرح أسئلة مربكة يمكن أن تضع الآخرين في موقف محرج، مثل "كيف يمكنك تحقيق إنتاجية أعلى بنسبة 10%؟" أو "هل تفتقد أي شيء هنا؟". فالأسئلة التي يحتاج القادة إلى طرحها هي تلك الأسئلة التي تدعو الأشخاص للاجتماع والتعاون معاً لاستكشاف فرص جديدة وكبيرة لم تتوصل إليها مؤسستك بعد. فيما يلي بعض الأمثلة:
- ما هي الفرصة التي يمكن أن تُحدث تغييراً جذرياً وتخلق قيمة أكبر بكثير من القيمة التي حققناها في الماضي؟
- ما هي الاحتياجات الناشئة غير الملباة لعملائنا التي يمكن أن توفر الأساس اللازم لعمل جديد بالكامل؟
- كيف يمكننا الاستفادة من موارد الأطراف الثالثة لتلبية مجموعة أكبر من احتياجات عملائنا؟
- كيف يمكننا الانتقال من المنتجات والخدمات النمطية المتوفرة في السوق الشاملة إلى تخصيص منتجاتنا وخدماتنا وفقاً للاحتياجات المحددة لكل عميل؟
- كيف يمكننا تطوير شبكات التوريد بحيث تصبح أكثر مرونة في الاستجابة للأعطال غير المتوقعة في الإنتاج أو الخدمات اللوجستية؟
- كيف يمكننا تسخير تكنولوجيا الاستشعار لتسليط الضوء على الكيفية التي يستخدم بها العملاء منتجاتنا والاستفادة من هذه المعلومات في تقديم قيمة أكبر وتوطيد ثقتهم بنا؟
تركيز أسئلتك على هذا النوع من الفرص الجديدة والكبيرة، بدلاً من التركيز على الأنشطة الحالية للمؤسسة، يمكن أن يساعدك في التغلب على خوفك من أن يُنظر إلى أسئلتك على أنها دليل على ضعفك، بما أنه ليس من الممكن أن يتوقع الآخرون أنك تعرف الإجابات.
وأيضاً تشير هذه الأسئلة الأوسع نطاقاً إلى أنك طموح وترغب في نقل المؤسسة إلى مكانة أعلى. ويمكنك تعزيز مصداقيتك من خلال تقديم دليل على التوجهات طويلة الأجل التي تستند إليها في أسئلتك، على سبيل المثال التقنيات الناشئة التي من المحتمل أن توفر فرصاً جديدة أو التحولات الديموغرافية التي ستخلق بعض الاحتياجات المهمة غير الملباة للعملاء.
أشرِك الآخرين
هذه الأسئلة تدعو أيضاً إلى التعاون، ولتحقيق أقصى استفادة منها، لا تطرحها في الاجتماعات المغلقة للقادة، بل اجعلها على صعيد المؤسسة وحتى خارج نطاقها. إذ إن الأمر لا يتعلق بتوجيه أسئلة إلى موظفيك فحسب، ولكنه يتعلق بتواصل علامتك التجارية مع المستهلكين للتعلم منهم. والتواصل خارج نطاق المؤسسات بهدف التعرف على مجموعة أوسع نطاقاً من الخبرات ووجهات النظر سيساعد الشركة على التعلم بشكل أسرع.
تُعد شركة "دومينوز بيتزا" (Domino’s Pizza) مثالاً على ذلك. منذ حوالي 10 سنوات علمت الشركة أن العملاء لا يحبون البيتزا التي تقدمها. قد تحاول العديد من المؤسسات إخفاء هذه المعلومة أو حل المشكلة بشكل سري، ولكن "دومينوز بيتزا" فعلت شيئاً مختلفاً. فقد نشرت الملاحظات والتقييمات التي تلقتها من العملاء وطلبت منهم تقديم اقتراحات حول الكيفية التي يمكنها بها تحسين جودة البيتزا. وقد أدى هذا السؤال المفتوح إلى تقديم سيل من الاقتراحات التي كانت مفيدة للغاية في تحسين جودة البيتزا.
ولكن بخلاف نجاح هذا الابتكار المفتوح، كان التأثير أكثر عمقاً؛ ويرجع ذلك في اعتقادي إلى إظهار الشركة لضعفها والتعبير عنه، ما ساعدها على بناء الثقة مع العملاء. في هذا المثال كانت الشركة مستعدة للاعتراف بأنها تواجه مشكلة وطلب المساعدة لمعالجة هذه المشكلة. وإذا كان الكثير من المؤسسات على استعداد لطلب المساعدة من عملائها وأصحاب المصلحة الآخرين عندما تواجه مشكلة، فمن المحتمل أن تنجح بشكل أكبر في إعادة بناء الثقة.
غيّر ثقافتك
يمكن أن تزداد حدة القلق في الأوقات المتقلبة، ولكن بطرح هذا النوع من الأسئلة يمكنك مساعدة الأشخاص في التغلب على بعض مخاوفهم. من المعروف جيداً في مجال علم النفس أن التعاون مع الآخرين يمكن أن يقلل من الشعور بالقلق، وهذه هي الفكرة من وراء العلاج الجماعي. كما أن إحداث أثر حقيقي يمكن أن يساعد في التغلب على الشعور بالارتباك والإرهاق. ولذلك يمكن لأسئلتك أن تساعد الأشخاص في التركيز على الإجراءات قصيرة الأجل التي يمكنهم اتخاذها معاً وتطمئنهم في أوقات الأزمات.
عندما تطرح أسئلة بوصفك قائداً، فأنت بذلك تعبر عن أهمية طرح الأسئلة. وبالتالي ستشجع الأشخاص على تحديد الفرص الجديدة وطلب المساعدة عندما يحتاجون إليها. إذ إن هذه السلوكيات تفضي إلى غرس ثقافة التعلم، وهو أمر بالغ الأهمية لأن المؤسسات التي ستزدهر في المستقبل هي تلك التي تشجع الجميع على التعلم بشكل أسرع وتزيد من القيمة التي تقدمها لأصحاب المصلحة.
وهذا سيحدث خاصة إذا كنت تشجع على الاستكشاف الذي يمكن أن يقدم رؤى جديدة تستنير بها الإجابات المحتملة عن أسئلتك، بدلاً من توقُّع الحصول على إجابات كاملة وعدم القبول بما هو أقل من ذلك. فالاستكشاف سيشجع الأشخاص على اتخاذ خطوات صغيرة مبدئياً، ما سيساعد على زيادة حماسهم تجاه الإجابة عن الأسئلة لأنهم يرون تقدماً مع كل إجابة. وعندما تبدأ الإجابات في الظهور (نتيجة للتجربة أو البحث، على سبيل المثال)، شاركها معهم حتى إن لم تكن مبتكَرة. فهذه الإجابات ستساهم في غرس ثقافة التعلم، وأن تُظهر لأصحاب المصلحة أن أسئلتك أسفرت عن رؤى جديدة، ما سيزيد من ثقتهم بأساليبك.
القادة الذين يطرحون أسئلة مؤثرة وملهمة ينجحون بشكل كبير في اغتنام الفرص الجديدة ومواجهة التحديات غير المتوقعة، ويبنون ثقافات تحقق فوائد جمة في المستقبل.