ملخص: القادة الناجحون معروفون بأنهم متعلمون مهرة، لكن يمكن أن يكون لعقلية التعلم جانب سلبي أيضاً. فإذا لم تجرِ إدارتها بحكمة، فقد ينظر الآخرون إلى القائد على أنه يفتقر إلى الفعالية والخبرة والكفاءة. يجب أن تكون عقلية التعلم لدى القائد المحفز لنموه الشخصي وتطوره، لا سبباً لتشكيك الآخرين في قدراته القيادية. لضمان أن ينظر الآخرون إلى عقليتك الفضولية على أنها أحد الأصول، يجب ألا تظهر على أنها مجرد رغبة في التعلم فحسب، بل وسيلة أيضاً لاكتساب المعرفة وإضافة القيمة والتواصل بفعالية واتخاذ القرارات بسرعة. يقدم المؤلف 5 استراتيجيات لضمان توافق تصور أصحاب المصلحة لك مع ما تريد أن تظهر عليه.
حضر بول، وهو مسؤول تنفيذي رفيع المستوى في شركة تكنولوجيا وأستاذ جامعي سابق وخبير في مجاله، مؤتمراً تجارياً مرموقاً. كان يفتخر بعقلية التعلم ويشعر بالأمان بين كبار خبراء القطاع. شارك بحماس في الاجتماع، فطرح أسئلة حول أحدث الاتجاهات والتكنولوجيات لتوسيع فهمه والاستفادة من خبرة الأشخاص المحيطين به.
لكن تعليقاً عابراً لأحد الحاضرين خلال الاستراحة فاجأ بول: "أسئلتك رائعة. تذكرني بأيامي الأولى عندما كنت أرى كل تجربة وموقف فرصة للتعلم". كان هذا الشخص يفترض أن بول لا يزال مبتدئاً وليس خبيراً متمرساً.
أثار التعليق لدى بول لحظة من تأمل النفس؛ لقد أدرك أن نهجه، الذي يهدف إلى إبراز انفتاحه ورغبته في التعلم، قد يؤثر سلباً في تصور الآخرين لخبرته وقدراته القيادية. تذكّر تعليقات مشابهة في اجتماعات سابقة، فواجه مفارقة: هل يمكن لعقلية التعلم التي يتمتع بها، على الرغم من أنها تثري معرفته، أن تقلل من مكانته بين نظرائه دون قصد؟
القادة الناجحون معروفون بأنهم متعلمون مهرة، لكن يمكن أن يكون لعقلية التعلم جانب سلبي أيضاً. فإذا لم تجرِ إدارتها بحكمة، فقد ينظر الآخرون إلى القائد على أنه يفتقر إلى الفعالية والخبرة والكفاءة.
أكدت نتائج تقييم الأداء بطريقة 360 درجة لبول ما كان يخشاه، إذ أظهرت أن عقلية التعلم لديه خلقت انطباعاً عنه بأنه متردد وعدواني على نحو سلبي وأقل كفاءة، على الرغم من حسن نواياه. عندما سألت أصحاب المصلحة عن رأيهم بسلوكه، كانت الإجابة بالإجماع: إنه يطرح الكثير من الأسئلة.
إذاً، كيف تحافظ على عقلية التعلم دون أن تعوق نموك وتشوه نظرة الآخرين إليك؟
العواقب غير المقصودة لعقلية التعلم
مثل بول، يجهل العديد من القادة الذين يتمتعون بعقلية تعلّم راسخة الإشارات التي يرسلها طرحهم المتكرر للأسئلة. فيما يلي 3 طرق قد يفسر بها أصحاب المصلحة سلوكك الفضولي في التعلم:
1. تراجع الفعالية
يتوقع الآخرون أن يعزز القادة الفعالون التعاون والإنتاجية داخل فرقهم. إذا بدا نهج التعلم الذي يتبعه القائد متعالياً أو فضولياً جداً، فسيعتقد الآخرون أنه يفتقر إلى الفعالية. يمكن أن يؤدي استمرار القائد في طرح الأسئلة أيضاً إلى جعل أعضاء الفريق يشعرون بأنه يدقق في تصرفاتهم ويحكم عليهم، ما يدفعهم إلى اتخاذ موقف دفاعي بدلاً من الانفتاح والتعاون، الأمر الذي ينعكس سلباً في نهاية المطاف على الابتكار والعمل التعاوني.
2. تقويض الخبرة
يجب على القادة إبراز ثقتهم بأنفسهم وإظهار خبرتهم للحفاظ على مكانتهم في مجال تخصصهم. في الثقافات المؤسسية حيث ترتبط الثقة بامتلاك الإجابات كلها، يمكن أن يعتقد الآخرون أن أسئلة القائد المستمرة مؤشر على ضعف ثقته بخبرته.
في حالة بول، ولدت جهوده الحسنة النية للتعلم واكتساب الرؤى من خلال طرح الأسئلة دون توضيح الأسباب أو الهدف منها انطباعاً بأنه يفتقر إلى الخبرة. كان بول يميل إلى طرح أسئلة عامة جداً (على سبيل المثال: "ما هي الاتجاهات الحالية في قطاعنا؟" أو "كيف ترى تطور منتجاتنا؟") دون شرح أسباب طرحها أو ربطها بتحدٍّ أو فرصة محددة، فافتقرت أسئلته إلى العمق الذي يمنح القائد المصداقية والاحترام.
3. تراجع الكفاءة
يجب على القادة الفعالين موازنة التعلم مع اتخاذ الإجراءات الحاسمة للحفاظ على الكفاءة، إذ قد ينظر الآخرون إلى سلوك طرح الأسئلة المتكرر والبحث عن معلومات إضافية على أنه تردد وتأخير في اتخاذ القرار، وقد تؤدي محاولة فهم الجوانب كلها وتعلمها إلى الشلل التحليلي، ما يؤثر سلباً في الكفاءة والتقدم الوظيفي على حد سواء.
كيف تغير تصور الآخرين عن عقلية التعلم لديك؟
يجب أن تكون عقلية التعلم لدى القائد المحفز لنموه الشخصي وتطوره، لا سبباً لتشكيك الآخرين في قدراته القيادية. لضمان أن ينظر الآخرون إلى عقليتك الفضولية على أنها أحد الأصول، يجب ألا تظهر على أنها مجرد رغبة في التعلم فحسب، بل وسيلة أيضاً لاكتساب المعرفة وإضافة القيمة والتواصل بفعالية واتخاذ القرارات بسرعة.
فيما يلي 5 استراتيجيات لضمان مواءمة تصور أصحاب المصلحة لك مع نواياك.
وضّح الغرض والسياق
يمكن أن يساعد توفير سياق لأسئلتك ومشاركة أهدافك التعليمية على تجنب سوء الفهم. المفتاح للتعامل مع تحدي عقلية التعلّم هذا هو التواصل الاستراتيجي والواضح. فقبل طرح الأسئلة في الاجتماعات أو المناقشات، اشرح بإيجاز الأساس المنطقي الذي تستند إليه وما تأمل تحقيقه من طرحها لجعلها تبدو هادفة واستراتيجية.
بدلاً من: طرح الأسئلة دون سياق، وإتاحة الفرصة لأصحاب المصلحة للتشكيك في نواياك واتخاذ موقف دفاعي.
جرّب: الإفصاح عن هدفك من السؤال وتقديم سياق له. قل مثلاً: "أطرح هذا السؤال لمعرفة كيف يمكنني مواءمة إجراءاتي مع إجراءاتك وضمان أخذ وجهة نظرك بالاعتبار".
ادمج التعلم في التنفيذ
يربط القادة الفعالون المهارات والمعرفة الجديدة مباشرة بتحقيق النتائج. يجب أن توازن بين السعي وراء المعرفة وضرورة العمل. من خلال ربط ما تتعلمه بعمل معين يؤديه فريقك، فإنك تضيف عمقاً لإسهاماتك وتغرس شعوراً بالثقة في قدرتك على تحقيق النتائج.
بدلاً من: مناقشة المعرفة والمهارات الجديدة على نطاق واسع مع فريقك، الأمر الذي قد يسبب ارتباكاً حول إذا ما كان يجب على فريقك استخدامها وكيفية تطبيقها.
جرّب: التركيز على جوانب محددة من معرفتك أو مهاراتك الجديدة ذات الصلة المباشرة بنجاح المشروع. على سبيل المثال، شارك في اجتماعات الفريق الأفكار المستقاة من تعلمك، التي تؤثر مباشرة في الخطوات التالية للمشروع، مع التركيز على كيفية تبسيط هذه المعرفة الجديدة للتنفيذ واتخاذ القرارات.
أظهر خبرتك بثقة
تؤثر طريقة طرحك للأسئلة إلى حد كبير في كيفية تصور الآخرين لمعرفتك، فصياغة أسئلتك بطريقة تعكس معرفتك تشير إلى ثقتك بخبرتك. لذلك صِغ أسئلتك بعناية بحيث تظهر معرفتك للآخرين بوضوح وتساعدهم على فهم رؤيتك والاستفادة منها. وبذلك لا تُظهر خبرتك فحسب، بل ستشجع الآخرين على المشاركة والتعاون الهادفين أيضاً.
بدلاً من: طرح أسئلة بسيطة مثل: "كيف ترى تطور هذا الموضوع خلال العام المقبل؟" أو التقليل من خبرتك من خلال البدء بالقول: "قد يكون هذا سؤالاً بسيطاً، ولكن".
جرّب: طرح السؤال بطريقة تبرز فهمك العميق للموضوع وتضيف قيمة إلى المناقشة. قل مثلاً: "بالنظر إلى الاتجاهين 'أ' و'ب' في هذا المجال، كيف ترى تطوره خلال العام المقبل؟".
كن حازماً
لإقناع أصحاب المصلحة بكفاءتك وقدراتك القيادية، من الضروري إظهار الثقة في معرفتك وحزمك في اتخاذ إجراءاتك مع إبراز عقليتك المنفتحة وأسلوب قيادتك الشمولي. بعد التماس الآراء واستكشاف الخيارات، حدد لنفسك موعداً نهائياً لاتخاذ إجراء دون تأخير. اشرح كيف توصلت إلى قراراتك وأسبابها لتأكيد قيادتك وحزمك، مع استمرار تقديرك للتعلم وآراء الآخرين.
بدلاً من: الاستمرار في طلب المزيد من الآراء وتأخير القرارات، ما يجعل الفريق يشعر بعدم اليقين ويشكك في حزمك.
جرب: الاستماع لآراء أعضاء الفريق وتحديد موعد نهائي لنفسك لاتخاذ القرار. قل مثلاً: "سأراجع ملاحظاتكم كلها وأتخذ قراراً نهائياً بحلول يوم الجمعة". ثم قرر بوضوح استراتيجية التنفيذ واشرح طريقة تفكيرك: "بعد تقييم الخيارات المختلفة ومراجعة ملاحظاتكم القيّمة، سنمضي قدماً في الاستراتيجية 'أ' لأنها تتوافق على نحو أفضل مع أهدافنا ومواردنا. وسننفذها على النحو التالي". يوضح هذا النهج حزمك وثقتك بنفسك، ويعزز الثقة والوضوح داخل الفريق.
عزز ثقافة التعلم المشترك
عزز بيئة تقدّر التعلم بصفته مسعى جماعياً وليس شخصياً. يمكن لهذا النهج أن يخفف من الانطباع بأنك تبالغ بطموحك أو تنافس زملاءك ويحفز العمل التعاوني.
شجّع جلسات التعلم الجماعي حيث تجري مشاركة المعرفة والرؤى بانفتاح. اعترف بالإسهامات في تعلم الفريق وكافئ مَن يقدمها، ووضح أن النمو الفردي لكل شخص يحظى بالتقدير ويفيد المجموعة.
بدلاً من: طرح أسئلة التعلم خلال الاجتماعات العادية، التي يمكن أن تزعزع سير الاجتماع وتركيزه وتضع أعضاء الفريق في موقف دفاعي أو تدفعهم للتشكيك في مدى استعدادك للاجتماع.
جرّب: تقديم جلسة تعلّم شهرية حيث يجري تشجيع أعضاء الفريق على تقديم شيء جديد تعلموه، سواء كان مرتبطاً أو غير مرتبط بمشاريعهم الحالية. ابدأ أنت الجلسة الأولى. قل مثلاً: "لقد استكشفت مؤخراً كيف يمكن لـ 'أ' تحسين سير العمل، وهو أمر قد يبدو تنفيذه شاقاً في البداية، ولكن إليكم كيفية تطبيقه عملياً". تعزز هذه الطريقة جواً داعماً للتعلم والمشاركة يقوي تماسك الفريق والروح التعاونية.
لا يمكن إنكار أن عقلية التعلم سمة قيّمة لجانبي النمو الشخصي والمهني. مع ذلك، يمكن أن يكون لها جانب سلبي مثلما رأينا. إذا بالغنا في استخدام مواطن قوتنا، فستصبح عبئاً. من خلال توضيح الأسباب الكامنة وراء رغبتك في التعلم، يمكنك تغيير نظرة الآخرين إلى موطن قوتك الأهم في قيادتك. تذكّر أن النجاح لا يعتمد فقط على مقدار المعرفة، بل على القدرة على اكتسابها بسرعة وتطبيقها أيضاً. من المهم اتباع نهج يوازن بين التعلم والتنفيذ لتضمن أن رغبتك في اكتساب المعرفة تعزز قيادتك وتقودك إلى النجاح.