قد تكون العودة إلى العمل بعد إجازة طويلة مرهقة ومقلقة بالنسبة لأي شخص، لكن إذا كنت تعاني متلازمة المحتال فستصبح أكثر صعوبة. على غرار المخاوف التي تنتابك في نهاية عطلتك الأسبوعية، قد تثير الإجازة قلقك تجاه المهام القادمة أو مخاوفك الموجودة مسبّقاً حول كفاءتك وقدرتك على أداء مهامك بنجاح. بعد أخذ فترة للراحة واستعادة النشاط، قد تشعر بالقلق والخوف من تراجع مهاراتك وكثرة المهام والمسؤوليات المتراكمة، وأن يجدك الآخرون غير جدير بتولي المنصب الذي تشغله.
إذا كانت إجازتك طويلة جداً، فقد تخشى أن تكتشف الشركة في غيابك أن منصبك ليس مهماً أصلاً فتقرر إلغاءه. تمثّل الأفكار السلبية غالباً جزءاً أساسياً من متلازمة المحتال، التي يعاني منها نحو 70% من الموظفين.
كيف يمكنك منع هذه المشاعر من القضاء على حالة الاسترخاء والهدوء التي وصلت إليها خلال إجازتك؟ إليك بعض الطرق لمواجهة الأفكار السلبية المرتبطة بمتلازمة المحتال والعودة إلى العمل بطريقة مريحة وفعالة:
تجنّب إرهاق نفسك
تنطوي متلازمة المحتال على أفكار خاطئة مصحوبة بضغط عاطفي كبير. إذا كنت ترغب في تخفيف أثر هذه الأفكار والمشاعر السلبية في صحتك وإنتاجيتك، فيمكنك البدء بتقليل مصادر الضغط الأخرى التي ترهقك ذهنياً وعاطفياً.
تتمثل إحدى الطرق لتحقيق ذلك في تخصيص اليوم الأخير من إجازتك للاستعداد للعودة إلى العمل. قد يكون ذلك من خلال التخلي عن يوم واحد من الفترة المخصّصة للراحة والاسترخاء أو تخصيص هذا اليوم للعمل غير المدفوع، ومن خلال تجربتي الشخصية، أرى أن هذه التضحية تستحق العناء. يمكنك الاستفادة من هذا اليوم لإنجاز المهام العاجلة في قائمة مهامك دون القلق بشأن الاجتماعات والمكالمات والمنجزات المطلوبة. عندما تخصّص يوماً لتنظيم بريدك الإلكتروني وفرز الرسائل في صندوق الوارد والتخطيط لكيفية التعامل مع المهام الأسبوعية ومتابعة مشاريعك بهدوء، ستشعر بأنك أكثر استعداداً للتعامل مع المهام التي تنتظرك في الأيام الأولى من العمل.
حدّد أهدافاً قابلة للقياس مسبّقاً
يتسم الذين يعانون متلازمة المحتال بالتركيز على السلبيات وتجاهل الدلائل الواضحة على نجاحاتهم وإنجازاتهم. يمكنك تقليل الأفكار السلبية عند العودة إلى العمل من خلال تسجيل بعض الأهداف والنتائج المرجوة التي ترغب في تحقيقها خلال الأسابيع القليلة المقبلة. سيمنحك تحديد هدف واضح أو إنجاز محدد تسعى لتحقيقه شعوراً أكبر بالسيطرة على وقتك في العمل ويساعدك على العودة إليه بثقة أكبر.
ملاحظة: من المهم تحديد أهداف واقعية، ولا تحاول أن تكون هذه الأهداف جميعها متعلقة بتقديم أداء مذهل واستثنائي يفوق التوقعات. يمكن أن يكون هذا الأمر صعباً بالنسبة للأشخاص القلقين بطبيعتهم الذين يسعون لتحقيق النجاح. تشجع أستاذة علم النفس في "برنامج الدراسات المستمرة" (Continuing Studies Program) بجامعة ستانفورد، مروة عزب، الأشخاص الذين يعانون متلازمة المحتال على تحديد أهداف قابلة للقياس، بالإضافة إلى تحديد معايير واضحة للإنجازات التي يرون أنها جيدة وكافية بدلاً من السعي إلى الكمال الذي قد يكون أمراً غير واقعي. سيساعدك ذلك على تجنب الاحتراق الوظيفي ويسمح لك بتحديد أولويات عملك على نحو أفضل.
يمكن أن يكون اختلاف مستويات التوقعات مفيداً، ولا سيما عندما تعمل على إنجاز مجموعة من المهام التي تراكمت خلال فترة إجازتك. بدلاً من تطبيق معاييرك الدقيقة على المهام جميعها، احرص على تصنيف قائمة مهامك إلى فئات أو أولويات مختلفة. ما هي المهام التي ستركز عليها وتستثمر طاقتك فيها وتنفذها بمستوى عالٍ من الجودة؟ متى يكون الأداء أو الإنجاز مقبولاً أو كافياً؟ ما هي المهام التي يمكن تأجيلها إلى ما بعد انتهاء الضغط الذي يحدث عادة بعد العودة من الإجازة؟
من الجيد أن تناقش هذا الأمر مع مديرك في أول يوم تعود فيه إلى العمل؛ إذ يمكنه مساعدتك في مواءمة أهدافك مع المهام أو المشاريع ذات الأولوية العالية. قد يفاجئك أيضاً بتغيير أولوية المهام فيطلب منك إنجاز بعضها فحسب دون السعي لإنجازها بطريقة مثالية، أو قد يرى أن بعض المهام يمكن تأجيلها للأسبوع المقبل.
إذا كنت تتمتع بعلاقة قوية وقائمة على الثقة والأمان مع مديرك، فقد تقرر أن تشاركه مخاوفك بصراحة وتبوح له بالأفكار السلبية التي تنتابك، والتي تتمثل في التقليل من أهمية نجاحاتك وتضخيم أخطائك. اطلب منه استخدام وقت اجتماعات المراجعة الدورية لمساعدتك على تقييم إنجازاتك بطريقة موضوعية، مع تحديد المجالات التي تحتاج فيها إلى مزيد من التطوير، وتشجيعك على تقدير نفسك.
غيّر طريقة تفكيرك
لا تتوقع التخلص من متلازمة المحتال بسهولة. قد يكون تغيير نظرتك عن نفسك والانتقال من شعورك بعدم كفاءتك إلى الشعور بالثقة بالنفس وبأنك تحقق نجاحات كبيرة أمراً صعباً. بدلاً من ذلك، حاول تحسين طريقة تفكيرك من خلال تغيير بعض الأفكار السلبية عن نفسك، ما يساعدك على تبني نظرة أكثر توازناً حول قيمتك ومدى ملاءمتك لمنصبك وكفاءتك. عندما تشعر بالقلق من عدم استعدادك لأداء مهمة معينة بعد غيابك عن العمل، مثل إلقاء عرض تقديمي، تحدَّ هذه الأفكار السلبية وفكّر في خطوات أو إجراءات يمكنك اتخاذها للتعامل مع هذا الموقف. يغيّر هذا الأسلوب طريقة تفكيرك حول النجاح، فبدلاً من الاعتقاد أن نجاحك يعتمد على صفة أو مهارة معينة تظن أنك لا تمتلكها، ستزداد قناعتك بأن العمل الجاد هو السبيل لتحقيق النجاح.
على نحو مماثل، إذا بدأت بالتركيز على الجوانب السلبية أو تجنب الاعتراف بالنجاح الذي حققته، فحاول أن تمنع ذلك بالإقرار بإنجازاتك ونجاحاتك. تخيّل أن يسير الاجتماع الذي ذكرناه سابقاً بسلاسة؛ إذ يُظهر زميلك تقديره لجهودك من خلال تهنئتك على أدائك الجيد. قد يكون رد فعلك هو البحث عن أسباب تبرر هذا النجاح وتفسّره على أنه مجرد صدفة أو ضربة حظ، لكن حاول أن تتوقف عن هذا التفكير السلبي وشجع نفسك على قبول الثناء والإشادة. خذ وقفة وحاول التفكير في 3 أشياء أحسنت تنفيذها ربما أسهمت في تحقيق هذا النجاح.
ساعد الآخرين في التغلب على متلازمة المحتال
ثمة طريقة أخيرة قد تغيّر مشاعرك ونظرتك تجاه نفسك. تُظهر الأبحاث أن تدريب الآخرين على مواجهة مشكلاتهم والتحديات التي تواجههم وتشجيعهم على أن يعاملوا أنفسهم بلطف يمكن أن ينعكس على طريقة معاملتك لنفسك. عندما تتحدث عن التعاطف واحترام الذات مع شخص آخر، فإن ذلك يسهم في تثبيت هذه الأفكار والقيم في نفسك وتعزيزها.
لذلك، إذا رفض عقلك قبول الأفكار الإيجابية والاعتراف بقيمتك، فحاول أن تجد طرقاً أخرى لتقدير نفسك ومواجهة الأفكار السلبية. من المحتمل أن يشعر العديد من الأشخاص بالقلق وعدم الأمان عند العودة إلى العمل بعد الإجازة.
إذا لاحظت أن شخصاً ما يؤدي عملاً جيداً، فأخبره بذلك وشجّعه، أو بدلاً من انتقاد نفسك أو التقليل من شأن إنجازاتك أمام الآخرين، حاول أن تعبّر عن امتنانك لشخص آخر. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول: "شعرت بالارتباك في بداية الاجتماع ولم أفهم ما حدث في أثناء غيابي"، يمكنك أن تقول: "شكراً لك على صبرك وتوضيح ما حدث خلال فترة غيابي". بهذه الطريقة، أنت تنشر رسالة إيجابية حول قيمة الآخرين وتركز على إيجابياتهم بدلاً من التركيز على سلبياتك، وبالتالي، فإن تعاملك بلطف مع الآخرين يمكن أن يساعدك على أن تكون أكثر لطفاً مع نفسك.
احرص على دمج الرعاية الذاتية في خطتك
أخيراً، حاول تجنب خلق تفاعلات غير صحية من خلال المبالغة في رد فعلك تجاه فكرة أخذ الإجازات. عندما تعود إلى العمل بعد إجازة طويلة، قد ترغب في العمل لساعات إضافية باستمرار، أو أن تعرض تقديم المساعدة في إنجاز مهام إضافية أكثر من المطلوب منك، أو أن تحاول تعويض وقت غيابك عموماً. أولاً، من غير الصحي الشعور بالذنب بسبب أخذ إجازة أو التفكير فيها على أنها فترة يجب تعويضها بعد العودة إلى العمل. ثانياً، تُظهر الأبحاث أن أخذ فترات للراحة والتأمل يسهم في زيادة الإنتاجية والتعاطف والإبداع وتقليل التوتر.
بدلاً من العمل دون توقف حتى موعد إجازتك التالية بعد 6 أشهر، احرص على إنشاء جدول زمني منتظم للعناية بصحتيك البدنية والنفسية لتجنب الشعور بعدم الكفاءة. ما هي الأنشطة المحفّزة التي يمكنك دمجها في جدول أعمالك الأسبوعي؟ هل يمكنك تخصيص وقت لأداء بعض الأنشطة، مثل المشي 10,000 خطوة، أو ممارسة التأمل مدة 10 دقائق يومياً، أو تخصيص 30 دقيقة لتناول الغداء بعيداً عن بيئة المكتب وضغوط العمل؟ هل يمكن أن يساعدك تطوير نفسك من خلال تعلم مهارات جديدة في التغلب على الأفكار السلبية التي تُشعرك بعدم كفاءتك؟ من هم الأشخاص الذين يمكنك قضاء الوقت معهم، والذين سيعززون ثقتك بنفسك وتقديرك لموهبتك وكفاءتك وشعورك بقيمتك واحترامك لذاتك؟ كيف ستخطط لأخذ فترات استراحة قصيرة لضمان سيطرتك على أفكارك ومشاعرك السلبية باستمرار ومنعها من التأثير فيك؟
تسبب متلازمة المحتال الضغط النفسي والإرهاق ويمكن أن تؤدي إلى سلسلة من النتائج السلبية، ويشمل ذلك تراجع الإنتاجية وانخفاض مستوى الرضا الوظيفي، بالإضافة إلى الاحتراق الوظيفي وكذلك الاحتراق العاطفي. إنها عكس ما تتمنى أن تشعر به عند العودة إلى العمل بعد الإجازة. حاول استخدام بعض هذه الأساليب واطلب الدعم من أصدقائك وزملائك لمساعدتك على العودة إلى العمل بثقة أكبر وبحالة نفسية ومشاعر إيجابية أفضل.