ملخص: يكثر وجود منتهكي الحدود في مختلف مناحي الحياة، بداية من المدير الذي يطلب منك إصلاح شرائح العرض التقديمي التي أفسدها أحد الزملاء (وإضافة 3 شرائح جديدة بالمرة) وصولاً إلى طفلك البالغ من العمر 10 سنوات الذي يطلب "5 دقائق إضافية" بعد انتهاء الوقت المحدد لاستخدام الكمبيوتر لكي ينهي لعبة الفيديو التي بدأها للتو، حتى إنه يخيل لك أنك تقول "لا" طوال اليوم. وتستعرض مؤلفة هذه المقالة عدداً من السيناريوهات ونماذج من الأساليب اللغوية التي تساعدك على وضع الحدود وحمايتها، أياً كان من يحاول دفعك للقيام بأكثر مما اتفقت عليه.
يسهل العثور على منتهكي الحدود في العمل، ومن أمثلتهم المدير الذي يطلب منك العمل في عطلة نهاية الأسبوع على الرغم من ارتباطك بحفل زفاف عائلي أو العميل الذي يطلب إلقاء عرضين تقديميين إضافيين أمام فريق الإدارة العليا بخلاف ما اتفقتما عليه، أو رئيس الفريق الذي يكلفك بعمل أكثر من زملائك.
ولا يقتصر وجود منتهكي الحدود على عالم العمل فقط، إذ تشمل قائمتهم أيضاً طفلك الماكر صاحب السنوات الأربع الذي يقول محتجاً: "لكن أبي قال إنه يمكنني الحصول على كعكة أخرى!" أو ابنك المراهق البالغ من العمر 17 عاماً الذي يعد 3 من أصدقائه باصطحابهم بسيارتك إلى السينما دون أن يستأذنك حتى في استعارتها، أو شريك حياتك الذي يترك لك إفراغ غسالة الأطباق حتى بعد اتفاقكما على التناوب على إفراغها، وكان دورك بالأمس.
كيف أضع حداً لمنتهكي الحدود؟
ويعتمد منتهكو الحدود على قوتهم وصلاحياتهم وسلبيتك للحصول على ما يريدون. وبمقدورك وحدك صد كل هذه المحاولات عن طريق فهم كيفية وضع الحدود وحمايتها. ويصعب تحديد الحدود الشخصية أو حمايتها في مختلف جوانب حياتنا، حيث لا تنشأ الحدود الشخصية من تلقاء نفسها على عكس القوانين أو الحدود الوطنية، بل عليك أن ترسم معالمها من خلال النقاش والحوار، خاصة إذا لم تكن في موقع قوة. لكن الجميع يخوضون هذه المحادثات الصعبة كل يوم مع عملائهم وزبائنهم وصغارهم، ويوضحون العمل الذي يجب القيام به ويرسمون الحدود ويحمونها. وستسهّل عليك الأساليب التالية إجراء محادثات مقنعة تُرسي الحدود وتحميها:
اتفق مسبقاً
عندما يتفق الجميع مسبقاً على شروط محددة، سيعرفون طبيعة الأهداف النهائية وما هو متوقع منهم، وعادة ما يؤدي ذلك إلى تلافي احتمالات إبداء الاعتراض. فيمكنك أن تقول مثلاً:
- "يجب أن أغادر هذا الاجتماع في تمام الساعة 11:30 ظهراً، لكنني سأتواصل معكم مساء اليوم".
- "أجل، يمكنك أخذ السيارة، ولكن يجب أن تعود قبل الساعة 10:30 حتى أتمكن من اصطحاب أختك للتدريب".
- "حسناً، سأقبل بحصولك دائماً على كعكتين، ولكن لن تحصل على أكثر من هاتين الكعكتين للتحلية".
حينما تضع لنفسك حدوداً واضحة، سيكون بمقدورك الدفاع عنها ضد محاولات توريطك في اجتماع لا نهاية له أو الوقوع تحت وطأة التذمر المستمر للحصول على مزيد من الحلوى. ويمكنك أن تكتفي عندئذ بتذكير الطرف الآخر بالاتفاق المبرم بينكما والتصرف بحزم. "كعكتان فقط للتحلية، هل تذكر؟"
لمّح إلى أوراق اعتمادك
يتطلب وضع الحدود بعض الصلاحيات مهما غابت الرسميات عن هذه الحدود، فحينما تلمّح إلى الخبرة التي تضيفها إلى الموقف الذي تمرون به، فإن هذا سيمنحك قوة إضافية في مفاوضات وضع الحدود، كأن تقول شيئاً على غرار:
- "لقد عملت مع ما لا يقل عن 20 رئيساً تنفيذياً في مواقف مماثلة، وأثق في قدرتي على مساعدتكم".
- "أجل، لقد استخدمت هذا البرنامج من قبل في الكثير من المشاريع، وأثق في قدرتي على الإسهام في الفريق، لكن علينا أن نعرف أولاً كيف سنعيد تحديد مسؤوليات عملي الحالي".
- "أنا المسؤول الأول عن سلامتك بصفتي والدك، ولا أعتقد أنك ستكون بأمان إذا سمحت لك بهذا".
ويمكنك رفع سقف التحدي قليلاً من خلال الإشارة إلى الآخرين الذين يشاركونك الخبرات نفسها:
- "لقد جئتَ إلى القسم المناسب والقادر على حل مشكلتك، فسمعتنا تسبقنا كأفضل الخبراء المختصين في هذا الميدان، لذا إذا نفّذت تعليماتي فسأعيد اتصالك عبر الإنترنت في لمح البصر".
- "يختار الآباء برامج أطفالهم التلفزيونية، وأنا ووالدك نتفق على أن هذا البرنامج لا يناسبك، وبالتالي لن نسمح لك بمشاهدته".
توقع أن تتعرض حدودك للتحدي
كلنا على دراية بمفهوم "تمدد النطاق"، وهو ما يحدث عندما يُطلب منك القيام بأكثر مما تم الاتفاق عليه. ويعرف كل آباء وأمهات الأطفال الذين يبلغون عامين من العمر أن وضع الحدود مدعاة لاختبارها في معظم الأحيان. لذا لا تغضب، بل فكر في الأمر بتأنٍّ وحدد اختيارك: هل أريد أن أستثني هذه المرة أم يستحسن أن ألتزم بالاتفاق المبرم بيننا؟
هناك أوقات يمكنك أن تربح فيها شيئاً نظير تنازلك عن شيء آخر، لكن يجب أن تعيد صياغة صفقة الحدود خلال المحادثة نفسها. فيمكنك أن تقول مثلاً:
- "يسعدني أن أفعل ذلك مجدداً من أجلك هذه المرة. ماذا عن إعارتي اثنين من موظفيك خلال أدائي لهذه المهمة؟ سأعلمهما كل ما أعرفه، ومن ثم سيكونان عوناً لك في المستقبل".
- "أجل، يمكنك الحصول على السيارة طوال يوم السبت إذا كنت ستوصّل أختك وصديقاتها للتدريب. لكنني سأحتاجها يوم السبت التالي".
اطرح أسئلة
اطرح الكثير من الأسئلة التوضيحية قبل أن تقطع على نفسك أي التزام، خاصة إذا كنت غير متأكد من النهج الصحيح. وستساعدك الإجابات على تحديد ما يجب فعله عند أي محاولة للتعدي على حدودك. اطرح أسئلة مفتوحة حتى تتمكن من جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات دون أن يُنظر إليك على أنك شخص سلبي:
- "لنتحدث قليلاً عن مشروعك. قلت إن له أهمية استراتيجية، فكيف هذا؟ هل لديك فكرة عن النتائج التي تريد تحقيقها؟ دعنا نتوصل إلى بعض الخيارات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لفريقك خلال هذه السنة المالية".
- "ما معلوماتك عن الأشخاص الذين نصمم لهم هذا البرنامج الخاص بكيفية إجراء المقابلات؟ هل هم محاورون متمرسون؟ ما مخاوفك بشأن قدرتهم على اختيار الشخص المناسب للوظيفة؟"
- "تريد منا إذن أن نشتري لك هذه الدراجة الجديدة، وهي دراجة مثيرة للاهتمام فعلاً، لكن ما الفارق بينها وبين دراجتك الحالية؟ وما الذي تنوي فعله بدراجتك القديمة؟"
حاول ألا تستخدم كلمة "لا"
ستضطر عاجلاً أم آجلاً إلى استخدام كلمة "لا"، إذا كان الأمر يقتصر على منع طفلك من الركض في الشارع. لكن لا تخش الاختلاف، حتى إذا كنت ستختلف مع أشخاص أقوياء ذوي سلطة. يمكنك إجراء محادثة مقنعة تضع فيها الحدود دون أن تشن حرباً لا داعي لها. ويكمن مفتاح السر في عدم قول "لا" بشكل مباشر. هذه المهارة مفيدة في وضع الحدود مع الحفاظ في الوقت ذاته على قوة العلاقة:
- "يسعدني وفريقي العمل في مشروعك المهم، لكن لا يمكننا البدء قبل 6 أشهر".
- "يؤسفني أنني لن أتمكن من الالتزام بالموعد النهائي يوم الجمعة. لنتحدث عما يمكننا فعله الآن".
فعندما تقول "لا" بشكل غير مباشر، فإن تقديم البدائل سيحافظ على متانة العلاقة ويخفف من حدة الموقف السلبي. وقد أثبت هذا الأسلوب نجاحه في العمل وفي غيره من جوانب الحياة أيضاً:
- "يمكنني خفض كمية العمل المنجز وتسليمه لك يوم السبت المقبل، أو يمكنني إنجازه كله وتسليمه لك بعد أسبوع".
- "يسعدني أن أؤدي هذه المهمة، وأعرف أنك تريدني أن أبدأ فيها على الفور، ولكن لديّ إجازة لمدة أسبوعين مع أسرتي. فهل تريدني أن أبدأ بعد انتهاء إجازتي، أم أبدأ أولاً ثم آخذ الإجازة بعد البدء مباشرة؟".
- "لا يمكن أن ننفق هذا المبلغ من المال على دراجة جديدة هذا الصيف. ومع ذلك، يسعدني أن أفكر معك في كيفية كسبك لبعض المال وبيع الدراجة القديمة. عندها قد نتمكن من الإسهام ببعض المال لمساعدتك على شرائها".
تمنح البدائل الأشخاص الذين يقولون "لا" شعوراً أكبر بالسيطرة. فهي تنم عن عدم حرمان الطرف الآخر من كل شيء، وترسل رسالة قوية مفادها أنك ما زلت ترغب في التعاون معه.
لا تقدم سيلاً من المبررات عندما تقول "لا"
لن يفيدك الإسهاب في شرح مبرراتك في موافقة الطرف الآخر على الحدود التي تضعها لنفسك. إذ يمكن أن يؤدي الإكثار من المعلومات إلى الإسراف في الجدال، وبالتالي تقويض موقفك:
- لا تقولي مثلاً: "لا يمكنني العمل يوم السبت المقبل لأنني سأذهب إلى حفل عيد ميلاد حفيدي الأول"، إلا إذا كنتِ تعلمين أن مديرك شديد التعاطف مع الجدات. قد يجادلك مديرك ويقول لك مستدركاً: "لكن يمكنك الاحتفال بعيد ميلاده العام المقبل"، أو "ستعودين إلى المنزل قبل الساعة 6 مساء، ويمكنك الاحتفال عندئذٍ". ومن ثم تدخلين في جدال يصعب أن تخرجي منه فائزة، لذ يستحسن أن تقولي بدلاً من ذلك: "آسفة، لديّ التزامات أسرية مهمة لا يمكنني تغييرها" وتمسكي بموقفك.
- لا تقولي إنك لن تستطيعي حضور حفل ما لأنه ليس لديك جليسة أطفال، لأن المضيف قد يعرض السماح لأطفالك بالحضور أيضاً. عندئذٍ ستضطرين إلى الاعتذار قائلة: "لكن هذا لن يفلح لأن..." بل قولي بدلاً من ذلك: "كنت أتمنى ذلك، لكننا لا نستطيع"، واتركي الأمر على هذا النحو.
أعد صياغة الاتفاق بعد أي أزمة
تفاجئنا حالات الطوارئ من حين لآخر، فقد تضطر إلى ترك كل ما في يديك لتأخذ ابنتك إلى غرفة الطوارئ إذا أصيبت ساقها بالكسر. وقد تضطر أيضاً إلى العمل ساعات إضافية أكثر مما يتخيله العقل للتأكد من خروج المنتج للنور في الوقت المحدد. لكن يجب أن تعيد صياغة الاتفاق المشترك عند انتهاء حالة الطوارئ. وإذا كان اتفاق الحدود مبنياً على أسس متينة، فسيكون من السهل أن تعيد الوضع إلى سابق عهده من جديد. ولمّح إن استطعت إلى الاتفاق المبرم بينكما خلال الاستجابة لحالة الطوارئ، واحرص دائماً على إبراز الأخبار المهمة في الجملة الأولى، كأن تقول مثلاً:
- "لن ألقي العرض التقديمي هذا المساء. فأنا في طريقي إلى غرفة الطوارئ مع ابنتي. وعندما تستقر حالتها، سأتصل بكم وأرى ما يمكنني فعله لترتيب موعد جديد".
- "لا مشكلة، سأتولى المسؤولية خلال حضورك هذا المؤتمر المهم في دبي، ولكن عندما ترجع لنعد إلى خطتنا المعتادة لتوصيل الأطفال إلى الحضانة واصطحابهم منها".
وإذا تعرض اتفاق الحدود لأي عائق، فلا بد من إعادة صياغته والمضي قدماً:
- "أجل، سأترك كل شيء وأسافر للقاء كبار العملاء المهمين لحل مشاكلهم مع تقنيتنا، لكن دعنا نتفق على أنني سأعود إلى إدارة فريقي الحالي وأضطلع بمسؤولياتي الحالية عند عودتي الشهر المقبل".
- "أجل، يمكنك مشاهدة التلفزيون لمدة أطول خلال إقامتك في منزل الجدة، لكن أعلم أن الجدة لديها قواعدها الخاصة في منزلها، ولدينا قواعدنا الخاصة في منزلنا".
الغريب في الأمر أنك حتى إذا كنت في موقع المسؤولية، فلن يفيدك استغلال صلاحياتك دائماً في وضع الحدود، وهو ما سيخبرك به أي شخص لديه طفل صغير مدرَّب على استخدام المرحاض. فكلما ضغطت بقوة أكبر، زادت المقاومة التي تتلقاها في المقابل. لذا، يستحسن أن تستخدم قوة الإقناع وليس الإلحاح لوضع الحدود بطريقة تعاونية. وكلما أجريت محادثات أكثر لوضع الحدود وفرضها بكل وضوح، زاد احترام الآخرين لها.